المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, ٢٠١٤

أبوكالوبسيس

أكثر الأسفار التي يمكن أن نعتبرها غامضة في الكتاب المقدس، ألا وهو سفر الرؤيا، يشير إلي نفسه بعكس ذلك. فهو يبدأ بالقول "إعلان يسوع المسيح". وكلمة "إعلان" هنا جاءت في اليونانية ( apokalupsis ) وتعني "تعرية الشئ وكشف النقاب عنه". وقد ذكرت لفظة "أبوكا-لوب-سيس" في الترجمة السبعينية للعهد القديم في قول شاول لإبنه يوناثان "فحمي غضب شاول علي يوناثان وقال له: يا بن المتعوجة المتمردة، أما علمت أنك قد اخترت بن يسي لخزيك ولخزي عورة أمك" (1 صم 2 : 30). وعلي هذا فإن إعلان يسوع المسيح يعني كشف النقاب عن وجه يسوع المسيح. وذكرت أيضا نفس اللفظة اليونانية في العهد الجديد لتعني استنارة ناتجة عن الإعلان كما في قوله "نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك اسرائيل" (لو 2 : 32). وهذه الإستنارة الناتجة عن الإعلان ذكرت أيضا في (أف 1 : 17) كشئ يمكن أن يتحقق للمؤمن لأن لديه روح الحكمة والإعلان "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح، أبو المجد، روح الحكمة والإعلان في معرفته". فليس فقط أن الحق الكتابي هو في ذاته إعلان واضح قابل للفهم بل أيضا لدينا روح الحكمة و

أبولوجيا

مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ (1 بط 3 : 15 ) كلمة مجاوبة هنا جاءت في الأصل اليوناني "أبولوجيا" (وهي الكلمة التي اشتقت منها التعبير الإنجليزي  (Apologetics   وتعني تقديم دفاع عقلاني ومنطقي عن الحق الذي نؤمن به، وقد ترجمت بمعني احتجاج في محكمة في قول بولس أثناء محاكمته "أيها الرجال الإخوة والآباء اسمعوا احتجاجي الآن لديكم"(أع 22 : 1) ، وترجمت محاماة في رسالته إلي فيلبي عندما كان موثق في السجن "لأني حافظكم في قلبي في وثقي وفي المحاماة عن الإنجيل وتثبيته" (1 : 7). وكلمة "رجاء" جاءت في اليونانية أيضا لتعني الثقة في حدوث أمر مستقبلي، ولا شك فإن هذا الرجاء المقصود هنا هو استعلان ربنا يسوع المسيح لخلاص الأجساد ، وبناء علي ذلك فإن المعركة فرضت علينا ونحن مطالبون بتقديم دفاع عقلاني من أجل رجاءنا في الحق .

آنتي - كريستوس

أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ . (1 يو 2 : 18) تعبير ضد المسيح جاء في اليونانية "آنتي – كريستوس"، ولفظة "آنتي" اليونانية تعني "بديل"، وقد ترجمت بهذا المعني الآخير في قول متي البشير "ولكن لما سمع أن أرخيلاوس يملك علي اليهودية (عوضا عن) هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلي هناك" (2 : 22). ويؤكد ذلك كل من قاموسي ثايير وسترونج. وبناء علي ذلك فليس من الضروري أن يكون ضد المسيح مقاوما صريحا له، بل إن كل من يأخذ مكان الرب يسوع المسيح ويستبدله هو ضدا له. وما أكثر البدلاء الذين أخذوا مكان الرب يسوع المسيح في يومنا هذا، وهم لا يأتون من خارج الكنيسة بل من داخلها، لأنهم يريدون اضفاء الصفة الدينية علي أنفسهم حتي يستطيعوا حبك الخدعة علي البسطاء. إذا فكل من ينسب لنفسه أمجاد المسيح أو كمالاته أو صفاته أو مكانته أو وظائفه هو ضد للمسيح، وكل من يُنسب له هذه هو ضد للمسيح لم يصنع نفسه بل من صناعة ا

موت الله بين عبثية سليمان وعدمية نيتشه

يقول سليمان "ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما"، كان له الخيل والأموال والنساء والحكمة والسلطان، إلا أنه صرح أخيرا "ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح.. فكرهت الحياة لأنه رديء عندي العمل الذي عمل تحت الشمس لأن الكل باطل وقبض الريح". رأي الحياة كحلقة مفرغة لا نهاية ولا هدف ولا ملأ لها، فالأذن لا تمتلئ سمعا والعين لا تشبع نظرا، والأنهار تجري إلي البحر لتصب فيه، والبحر ليس بملآن، إلي المكان الذي جرت منه الأنهار إلي هناك تذهب راجعة. ولم تكن هذه النظرة نتاج فكر نظري مجرد بل ثمرة واقعه الشخصي الذي عاشه طيلة سنين عديدة ونظره المحصور في الأمور التي "تحت الشمس" فقط، وهو منظور أفقي للحياة يخلو من البعد الروحي تماما. فصارت الحياة له عبثية ولا معني لها أكثر من المعني الذي تراه البهيمة، حيث أن حادثة واحدة تحدث لكليهما في النهاية ألا وهي الموت "فليس للإنسان مزية علي البهيمة لأن كليهما باطل".  ونيتشه (وهو فيلسوف ملحد من فلاسفة التنوير) قال أن "الله مات"، وبموت الله – بحسب نيتشه –

أنواع إلإيمان الثلاثة في اللاهوت الإصلاحي

ميز المصلحين بين ثلاثة أنواع من الإيمان: الأول هو محتوي الإيمان (Notitia)، فلكي نؤمن لابد أن يكون هناك ما نؤمن به، وهو ما نعرفه عن الشخص أو الشئ موضوع الإيمان. محتوي الإيمان المسيحي وموضوعه هو الرب يسوع المسيح وإنجيله (تجسده وصلبه وقيامته). والنوع الثاني هو القناعة العقلية (Assensus) أو التصديق بصحة محتوي الإيمان، فلكي نؤمن بشئ لا يكفي أن نعرف عنه فقط بل لابد أيضا من التسليم بصدقه وصحته. وأخيرا هناك أيضا الإلتزام والإتكال القلبي الشخصي بما نصدقه (Fiducia) فمعرفة وتصديق الإيمان المسيحي ليسا كافيين ليكون الإيمان حقيقي. فالإيمان إذا يصبح حقيقي فعلا عندما تقترن المعرفة عن المسيح وتصديق ما ينسبه لنفسه بثقة شخصية قلبية في ذلك. وبناء علي ما سبق قد يوجد النوعيين الأولي والثاني بمعزل عن الثالث عندما يكون الإيمان علي مستوي العقل فقط ولكن لا يمكن أن يوجد النوع الأخير بدون الأول والثاني.  تطبيقا لذلك فإن ما قصده الرسول يعقوب أولا في قوله "أنت تؤمن أن الله واحد، حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون" (يع 2 : 9)، هو الإيمان العقلي الذي لا يتعدي المستوي الثاني، حيث يوجد فقط محتوي الإي

الملحدون يرون خطورة المزج بين التطور والتعليم الكتابي أكثر مما يراها بعض المسيحيون أنفسهم

لم أكن أنوي التعليق علي ما قاله بابا الكنيسة الكاثوليكية بروما فرانسيس بأن هناك امكانية للتوفيق بين نظرية التطور والحق الكتابي، فالأمر لم يصدمني، لأني أعلم جيدا تاريخ الكنيسة الكاثوليكية بأنها منذ القرن التاسع عشر وهي تقف إلي جوار نظرية التطور، بداية من فضيحة إنسان بيلت داون ووصولا إلي نظرية الإنفجار العظيم التي صاغها الأب جورج لاميتري. ولكن يعز عليّ جدا أن الكثير من المسيحيين لا يدركون خطورة المزج بين نظرية التطور والتعليم الكتابي، في الوقت نفسه الذي يدرك فيه أعداء الإنجيل أخطار تزويج الهراء الدارويني بالحق الكتابي الثمين. النظريتان اللتان مزجتا بين تعليم الخليقة الكتابي وبين التطور وهما الخلق التدريجي والتطور الإيماني كلاهما وضعتا الموت قبل خطية آدم. وذلك لأنه إن كان آدم هو نهاية سلسلة من التطور الذي ((ماتت)) فيه الأنواع البسيطة السابقة له وجاءت منها أنواع أكثر تعقيدا فإننا بذلك نضع الموت قبل خطية آدم. فالكائنات صارعت من أجل البقاء وقتلت الكائنات الأضعف منها، أو أن الكائنات الضعيفة لم تستطع التكيف ومن ثم ماتت وانقرضت وأصبح هناك فرصة أمام الكائنات الأخري للحياة والبقاء. وأن ال

هل الحق الكتابي نسبي؟

"تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 8 : 32) الحق هنا معرف بالألف واللام، فهو وحيد. واللفظ اليوناني ( alētheia ) المستخدم هنا هو نفسه المتسخدم في قول الرب عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14) وهو أيضا نفس اللفظ المستخدم في اشارة الرب للكلمة المقدسة "كلامك هو حق" (يو 17) (مع الملاحظة أنها قيلت عن العهد القديم أيضا لأن العهد الجديد لم يكن قد كتب حينئذ). كما أن الكلمة اليونانية (logos) استعملت للإشارة إلي الرب يسوع في (يو 1) وإلي الكلمة المكتوبة أو الوصية الكتابية في مواضع كثيرة من العهد الجديد، مما يجعلنا نستنتج أن الوصية الكتابية ليست شيئا مختلفا عن الرب يسوع المسيح بل هي المسيح ذاته ولكنه مكتوبا ومقروءا ومسموعا، فكلاهما "الحق الواحد". كما أن قول الرب هنا يدل علي وجود امكانية لمعرفة الحق وإلا لما قال ذلك، لأنه إذا كانت معرفة المسيح (الحق المتجسد) ممكنة ، إذا فهناك إمكانية أيضا لمعرفة كلمة الله (الحق المكتوب). وبحسب بعض القواميس فإن كلمة "تعرفون" المذكورة في الآية أعلاه جاءت في اليوناينة ( ginōskō) وتعني أن "تعرف

لو لم يكن لدينا سوي العهد الجديد ماذا كنا سنتعلم منه عن الخليقة؟

أكثر سفر في الكتاب المقدس يتعرض لأشرس الهجمات هو سفر التكوين، وخاصة الإحدي عشر أصحاحا الأولي منه. ذلك لأنها تحوي قصة نشأة الكون والحياة وخلق الإنسان وسقوطه وتكاثر الجنس البشري وفسادهم وإهلاكهم بالطوفان العالمي. وهذه الحقائق التي يذكرها التكوين بكل تأكيد تتعارض مع فرضيتي التطور والإنفجار العظيم، باعتبارهما يفسران نشأة الكون والحياة وتطور الجنس البشري عن كائن يشبه قرد الغاب. مما دفع البعض إلي محاولة التوفيق بين فرضية التطور والحق الكتابي المذكور في سفر التكوين مدعين أنه لا يوجد تعارض بينهما ، وأنه لا مانع أن يكون الله قد استخدم التطور في اتمام عملية الخلق. والبعض من هؤلاء الذي وضعوا علي عاتقهم التوفيق بين فرضية داروين وبين ما كتبه موسي في سفر التكوين تطرفوا واضطروا لإنكار تاريخية الأصحاحات الإحدي عشر الأولي منه مدعين بأنها أسطورية وليست حقيقية لأنها تتعارض مع مكشفات العلم الحديث، غير مدركين أنهم أولا يخلطون بين العلم التجريبي وبين فرضية التطور التي تنطوي تحت لواء العلم التأريخي المؤسس علي الإفتراضات حيث أنها غير قابلة للإثبات لأنها حدثت في الماضي منذ ملايين السنين وتحدث في الحاضر ببط