المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, ٢٠١٩

لماذا سمح الله لآدم بأن يسقط؟ أم كيف سمح آدم لنفسه أن يسقط رغم كل ما كان متاحا له؟

السؤال الأكثر إلحاحا، في رأيي، لا ينبغي أن يكون: "لماذا سمح الله لآدم أن يسقط"، بل: "كيف يمكن أن يسقط أدم في ظل تلك الظروف المثالية التي خلقه عليها الرب؟". ولكي نعرف أي من السؤالين أكثر بداهة وإلحاحا، عَدِّد معي هذه العطايا أو البركات التي أعطاها الرب لآدم، والتي كان من المتوقع لآدم أن يستخدمها في مقاومة التجربة: 1 - كان لدى آدم وصية صريحة، دون لبس أو مواربة بها، تقول أن لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. 2 - كانت الوصية مقترنة بتحذير وعقاب "موتا تموت"، الأمر الذي كان من المفترض أن يُنَبِّهَه لخطورة الأمر. 3 - كانت له جميع خيرات الجنة ليتمتع بها، فلم يكن محروما من شئ. 4 - كان يستطيع الأكل من شجرة الحياة إذا أراد. فشجرتي معرفة الخير والشر، والحياة، كانتا متجاورتان في منتصف الجنة. 5 - كان آدم صاحب القرار باعتباره المسئول أمام الرب، لأن الكتاب المقدس ينسب مسؤولية السقوط لآدم بصورة أساسية، مع أن حواء هي التي أغويت، وهي التي سقطت أولا. كما أن الوصية أعطيت له هو. (السقوط حدث في القلب والفكر أولا واكتمل بالأكل من الثمرة) 6 - لم

شجرتان ورجلان

الشجرة الأولى هي شجرة معرفة الخير والشر، والثانية هي الشجرة التي عُلِّقَ عليها يسوع. في (بط 2 : 24) يقول الأصل اليوناني أن يسوع حَمَلَ خطايانا في جسده على "الشجرة" (إكسولون). وقد تُرْجِمَت في الكثير جدا من الترجمات الإنجليزية المحافظة، ما بين القديم منها والحديث، إلى "شجرة". وهي نفس الكلمة اليونانية المستخدمة في السبعينية في تعبير "شجرة [إكسولون] معرفة الخير والشر" (تك 2 : 17). والرجلان هما آدم الأول، وآدم الأخير. الرجل الأول أراد ارضاء لذته وزوجته، فأكل منها رغم كونها مُحَرَّمة، متمردا على وصية الله ومشيئته.  والرجل الثاني أراد ارضاء عدل الله وإتمام مشيئته،  مع أنه لم يكن مضطرا أن يصلب، إذ كان بريئا، بل بارا،  فَعُلِّق عليها. الأول حول الجنة إلى جحيم. والثاني حمل عقاب الجحيم محولا إياه إلى فردوس. الإنسان الأول خُلِقَ تحت الوصية، فتمرد عليها. والإنسان الثاني، مولودا تحت الناموس، خضع للوصية، مع كونه مصدر الناموس. الشجرة الأولى كانت لإمتحان الإنسان الأول، فسقط سقوطا مدويا. والشجرة الثانية أيضا كانت لإمتحان الإنسان الثاني، فاحتمله بصبر، ولأن مسرة الرب بي

سي إس لويس يهاجم أجزاء من المزامير بكل ما أوتي من فصاحة الأديب

ليس الغرض من هذا المقال تقديم تحليل متكامل لفكر سي إس لويس عن مزامير اللعنات، بقدر ما هو سرد تحليلي لأخطر الأوصاف التي وصف بها تلك الدينونات الواردة في بعض المزامير، والتي اقتبس منها الرب يسوع وكتبة العهد الجديد كثيرا. كما شهد الرب يسوع المسيح لقانونيتها في مجملها غير مميز بين صلوات صحيحة وصلوات خاطئة أو صلوات شيطانية كما رآها لويس وكما سيأتي الذكر.  كما أننا لسنا هنا أيضا بصدد تبرير، أو شرح لصلوات النقمة تلك، فقد فعلنا هذا في بحث آخر. وفضلا عن أن رأي لويس في مزامير اللعنات يمس قضية العصمة والقانونية، إذ يضع نفسه كمعيار فوقي مقررا أيا من تلك الصلوات صحيح وأيا منها خاطئا،  بيد أن الموضوع لا يقف لدى لويس عند هذا الحد، بل يتعداه ليصل إلى درجة إهانة تلك الأجزاء من الوحي المعصوم واصفا إياها بأوصاف صعبة جدا. يفتتح لويس فصله عن "اللعنات" في المزامير في كتابه "تأملات في المزامير" بالقول أن ببعض المزامير روح كراهية، والبعض الآخر، حيث تنقطع روح الكراهية تلك، يتسم بالسذاجة والكوميديا: "إن في بعض المزامير روح كراهية تصفعنا على وجوهنا كالدخان المتصاعد من فم الأتون.

اختار الله أشخاص وأشياء لا يستحسنها العالم - يونانيات

٢٦فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ، لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ، ٢٧بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. ٢٨وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، ٢٩لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ. ٣٠وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً. (1 كو 1) في عددي (27، 28) ترد الصفات "جهال، ضعفاء، أقوياء، أدنياء، مزدري، غير الموجود" (في الأصل اليوناني) في صيغة جمع المحايد مما يعني أنها تشير إلى أشياء، فيما عدا "حكماء" وحدها هي التي تأتي في صيغة جمع مذكر مما يعني أنها تشير إلى أشخاص. وفي رأيي، أن المعنى الذي قصده بولس هنا لا يقتصر فقط على أن الله اختار أو استحسن للخلاص أشياء يحتقرها العالم، بل أشخاص أيضا. فالأشياء التي يحتقرها العالم هي الصليب وجهالته وع

سي إس لويس عن الوحي والعصمة وتاريخية بعض أسفار الكتاب المقدس

يعرب لويس، في خطابه لشخص يدعى كوربين كورنيل، عن قلقه إزاء نسبة نفس الدرجة من التاريخية لكل أسفار الكتاب المقدس. ويذكر سفر يونان على وجه التحديد منكرًا تاريخيته في مواجهة النصوص التي تتعامل، مثلا، مع حياة داود أو الأناجيل. يقول لويس "إن لسفر يونان بأكمله، بالنسبة لي، أسلوب الرومانسية الأخلاقية، وهو شئ مختلف إلى حد كبير، قُلْ، عن رواية داود الملك، أو روايات العهد الجديد [الأناجيل]، فهو [سفر يونان] غير مترسخ في قرينة تاريخية مثلهم". ويتساءل لويس عن مدى اعتبار الكتاب المقدس سفر يونان تاريخي. فيجيب عن هذا السؤال بأنه لا ينبغي معاملة سفر يونان على أنه سفر تاريخي، بل ينبغي تصنيفه، مثله في ذلك مثل سفر أستير، وأمثال المسيح، على أنها جميعا نصوصًا قصصية (تخيلية). أو على حد وصف لويس نفسه: "بأي معنى 'يقدم' الكتاب المقدس قصة يونان 'كتاريخ'؟ إنه بالطبع لا يقول 'أنها خيال'، ولكن ولا ربنا نفسه يقول أن قاضي الظلم أو السامري الصالح أو الابن الضال هي قصص تخيلية (وأستطيع أن أضع سفر أستير في نفس الفئة مثل يونان لنفس السبب أيضًا)". ورغم إنكار لويس لتاريخية سفر يو

هل حقا "أبواب الجحيم مغلقة من الداخل" كما يقول سي. إس. لويس؟

ليس الغرض من هذا المقال الدفاع عن تعليم الجحيم في الكتاب المقدس في مقابل الأفكار غير الكتابية التي ترد فيما كتبه سي. إس. لويس عن الجحيم، بقدر ما هو مجرد تحليل مختصر لفكره حول هذا الأمر. في الفصل الخاص بـ "الجحيم"، من كتابه "معضلة الألم" (ترجمة هدى بهيج – الطبعة العربية الأولى 2014)، يستهل سي. إس. لويس حديثه بقولين مفتاحيين، يعبران عن جوهر فكره حول ما يعتقده عن هذا الموضوع. الأول قول مقتبس لنابليون: "هذه العزلة التي نجتاز فيها هي أنا". والثاني قول مقتبس لشكسبير: "ريتشارد يحب ريتشارد، أي، أنا أكون أنا" (ص 119). وبهذين القولين يقدم لويس تلخيص مسبق لما سيشرحه في السطور اللاحقة على كون الجحيم هو ما نصنعه نحن لأنفسنا، أو هو ما يتركنا الله عليه: هو الذاتية التي نختارها ويتركنا الله لها. وإن كان هذا صحيح، إلا أنه ليس الصورة كاملة. واقتصار رؤية لويس للجحيم على أنه عقاب الإنسان لنفسه، وأن الله يتركه لاختياره، دون أن يكون هناك يد لله في الموضوع، ودون أن يذكر لويس أي شئ عن عدل الله وغضبه وانتقامه من كراهية ومقاومة الأشرار له، لهي رؤية مختزلة ومنقوصة، الغرض

تعليم (ومصطلح) التبرير "بالإيمان وحده" في كتابات آباء ما قبل أغسطينوس

يدعي البعض أن تعليم التبرير بـ "الإيمان وحده" دخيل على المسيحية، ولم يعلّم به آباء الكنيسة. وفي مواجهة هذا الإدعاء يقدم ناثان بيوزينتز (مؤرخ كنسي معاصر)، مسحا تاريخيا لبعض أقوال الآباء عن التبرير بالإيمان وحده. صدق أو لا صدق، لقد وردت عبارة بـ "الإيمان وحده" (سولا فيديه) بحصر اللفظ في كتابات الآباء قبل أن ينادي بها المصلحين بأكثر من ألف سنة. وإن كان هذا وقعه غريب على آذان البعض، إلا أنه أمر متوقع أن يكون هناك شهادات من التاريخ على صحة تعليم جوهري مثل هذا. يبدأ بيوزينتز مسحه التاريخي بكلمنت الروماني، إذ يقول هذا الأخير في رسالته إلى الكورنثيين (32.4): "وهكذا، فإذ قد دعينا بإرادته في المسيح يسوع، لم نتبرر بواسطة أنفسنا أو من خلال حكمتنا أو فهمنا أو تقوانا، أو أعمالنا التي عملناها في قداسة القلب، ولكن بالإيمان، والذي بواسطته برر الله القدير كل من وُجِدَ من البدء [مؤمني العهد القديم]". ومع أننا لا نجد تعبير "بالإيمان وحده" بحصر اللفظ فيما قاله كلمنت، لكن لا شك أنه عبر عن المفهوم بدقة. ثم ينتقل بيوزينتز إلى ما قاله أوريجانوس (القرن الثا

الإصلاح البروتستانتي ليس اختراعًا (لتعاليم جديدة) بل استرجاعًا (للتعاليم الأصلية)

"ولكن إلتزام المصلحين بأولوية الكتب المقدسة لم يوقفهم عن الإستناد أيضًا على كتابات اللاهوتيين من الأجيال السابقة. فمع أن المصلحون أسسوا حججهم بصورة أساسية على الكتاب المقدس إلا أنهم راعوا أن تكون قضيتهم مدعومة تاريخيًا. فإن تقدير مارتن لوثر لآباء الكنيسة، ولا سيما أغسطينوس، وبيرنارد من كليرفو، مُوَثَّق تاريخيًا بصورة جيدة. وميلانكثون أيضا يستشهد بمصادر مشابهة .. فمثلا في مقدمة تفسيره لرسالة رومية يستند ميلانكثون على أغسطينوس وكريسوستوم وبيرنارد كشهود على أن المؤمنون ينالون غفران الخطايا بواسطة النعمة ومن خلال الإيمان فقط. كان كالفن أيضا صلبًا في إصراره على أنه يمكن الدفاع عن المبادئ الإنجيلية من تاريخ الكنيسة. وكما الحال مع لوثر وميلانكثون، كان أغسيطنوس هو أكثر آباء الكنيسة تفضيلاً لدى كالفن والذي اقتبسه ١٧٠٨ مرة. ومع أن كالفن لم يقتبس من كتابات الآباء بالتساوي إلا أنه اعتبر كريسوستوم وأغسطينوس وبيرنارد حلفاء لاهوتيون. وعليه، فقد أكد أنه يمكن الدفاع عن فكره البروتستانتي بالإستناد على المصادر التاريخية .. احتج أيضا مارتن تشيمنتز بشهادة آباء الكنيسة .. فقد استشهد بأوريجانوس وهيلاري

هل طوفان نوح هو سبب الحفريات؟

بقلم الدكتور والمهندس والعالم جون موريس مترجم عن الإنجليزية كثيرا ما يتم الإشادة بالحفريات على أنها الدليل الرئيسي على حدوث التطور. فالمنظور الكوني التطوري ذو الوتيرة الواحدة [ما يحدث ببطئ في الحاضر حدث بنفس المعدل في الماضي] يفترض أن العمليات البطيئة والتدريجية التي نراها عاملة اليوم هي المسئولة، ليس فقط عن موت وانقراض أنواع النباتات والحيوانات، بل أيضا عن دفنها في الرواسب التي ستتصلب في النهاية متحولة إلى صخور رسوبية. إن شعار هذا المنظور التطوري ذو الوتيرة الواحدة بأن: "الحاضر هو المفتاح إلى الماضي" يعكس نظرتهم لأصل الملامح في الصخور والسجل الحفري. وأعتقد أن طوفان نوح  الرهيب هو تفسير أفضل [للسجل الحفري]. لاحظ أن القليل جدا من الحفريات تتكون اليوم، بل وفي حالة الدفن السريع بالماء فقط. على سبيل المثال، ماذا يحدث إلى السمكة عندما تموت؟ إما أنها تطفو على السطح أو تغرق في القاع حيث تتحلل وتؤكل بواسطة الحيوانات التي تتغذى على الجثث. إلا أن الكثير من حفريات السمك تم حفظها بطريقة مُتْقَنَة حتى أن قشورها وأعضاءها قد حُفِظَت. فمن الواضح أنه لم يكن هناك وقت للتحلل والعمل ال