المسيحية والمازوخية

إتهمت إحدي الصفحات الإلحادية المسيحية بأنها تدعو للمازوخية (العنف ضد الذات) كما استنتجوا خطأ من حديث الكتاب المقدس عن الألم مع المسيح وأن ذلك - بحسب فهمهم - يؤهل للدخول إلي الملكوت. وحسب قولهم أيضا فإن المازوخية هي الوجه الآخر للسادية (العنف ضد الآخرين) وكلاهما اضطرابا نفسيا وعلي ذلك ليس المسيحيون سوي مجموعة من المضطربين نفسيا. وقدموا مثالان هزيلان ليس لهما علاقة بالنصوص المقدسة للتأكيد علي ما يقولون بأن شخصين مسيحيين (كل علي حدة) كانا يعذبان جسديهما لإعتقادهما أن ذلك يزيدهما تقوي وقربا من المسيح. فكان ردنا عليهم بالآتي :

عزيزي الملحد إن كلامك لا ينم إلا عن جهل بالمسيحية وفيه محاولة للعب ببعض الألفاظ الضخمة لإبهار أمثالك ممن يعيشون علي فتات المعرفة من هنا وهناك ويظنون أنهم امتلكوا ناصية الفهم بالطبيعة وما وراءها. 

وقبل أن نرد علي اتهامكم الباطل هذا دعوني أسألكم سؤالا؛ أنتم يا معشر الإلحاد تناقضون أنفسكم بمهاجمة من يعذب نفسه ومن يعذب غيره واعتبار ذلك أمر غير طبيعي لأنه وفقا لمنظوركم الطبعاني Naturalism فهذه آليات التطور والإنتخاب الطبيعي، فلماذا إذا تهاجمون إلهكم الطبيعة التي تحابي بعضا علي حساب البعض الآخر؟ فإن كان هناك من يعذبون أنفسهم فلا تستطيعون انكار كون هؤلاء جزءا من الطبيعة التي جعلت كيمياء أدمغتهم تدفعهم للتفكير بهذه الطريقة؟ ولماذا تعتبرون أن الألم شئ غير مستحب وأنتم لستم سوي نتاج تفاعلات كيميائة لذرات مادية مجرده من الإحساس؟ فمن أين جاءكم الإحساس؟ وعلي أي أساس تميزون بين اللذة والألم وكلها من آليات الطبيعة المادية المجردة العمياء؟

أما بالنسبة للرد علي هذا الإتهام الباطل نقول أولا أن المسيحية لا تدعو إلي تعذيب النفس أو الجسد بل لإكرامهم عن طريق الإعتناء بهما ماديا والتعفف عن الشر روحيا. وهذا ما يقوله الكتاب المقدس عن ذلك "فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه".

ثانيا فإن الآلام مع المسيح ليست شرطا للدخول إلي ملكوت السموات بل إن الدخول للملكوت يكون عن طريق الإيمان بالمسيح فقط. أما آلام البعض من أجل المسبح فهو امتياز لا يُعطي للجميع بل لمن يُختاروا لذلك فقط ، كما أن هؤلاء لا يكون لديهم اختيارات في رفض الألم أو قبوله.

ثالثا المسيحية لا تحضنا علي أن نتمني أو نطلب الألم لأنفسنا بل إن صادف وتألمنا أو اضطهدنا من أجل إيماننا بالمسيح فإن هذا يعد بمثابة الآلام معه والتي تؤهلنا لكي نتمجد نفس أمجاده. وذلك لتشجيع ومكافأة من يكابدون الآلام لأجل إيمانهم المسيحي. 

رابعا فإن المسيحية تعرضت للتشويه عن طريق بعض المهرطقين الذين دخلوا خلسة وسط المسيحين وحاولوا زرع بذور فلسفتهم الغنوسية الخبيثة Gnosism فأوهموهم أن الجسد شر وعلينا قمعه لكي نتحرر من الشر ونحصل علي المعرفة الكاملة. ولازلت المسيحية تعاني من آثار تلك الفلسفة الغنوسية التي لا تمت إليها بصلة.

خامسا فإن الكتاب المقدس يتكلم كثيرا بلغة الرمز التي يساء فهمها. علي سبيل المثال فإنه يشير إلي الجسد بإعتباره يمثل الشر الكامن في الإنسان لأنه بواسطة ذلك الجسد المادي تُصنع الشرور. وأستخدم أيضا مصطلح الجسد بإعتباره ذلك الجانب من النفس الذي يمثل الرغبات الدنيوية الأرضية بالمقابلة مع الرغبات الروحية السامية التي تتسم بالتعفف عن الأمور الأرضية الوقتية. 

سادسا الأمثلة التي ذكرتموها لا تعبر إلا عن رأي من تطرفوا بل وانحرفوا في تفسير بعض النصوص الرمزية فنظروا إلي الجسد - الذي كرمته المسيحية - لا بإعتباره تلك الآلة المحايدة التي يمكنها أن تصنع خيرا أو شرا بل كشئ شرير في حد ذاته مثلما نادي الغنوسيون. وهذا الرأي يناقض أفكار التيار المسيحي العام الذي لا يري أن الجسد شر وينبغي تعذيبه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

سلطان الحل والربط في ضوء الكتاب المقدس