المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, ٢٠٢٠

هل الكتاب المقدس يقول أن الأرض كرة أم دائرة؟

كثيرًا ما يُستخدم قول إشعياء "الجالس على كرة الأرض" (إش 40 : 22) كمحاولة للقول أن الكتاب المقدس به أخطاء علمية. أو على الأقل غير دقيق من الناحية العلمية. ذلك، لأن النص العبري الأصلي لم يقل "كرة" بل "دائرة". الأمر الذي دعا أحدهم للقول "الكتاب المقدس مفيهوش أخطاء علمية لأنه ببساطة مفيهوش حقائق علمية. فالجالس على "دائرة" الأرض كُتبت لبيان قدرة الله السرمدية وليس لإثبات شكل الأرض". قد يبدو أن صاحب هذه الكلمات في صف الكتاب المقدس، إلا أنه في الحقيقة يريد أن يسلب الكتاب المقدس من أي عظمة له، كأن يكون هناك توافق بينه وبين الإكتشافات العلمية مثلاً. وهو قد وضع كلمة "دائرة" بين علامات تنصيص ليؤكد لك أنه لم يقل أنها "كرة". صحيح أن الكتاب لم يقل أنها كرة، بل دائرة. إلا أن المعنى واحد. ذلك لأن الكتاب المقدس نفسه علم بدائرية السماء ودائرية شكل المياه على سطح الأرض. وهذا نستدل عليه من نفس الكلمة العبرية (خوج) التي استخدمها إشعياء لوصف الأرض كدائرة (في إش 40 : 22). فهي نفسها المستخدمة في وصف دائرية الأفق مع السماء أو دائرية السماء ن

الإيمان ولزوم المعرفة عن المسيح لدى كالفن

يوجد تعاليم غير كتابية مطروحة على الساحة تتعلق بتعليم الخلاص الجوهري، كالشمولية والعالمية. ومفاد هذان التعلميان هو أن المسيح سَيُخَلِّص غير المسيحيين، على الرغم من أنهم لم يسمعوا عنه. بل وهناك من يقول أن هناك من يؤمنون بالمسيح دون أن يعوا أنهم مؤمنون به. مما لا شك فيه أن الإدعاء بإمكانية وجود إيمان حقيقي بالله بمعزل عن معرفة المسيح وإنجيله يفصل بين الإيمان والمعرفة. لكن هذا خطأ لاهوتي فادح يؤدى إلى هرطقات مثل الشمولية والعالمية. إن هرطقة مماثلة كانت موجودة أيام كالفن أيضًا تفصل بين الإيمان والمعرفة. وقد سماها مخترعوها بـ "الإيمان الضمني". أي أن الشخص يستطيع أن يكون له إيمان خفي، أو ضمني، بالمسيح، دون أن يكون له معرفة به، عن طريق تصديق وطاعة الكنيسة التي تعرف كل شيء عن المسيح. لكن كالفن قام بتفنيد هذا التعليم غير القويم في كتابه "أسس الدين المسيحي". إن تأكيد كالفن على أن الإيمان تلازمه المعرفة عن المسيح وإنجيله يمكن أن يكون مفيد لنا في الجدل الحالي المتعلق بالشمولية والعالمية. لهذا رأيت أن أقدم بعض ما قاله كالفن عن ذلك مع بعض التعليقات من طرفي لتوضيح وتحليل ما يقوله

أثر التبرير بالإيمان على فعالية الكهنوت الطقسي

تعليم الإصلاح البروتستانتي بالتبرير بالنعمة وحدها من خلال الإيمان وحده لم يكن فقط إعادة اكتشاف للإنجيل، بل كان أيضًا الأمر الذي قَوَّض الطقسية من جذورها. كما أنه لم يكن مجرد خلاف عقيدي ثانوي مع الكنيسة القروسطية حول الخلاص. بل كان يعني أنه لا فعالية أو صلاحية للطقسية بأكملها في نظامها القائم على الأسرار الكهنوتية والكنسية. وقد فهمت الكنيسة القروسطية هذا المعنى جيدًا، من هنا جاء عدائهم للإصلاح البروتستانتي.  ذلك لأنه إن كان الخلاص بالنعمة والإيمان وحدهما، إذًا، فلا حاجة لأسرار الكنيسة، ولا حاجة للنظام الكهنوتي الطقسي بأكمله. التبرير بالإيمان أصاب الطقسية في مقتل في كل من السوتوريولوچي والإكليزيولوچي. وعليه، فلم يكن من فراغ أن المصلحون قالوا أن التبرير هو ذلك التعليم الذي تقوم أو تسقط عليه الكنيسة.   يقول المورخ الكنسي المعاصر سكوت مانيتسك: "رسالة مارتن لوثر بأن الخطاة أبرار أمام الله من خلال الإيمان وحده بالمسيح (سولا فيديه)، ليس فقط أنها قوضت النظام التكفيري الكاثوليكي [الخلاص من خلال القيام بكفارات معينة]، لكنها اقتلعت من الجذور الدور السرائري للكاهن القروسطي كالمانح للنعمة الخلا

الخطية الأصلية: العقيدة المسيحية الوحيدة القابلة للإثبات تجريبيًا

كل أفرع المعرفة الإنسانية الحديثة تتسم بحالة من التفاؤل حول الإنسان. الفلسفة تفترض أن الإنسان قادر على معرفة الحق بواسطة العقل وحده وبدون الإعلان الإلهي (العقلانية) أو أن الحواس تكفي لهذا الغرض (التجريبية). البيولوجيا الداروينية أيضًا تفترض أن الإنسان يصعد من حالة سُفلى إلى حالة عليا في مسار تطوري صاعد. العلوم النفسية (الزائفة) مؤسسة على صلاح الإنسان وقدرته على تحقيق ذاته ومساعدة نفسه. طبقًا لما يقوله المؤرخ والمفكر الأمريكي الراحل بيتر جاي عن روح التنوير العلمناني التي ترعرعت فيها هذه المعارف الإنسانية الحديثة، فإن التنوير العلماني كان يمثل رغبة الفلاسفة والعلماء في الإستقلال عن الميراث الثقافي المسيحي من خلال إعادة تدوير الفلسفات الكلاسيكية الوثنية في شكل جديد. أو طبقًا لكلمات بيتر جاي نفسه: "اكتشفت أن تجربة الفلاسفة كانت صراعًا ديالكتيكيًا من أجل الاستقلال الذاتي، ومحاولة استيعاب الماضيين اللذين ورثوهما - المسيحيً والوثني - لتحريضهما على بعضهما البعض وبالتالي لضمان استقلالهما. يمكن تلخيص التنوير في كلمتين: النقد والسلطة ... كانت وثنيتهم موجهة ضد ميراثهم المسيحي وتعتمد على وثنية

هل من إرتباط بين رسامة المرأة (النسوية) وتأييد المثلية الجنسية؟

قد يبدو من الوهلة الأولى أنه لا علاقة بين الإثنين، إلا أنه في الحقيقة هناك علاقة تفسيرية ومنطقية وثيقة بينهما. طبعًا ليس كل من يؤيد رسامة المرأة يؤيد المثلية الجنسية، لكن العكس صحيح، كل من يؤيد المثلية الجنسية يؤيد رسامة المرأة أيضًا. وكل من يؤيد رسامة المرأة ليس لديه (أو لا ينبغي أن يكون لديه) مانع منطقي أو تفسيري لرفض المثلية الجنسية، وإن لم يدرك ذلك. الفكرة هنا هي أن الذين يدافعون عن رسامة المرأة، يقولون أن أي نص كتابي ضد رسامتها هو في الحقيقة مرتبط بالزمن والثقافة اللذين كُتِبَ بهما. وأن كتبة الوحي، لو كانوا كتبوا الكتاب المقدس الآن في ظل الثقافة المعاصرة، لأيدوا رسامة المرأة. بكلمات أخرى، فإن الكتاب المقدس يُقْرَأ لديهم بطريقة المسار المنحني Trajectory hermeneutic. مثلما تقوم بقذف الكرة فتأخذ مسار ما منحني عند هبوطها. الكتاب لا يقدم نقط ثابتة من الأخلاقيات، لكن مسار متغير تبعًا للثقافة. والكتاب المقدس بالنسبة لهؤلاء يُفَسَّر بمنهجية تدريجية progressive . يقدم الأخلاقيات في ظل الثقافة التي كُتِبَ بها، ولو كُتِبَ في يومنا لأيد أخلاقيات العصر. يرى النسويون الذين يؤيدون رسامة المرأة،

اقتباسات القرآن من الأناجيل الغنوصية

الصورة التي يرسمها الإسلام عن المسيحية مزيج من المسيحية الحقيقية والمسيحية غير القويمة (الإببيونية) التي وُجِدَت في شبه الجزيرة العربية وبعض ما جاء في الأناجيل الغنوصية. يوجد في القرآن على الأقل ثلاثة اقتباسات من الأناجيل الأبوكريفية (الغنوصية)، ولا تتسق لاهوتيًا مع الحق المسيحي. والأناجيل الأبوكريفية هي كتابات شبه مسيحية جاءت في وقت متأخر انتحل كاتبوها لأنفسهم أسماء الرسل، إلا أنها رُفِضَت بواسطة الكنيسة الأولى ككتابات غير موحى بها. وهذه الإقتباسات الثلاث هي كالتالي. أولاً، سورة مريم والآيات 23 – 26: فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴿23﴾ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴿24﴾ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿25﴾ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴿26﴾ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِل

المسيح الكوني لريتشارد رور

في مقال على الموقع الرسمي للراهب الفرانسيسكاني والمؤلف ريتشارد رور (الذي قال أوسم وصفي أنه على نفس الموجة معه) بعنوان " المسيح الكوني " يدعي أن "شخص يسوع الناصري" و"المسيح" مفهومان غير متطابقان. معرفتك وعلاقتك بيسوع الناصري لا تعني أنك تعرف، أو أن لك علاقة بـ "المسيح". يقول رور: "يعرف معظم المسيحيين عن يسوع الناصري، لكن القليل منهم يعرفون عن المسيح، وعدد أقل منهم تَعَلَّم كيفية الجمع بين الاثنين". والسبب في أن رور يعتقد بوجود فرق هكذا بين "شخص يسوع الناصري" وبين "المسيح" هو أن يسوع الناصري مفهوم ضيق ومحدود لـ "المسيح". إذ يرى أن تجسد المسيح من خلال ولادته من مريم العذراء هو تجسد ثان وأصغر من التجسد الأول الأكبر. لكن ماذا كان التجسد الأول والأكبر طبقًا له؟ الإنفجار العظيم. أو طبقًا لكلمات ريتشارد رور نفسها: "حدث التجسد الأول والكوني للمسيح الأبدي، والتلازم الكامل للمادة والروح (أفسس 1: 3-11)، في الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة. يعتقد المسيحيون أن يسوع الناصري كان تجسيدًا بشريًا لذلك السر نفسه قبل 200

العلاقة بين الخطية الأصلية والكفارة العقابية

لطالما شغلتني مسألة العلاقة بين الخطية الأصلية والكفارة العقابية. الخطية الأصلية هي أننا وارثون لكل من ذنب آدم وفساد طبيعته. الكفارة العقابية هي أن المسيح تحمل عقاب خطيانا وغضب الله بدلاً عنا على الصليب. لكن كيف ترتبط هاتان العقيدتان معًا؟ يمكننا أن نرى على الأقل وجهين لهذا الإرتباط. أولاً: كل من الخطية الأصلية والبدلية العقابية مؤسستان على مبدأ الإحتساب. علّمت المسيحية التاريخية القويمة بأن البشر جميعهم كانوا ممثلون في شخص آدم كرأسهم ونائبهم الجمعي. وأيًا كانت نظرتنا للكيفية التي ينتقل بها إلينا فساد آدم، فإن العلة واحدة، وهي أن ذنب آدم حُسِبَ علينا، ومن ثم عقابه أيضًا. عقاب آدم لم يكن الموت فقط، بل فساد طبيعته أيضًا. أي أن فساد طبيعة آدم كان أحد جوانب العقاب. آدم أراد الخطية فأسلمه الله لفساد الطبيعة. إن رَفَضْنَا احتساب ذنب آدم إلينا، فليس من حقنا أن نقبل احتساب عقاب المسيح وطاعته للناموس لنا. وإن لم يكن آدم ممثل ونائب لنا في عصيانه، فإن المسيح لا يمكن أن يكون ممثل ونائب عنا في طاعته. إن مبدأ الإحتساب في جوهر كل من الخطية الأصلية والبدلية العقابية. إذ لا يمكن أن تؤمن بالخطية الأصلية

ماهر صموئيل بين رفض الإختيار للخلاص والترويج للخلاص دون معرفة عن المسيح

ماهر صموئيل يرفض الإختيار للخلاص بحجة أنه يعني الخلاص ضد إرادة الإنسان، وفي نفس الوقت يعلم بأن هناك من سيخلصون دون أن يكونوا قد سمعوا عن المسييح وصليبه الدكتور ماهر صموئيل يطعن في تعليم الإختيار الكتابي بالقول أن الإختيار ليس للخلاص لكن لمقام أو إرسالية. ومن أسباب رفضه لتعليم الإختيار للخلاص هو أنه يضطرنا للقول بأن الله يخلص الإنسان ضد إرادته .   يقول في حلقة كيف نفهم الإختيار في ضوء محبة الله ( 1 ): " أنا مؤمن كل الإيمان إنه فيه إختيار .. لكن أن يُختزل الإختيار إلى أن الله اختار أناسًا ينجيهم من الهلاك، بغض النظر عن حتى رغبتهم .. لأن هو ميت، فهو هيحييه وهيخلصه ".   طبعًا القول أن الإختيار للخلاص يعني أن الله يخلص الإنسان ضد إرادته هو مغالطة رجل القش، أي أن الدكتور ماهر صموئيل اختلق كلامًا لا يقوله المحافظون حول الخلاص. والرد على ذلك ببساطة هو أن الله لا يخلص الإنسان ضد إرادته، لكن من خلالها، بأن يجدد تلك الإرادة الميتة ويحررها من عبوديتها .   الأدهي من ذلك، هو أن الدكتور ماهر صموئيل يرفض الإختيار للخلاص بحجة أنه يؤدي إلى الإعتقاد بأن الله يخلص الإنسان ضد إرادته، و

مركزية الكلمة في العبادة الإنجيلية المصلحة

منهج العبادة الإنجيلي يعكس المكانة المركزية التي تتمتع بها كلمة الله. وهذه المركزية يُسْتَدل عليها من خلال الأمور الآتية: نجد أولاً العبادة الإنجيلية تخلو من المذبح والقداس والطقوس السرائرية. في ظل المسيحية القروسطية، والآن أيضًا لدى الطوائف الطقسية، تُمْنَح النعمة بواسطة ممارسة الأسرار الكنسية السبعة (ولا سيما سر الإفخارستيا من خلال القداس والمذبح). لكن تلك الممارسات لم تعد وسائط للنعمة في ظل الإصلاح البروتستانتي. بل الكلمة بصورة مركزية. الوعظ بالكلمة والتعليم هي الوسائط المركزية للنعمة. ثانيًا، مركزية الوعظ التفسيري مقابلة بأي مادة وعظية أو منهج وعظى آخر. الوعظ، طبقًا للمنهج البروتستانتي المصلح، يتميز بمادته الكتابية. إنه يعظ النص الكتابي أصحاحًا أصحاحًا وآية آية. النص الكتابي، مُفَسَّرًا، هو تلك الثروة التي يثمنها ويقدرها الواعظ المصلح. ثالثًا، الـ ليكتيو كونيتنوا Lectio continua ، أي القراءة المرتبة المتواصلة (ومن ثم الوعظ) كمنهج تعكس مركزية الكلمة. أثناء وعظ كالفن في جينيف كان يتابع عظاته من أصحاحات الكتاب المقدس بالتريب. يعظ من العهد الجديد أيام الأحاد، ثم من العهد القديم أثناء