أنواع إلإيمان الثلاثة في اللاهوت الإصلاحي


ميز المصلحين بين ثلاثة أنواع من الإيمان: الأول هو محتوي الإيمان (Notitia)، فلكي نؤمن لابد أن يكون هناك ما نؤمن به، وهو ما نعرفه عن الشخص أو الشئ موضوع الإيمان. محتوي الإيمان المسيحي وموضوعه هو الرب يسوع المسيح وإنجيله (تجسده وصلبه وقيامته). والنوع الثاني هو القناعة العقلية (Assensus) أو التصديق بصحة محتوي الإيمان، فلكي نؤمن بشئ لا يكفي أن نعرف عنه فقط بل لابد أيضا من التسليم بصدقه وصحته. وأخيرا هناك أيضا الإلتزام والإتكال القلبي الشخصي بما نصدقه (Fiducia) فمعرفة وتصديق الإيمان المسيحي ليسا كافيين ليكون الإيمان حقيقي. فالإيمان إذا يصبح حقيقي فعلا عندما تقترن المعرفة عن المسيح وتصديق ما ينسبه لنفسه بثقة شخصية قلبية في ذلك. وبناء علي ما سبق قد يوجد النوعيين الأولي والثاني بمعزل عن الثالث عندما يكون الإيمان علي مستوي العقل فقط ولكن لا يمكن أن يوجد النوع الأخير بدون الأول والثاني. 

تطبيقا لذلك فإن ما قصده الرسول يعقوب أولا في قوله "أنت تؤمن أن الله واحد، حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون" (يع 2 : 9)، هو الإيمان العقلي الذي لا يتعدي المستوي الثاني، حيث يوجد فقط محتوي الإيمان – الذي هو الإنجيل – وأيضا التصديق بهذا المحتوي. وهذا الشخص الذي يخاطبه يعقوب هنا بالإنسان "الباطل" يعلم عن يقين صدق الإنجيل، لكنه لا يستطيع تجاوز النوع الثاني إلي الثالث. وإذا رجعنا لأعترافات الشيطاين عن الرب عندما تقابلوا في الأناجيل لوجدنا مثالا واضحا لهذا النوع من الإيمان الشطياني الذي يكون علي مستوي العقل فقط "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله، أجئت إلي هنا قبل الوقت لتعذبنا". نفس الشئ أيضا ينطبق أيضا علي مدعي الإيمان الذين لم يقبلوا المسيح في قلوبهم وبالتالي لم يصلوا إلي هذا النوع الثالث من الإيمان، إلا أن الفرق الوحيد هنا بين الشياطين والبشر هو أن طريق الخلاص مفتوح أمام البشر في أي وقت.

وهناك الكثير من الأمثلة في الكتاب المقدس لأشخاص كان لهم إيمانا لم يتجاوز النوع الثاني، كالتلاميذ الذين رجعوا من وراءه ولم يعودوا يمشون معه (يو 6) واليهود الذين آمنوا به ولكنهم رفعوا حجارة لكي يرجموه (يو 8)، وقائد المائة عندما شهد عن المسيح أنه كان حقا ابن الله وكان راضيا بقتله، وسيمون الساحر الذي آمن واعتمد ولكنه أراد شراء مواهب الروح القدس بالفضة. وتحدثنا الرسائل أيضا عن المرتدون مثل يوحنا في قوله "منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا. لكن ليظهروا أنهم ليسوا جميعا منا" (1 يو 2). وكل الآيات الأخري في الرسائل التي تتكلم عن الثبات في المسيح تشير ضمنا إلي هذه التفرقة، وأن الذين سيثبتوا هم من لديهم الثقة والإلتزام القلبيان بعمل المسيح، أما الذين لم يثبتوا فهم يحملون في ذواتهم برهان عدم إيمانهم الحقيقي وتوقف إيمانهم عند المستوي الثان.

أما عن قول يعقوب أيضا أن الإيمان بدون أعمال ميت يقصد هنا الإيمان الذي لم يتجاوز النوع الثاني إلي الثالث (إيمان الشياطين)، وذلك لأن النوع الثالث لا يمكن أن يوجد بدون أعمال صالحة. أي أن وجود هذا النوع الأخير (بما يشمله من النوعين الأول والثاني) لابد أن يعبر عن نفسه من خلال الأعمال الصالحة، فهي دليل وجوده كما أن دليل حياة الشجرة هو الثمار التي تطرحها، فلا يمكن أن توجد شجرة حية وطبيعية دون أن تطرح ثمار حقيقية. في حين أنه قد يعمل الخطاة أعمالا صالحة وليس لديهم النوع الأخير من الإيمان (فيدوكيا) بل كل ما لديهم هو النوعان الأول (نوتيشيا) والثاني (أسنسوس) وبالتالي لا تقبل أعمالهم الصالحة لأنهم أنفسهم ليس لديهم الثقة القلبية بالرب يسوع المسيح. وبهذا فإن برهاني الإيمان الصادق هو أولا الثبات في المسيح والعلاقة معه، وثانيا هو الأعمال الصالحة كثمار للإيمان الحي والعامل في القلب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس