الدكتور ماهر صموئيل يعلم بوجود خلاص خارج المسيحية

عالمية الخلاص لدى الدكتور ماهر صموئيل

صَدَرَ من الدكتور ماهر صموئيل تصريحات لاهوتية خطيرة، في مناسبات مختلفة، حول معرفة الله والخلاص والدينونة، تدل على أنه يؤمن، بل ويروج، بالإعتقاد بأن الإله الحي الحقيقي موجود في الأديان المختلفة. وبناء على ذلك يمكن لأي شخص تائب ويؤمن بالله أن يخلص دون أن يؤمن بالمسيح. وقد أوردت هذه التصريحات بترتيبها من الأقدم إلى الأحدث، لكي نؤكد على أنها ليست تصريحات عفوية مقتطعة من سياقها. كما حاولت الربط بين هذه التصريحات وبعضها لاثبات أنها ليست أقوال وليدة اللحظة التي قيلت بها. بل ناتجة عن تفكير نظامي مترابط باعتقاد الدكتور ماهر بوجود خلاص خارج المسيحية، وأن الله يخلّص الإنسان عن طريق الإعلان العام. فإن كان الله يخلص بواسطة الإعلان العام، وإن كانت الأديان المختلفة جزء من الإعلان العام، إذًا الله موجود في الأديان المختلفة ويخلص الإنسان من خلالها. وقد جاءت التصريحات الآتية معبرة عن هذه القناعة لدى الدكتور ماهر صموئيل.

قبل أن أتناول هذه التصريحات الخطيرة لاعتقاد الدكتور ماهر صموئيل بعالمية الخلاص Universalism ، أود التنويه على أن هدفي هنا ليس تفنيد أقواله بقدر إبرازها وتحليلها ووضعها إلى جوار بعضها البعض للتأكيد على أننا لم نختلق هذا. إلا أنه في بعض النقاط الهامة سأقدم ردود على ما يطرحه الدكتور ماهر من تعاليم غير كتابية.

في واحدة من سلسلة محاضرات بعنوان "الله في الأدب العربي"، والمنشورة بتاريخ ٥ أبريل ٢٠١١ على حساب فيلا-كام، والتي كانت قد أُذيعت على قناة سات ٧، والحلقة رقم ١ الخاصة بـ رابعة العدوية [1]، يسأل المضيف ضيفه الدكتور ماهر صموئيل عن سر حبه لرابعة العدوية، فكانت إجابة الدكتور ماهر كالآتي:

"هذا الهوي اللي وصفوه شعراء الصوفية، بأوصاف مختلفة، وبأسماء مختلفة، مثلاً جلال الدين الرومي، أو شمس الدين التبريزي، وصفوه بالعشق الإلهي، أنا أعتقد أنه، رابعة العدوية تفوقت على الكل، في تفاصيل هذا النوع من الحب، وفي روعة التعبير بالألفاظ الجميلة وبالعبارات الرصينة وبالشعر الموسيقي الجميل عن هذا الحب. رابعة بارعة في عمق تجربتها وفي روعة تعبيرها. ومن هنا نشأ الود بيني وبينها. بتحس باللي أنا حاسس بيه، وكمان بتعبر عنه بطريقة أنا ما أعرفش أعبر بيها".

اللقاء أيضًا مليء بالتصريحات الخطيرة. أبرزها أن رابعة أدركت نوعان من الحب يربطان بين العابد والمعبود: حب الهوى المتبادل، وحب لله بغض النظر عن إن كان الله يحبها أم لا، فهو يستحق المحبة لما فيه من صفات (يبدو أن رابعة أكثر كرمًا وحبًا من الله نفسه، فهي تغدقه بالمشاعر ولا تبالي إن كان يبادلها نفس الشعور).

الغريبة أن الدكتور ماهر يرى أن الترانيم المسيحية، بل والكتابات النثرية المسيحية، لم تستطع أن تصف حب الله بنفس البراعة التي وصفت بها رابعة حبها لله. ويذكر أيضًا حديث الرسول يوحنا عن محبة الله، وأن ما ذكره يوحنا عن الحب يُصَنَّف ضمن النوع الأول، أي حب الهوى المتبادل (نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً). ولكن يوحنا لا يحظى بنفس المديح الذي حظيت به رابعة. فهي تفوقت على الجميع بما في ذلك كتبة الترانيم المسيحية ويوحنا الرسول. (يبدو أن رابعة تفوقت على الله في المحبة وعلى المسيحيين أيضًا بما في ذلك الرسول يوحنا)

وبعد أن يردد الدكتور ماهر بعض الأبيات لها، يمتدح روعتها قائلا أنه لا يعتقد أن يكون هناك شاعر مسيحي أو غير مسيحي وصل إلي تلك الروعة. فيقاطعة المضيف قائلاً "أو إنسان طبيعي ممكن يصل إليها". فيرد الدكتور ماهر مستنكرًا :"لا ده الإنسان الطبيعي ميت، الإنسان ممكن يتدين، ممكن يعبد، وملوش دعوة بالكلام ده خالص". أي ما معناه أن رابعة لا ينطبق عليها وصف الإنسان الطبيعي الميت! ثم يصف لاحقًا الدكتور ماهر حب رابعة لله بأنه يمثل "روعة العلاقة الصحيحة مع الله".

من ضمن التصريحات الخطيرة أيضًا أن رابعة العدوية سَمَتْ فوق العقائد المحيطة بها في ذلك الوقت. وأن حبها مستوى عالٍ من الحب، وهو المستوى الذي يطلبه الله. وهذا الحب هو الذي يميز الديانة الحقيقية من الديانة الشكلية. ويتساءل الدكتور ماهر هل يمكن لرابعة التي لها هذا الحب، أن تلغي وجود الآخر أو تكفره أو تكرهه؟ ثم يضيف "ده اللي إحنا بنسميه في المسيحية اختبار الولادة الثانية"، حتى أن جلال الدين الرومي الشاعر استعمل نفس التعبير "يا ناس احنا محتاجين ولادة جديدة". ثم يقول الدكتور ماهر صموئيل عبارته الخطيرة جدًا: "فهي هنا (ويقصد رابعة) ولدت الولادة الثانية، دبت فيها الحياة، اتجهت إلى الله كشخص بهذه الأشواق". كيف يا دكتور ماهر، وهي لم تكن مسيحية أبدًا؟ أو حتى يهودية؟ بل مجرد مسلمة متصوفة.

فضلاً عن ذالك، في لقاء للدكتور ماهر صموئيل مع القس خالد غبريال [2] والذي نُشِرَ على موقع ترانيم لينجا بتاريخ ٨ يوينيو ٢٠١٤ (إلا أنه من المرجح أن التاريخ الأصلي للنشر قبل ذلك بكثير) صَرَّحَ بأن الذي يتوب ولم يدرك التعليم المسيحي سيخلص. وهذا هو نص كلامه حرفيًا:

"ما هي (يقتادك) إلى التوبة؟ مش التوبة هي إنك تعرف المسيح، التوبة أن تقر بأنك إنسان خاطئ وتستحق دينونة الله، وينكسر القلب، وده اللي قال عنه المسيح: كل من سمع من الآب وتعلم. يعني الله بيتكلم لكل البشر، إذا الإنسان وصل لحقيقة إنه خاطئ وشرير ويستحق القضاء، وقال لربنا: إرحمني، أنا متأكد أنه إذا وُجِدَ هذا الإنسان الله هيرحمه، وهيخلص على أساس ذبيحة المسيح. ومفيش خلاص، وليس بأحد غيره الخلاص، لأنه هو اللي دافع التمن، فلما هيروح السما، هيروح يبوس إيديه ورجليه ويقوله متشكر، لولا ذبيحتك أنا مكنتش أكون موجود هنا، حتى لو ما كانش أدرك التعليم المسيحي".

هل لاحظت، العبارة الأخيرة التي هي في منتهي الخطورة "حتى لو مكانش أدرك التعليم المسيحي"؟ أي أن هناك من سيخلصوا، على حساب كفارة المسيح، ولكن دون أن يؤمنوا بالمسيح! وهي العقيدة التي تسمى بـ "الشمولية" Inclusivism والتي صاغها وأقرها مجمع الفاتيكان الثاني! لدى الدكتور ماهر صموئيل، الله يكلم جميع البشر، ليس من خلال الكرازة برسالة الإنجيل، وليس من خلال الكتاب المقدس، بل من خلال الإعلان العام. لهذا أي شخص تائب مؤمن بالله، في أي دين آخر، سيقبله المسيح، وسيأخذ الحياة الأبدية على حساب عمل المسيح، دون أن يكون هو قد سمع عن المسيح في هذه الحياة. أي مسيحي دون أن يدري أنه مسيحي. مؤمن بالله وليس بالمسيح!

إن كانت رابعة العدوية قد وُلِدَت ثانية، فإن "محمود" العسيلي يكرز بالسماء المفتوحة [3]. وهذا ما قاله الدكتور ماهر صموئيل بالحرف الواحد مقتبسًا كلمات أغنية محمود العسيلي "شايفك مكسور" في فيديو على اليوتوب نُشِرَ بتاريخ ٢٧ أكتوبر ٢٠١٨.

يردد الدكتور ماهر صموئيل أبيات الأغنية، وعندما يصل إلى الجزئية التي يقول فيها العسيلي: "السما مفتوحة"، يتساءل الدكتور ماهر: "يااااااه؟ وإيه اللي فتحها؟ ومن امتى اتفتحت؟ يا سبحان الله!" ثم يصرخ ماهر صموئيل في جمهوره بنبرة صوت يختلط فيها الأسى مع الدهشة مع التوبيخ وكأنه يريد أن يوقظهم أو ينبهم لحقيقة هم يغفلونها: "مين بيكرز بالسما المفتوحة؟ ... آآآآآآآآآآآآه يا عاري! ... مَنْ يكرز بالسماء المفتوحة السامعة فيكي يا أرض مصر".

ثم يواصل: "والسما مفتوحة وسامعة كمان .. لكن اسمع كمان بيقوله نصيحة .. إيه المطلوب من المكسور" .. إلى أن يصل الدكتور ماهر صموئيل للمقطع الذي يقول فيه العسيلي: "روحك من روحه"، فيتساءل ماهر صموئيل بصوت يحمل الكثير من الدهشة مرددًا المقطع مرتين: "روحك من ورحه؟ .. روحك من روحه؟" ثم يتساءل مجددًا "منين الكلام ده؟ جاي منين الكلام ده؟". وبمجرد أن يحث الدكتور ماهر صموئيل جمهوره قائلا: "ألا يستحق تحية هذا الرجل" ينهال التصفيق الحار كالمطر.

الدكتور ماهر يرى في العسيلي ما لم يستطع أن يراه أحدنا: الواعظ الكارز الذي لا يوجد غيره في مصر يكرز بالسموات المفتوحة! إن كان العسيلي كارزًا، فأغنيته هي موضوع الكرزازة! على ما يبدو، يكفي لدى الدكتور ماهر صموئيل أن تقول أن السما مفتوحة، وروحك من روحه، حتى تكون كارزًا. ليس من الضرورة أن تحوي كرازتك أي تعليم عن التجسد أو الصليب أو القيامة أو السقوط أو غضب الله أو الدينونة.

هل الإنجيل سطحي عندك لهذه الدرجة يا دكتور ماهر، حتى أن مجرد مغني يقول "السما مفتوحة" تعتبرها كرازة؟ هل الإنجيل هو "السما مفتوحة" حتى تسمي هذا كرازة؟ اسمح لي يا دكتور ماهر أن أقتبس تعليقك لأوجهه لك: آآآآآآآآآآه يا عاري!

الجدير بالذكر أيضًا أن الدكتور ماهر صموئيل في مقال حديث له بعنوان "التدين الشكلي والتشوه النفسي" [4]، منشور على مدونته الخاصة بتاريخ ٢٥ يناير ٢٠٢٠ يفترض فيه أن قدماء المصريين، كانوا متدينين تدينًا حقيقيًا. ليس فقط لأنه يقول صراحة أنهم "أول من عرف الله وآمن باليوم والآخر"، بل أيضًا لأنه يضع عدم وجود تشوهات في شخصياتهم، ومن ثم قدرتهم على الابتكار، في مقابل الشخصية المصرية المعاصرة، بما بها من تشوهات تتمثل في التدين الشكلي الذي يقتل الابتكار والاختراع. إن قول الدكتور ماهر الخطير بأن الفراعنة هم "أول من عرف الله وآمن باليوم الآخر" لا يعني فقط أنه يرى أنهم كانوا متدينون تدينًا حقيقيًا، بل يفترض أن غير المسيحيين الذين يؤمنون الآن بالله واليوم الآخر متدينون أيضًا تدينًا حقيقيًا كما يتضح من اللغة التي يستعملها!

كيف آمن الفراعنة بالله وباليوم الآخر بينما وجه الرب لهم الضربات العشر للتشهير بتلك الآلهة الوثنية وفضحها؟ وإن كان اخناتون فعلاً توصل لعبادة الإله الواحد، فهذا لا يعني أنه توصل إلى عبادة الله الحي الحقيقي. هناك من غير المسيحيين من يعبدون إله واحد، ولا يعددون الآلهة. فهل هذا معناه أنهم يؤمنون بإله الكتاب المقدس؟ هل كل من يقول أن الله واحد إيمانه حقيقي؟ قطعًا لا. لأنه أي إله آخر واحد في جوهره وثالوث في أقانيمه؟ أي إله آخر تجسد وتألم وصُلِبَ ومات وقام؟ أي إله آخر كلي القداسة والمحبة والعدل؟ أي إله آخر يكون قريب وسامٍ في نفس الوقت؟ سوى إله الكتاب المقدس، يسوع المسيح الأزلى؟

ليس ذلك فقط، بل أن الدكتور ماهر صموئيل أيضًا في حواره مع أ. عاطف كامل على القناة الثانية عن فيروس كورونا، وبتاريخ ٢٧ مارس ٢٠٢٠، قال في الدقيقتين ١٩، ٢٢ "الأديان السماوية الثلاثة" و"الكتب السماوية" [5]. عندما يعالج اللاهوتي المسيحي قضية خطيرة مثل وباء كورونا، لا يستطيع أن يخلع نظارته المسيحية التي يرى بها كل شيء (منظوره الكوني الكتابي). لكن الدكتور ماهر، طيلة النصف ساعة في حديثه مع الأستاذ عاطف كامل، لم يشر إلى التعليم المسيحي من قريب أو من بعيد. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الإفتراض الخفي لدى الدكتور ماهر، أن غير المسيحي يستطيع أن يخلص دون الحاجة إلى الإيمان بالمسيح، إن تاب توبة حقيقية وهو بعد في دينه ولم يتركه. لهذا لم يجد الدكتور ماهر غضاضة في أن يتحدث عن الله دون أن يتحدث عن المسيح!

سيأتي الذكر لاحقًا أن الدكتور ماهر يرى أن الفرق بين المسيحية وباقي الأديان هو أن المسيحية فقط تقدم منظور أكثر دقة للعالم من باقي الديانات. أي ما معناه أن الديانات الأخرى صحيحة، وليست خطأ، ولكن المسيحية أكثر دقة منها.

أيضًا وفي لقاء آخر [6]، بتاريخ ١١ أبريل ٢٠٢٠، يسأل المضيف ضيفه الدكتور ماهر صموئيل هذا السؤال: شخص ملحد يملك من الأخلاق والمحبة، إلخ، ما يملكه المؤمن المسيحي، ولم يسمع عن المسيح ومات، هل عدالة الله تسمح بأن لا يحصل على الحياة الأبدية؟

وفي معرض إجابته عن هذا السؤال، قرأ الدكتور آية من سفر المزامير "قولوا بين الأمم الرب قد ملك، أيضًا تثبتت المسكونة فلا تتزعزع، يدين الشعوب بالاستقامة .. أمام الرب لأنه جاء. جاء ليدين الأرض. يدين المسكونة بالعدل والشعوب بأمانته" (مز ٦٩ : ١٠ ، ١٣). أوضح الدكتور ماهر أن كلمة "الإستقامة" وردت في الترجمات الإنجليزية equity ، ثم يشرح معناها قائلاً أنها "مساواة، لا يحابي بوجه، لا يحابي بعرق، لا يحابي بدين. ده مبدأ واضح كل الوضوح. حتى الرسول بطرس في حادثة كرنيليوس أكد عليه. بطرس كان عنده محاباة دينية، مش عايز يروح لكرنيليوس. وربنا وَرَّاله رؤية قوية جدًا. ومع هذا مكانش عايز يروح .. فأنا عايز أَطَمِّنْ السائل، إنه في النهاية، كل إنسان سيقف أمام الله .. بطوله، مش باعتبار إنتماءه الطائفي، أو الديني، أو العقيدي، وهيتمتع بدينونة الله، أو هيتمتع بالمحاكمة العادلة جدًا، بالـ equity ، بالمساواة، وبعدين بالعدل. بالعدل معنى إنه على أساس كل فعل إنت فعتله".

طبعًا في كلمات الدكتور ماهر هنا يختلط الحابل بالنابل، إذ يقول أن الله لا يحابي على أساس الدين. صحيح أن كل غير المسيحيين بالحق سيتساوون أمام الله رغم اختلاف أديانهم، لكونهم جميعًا أشرار. إلا أن هذا لا يعنى أن الإيمان الحق بالمسيح، أو موقف الإنسان منه، لا يصنع فرقًا بين إنسان وآخر. في الحقيقة، إن موقف الإنسان من المسيح، الإيمان به أو رفضه، يصنع كل الفرق بين إنسان وآخر. من يؤمن بالمسيح إيمان حقيقي يخلص، حتى ولو لم يتمكن من القيام بأي أعمال صالحة، مثل اللص على الصليب. لكن الدكتور ماهر صموئيل يريد أن يحزم المسيحي وغير المسيحي في حزمة واحدة أمام الله دون الإعتبار للإختلاف في موقفيهما أمامه. وهذا لا يدل سوى على شيء واحد، أن الدكتور ماهر صموئيل يؤمن ويعلم بالخلاص بالأعمال! وإلا فما الذي سيميز إنسان عن آخر طالما إن الإيمان بالمسيح لا حساب له؟

لكن لاحظ معي، كيف كان السؤال، لا عن شخص متدين، بل عن شخص ملحد، لا يؤمن بأي دين، ولكنه شخص صالح ذو أخلاقيات، ويحب الآخرين. إن الدكتور ماهر صموئيل، لا يقول فقط أن المتدينون الذين يؤمنون بالله بدون المسيح من الديانات الأخرى سيخلصون، بل أيضًا الملحدون ذوي الأخلاقيات! ضرب للعقيدة بأكملها عرض الحائط. هذا لا يمكن تفسيره سوى بأن الدكتور ماهر صموئيل يؤمن بعالمية الخلاص. أن الجميع سيخلصون بغض النظر عن معتقدهم حول المسيح.

كما أن هذه عبارات في منتهي الخطورة. وإن وضعتها إلى جوار تصريحه السابق الإشارة له مع القس خالد غبريال (بأن كل من يتوب وهو خارج المسيحية، دون أن يؤمن بالمسيح سيخلص) يتضح لك أن المسيح غير مركزي، بل ولا لزوم له، طبقًا لما يعلم به الدكتور ماهر صموئيل. إن كان ليس من الضروري أن يؤمن الشخص بالمسيح لكي يخلص، وإن كان الله لن يدين الناس لأنهم رفضوا الإيمان المسيحي، فلماذا المسيح من الأساس؟ إنحرافات تعليلمية خطيرة يطرحها الدكتور ماهر صموئيل. ولكن ليس غرضنا هنا تفنيد هذا الإنحراف التعليمي، فقد قدمنا ردودًا مختصرة عليها في مقال آخر [7] .

في نفس هذه الحلقة، وفي الإجابة على السؤال حول الملحد، قال ماهر صموئيل أيضًا وبالحرف الواحد "أن الله مش هيدين الناس لأنهم رفضوا الإيمان المسيحي" (نُشِرَ بتاريخ ١٢ أبريل ٢٠٢٠ على صفحة الفيسبوك الخاصة به). فضلاً عن أن هذا التصريح يدل على اعتقاده بعالمية الخلاص، إلا أنه يبدو أن الدكتور ماهر صموئيل لم ينتبه لما علم به كل من يوحنا وبولس وبطرس وكاتب العبرانيين حول كل من حصرية ومركزية المسيح.

يقول يوحنا الرسول: "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو ٣ : ٣٦).

يقول بولس "وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا، عند استعلان الرب يسوع المسيح من السماء، مع ملائكة قوته، في نار لهيب، معطيًا نقمة للذين لا يعرفون الله، والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح، الذين سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته" (٢ تس ١ : ٨ - ٩).

يقول بطرس أيضًا: "لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. فإن كان أولاً منا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله" (١ بط ٤ : ٥).

كاتب العبرانيين: "فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره، قد اببتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا" (عب ٢ : ٣).

أيضًا كاتب العبرانيين: "فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا، وازدرى بروح النعمة" (عب ١٠ : ٢٩).

والسؤال للدكتور ماهر صموئيل: لماذا تكرز بالمسيح طالما أن الله لن يدين الناس لأنهم رفضوا الإيمان المسيحي؟ بل ما فائدة المسيحية من الأساس طالما أن موقف الإنسان من الإيمان المسيحي لا يحدد مصيره الأبدي؟ ما هو الرجاء الذي تقدمه إذا، بما أن الله سيجازي كل واحد حسب أعماله، ونعلم أنه ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد؟ إن كان مصير الإنسان يتحدد على أساس أعماله، وليس على أساس موقفه من التبرير على حساب عمل المسيح، أليس هذا طعن في تعليم التبرير بالنعمة بالإيمان؟

في فيديو آخر حديث منشور بتاريخ ٤ يوليو ٢٠٢٠ على صفحة التواصل الإجتماعي للدكتور ماهر صموئيل، يستنكر أن يكون المؤمنين بالله عارفين الله، ويستنكر أيضًا أن يتسائل المؤمنين بالله ما إذا كان الله موجود في دين حصري بحد ذاته [8]. وهذا جزء من الحوار (بدءاً من ٤ : ١١):

"إزاي مفترضين إن إحنا عارفين، إيه الجهل ده وإيه السطحية دي، اللي مخليانا عندنا هذا الافتراض الغريب، إحنا بس بنتساءل الطايفة دي صح ولا الطايفة دي غلط، ولا الدين ده صح والدين ده غلط، من غير ما نقف لنسأل: من هو الإله الذي نؤمن به، على أي أساس إحنا مفترضين إن إحنا عارفين كل حاجة عن الله أو عارفين الله".

وهنا يسأله أ. يوسف: "فالمفروض إن إحنا نتوقع إننا نبقى متلخبطين وحائرين". ثم يكمل الدكتور ماهر قائلاً: "ومعترفين ومقرين بجهلنا، وبالتالي نبذل شيئًا من الجهد، بدلاً من الصراع المهدر، والطاقة المهدرة، في مين إيمانه أقوى ومين إيمانه أضعف، وفـ مين إيمانه صح ومين إيمانه غلط، إن إحنا نسأل أنفسنا: من هو الله الذي أؤمن به".

ثم يسأله محاوره مرة أخرى: "أوكيه، فكإنك عايز تحول الصراع من ممارسة الإيمان نفسها، هي قوية، منتظمة، أمينة". وهنا يقاطعه الدكتور ماهر بعبارته الخطيرة قائلا: "أو في أي شارع، أو في أي دين، أو في أي طايفة". ثم يكمل المحاور جملته: "لـ بقى الغاية بتاعة الإيمان ده، هو عايز يوصل لمين ويتكلم مع مين".

أي، طبقًا لعبارة الدكتور ماهر التي هي في غاية الخطورة (أو في أي شارع، أو في أي دين، أو في أي طايفة) أن صورة الإله ينبغي أن تسمو، ليس فقط عن الطائفة، بل عن الدين! هل هذا معناه أنه يمكن أن يكون الإله الحقيقي موجود في أي دين آخر سوى المسيحية؟ هذا ما يعتقده ويروج له الدكتور ماهر، بدليل أنه يصادر ويستنكر عليك السؤال هل هذا الدين صح ولا غلط! يبدو أنه هو وحده الذي استطاع أن يتأكد من هذه الحقيقة. الدكتور ماهر غير متسق مع لاأدريته. يستنكر أن نكون نحن عارفين، ويتهمنا بالجهل والسطحية، ثم يتكلم هو كالعارف بكل شىء. يستنكر علينا أن يكون لدينا يقين مما يقوله الكتاب المقدس. يصادر علينا وضوح الكتاب وحصرية المسيح ولزوم عمله الكفاري وضرورة الإيمان به. هل هذا نوع من الكهنوت الأكاديمي يمارسه الدكتور ماهر صموئيل؟

في فيديو آخر له [9] منشور على صفحة الفيسبوك الخاصة به وبتاريخ ١٦ أغسطس ٢٠٢٠، يقول ماهر صموئيل:

"هل كل الناس الله بيتعامل معاها، أو الله بيوصلها، أو بيوصلها بطرق مختلفة؟ الحقيقة الكتاب ده [مشيرًا إلى الكتاب المقدس] بيقولنا إنه قبل المسيحية الله عرف يوصل بمئات الطرق للبشر عشان يجذبهم إليه ... الله لم يكف عن أن يفعل هذا، ويقيني إنه ما زال إلى الآن يفعل هذا، وفي لحظة معينة، تقع القشور ويكتشف الشخص، أنه في حضن يسوع المسيح".

ورغبة من أ. يوسف أن يوضح الدكتور ماهر كلامه، والذي في رأيي ليس فيه لبس، يسوق الدكتور ماهر كرنيليوس كمثال لشخص بدأ وهو لا يعرف عن المسيح إلى أن اكتملت معرفته بعد رحلة. لكن يقاطعه أ. يوسف بالسؤال أن ليس الجميع يُتَوَّجُون أو ينالون ذلك في نهاية رحالتهم أو بحثهم نفس التتويج الذي ناله كرنيليوس. فيجيب الدكتور ماهر على ذلك مستنكرًا واضحكًا "هذا حكم يعني نابع من ثقة غريبة جدًا، وكأن كل ملفات البشر اتعرضت عليك أو هتتعرض عليك، وهتبقى مع البشر لغاية فراش الموت، ولحظة الموت، ودخلت جوة أعماق البشر تشوف الإعلانات الإلهية وصلت إلى أي حد معاهم، يعني منين جبت الثقة دي؟ هو لازم كل اللي يقبل المسيح يخبط على باب كنيستكم يقولكم أنا قبلت المسيح؟".

ثم يواصل الدكتور ماهر: "يعني فيه مثلاً جزء كتابي بحبه أوي عن أشخاص هيلتقوا بالله، دي حاجة إسخاطولوجية، يعني في الأيام الأخيرة، بيحبوا المسيح أوي، وبعدين لما يشوفوه بالجراح، يقولوا له: ما هذه الجروح التي في يديك؟ فيقول هي التي جُرِحْتُ بها في بيت أحبائي. فكانوا في علاقة عميقة مع هذا الشخص دون أن يدركوا أبعاد اللي هو عمله علشانهم. لكن تمتعوا بنتايج الصليب، وتمتعوا بعمله، ودخلوا في علاقة شخصية معاه دون وعي كامل بمن هو وماذا فعل، إلخ".

في الجزئية السابقة يستخدم الدكتور ماهر مثالان (كرنيليوس والذين يسألون ما هذه الجراح) لإثبات عقيدته الشمولية Inclusivism بأن هناك من سيخلصوا دون أن يكونوا قد سمعوا عن المسيح.

بالنسبة لكرنيليوس:

طبعًا الله وصل للناس قبل المسيحية، لكن من خلال اليهود. فبشهادة الرب يسوع نفسه: لأن الخلاص هو من اليهود (يو ٤ : ٢٢). مثل راحاب الزانية التي تهودت، وصارت من شعب الله، وشُهِد له في سحابة الشهود (عب ١١). والله لم يكن مجرد فكرة عامة عن الألوهية كما يحاول الدكتور ماهر إيهام سامعيه. بل كان هو شخص يهوه الذي قال أنه سيأتي مخلصًا ليملك على شعبه. نفس ذلك الشخص الذي يقول عنه بطرس لاحقًا أن الأنبياء كان فيهم روح المسيح. وأن روح المسيح الذي فيهم أخبرهم عن مجيئه متألمًا ثم ممجدًا كالمسيا ١ بط ١ : ١١.

نحن لا ننكر أنه يمكن أن يبدأ شخص بمعرفة ضعيفة عن المسيح وتكتمل في النهاية، كما حدث مع كرنيليوس. لكن كرنيليوس كان أمميًا متهودًا، يؤمن مثل باقي اليهود الأتقياء بيهوه، الذي سيأتي كمسيا مخلصًا للعالم، فأعلن له الرب من خلال بطرس أن يهوه تجسد حقًا وجاء مخلصًا وأنه يسوع المسيح. لقد كان كرنيليوس من فئة من اليهود يقال لها "خائفي الله". كان كرنيليوس يهودي يؤمن بيهوه الذي سيأتي كالمسيا. إلا أن ما يقصده الدكتور ماهر غير ذلك كما يُفهم من باقي الكلام، بأن هناك من لا معرفة لهم بالمسيح، أو بيهوه الذي سيأتي متألمًا ثم ممجدًا، ولكن سيخلصوا في النهاية خلاصًا إسخاطولوجيًا دون أية معرفة أو إيمان بإله الكتاب المقدس.

ولكن، هل نفهم من استنكار الدكتور ماهر لما قاله أ. يوسف بأنه ليس الجميع يتوجون في النهاية بالمعرفة عن المسيح كما حدث مع كرنيليوس أنه (الدكتور ماهر) يؤمن بعالمية الخلاص Universalism وأن الجميع سيخلصون في النهاية؟ وإلا فلماذا ضحك واستنكر ما قاله له أ. يوسف؟ وألا يتأكد لنا اعتقاده بعالمية الخلاص هذا بقوله في مناسبة أخرى مع أ. يوسف: إن كانت العقوبة درجات في شدتها، فما المانع أن تكون مؤقتة؟ [10] أي طالما أن عقوبة الجحيم يمكن أن تكون مؤقتة، كما صرح الدكتور ماهر في مناسبة أخرى، إذًا، فالجميع، أو في أضعف الحالات الأغلبية، سيخلصون، دون أن يكونوا قد سمعوا عن المسيح.

ونحن نريد أن نسأل في المقابلة، من أين جئت يا دكتور ماهر بهذه الثقة المضادة للحق الكتابي؟ ألا يقول الرب يسوع: "ليس الجميع يقبلون هذا الكلام" (مت ١٩ : ١١)؟ وأنه: "قليلون هم الذين يجدونه [الباب الضيق والطريق الذي يؤدي إلى الحياة]" (مت ٧ : ١٤)، وبولس يقول: "لكن ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل" (رو ١٠ : ١٦)؟ لكن، مرة أخرى، يبدو أن الدكتور ماهر يعطي الحق لنفسه بالثقة فيما يعتقده، ويستنكر علينا أي يقين بما تعلمناه من الكتاب المقدس الواضح.

المثال الآخر هو الذين سيسألون "ما هذه الجروح التي في يديك" (زك ١٣ : ٦):

يقول الدكتور ماهر أن هناك من سيخلصوا رغم أن لا وعي كامل لهم بشخص المسيح وعمله، إلا أنه يقصد أنهم لا يعرفون أي شيء عن شخص المسيح بدليل أنهم يسألونه عن جراحه، فهم لا معرفة لهم بصليب المسيح وبجروحه التي جرحه بها أحباءه اليهود. ويتضح لنا قصد الدكتور ماهر بأن هؤلاء لا يعرفون المسيح إن وضعنا قوله هذا في ضوء ما قاله سابقًا، بأن غير المسيحيين، بل والملحدين، سيخلصون بأعمالهم الصالحة.

ولكن هناك الكثير من المفسرين يرون أن هذه الآية (الجروح التي جرحت بها في بيت أحبائي) لا تشير للمسيح، بل هي كلام نبي كاذب "ويكون إذا تنبأ أحد .. بالكذب بإسم الرب" (زك ١٣ : ٣). وأن هناك ترجمات أوردت الترجمة كالآتي: "ما هذه الجروح التي بين يديك"، أي ليست في يديه، ربما في ظهره أو في صدره (كما أوردتها بعض الترجمات الأخرى أيضًا). يرى مكارثر (وآخرون يوافقونه) أن هذه العبارة لا يمكن أن تشير إلى المسيا بل هي النبي الكاذب مواصلاً سلوكه (وحديثه) في عددي ٤ ، ٥.

لكن رغم أن تفسير الدكتور ماهر صموئيل للآية غير صحيح، إلا أنه يظل أن ما يقصده هو أن هناك من لم يسمعوا عن جراح المسيح لكنهم في النهاية سيخلصوا، وسيكتشفوا انهم في حضن المخلص دون أن يعرفوا. وهذا معناه أيضًا أن الدكتور ماهر صموئيل يرى أن هناك فرصة للخلاص بعد الموت. مثل القول بأن عقوبة الجحيم مؤقتة.

وإذ يبدو أن بعضهم قد أوصل للدكتور ماهر أن هناك من يقولون بأنه يؤمن بعالمية الخلاص، أفرد حلقة خاصة للتعليق على ذلك. وقمت أنا بالرد على أهم ما جاء بها. ولكن سأكتفي هنا فقط بنقل بعض مما قاله بها. وقد نُشِرَ ذلك في ٧ سبتمبر ٢٠٢٠ على صفحة التواصل الإجتماعي فيسبوك الخاصة بالدكتور ماهر صموئيل في حلقة بعنوان "هل يوجد أكثر من طريق (للنجاة) الخلاص" [11]. يقول:

"في العهد القديم، لدينا، مجازًا، ملايين، مئات الآلاف، على مر آلاف السنين، في كل بقاع الأرض، أناس عرفوا الله، ونجوا من الهلاك، ودخلوا في علاقة مع الله. ورؤيتي أن جميع هؤلاء، الله صفح لهم عن خطاياهم، وغفر لهم خطاياهم. إن جاز ليّ أن أستعمل كلمة غفران، خليني أقول صفح عن خطاياهم، على أساس دم المسيح، وعلى أساس كفارة المسيح. ده رومية ٣، من ٢١ لغاية ٣١، كلام قاطع. بيقول إن الله قدم المسيح كفارة، لإظهار بره، من أجل الصفح عن خطايا السالفين. يعني كان لابد أن المسيح ..." وهنا يقاطعه أ. يوسف يعقوب قائلاً: "رغم إن هما ما كنوش يعرفوه" فيجيبه ماهر صموئيل مصادقًا على قوله "ماكنوش يعرفوه".

ثم بعد أن يؤكد الدكتور ماهر مجددًا أن من سبق وخلص، قبل مجيء المسيح، خلص بناء على عمله الكفاري: "بس السؤال بقى: هما كانوا يعرفوا المسيح زي ماحنا نعرفه؟" فيجيب كل من يوسف يعقوب وماهر صموئيل في نفس واحد قائلان "لأ". ثم يكمل الدكتور ماهر قائلاً: "خالص، ولا يعرفوا إسمه حتى، مايعرفوش يسوع، مايعرفوش إسم المسيح .. يعني مثلاً هل أيوب كان يعرف إسم المسيح وبيقوله: يا يسوع المسيح خلصني من خطاياي؟ أو بلدد الشوحي أو صوفر أو راعوث الموآبية أو هؤلاء الناس؟ كانوا يعرفون المحتوى الإنجيلي الذي نعرفه نحن اليوم؟ كلا .. لكن هل الناس دول خلصوا؟ نعم خلصوا. على أي أساس؟ على أساس ذبيحة يسوع المسيح التي بدونها لا خلاص".

يقول أيضًا ماهر صموئيل في نفس اللقاء:

"يعني برضو في العهد القديم، كان فيه ناس في الأمم نجوا من الهلاك. يعني هل في كل ربوع الأرض، ماكانش بينجو من الهلاك إلا بني إسرائيل. أكيد كان فيه ناس بتنجو من الهلاك. بس مكانش عندهم إمتياز حضور الرب في الشكينة. ماكانش عندهم هيكل .. فعايز أقول حتى في العهد القديم هناك من نجا من الهلاك، لكن ليس الجميع متساوين في الإمتيازات الروحية، لكونهم نجوا من الهلاك .. يا جماعة في عصور مختلفة، نجا الملايين من الهلاك، على أساس دم المسيح، لكن ليس الجميع متساوين في طبيعة الإمتيازات، اللي أنا بسميها بقى مجمل البركات، الخلاص المسيحي".

سأكتفي هنا بالإشارة إلى أن ماهر صموئيل يرتكب مغالطة خطيرة، إذ يساوي بين اليهود، الذين يقول عنهم بطرس أنهم آمنوا بالمسيا متألمًا (مصلوبًا) ثم ممجدًا (١ بط ١ : ١١)، وبين الأمم الذين يعبدون الأوثان ولم يسمعوا عن يهوه قبل أن يتجسد أو بعد أن تجسد كـ يسوع المسيح. أنظر المقال أدناه الذي قمت فيه بتفنيد أهم ما جاء في تلك الحلقة [12].

أخيرًا، ومسك الختام، تخيل بماذا أجاب الدكتور ماهر صموئيل على سؤال سيدة مسكينة تستغيث به: "ليه إحنا متأكدين إن المسيح هو الله والمسيحية هي الصح؟" [13]

والإجابة كانت:

"مفيش حاجة اسمها إحنا صح والناس غلط، لكن ممكن نقول: نحن نتبنى نظرة للعالم أكثر دقة وأكثر صحة من النظرات التي يتبناها الآخرون .. ممكن تتبنى أعظم حقائق الكتاب المقدس وإنت أسوأ إنسان .. إنت بتؤمن بمعتقدات صحيحة لا تجعلك إنسان سوي وسليم وصحيح وأفضل، ممكن إنسان آخر يكون أفضل منك ... ممكن أعد لك دلوقتي ست سبع منظومات للعالم تشترك معنا كمسيحيين في أنه يوجد إله خلق هذا العالم ... كل إنسان له نصيب في مشروع الفداء، فهو غرض فداء الله .. يسوع المسيح فدية لأجل الجميع .. وكل إنسان مهما تشوه له نصيب في هذا الفداء". (الفيديو نُشِرَ على اليوتوب في نوفمبر ٢٠٢٠).

السؤال غير متعلق بنا نحن يا دكتور ماهر، فهذه مغالطة تغيير الموضوع. أنت حولت السؤال من سؤال متعلق بتفرد المسيح وحصريته، إلى سؤال متعلق بـ لماذا نحن أفضل. ونحن لا أفضلية لنا على الإطلاق، ولكننا اِفْتُقِدْنَا بنعمة الله. نحن لسنا الأفضل، ولكننا نتمسك ونؤمن بمن قالت عنه رسالة العبرانيين أنه "الأفضل".

هل هو شيء يدعو للخجل، أو لا يصح، أو يجرح شعور الآخرين، أن نقول أن المسيح هو الله والمسيحية هي الصح لأن كلمة الله تعلمنا بذلك؟ هل لو قلنا أن المسيحية هي الصح بسبب تميز وسمو المسيح وقربه، وكونه يجتمع في شخصه اللاهوت والناسوت، نكون قد مارسنا استعلاء على الآخرين؟

لسنا في حاجة أن نخفي تميز المسيح وربوبيته وألوهيته لكي نحافظ على المساواة بين البشر. فكل هذا مضمون بكلمة الله، لأننا جميعًا من دم واحد، ومخلوقون على صورة الإله الواحد.

الفرق بين المسيح وغيره من مدعي النبوة أو الألوهية لدى الدكتور ماهر هو "أننا نتبنى نظرة للعالم أكثر دقة وصحة من الآخرين"! تخيل أن السؤال أساسًا حول تميز المسيح وحصريته، اختزله الدكتور ماهر إلى مجرد تبنينا لنظرة للعالم أفضل من التي يتبناها الآخرون!

ثم كيف اهتم فقط ماهر صموئيل بوجود عوامل مشتركة بين المسيحية وغيرها من الديانات (كما يظن هو)، ولم يهتم إطلاقًا بإبراز تميز المسيحية وسموها وعظمتها والرجاء الذي تقدمه للإنسان الذي بلا رجاء في ظل ديانته الوثنية أيًا كانت؟ إن هذا أمر لا يمكن أن يستسيغه أي مسيحي كتابي.

وإن لم تتضح لك عقيدة عالمية الخلاص Universalism لدى الدكتور ماهر صموئيل من قوله: "مفيش حاجة اسمها إحنا صح والناس غلط، لكن ممكن نقول: نحن نتبنى نظرة للعالم أكثر دقة"، فمعتقده حول عالمية الخلاص يتأكد لنا من قوله الآخر: "كل إنسان له نصيب في مشروع الفداء، فهو غرض فداء الله .. يسوع المسيح فدية لأجل الجميع .. وكل إنسان مهما تشوه له نصيب في هذا الفداء". كما أن اعتقاده بعالمية الخلاص يتسق مع قوله الآخر بأن الأفضلية ليست لمن لديه المعتقد الصح، بل لمن يفعل الصلاح.

طبقًا لمنطق الدكتور ماهر صموئيل، النتيجة المنطقية لكوننا لسنا الأفضل، بل فقط لدينا منظومة عقيدية أدق من باقي المعتقدات، هو أنه لا أفضلية للمسيحي على غير المسيحي في شيء. طبعًا هذا تشويه للفكر المسيحي straw man argument . لأننا كمسيحيين لا نقول أننا أفضل من أحد، لكننا نتمسك ونؤمن بمن هو الأفضل: يسوع المسيح رب الكل. الأفضلية إذًا لدى الدكتور ماهر تكمن في أعمالك الصالحة وإنسانيتك، وهذا يستدل عليه من قوله "ممكن تتبنى أعظم حقائق الكتاب المقدس وانت أسوأ إنسان". وهذا يذكرنا بإجابته عن سؤال الأستاذ يوسف له عن الملحد الأخلاقي بأن الله لا يحابي دين على دين آخر أو إنسان على إنسان آخر. وما ينادي به الدكتور ماهر ليس سوى إنجيل الأعمال، أي خلاصًا بالأعمال الصالحة.

وحتى لو كان هناك شخص شرير جدًا، ولكن يعتنق العقيدة المسيحية السليمة، فهذا لا يجعل العقيدة سيئة في حد ذاتها، بل تظل هي العقيدة الوحيدة الصحيحة بغض النظر عن معتنقها. ذلك لأن الحق موضوعي ويظل كذلك دون اعتبار لمعتنقه. ثم أن الكتاب المقدس يقول أنه "ليس من يفهم. ليس من يطلب الله"(رو ٣ : ١١)، أي ليس من يبحث عن الله أو يريده. بل كل المتدينون في الأديان الأخرى، يبحثون عن منافع العلاقة مع الله دون العلاقة نفسها. يرغبون في تسكيت ضمائرهم ومخاوفهم. ثم يقول بولس في العدد التالي لذلك: "ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (٣ : ١٢). أي أن تلك الأعمال لا تعد صالحة أمام الله لأنها نابعة من طبيعة بشرية ملوثة بالفساد الجذري. كما أنها ناقصة كمًا وكيفًا. وفي أفضل حالاتها (أعمال برنا) كالثياب القذرة كما يصفها إشعياء (إش ٦٤ : ٦)، وكروث البهائم (طبقًا للأصل اليوناني) كما يصف بولس أعماله وإنجازاته (في ٣ : ٨).

ولماذا يرى الدكتور ماهر صموئيل أن إيماننا هو فقط مجرد نظرة للعالم أكثر دقة وأكثر صحة من نظرة الآخرين للعالم؟ والإجابة هي أنه يستطيع أن يعد لنا "ست سبع منظومات للعالم تشترك معنا كمسيحيين أنه يوجد إله خلق هذا العالم". أي أن غير المسيحيين، كالذين يؤمنون ببوذا أو الـ New Age مثلاً، هولاء نظرتهم صحيحة، لكن نظرتنا للعالم أكثر دقة فقط من نظرتهم. ولا يخفى علينا أن هؤلاء أيضًا يؤمنون بوجود خالق، وواحديون أيضًا pantheistic ، ولكن واحديتهم ليست من نفس نوع الوحدانية التي نألفها نحن كمسيحيين. المهم، طبقًأ لما يقوله ماهر صموئيل، أن تلك المعتقدات غير المسيحية، تجعل الفرق بين عقيدتنا وعقيدتهم، هي أننا فقط لدينا نظرة كونية "أكثر دقة"!

ليس فقط أنه ولا كلمة تخص تميز وسمو المسيح ذكرها الدكتور ماهر في إجابته عن سؤال: لماذا المسيحية هي الصح! بل الفرق بين المسيح وغيره من أشباه الآلهة أو مدعي النبوة، هو أننا لدينا نظرة للعالم أدق تفسر العالم بصورة أفضل، وأن كل إنسان له نصيب في خطة الفداء!

وقد جاءت إجابة الدكتور ماهر، على سؤال السيدة المسيحية المهتمة بشأن ابنها، بالإتساق مع مذهب التعددية (في نسخته المسيحية)، والذي يؤمن بأن يسوع المسيح هو الطريق الأفضل إلى الله من بين طرق أخرى كثيرة جيدة. لم يقدم الدكتور ماهر الإجابة الحصرية القديمة، التي من المفترض أن يقدمها أي مسيحي كتابي يؤمن بأن المسيحية هي الصواب وباقي الديانات خطأ. فالمسيحية، بالنسبة له، لا فرق بينها وبين باقي الديانات سوى أنها أفضل منهم. فجميع الديانات على صواب ولكن المسيحية أكثر صوابًا منهم.

يقول اللاهوتي العظيم الدكتور جويل بيكي:

"التعددية الدينية هي في الواقع مجموعة من النظم العقائدية التي يجمع بينها توجه مشترك. في تصنيف ثلاثي يُستخدم على نطاق واسع، يميز هارولد نيتلاند بين التعددية والحصرية والشمولية، وهذا الأخير هو الاعتقاد بأن المسيح يعمل من خلال الديانات الأخرى لخلاص الهالكين. ومع ذلك، كما يشير ديفيد كلارك، هناك الكثير من التنوع في هذه الفئات الثلاث، فبعض أشكال الشمولية تعلّم بأن المسيح يقدم الطريق الأفضل ولكن ليس الطريق الوحيد لمعرفة الله والخلاص. الشمولية، إذن، تمثل محاولات مختلفة للجمع بين الحصريه والتعددية. على سبيل المثال، قد يؤكد أحد أنصار الشمولية على الحصرية الخلاصية (المسيح وحده يخلص) والتعددية الإعلانية (المسيح يخلص من خلال تعاليم ديانات عديدة)".

ولكن ما هو فحوى تلك التعددية الدينية؟ في جوهر التعددية اعتقاد بأن إختبار الإنسان بما هو إلهي واحد في كل الأديان. وأن هذا الإختبار بالإتكال على الله، يتم تغليفه بأغلفة ثقافية وعقيدية في كل دين على حدة. فالإله واحد، والإختبار الديني واحد، لكن طريقة صياغته والتعبير عنه في كل دين مختلفة عن الآخر. وما عليك فعله في كل دين هو نزع القشرة الخارجية المكونة من الثقافة والعقيدة وخلافه للوصول إلى نواة الخبرة الدينية الواحدة التي تدعو لها الأديان جميعًا.

يضيف بيكي إلى الكلمات السابقة قائلاً:

"كما لاحظنا في الفصل السابق، تُقلل الليبرالية اللاهوتية من (قيمة) المحتوى العقائدي للمسيحية، وتتجاهل متشككة في المسيحية الكتابية القويمة باعتبارها قشرًا وتسعى إلى الاحتفاظ بنواة صغيرة، إله محبة مُعْلَن من خلال الإختبار الإنساني".

يأتي كل ما أوردناه سابقًا من براهين تثبت اعتقاد الدكتور ماهر صموئيل بعالمية الخلاص، وأن المؤمنون بالله من الديانات الأخرى سيخلصون دون معرفة عن المسيح، بالاتساق مع مدحه لآخرين يؤمنون بنفس التعليم. مثل القسيسة فيلمنج روتدلج التي تؤمن بعالمية الخلاص والتي امتدح كتابها الملىء بالهرطقات واصفًا إياه بأنه "كتاب محترم جدًا جدًا" وثاني أعظم كتاب بعد نظيره لجون ستوت "صليب المسيح". وأيضًا امتداحه للراهب الكاثوليكي هنري نووين الذي يؤمن بعالمية الخلاص ويروج للصوفية واصفًا أحد كتبه بأنه "الكتاب الذي أنقذه روحيًا ونفسيًا أثناء إقامته في الولايات المتحدة" في الحالة الصعبة التي كان بها. ليس من الغريب إذًا أن يؤمن ويروج الدكتور ماهر صموئيل لعالمية الخلاص، وعدم مركزية المسيح، إن كان يقرأ لِكُتَّاب يروجون لهذه التعاليم الكاذبة مثل القسيسة الليبرالية فيلمنج روتلدج والراهب الصوفي هنري نووين.

كما أن ما أوردناه سابقًا من اقتباسات حرفية مما قاله الدكتور ماهر صموئيل عن اعتقاده بعالمية الخلاص، يأتي بالاتساق أيضًا مع تصريحاته الكثيرة بالإقلال من شأن العقيدة والتعليم، وفي نفس الوقت الإعلاء من شأن الإختبار الفردي أو الخبرة الدينية التي تجمع بين المتدينون وبعضهم بغض النظر عن اختلاف أديانهم (كما قال شلايرماخر إن جوهر الدين هو الحدس أو الشعور).

تلخيًا لما سبق، يعلم الدكتور ماهر بأن الإنسان يمكن أن يولد الولادة الثانية دون سابق معرفة بالمسيح (رابعة العدوية). والإنسان يمكن أن يخلص بدون معرفة أو إيمان بالمسيح. وأن هناك مؤمنين بالمسيح من الديانات الأخرى، دون أن يعوا أو يدركوا أنهم مؤمنين بالمسيح، لم يسمعوا عنه ويقبلوه عن وعي (مثل الذين سيسألوا: ما هذه الجروح). وأن الإنسان سيدان لا على أساس إيمانه بالمسيح أو موقفه منه، بل بناء على أعماله (حتى وإن كان ملحدًا). وأنه ما المانع أن تكون عقوبة الجحيم (الدينونة) مؤقتة. وأن الكرازة يمكن أن تكون بالله دون إسم المسيح أو إنجيله (مثل كرازة محمود العسيلي). وأن الكثير جدًا من البشر، قبل المسيح وبعده، أي خارج اليهودية والمسيحية، خلصوا فقط لأنهم تابوا وآمنوا بالإله الواحد، أيًا كان شكل هذا الإله الواحد. وأن الحديث عن الله ينبغي أن يسمو، ليس فقط عن الطائفة، بل عن الدين أيضًا. إذًا، المسيح غير ضروري للخلاص، وغير ضروري للدينونة، وغير ضروري للكرازة. طعن صارخ في مركزية المسيح وحصريته.

الدكتور ماهر صموئيل يعلم بأن موقفك وإيمانك ومعرفتك بالمسيح لا تحدد أي شيء في مصيرك الأبدي، فالله سيحاسبك على أعمالك. وعليه فبأعمالك تتبرر وبأعمالك تدان، والمسيح لا حساب لا ولا لزوم له! هذا جوهر ما يروج له الدكتور ماهر صموئيل حتى ولو لم يقله بنفس درجة الصراحة والمباشرة التي تتوقعها!

أما عن إمكانية وجود خلاص في الأديان الأخرى، وأن الإنسان يمكن أن يخلص دون أن يؤمن بالمسيح فقد تم تفنيده في مقال آخر [14].




تعليقات


  1. ابعت مقالة الجدع الهندي ده تاني، رافي...مش عارف ليه راحت في السبام واتحذفت

    الله يفتح عليك.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس