كيف قرأ المصلحون الكتاب المقدس؟




لم يهتم أو يدافع المصلحون فقط عن سلطان كلمة الله في مواجهة سلطان الكنيسة والتقليد، بل أيضًا بالطريقة التي ينبغي أن يُقْرَأ ويُفَسَّر بها الكتاب المقدس. فمن الممكن أن يعترف أحدهم بسلطة الكتاب المقدس لكنه يقوضها بالطريقة التي يقرأه بها من ناحية أخرى. 

كانت هناك طريقة لقراءة الكتاب المقدس سائدة وقت المصلحون تسمى بـ "الكوادريجا" (الكوادريجا كلمة لاتينية تعني عربة تجرها أربعة خيول). والكوادريجا تُعَلِّم بأن للنص الكتابي أربعة معاني مختلفة. وهذه المنهجية موجودة منذ مدرسة الإسكندرية التي تجد جذورها في فيلو اليهودي ثم أوريجانوس وإن كانت بصورة أقل تعقيدًا، إلا أنها أخذت ذلك الشكل النهائي لها في القرون الوسطى. 

كوادريجا القرون الوسطى قالت أن للنص الكتابي أربعة معاني مختلفة: المعنى الحرفي المباشر الصريح، المعنى الأدبي (الأخلاقي) الذي يقدم تعليمات عن السلوك الصحيح، المعنى المجازي الذي يشرح محتوى الإيمان أو العقيدة، ثم أخيرًا المعنى الأناجوجي المتعلق بالخلاص المستقبلي. 

على سبيل المثال، أي نص في الكتاب المقدس يذكر كلمة "أورشليم"، يمكن أن تشير هذه الكلمة فيه إلى أربعة معاني. بالنسبة للمعني الحرفي فأروشليم تعني عاصمة إسرائيل التي يوجد بها المقدس مركز العبادة. بالنسبة للمعني الأدبي أو الأخلاقي يمكن أن تشير إلى النفس الإنسانية أو المؤمن الأمين. من حيث المعنى المجازي يمكن أن تكون أورشليم إشارة إلى الكنيسة أو التعليم الكتابي عنها. وأخيرًا وفيما يتعلق بالمعنى الأناجوجي أورشليم تعني المدينة السماوية التي يسكن فيها الله مع الناس. 

خطورة مثل هذه القراءة أنها تقوض المعنى الطبيعي المباشر والصريح للنص الكتابي. ويصبح هناك دائمًا إمكانية إقحام شيء من خارج النص عليه بحجة أن تلك قراءة مجازية وهذه قراءة أخلاقية إلخ. إن هذه طريقة سهلة لتغيير معنى الخلاص والنصوص القضائية المتعلقة بغضب الله والدينونة والجحيم والتبرير. لهذا كان على المصلحون أن يقدموا المنهج السليم في قراءة الكتاب المقدس. وهو ما يعرف بـ المنهج النحوي التاريخي Historical-grammatical . 

المقصود بالمنهج النحوي التاريخي هو أن النص الكتابي يُقْرَأ ويُفْهَم فقط في ضوء: القواعد النحوية أولاً، مع الأخذ في الاعتبار الأسلوب اللغوي للنص إن كان شعر أو رواية تاريخية أو نبوة أو ناموس أو أمثال. ثم ثانيًا في ضوء السياق التاريخي الذي جاء به النص. هذان هما الحدان الفاصلان اللذان أرساهما المصلحون وعلى أي تفسير ألا يتخطاهما. بهذه المنهجية فقط، يمكن تحصين سولا سكيربتورا، أي حماية النص الكتابي من سوء تفسيره وإقحام معاني خارجية عليه. 

اليوم، وبعد أكثر من خمسة قرون مضت على الإصلاح، لا يزال يتهدد كلمة الله منهجيات خاطئة ومجحفة لقراءتها. والأمثلة على ذلك كثيرة. هناك مَنْ يقول، كالليبراليين، أن أصحاحات تكوين 1 – 11 أسطورية أو شعرية (خرق لمبدأ القواعد النحوية للنص). أو ادعاء أصحاب المنظور المحدث لبولس بأن التبرير لدى بولس يُقْرَأ في ضوء يهودية الهيكل الثاني (خرق لمبدأ السياق التاريخي). أو أنه، طبقًا لحركة التشكيل الروحي، يمكن قراءة الكتاب المقدس بطريقة الـ "ليكتيو ديفينا"، وهو أن تقوم بتكرار كلمة يلمعها لك الروح أثناء قراءتك للكتاب إلى أن تصل إلى حالة اختبارية صوفية معينة من خلال ذلك التكرار (انتهاك صريح للمنهج بمبدأيه النحوي والتاريخي). 

المنهج النحوي التاريخي في قراءة الكتاب المقدس لم يزل المنهج البروتستانتي المصلح كالطريقة الوحيدة للتعامل مع النص الكتابي. يقول القاموس الإنجيلي للاهوت أنه بالمقابلة مع التفسير الرباعي لنصوص الكتاب المقدس بواسطة لاهوتيو القرون الوسطي فإن "لوثر والمصلحون الآخرون أيضًا 'التمسوا المعنى الأبسط .. الحرفي العادي الطبيعي'. والتفسير الحرفي بهذا المعنى يظل البؤرة المركزية للبروتستانت المحافظين".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

سلطان الحل والربط في ضوء الكتاب المقدس