هل أراد الشيطان صلب المسيح أم إثناءه عن ذلك؟
البعض يتساءلون
عما إذا كان الشيطان يريد صلب أم المسيح أم يريد أن يثنيه عن ذلك. إذ يظهر من انتهار
الرب لبطرس أن الشيطان يريد تنحيته عن موت الصليب. في حين يُفهم من قول يوحنا أن الشيطان دخل يهوذا
وأن المسيح أخبره بأن يفعل ما هو فاعله بسرعة يدل على أن الشيطان أراد قتل المسيح.
في الحقيقة،
إن المشكلة تكمن في مدى علم الشيطان بتفاصيل خطة الفداء. هل كان الشيطان يعلم كل شئ؟
قطعاً لا، وإلا لكان كلي المعرفة مثل الله. ولكن، ألم يعلم الشيطان النبوات على الأقل؟
صحيح، لكن النبوات تتكلم عن المسيا المتألم، وفي نفس الوقت تتكلم أيضا عنه منتصراً.
والسؤال الذي يثور
هنا: هل استطاع الشيطان أن يميز الفرق بين مجيئي المسيح، الأول كالخادم المتألم، والثاني
كالملك المنتصر؟ لا أعتقد. ولكن على فرض أنه عرف ذلك، هل أمكنه أن يدرك أن المسيا الخادم
المتألم سيموت ميتة اللعنة على الصليب ويباع بثلاثين من الفضة؟
أعتقد إلى حد كبير
أن الشيطان لم يكن يعلم هذه الأشياء. وإن كان يعرف أن المسيا سيأتي وسيدين العالم،
كما نفهم من اعتراف الشياطين "أجئت
إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا". هذا الأمر ظل مستغلق حتى على التلاميذ أنفسهم إلى
وقت القيامة، كما نقرأ أنهم تذكروا أقواله بعد ذلك وفهموها في ضوء القيامة (يو 12
: 16 ، لو 24 : 45).
اليهود أيضا لم
يفهموا الفرق بين المجيئين، بما في ذلك عظمائهم، لهذا يقول بولس "حكمة .. لم يعلمها
أحد من عظماء هذا الدهر، لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1 كو 2 : 8). وأرى
أن الشيطان لا ينبغي أن يستثنى من ذلك. فالفداء ظل سرا مخفياً. بل وحتى بعد أن انفرجت
أحداثه في ساحة التاريخ الإنساني، لم تُعلن تفاصيل ذلك السر سوى بعد القيامة.
تصوري إذاً أن
الشيطان رغم أنه كان يعلم بمجئ المسيح، وبالنبوات، إلا أنه لم يعرف التفاصيل، ولم
يفطن للفرق بين المجيئين، وطريقة وتوقيت تحقق النبوات. وكل ما أراده الشيطان هو إيذاء
المسيح. طبعا إيذائه بأن يثنيه عن مقاصده. ومن ضمن ذلك قتله.
وهنا يثور سؤال
آخر: كيف يمكن أن يحاول الشيطان إيذاء المسيح وهو قد اعترف صراحة أنه "قدوس الله"؟
أعتقد، أن الشيطان كان في حيرة من هوية المسيح. ربما في الحالات التي اسْتُعْلِنَ فيها
مجده، مثل المرات التي واجه فيها الرب يسوع الشياطين ليخرجها، ومثل باقي المعجزات،
وحادثة التجلي، لم يشك الشيطان في هوية المسيح. لكن، كما أتصور، أنه في المرات التي
توارى فيها لاهوته، وهي كثيرة، بل هي الحالة الغالبة، تَحَيَّرَ الشيطان في حقيقة هوية
المسيح. لهذا تجرأ الشيطان على محاولة إيذاء المسيح. لأنه كان في حيرة من أمره.
عندما أعلن لبطرس
وباقي التلاميذ أنه سيصعد ليصلب في أورشليم، أوعز الشيطان لبطرس أن يثنيه عن هذا المقصد.
ظناً من الشيطان أن إثناءه عن مقصده أو مشيئته، أياً كانت، هو انتصار له وهزيمة للمسيح.
لكن يظل المطلب الأساسي للشيطان هو إيذاء المسيح وقتله، لأن يراه كشخص بار يشك في هويته
الحقيقية.
خلاصة القول، أن
مساعي الشيطان متخبطة، وإن كان هدفه واحداً، هو القتل والإيذاء. وإن كان يعلم بعض الأشياء،
إلا أنه لم يكن يعلم كل التفاصيل الدقيقة والتوقيتات المضبوطة والمراحل الحرجة لاستعلان
خطة الفداء السرية عبر مجموعة من الأحداث التاريخية. وإن كان قد اتضح لاهوت المسيح له جلياً في بعض المرات، من
المرجح جداً، في رأيي، أنه كان في حيرة معظم الوقت من هويته وحقيقة لاهوته.
هل أراد الشيطان صلب المسيح أم لم يرد؟
الشيطان أراد إيذاء المسيح والتخلص منه، لهذا أراد قلته. أراد أيضاً إثناءه عن
مقاصده الصالحة عندما أعلن اعتزامه الصعود إلى أورشليم والموت على أيدي رؤساء
الكهنة والشعب، لهذا نراه يوبخ بطرس بشئ من الحدة. لا يبدو لي سلوك الشيطان ذلك تناقضاً
من طرف الكتاب المقدس، لكنه تأكيداً لعدم كونه كلي العلم، يقوم بمحاولات متخبطة لدرجة
التناقض في إيذاء المسيح وتنحيته عن مقاصده، ذلك لأنه كان متحيراً وغير فاهم لخطة
الفداء.
تعليقات
إرسال تعليق