معضلة يوثيفرو في تعريف الأخلاق
هل المبادئ الأخلاقية صالحة لكونها إرادة
الآلهة؟ أم أنها صالحة في ذاتها لذلك أمرت بها الآلهة؟ المعضلة الفلسفية التي
أمامنا منقولة عن أفلاطون وهي – بحسب ما ذكر – مناقشة دارت بين سقراط ويوثيفرو ،
فرأي هذا الأخير أن الصلاح يتحدد بما يحبه الآلهة. فطرح سقراط ما يسمي بمعضلة
يوثيفرو.
ويري الغالبية أن هذا السؤال يشكل معضلة حقيقية
أمام المؤمنين بالله الأمر الذي دفع بالبعض لإنكار الإيمان. ونحن لا ننكر صعوبة
الأمر هنا أو علي الأقل الصعوبة التي فرضتها علينا الصيغة التي طُرحت بها المعضلة
، فإذا أجبنا علي الشق الأول من السؤال بنعم فهذا يقودنا إلي القول بأن الآلهة (أو
الإله) هم قانون ومعيار ذواتهم وما أرادوه كان صالحا وما أبغضوه كان طالحا. وبناء
عليه فإن الفرق بين الصالح والطالح يحدده الإله ، لذلك فلا غرابة إن أراد الآلهة
أو أوصوا بشيئا طالحا أو شريرا لأنه حينئذ يعد أمرا صالحا. وإن أجبنا بنعم علي
الشق الثاني من السؤال: أي أن المبادئ الأخلاقية صالحة لذلك أمرت بها الآلهة فإننا
نقع في مشكلة أخري وهي أن المبادئ الأخلاقية صالحة في ذاتها وبإنفصال عن إرادة
الإله وبالتالي لا حاجة بنا لهذا الأخير (الإله) ، ويصبح الصلاح أمرا مستقلا عن
الله ومن ثم نحتاج إلي تعريفه.
ولكن المعضلة تزول إن أخذنا في عين الاعتبار
عدة أمور: أولها أن يوثيفرو كان يعدد الآلهة ، وأولئك الآلهة الذين كان يؤمن بهم
كانوا يتفوقون علي البشر قليلا من حيث القوة والمعرفة ولكنهم لا يصلوا إلي حد
الكمال مثل إله الكتاب المقدس. وبالنظر إلي أن المسيحية لا تنادي بتعدد الآلهة بل
بإله واحد ومطلق الكمال وكلي العلم والقوة فإن إله الكتاب المقدس ليس له سوي إرادة
واحدة متطابقة مع كماله ، وذلك بعكس آلهة يوثيفرو الكثيرون الذين تتعارض أو تتنازع
مشيئاتهم مع بعضهم البعض لكونهم متعددون ولكل منهم ذات مستقلة عن الآخر. أما إله
الكتاب المقدس فهو يغاير الآلهة الوثنية في كونه واحدا وكاملا وغير متغيرا وغير
محدود في علمه وقوته.
ثانيا فإننا لا يمكن القول بأن الله يريد
المبادئ الأخلاقية لأنها صالحة في حد ذاتها إذ أن ذلك يجعل للصلاح ذاتا مستقلة عن
الله ، وهذا ما لا يمكن قبوله ، لأن هذا الإستنتاج يفرض علينا الإستغناء عن الإله
ويدخلنا في حلقة مفرغة من تعريف الأخلاق. وبما أننا لا نستطيع أن ننظر إلي الصلاح
كأمرا مستقلا عن الذات الإلهية فإننا نرفض الصيغة التي طُرح بها الشق الأول من
السؤال وهو أن المبادئ الأخلاقية صالحة لأن الآلهة أرادوها ، ونقول أننا لا نستطيع
التعامل مع المبادئ الأخلاقية كشئ مستقل في ذاته بل كإنعكاس لطبيعة الله الكاملة ،
وكإمتداد للطبيعة الإلهية الغير محدودة. إذا فالصلاح لا ينبع من الوصايا الإلهية
في حد ذاتها بل من طبيعة الله التي ينشأ عنها مثل تلك المبادئ الصالحة.
ثالثا نسأل الملحدون من أين عرفوا أن هناك
أمور أخلاقية وأخري غير أخلاقية؟ كيف جاءونا بهذه التفرقة؟ هل لأن المجتمع يفرض
علينا ذلك؟ إن كان كذلك فإن المجتمعات تختلف فيما بينها نسبيا علي تعريف ما هو
أخلاقي. وأيضا: هل تكون المبادئ أخلاقية لأنها تحددت كذلك بواسطة المجتمع؟ أم
لأنها أخلاقية في حد ذاتها لذلك أقرها المجتمع؟ ولا شك أن هذا يعدينا إلي نقطة الصفر
في حديثنا. وأخيرا فإنه بناءا علي الفلسفة الطبعانية التي يتبناها الملحدون فإنهم
لا يستطيعون شرح كيف نميز ما هو أخلاقي مما هو غير أخلاقي. خصوصا وأن ضمير الإنسان
تشوبه الكثير من الشوائب الآن بعد سقوط آدم ليس فقط بحسب ما يعلمنا الكتاب المقدس
بل أيضا كما تشهد التجربة الإنسانية علي مر العصور والأجيال. ولأنهم لا يستطيعون
شرح العلة الفلسفية للأخلاق فهم بالتالي لا يحق لهم أن يطرحوا علي مسامعنا معضلة
يوثيفرو ، لأنهم قبل أن يسألونا ما هو تعريف الأخلاق عليهم أن يجيبونا أولا علي
السؤال: كيف عرفتم أن هناك أخلاق.
تعليقات
إرسال تعليق