العلاقة بين الخطية الأصلية والكفارة العقابية


لطالما شغلتني مسألة العلاقة بين الخطية الأصلية والكفارة العقابية. الخطية الأصلية هي أننا وارثون لكل من ذنب آدم وفساد طبيعته. الكفارة العقابية هي أن المسيح تحمل عقاب خطيانا وغضب الله بدلاً عنا على الصليب. لكن كيف ترتبط هاتان العقيدتان معًا؟

يمكننا أن نرى على الأقل وجهين لهذا الإرتباط.

أولاً: كل من الخطية الأصلية والبدلية العقابية مؤسستان على مبدأ الإحتساب. علّمت المسيحية التاريخية القويمة بأن البشر جميعهم كانوا ممثلون في شخص آدم كرأسهم ونائبهم الجمعي. وأيًا كانت نظرتنا للكيفية التي ينتقل بها إلينا فساد آدم، فإن العلة واحدة، وهي أن ذنب آدم حُسِبَ علينا، ومن ثم عقابه أيضًا. عقاب آدم لم يكن الموت فقط، بل فساد طبيعته أيضًا. أي أن فساد طبيعة آدم كان أحد جوانب العقاب. آدم أراد الخطية فأسلمه الله لفساد الطبيعة.

إن رَفَضْنَا احتساب ذنب آدم إلينا، فليس من حقنا أن نقبل احتساب عقاب المسيح وطاعته للناموس لنا. وإن لم يكن آدم ممثل ونائب لنا في عصيانه، فإن المسيح لا يمكن أن يكون ممثل ونائب عنا في طاعته. إن مبدأ الإحتساب في جوهر كل من الخطية الأصلية والبدلية العقابية. إذ لا يمكن أن تؤمن بالخطية الأصلية وترفض الكفارة العقابية، والعكس صحيح، لا يمكن أن تؤمن بالكفارة العقابية وتنكر الخطية الأصلية وتظل متسقًا فيما تؤمن به.

لقد أدرك جيدًا بيلاجيوس هذا الإرتباط بين الخطية الأصلية والكفارة العقابية، فأنكر كل منهما. يؤكد المؤرخ الكنسي جلن صنشاين هذا الأمر في قوله:
"جادل راهب بريطاني يُدعى بيلاجيوس بأن خلاصنا يعتمد كليًا على الخيارات التي نتخذها؛ وفقًا لبيلاجيوس فإن كل من الخطية الأصلية والكفارة البدلية خاطئان، بما أننا لا يمكن أن ننسب ذنب آدم، أو ذنبنا، أو استحقاقات المسيح إلى شخص آخر. أنت تقف بمفردك أمام الله. تأثر بعض الناس في الكنيسة بشدة بما علّمه بيلاجيوس، لكن آخرين رفضوا أفكاره". [1] 
ثانيًا، الخطية الأصلية تعني، أن لا أحد قادر على البر وطاعة الناموس بصورة كاملة. كما أشرنا سابقًا فإن الخطية الأصلية تعني وراثة فساد الطبيعة من آدم. وفساد الطبيعة هذا، مفاده، طبقًا للتعليم المصلح، أن الإنسان فاسد جذريًا. أي أن الفساد متشرب إلى جميع جوانب الطبيعة البشرية. العقل والإرادة والشعور والسلوك والجسد، جميعها ملوثة وخاضعة للفساد.

النتيجة المنطقية لذلك، هو أن لا أحد يستطيع حفظ الناموس لكي يتبرر به. إن كان الجميع مستعبدون للخطية، إذن، فالجميع غير قادرون على الصلاح المطلق. بل الأخطر من ذلك، أن الجميع يجنحون للفساد وليس صوب الصلاح. الإنسان يحب ظلمته وخطيته (يو 3 : 19) ويُسَرُّ بالذي يفعل الشر أيضًا (رو 1 : 32). فضلاً عن ذلك، إن كانت طبيعة الإنسان نفسها فاسدة، فما هو حكم الأعمال الصالحة (أو بالأحرى التي تبدو كذلك) الصاردة منها؟ إن كات الشجرة ردية، فماذا نتوقع من الثمار؟ إذًا، فتعليم الفساد الجذري (الخطية الأصلية) يعني أن الإنسان ليس لديه القدرة بأن يتبرر بأعمال الناموس.

يشرح اللاهوتي توم شراينر هذا الإرتباط بين الخطية الأصلية وبالتبعية قدرة الإنسان على الصلاح وبين التبرير:
"يساعد هذا في توضيح موقف لوثر الثابت من حرية الإرادة في كتابه الشهير "عبودية الإرادة". البشر الذين سقطوا، بحسب لوثر، هم تحت عبودية الخطية. هذا يعني أنهم لا يملكون أي قدرة على فعل الصلاح في نظر الله. يوضح لوثر بأن فكرة أن البشر غير المجددون يتمتعون بالحرية لفعل الصلاح هي خرافة، لأن جميع الناس عبيد للخطية (رومية 6). إن عبودية الخطية لا تعني أن الناس مجبرون على ارتكاب الخطيئة ضد إرادتهم. لا الله ولا الشيطان يصوبان بندقية على رؤوسنا ويقولان: "يجب أن تخطئ!" عبودية الخطية التي تميز البشرية تعبر عن نفسها في رغبة الاستعباد للخطية. عندما يخطئ البشر، فإنهم ببساطة ينفذون الرغبات التي في قلوبهم. لا يمكن الحصول على البر من خلال أعمال الناموس لأن جميع البشر يولدون في العالم عبيد للخطية، ومدانون في آدم. لا يمكنهم أبدًا أن يضمنوا برهم من خلال القيام بالأعمال الصالحة، لأنهم لا يفعلون ولا يمكنهم القيام بالأعمال المطلوبة. كما قال بولس في روم. 8: 7-8 "لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله. إذ ليس هو خاضعًا لناموس الله؛ لأنه أيضًا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله ". إن فكرة أن البشر يمكن أن يحصلوا على البر من خلال الأعمال هي الحماقة الكبرى لأن الخطية تسودنا تمامًا ولا يمكننا القيام بالأعمال المطلوبة للتبرير". [2] 
إن الإرتباط بين الخطية الأصلية والكفارة العقابية (ومن ثم التبرير) وثيق للغاية. بحيث أنه لا يمكن الإعتقاد بواحدة دون الأخرى. أن تقر باحتساب ذنب آدم لنا، هو أن تقر بإمكانية احتساب بر المسيح لصالحنا. أن تعتقد بفساد الطبيعة الجذري هو أن تقر بكل من عدم قدرة الإنسان على القيام بالأعمال الصالحة وبأن تلك الأعمال التي تبدو صالحة في حقيقتها ليست كذلك لأنها نابعة من أصل فاسد. الخطية الأصلية والكفارة العقابية، إذًا، وجهان لعملة واحدة. إما الإقرار بهما كليهما، أو إما إنكارهما معًا. 



[1] Sunshine, Glenn S., A Brief Introduction to the Reformation, WJK, 2017
[2] Schreiner, Thomas, Was Luther Right?
https://www.ligonier.org/learn/articles/was-luther-right/

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس