نظرة على تعليم تيموثي كلر عن الجحيم
هذا المقال هو ملخص لأحد فصول كتاب يقوم بتحليل وتفنيد التعاليم غير القويمة لتيموثي كلر. كاتب الفصل هو وليام شوايتزر والذي يقوم بالاشتباك مع ما يطرحه كلر حول عقيدة الجحيم.
يبدأ شوايتزر تحليله بالقول أن الثقافة الغربية المعاصرة تنادي بسلطان الإنسان، الأمر الذي يجعل تعليم مثل أن الإنسان هو الذي يرسل لنفسه للجحيم سائغًا لديهم. وكلر مشغول بإنسان ما بعد الحداثة المعاصر. وإن كان هذا في حد ذاته أمر جيد، إلا أن كلر قام بتمويع الحقائق الكتابية لتكون سائغة للإنسان الغربي المعاصر.
يلخص شوايتزر تعاليم كلر غير القويمة حول الجحيم (والتي جاءت متأثرة بتعاليم سي إس لويس)، في هذه المبادئ الثلاث: الله لا يرسل إلى الجحيم بل البشر هم الذين يرسلون أنفسهم إلى هناك، وأن لا أحد يريد الخروج أو الهروب من عقاب الجحيم، وأن العقاب ذاتي بحيث أن البشر هم الذين يُنْزِلونه على أنفسهم.
يرد شوايتزر على تلك الأخطاء اللاهوتية بالتأكيد على أن الكتاب المقدس يعلِّم بعكس ذلك: فالله نفسه هو الذي يُرْسِلُ الأشرار إلى الجحيم، وأن الله نفسه هو الذي يبقيهم في الجحيم إلى الأبد، وأن عقاب الجحيم يُنْزِله الله بنفسه.
أولاً، الله نفسه هو الذي يدين الناس بالمسيح، وهو الذي يرسلهم إلى الجحيم بالمسيح. وهذا واضح من نصوص كتابية كثيرة مثل: مز ٥٠ : ٦، أع ١٠ : ٤٢، أع ١٧ : ٣١، مت ٧ : ٢٢ – ٢٣، ٢٥ : ٤١، لو ١٣ : ٢٧.
يعلّم كلر بأن الإنسان خُلق لمحضر الله الذي هو مصدر كل فرح وحكمة وصلاح. أن تخطئ هو أن تُحرم من هذه البركات. وهذا هو الجحيم؛ أي الآثار المترتبة على الحرمان كليًا من محضر الله بسبب الخطية. والجحيم ليس عقاب بل عاقبة.
يؤيد كلر تعاليمه باقتباس كلمات سي إس لويس حول الجحيم. إذ يتساءل لويس: "ما هو مطلب الذين يعترضون على الجحيم؟ أن يمحو الله خطاياهم؟ إنه فعل ذلك حقًا على الصليب. أن يغفر خطاياهم؟ لكنهم لا يطلبون الغفران. أن يتركهم وشأنهم؟ هذا هو الجحيم! هناك نوعين من البشر في النهاية: أولئك الذين سيقولون لله ‘لتكن مشيئتك’، وأولئك الذين سيقول لهم الله ‘لتكن مشيئتكم’. كل الذين في الجحيم قد اختاروا الذهاب إليه. بدون هذا الاختيار الذاتي ليس هو جحيم".
طبقًا لكلر، إذًا، ليس فقط أن الله لا يرسل إلى الجحيم، بل إن البشر هم الذين يرسلون أنفسهم إلى هناك. على أن في هذا الادعاء بواسطة كلر خلط للأوراق. صحيح أن البشر يعرفون أن الاستمرار في الخطية يؤدي إلى الجحيم. ومن هذا المنظور يمكن أن نقول أن الجحيم شئ يختاره البشر لأنفسهم. إلا أن تدعي أن البشر هم الذين يُرسلون أنفسهم إلى هناك بدون توضيح هو تضليل. إنه أشبه بالقول أن "كل من في السجن قد اختاروا الذهاب إلى هناك. وبدون هذا الاختيار الذاتي فهو ليس سجنًا". إلا أن المجرمون لا يضحون بحريتهم ليذهبوا إلى السجن باختيارهم. إنهم يفعلون كل ما في وسعهم للإفلات منه: كالهروب من السجن، أو توكيل المحامون المهرة للدفاع عنهم، أو الدخول في اجراءات استئناف لتخفيف الحكم، إلخ. إن المجرمون يختارون المتع المترتبة على ارتكاب الجرائم وليس العقاب الذي تم إنزاله عليهم بواسطة السلطة. نفس الحال بخصوص الجحيم. فالخطاة اختاروا خطاياهم وليس العقاب المُنْزل من الله على تلك الخطايا. فضلاً عن ذلك، أن تنكر أن الله يرسل الخطاة إلى الجحيم هو أن تنكر سلطان الله الكلي على البشر سواء في الخلاص أو الدينونة.
يستخدم كلر رو ١ : ٢٤ لإثبات أن البشر هم الذين يختارون الجحيم لأنفسهم. فالجحيم هو نُصُبْ الحرية الإنسانية. إنه الاختيار الحر للبشر. إلا أن هذا النص يتحدث عن تذوق غضب الله الآن وليس على الدينونة الإسخاطولوجية العتيدة في الجحيم. بل إن الأصحاح التالي في رومية يخبرنا بالعكس مما يدعيه كلر رو ٢ : ٥ – ٩ مع ٩ : ١٩ – ٢٢.
ثانيًا الله هو الذي يحفظ الأشرار معاقبين في الجحيم
إن كلر لا يدعي فقط أن البشر هم الذين يُرْسِلون أنفسهم إلى الجحيم، بل أيضًا هم الذين يقررون البقاء هناك. وعلى حد تعبير كلر "في الأبدية تتزايد العزلة، والإنكار، والوهم، والإنغماس في الذات. فلا أحد يطلب أبدًا مغادرة الجحيم. مجرد فكرة السماء في حد ذاتها تبدو لهم كخدعة".
الدليل الذي يستخدمه كلر لإثبات ذلك هو مثل لعازر والغني. لكن هذا الاستخدام به مشاكل. أولاً اعتماد كلر في حجته على مَثَل يخرق المبدأ التفسيري بأن النصوص الأقل وضوحًا تُفَسَّر من خلال النصوص الأكثر وضوحًا. ثانيًا، عدم ورود طلب للغني بالخروج من الجحيم لا يكفي لتأسيس حجة كلر بأن لا أحد يطلب مغادرة الجحيم. ثالثًا كلر لا يحاول شرح أو تفسير المقصود بوجود هوة عظيمة قد أثبتت كحاجز خارجي تم فرضه لمنع الحركة من أو إلى الجحيم بالنسبة للاختيارات البشرية. فنفس الإله الذي يرسلهم هناك هو الذي يقرر بقائهم الأبدي فيه.
يتسائل شوايتزر، إن كان سيتضرع البشر في أحداث النهاية إلى المسيح حتى لا يرسلهم إلى الجحيم، وبدلاً من ذلك يُدخلهم إلى السماء، فلماذا نفترض أن هذا الميل لديهم يمكن أن يتغير أو ينقلب بعد أن يختبر البشر بأنفسهم أهوال الجحيم؟ كما أن المسيح نفسه علّم بأن النار "أبدية" (مت ٢٥ : ٤١). فلا يمكن الفصل بين النار وأبديتها منذ لحظة الدينونة. لهذا فهي نار "لا تطفئ" (مر ٩ : ٤٨).
ثالثًا، الله بنفسه هو الذي يعاقب الأشرار في الجحيم
في ضوء دينونات العهد القديم، كالطوفان وسدوم وعموره والضربات العشر وقورح، والتي تخبرنا جميعًا أن الله نفسه هو الذي اتخذ مبادرة العقاب، وطريقتها، وقام بتنفيذها بنفسه. سيكون من الغريب جدًا بناء على هذا التاريخ الكتابي إن كان الإنسان هو الذي يعاقب نفسه في الجحيم. ومع ذلك نجد نصوص كتابية كثيرة في العهد الجديد على فم المسيح نفسه ورسله تؤكد أن الله نفسه هو الذي يوقع دينونة الجحيم على الأشرار: مت ١٠ : ٢٨، لو ٣ : ١٦ – ١٧، عب ١٠ : ٣٠ – ٣١، ٢ تس ١ : ٧ – ٨.
إلا أن كلر يدعي بعكس ذلك:
"السلوك الشرير ... والرغبات الآثمة ... مثل النار التي اندلعت في غرفة المعيشة الخاصة بك ... لا تَشْبَع النار أبدًا. لا يمكن السماح لها بأن تخمد. ولا يمكن حصرها في زاوية. وسوف تتمكن منك في النهاية. نفس الأمر ينطبق على الخطية: فهي لا تبقى أبدًا في مكانها. إنها تؤدي دائمًا إلى الانفصال عن الله، مما ينتج عنها آلام شديدة، أولاً في هذه الحياة ثم في الحياة التالية. يسمي الكتاب المقدس ذلك بـ الجحيم".
يعلق شوايتزر على ذلك بالقول:
"إن عقاب الجحيم لدى كلر (ولدى سي إس لويس) هو إعمال أو نتيجة تلقائية للتمسك بخطايانا. إذ يبدو أن البؤس في جحيم كلر ينبع بالأحرى من الهالكين أنفسهم، في شكل من أشكال العذاب النفسي الذاتي. نعم، الناس في الجحيم بائسون ... ليس لأن غضب الله يُسكب عليهم في نار الجحيم، ولكن لأن كبريائهم، وجنون عظمتهم، وشفقتهم على أنفسهم مستعرة كاللهب الجامح".
يبدو أن كلر يصور الخطية على أنها شيء يؤدي حتمًا إلى عواقب سلبية دون الإشارة إلى دور الله الشخصي في إصدار الأحكام القضائية أو إلحاق الغضب.
فضلاً عن ذلك، يساوي كلر بين الإنفصال عن الله والجحيم. ولا سيما أن النص الكتابي يقول "الذين سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته" (٢ تس ١ : ٩). إذ في بعض الترجمات الإنجليزية ترد "بعيدًا عن وجه الرب" (بدلاً من وجه الرب). يرد شوايتزر على ذلك بأن الترجمة غير دقيقة. فالكلمة اليونانية apo والتي تُرجمت "من" لها نطاق دلالي واسع ويمكن أن تترجم "بعيدًا عن" و"من". وقد وردت في ترجمة الملك جيمز الحديثة NKJV (وفانديك يؤيد هذه الترجمة) "الذي سيعاقبون بهلاك من حضور الرب".
إن النص في سفر الرؤيا ١٤ : ٩ – ١١ يؤيد هذه القراءة:
"إن كان أحد يسجد للوحش وصورته، ويقبل سمته على جبهته أو على يده، فهو أيضًا سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفًا في غضبه، ويعذب بنار وكبريت أمام الملائكة القديسين وأمام الحمل. ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين. ولا تكون راحة نهارًا وليلاً للذين يسجدون للوحش وصورته ولكل من يقبل سمة إسمه".
لاحظ أن هؤلاء سيتعذبون أمام أو في حضور الحمل!
فضلاً عن ذلك، فإن الله كلي الحضور. لكن طريقة حضوره في السماء غير طريقة حضوره في الجحيم. في السماء يكون حضور رضاه. بينما في الجحيم يكون حاضرًا بغضبه.
يرى كلر أن الصور التي يرسمها الكتاب المقدس عن الجحيم ليست حرفية بل مجازية. فالظلمة الخارجية تعني العزلة. والنار تشير إلى الإنحلال أو التحطم نتيجة الإنفصال عن الله. ويقتبس كلر من جونثان إدواردز ليؤيد هذا الكلام. إلا أن شوايتزر أثبت بالدليل القاطع أن كلر أساء اقتباس إدواردز.
يلاحظ شوايتزر في النهاية أن كلر استقى تعليمه عن الجحيم من سي إس لويس. ولويس بدوره استقى هذا التعليم من شخص يدعي جورج ماكدونالد أطلق لويس عليه "مُعلمي". قاوم ماكدونالد البدلية العقابية بشراسة واصفًا إياها بأنه لا يوجد أسوأ منها وأنها دنيئة ووحشية ووثنية. لويس أيضًا ينكر البدلية العقابية (وقد قمت أنا كاتب هذا المقال بتوثيق ذلك في بحث آخر). ولا ينبغي لنا أن نغفل الارتباط بين هذين الخطأين اللاهوتيين. إذ أن نفي الطبيعة العقابية للجحيم، وجعله مجرد عاقبة تلقائية يجلبها الخاطئ على نفسه، يستتبع بالضرورة نفي الطبيعة العقابية عن عمل المسيح الكفاري. فإما أن يكون كلاهما عقابًا بواسطة الله أو لا.
إن هذا التمويع للحق الكتابي المتعلق بالجحيم إذًا يأتي كمخالفة صريحة للوصايا الكتابية بأن يكون المسيحي رقيبًا ينذر الشرير من الدينونة العتيدة (حز ٣ : ١٧ – ١٨، ٣٣ : ٧ – ٩). تخيل لو كان تحذير يونان كالآتي: "بعد أربعين يومًا سَتُتركون يا أهل نينوى لهوياتكم التي اخترتموها بأنفسكم بعيدًا عن الله". أو تخيل قول الملاك للوط: "إن الرب على وشك أن يعطي السدوميون ما يريدونه: الإنفصال عنه". صحيح أن في هذا جزء من الحقيقة. لكن هل يمكن أن يعد هذا تحذير جاد حول مصير خطير ومرعب؟
تعليقات
إرسال تعليق