الوعظ مالوش صاحب أم خدمة منبرية للقادة بصورة أساسية؟
"واللي بيشجع خليه يشجع" (رو ١٢ : ٨)
ملحوظة:
كل مرة فاندايك استخدم كلمة وعظ، أو يعظ παρακαλέω أو παράκλησις مش مقصود بيها الوعظ بمعناه التقني اللي احنا فاهمينه (إن واحد يقف قدام جمهور ويلقي خطبة). لكن مقصود به التشجيع، الحث، التعزية، الراحة سواء بشكل فردي أو جماعي.
تعليقي:
هل هذا معناه أنه لا يوجد واعظ؟ هل هذا طعن في السلطة التعليمية للمنبر؟ هذا ما يبدو أن الكلمات تشير إليه (الوعظ مش واحد يقف قدام جمهور ويلقي خطبة).
المشكلة في الكلمات أعلاه أن صاحبها ارتكب مغالطتان. الأولى هي أن الوعظ تشجيع فقط. والثانية (مؤسسة على الأولى بصورة غير منطقية) بما أن الوعظ تشجيع، فهو شىء يمارسه الجميع بحيث أنه لا يوجد من هم مسؤولون عن هذه المهمة بصفة أساسية.
سأقوم بالرد على هاتين المغالطتين تباعًا.
بالنسبة للأولى:
الوعظ كلمة عامة نستخدمها نحن كمسيحيون للإشارة الى أساليب متنوعة من الكلام في الخدمة المنبرية مثل: التشجيع، التوبيخ، الإنذار، إعطاء تعليمات. كون الكلمة اليونانية "بَارَاكَلِئِو" (ومشتقاتها) تعني فقط "التعزية، التشجيع"، فهذا في حد ذاته لا ينفي أن هناك صور أخرى من الوعظ، مثل التوبيخ والإنذار وإعطاء التعليمات والحث والإعلان بالحق الكتابي.
المشكلة أن صاحب الكلمات السابقة أعلاه استند في حجته على المعنى اللغوي لنوع واحد فقط من الوعظ "التشجيع"، لهذا جاءت حجته قاصرة.
والدليل على صحة ما أقوله هو استخدام بولس لكلمة "بَارَاكَلِئِو" بمعنى سلبي في هذه القرينة: "وبخ، انتهر، عظ، بكل أناة وتعليم. لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح" (٢ تي ٤ : ٢– ٣). لماذا استخدم بولس كلمتان سلبيتان وأخرى إيجابية هنا، إلا إن كان المقصود هو استعمال الوعظ (بَارَاكَلِئِو) كمترادف للتوبيخ والإنتهار في هذه القرينة؟
فضلاً عن ذلك، فإن "بَارَاكَلِئِو" جاءت مقترنة بالتوبيخ في أكثر من مرة:
"وبخ، انتهر، عظ، بكل أناة وتعليم. لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح" (٢ تي ٤:٢–٣).
"قادرًا أَن يعِظ بالتعليم الصحيح ويوبّخ الْمناقضين" (تي ١: ٩). لاحظ هنا أن كل من الوعظ والتعليم والتوبيخ جاءوا جنبًا إلى جنب.
اقتران كلمتي الوعظ (التشجيع) والتوبيخ في القرينتين السابقتين يدل على أن التشجيع ليس هو الأسلوب الوحيد في الخدمة المنبرية المسيحية.
فضلاً عن ذلك، أن تختزل الوعظ في أحد جوانبه (التشجيع) هو أن تقول أن الكنيسة لا تحتاج إلى إنذار أو توبيخ أو تقويم أو إعطاء تعليمات أو تطبيق الدروس.
أخيرًا وفيما يتعلق بهذه الجزئية، أن تقول أن الوعظ للجميع، وليس هناك قادة مختصون بصفة جوهرية بهذا الأمر، هو أشبه بكنيسة الكويكرز الذين يجلسون كل واحد في مقابل الآخر وطفل صغير يمكن أن يعظهم. إلا أن الكنيسة الكتابية لها مرشدون (عب ١٣ : ٢٤)، وشيوخ مدبرين يتعبون في الكلمة والتعليم (١تي ٥ : ١٧)، ورعية تستقبل الرعاية من الرعاة (أع ٢٠ : ٢٨). كلمة منبر لم تأتي في العهد الجديد، لكنها موجودة بالتضمين وبالضرورة، إذ أن هناك معلمين، ووعاظ، ورعاة، وشيوخ، ونظار، ومرشدين.
صحيح أن المؤمنين يمكن أن يعظوا بعضهم بعضًا بكلام التشجيع (بل والتوبيخ والإنذار) بمعزل عن المنبر، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا هو المقصود بالوعظ بصورة رئيسية. الوعظ، بصفة جوهرية، هو مهمة منبرية من مهام القادة، ولا سيما الشيوخ.
وهذا يأخذنا للمغالطة الثانية.
ونستدل على أن الوعظ بصفة أساسية هو الخدمة المنبرية التي يقدمها قادة الكنيسة ولا سيما الشيوخ، من خلال الأمور الآتية:
١ - الوعظ موهبة تُعْطَى بسلطان الروح القدس
"ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا: ... أم المعلم ففي التعليم، أم الواعظ ففي الوعظ (رو ١٢ : ٦ - ٨). "الواعظ" هنا إسم فاعل مفرد مذكر كما جاءت في اللغة الأصلية.
وإن كان هناك "واعظ" فهناك شعب يستقبل الوعظ "إن كانت عندكم كلمة وعظ للشعب فقولوا" (أع ١٣ : ١٥).
"ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة، يخدم بها بعضكم بعضًا، كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة. إن كان أحد يتكلم فكأقوال الله" (١ بط ٤ : ٩).
هنا أيضًا يؤكد بطرس على أن الذين يتكلمون في الكنيسة هم من أخذوا المواهب الخاصة بخدمة الكلمة.
الوعظ موهبة، والمواهب تكون للقيادة.
٢ - الوعظ يكون مقترن بالتعليم، والوعظ والتعليم متداخلان، بحيث أن المعلم لا يمكن إلا وأن يعظ
"لأنه يجب أن يكون الأسقف ... قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين" (تي ١ : ٧ - ٩).
ليس جميع أعضاء جسد المسيح قادرون على التعليم. التعليم مهمة شاقة تطلب المعرفة الكثيرة والدراسة وحسن الصياغة والمقارنات والتحليل. كما أن التعليم لابد وأن يترجم إلى وعظ، مثل نمط رسائل بولس، جزء تعليمي وجزء عملي (وعظي). التعليم الذي بلا وعظ هو تعليم أعرج. من هذا نخلص إلى أن الوعظ ليس للجميع لأن أجدر من يقوم به هو المعلم.
٣ - الوعظ مهمة ومسؤولية الشيوخ
بولس مخاطبًا الأسقف والشيخ تيموثاوس:
"إلى أن أجىء أعكف على القراءة والوعظ والتعليم" (١تي ٤ : ١٣).
"أما الشيوخ المدبرون حسنًا، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة، ولا سيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم" (١تي ٥ : ١٧).
٤ - الوعظ يتطلب معرفة جيدة بالكلمة وهذا أمر غير متاح للجميع
"لأنه يجب أن يكون الأسقف ... ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين" (تي ١ : ٧ - ٩). هذا النص، فضلاً عن أنه يدل على ضرورة المعرفة الجيدة بكلمة الله، يدل أيضًا على أن الوعظ مهمة الأسقف أو الشيخ.
إن كان الوعظ يتطلب موهبة، وإن كان مقترنًا ومتداخلاً مع التعليم، وإن كان مسؤولية الشيوخ والمرشدين، وإن كان يتطلب معرفة صلبة بالكلمة، فكيف لا يكون له صاحب بعد كل هذا؟ وكيف لا يكون خدمة منبرية في الأساس؟
القول أن الوعظ ليس خدمة منبرية هو نوع من الفوضوية الكنسية. هو محاولة لإقحام الماركسية على الكنيسة واللاهوت. لهذا فلا عجب أن من يطعنون في منبرية الوعظ هم أنفسهم من يطعنون في الكنيسة المؤسساتية.
ختامًا
يقول يوستن الشهيد، الذي عاش من آواخر القرن
الأول إلى ما بعد منتصف القرن الثاني وهو من الآباء الرسوليون الذين عاصروا الرسل،
أنه بعد قراءة جزء من الكتاب المقدس يقوم "الرئيس" ليعظ. يوستن الشهيد
يسمي الأسقف أو الشيخ الذي يعظ "رئيس". ثم بعد كل هذا يأتي أحدهم ليطعن
في الخدمة المنبرية ويقول أن الوعظ مالوش صاحب.
طبقًا لكلمات يوستن الشهيد:
"في اليوم الذي يسمى الأحد، هناك إجتماع معًا في نفس المكان لجميع الذين يعيشون في مدينة أو منطقة ريفية معينة. تُقرأ مذكرات الرسل (أسفار العهد الجديد) أو كتابات الأنبياء (أسفار العهد القديم) ما دام الوقت يسمح بذلك. ثم عندما يتوقف القارىء، يعظ الرئيس (الشيخ أو الأسقف) في خطاب ويحث على عمل هذه الأمور الصالحة. بعد ذلك، ننهض جميعًا معًا ونرفع الصلوات". (First Apology, 67)
تعليقات
إرسال تعليق