أثر التبرير بالإيمان على فعالية الكهنوت الطقسي


تعليم الإصلاح البروتستانتي بالتبرير بالنعمة وحدها من خلال الإيمان وحده لم يكن فقط إعادة اكتشاف للإنجيل، بل كان أيضًا الأمر الذي قَوَّض الطقسية من جذورها. كما أنه لم يكن مجرد خلاف عقيدي ثانوي مع الكنيسة القروسطية حول الخلاص. بل كان يعني أنه لا فعالية أو صلاحية للطقسية بأكملها في نظامها القائم على الأسرار الكهنوتية والكنسية. وقد فهمت الكنيسة القروسطية هذا المعنى جيدًا، من هنا جاء عدائهم للإصلاح البروتستانتي. 

ذلك لأنه إن كان الخلاص بالنعمة والإيمان وحدهما، إذًا، فلا حاجة لأسرار الكنيسة، ولا حاجة للنظام الكهنوتي الطقسي بأكمله. التبرير بالإيمان أصاب الطقسية في مقتل في كل من السوتوريولوچي والإكليزيولوچي. وعليه، فلم يكن من فراغ أن المصلحون قالوا أن التبرير هو ذلك التعليم الذي تقوم أو تسقط عليه الكنيسة.  

يقول المورخ الكنسي المعاصر سكوت مانيتسك:

"رسالة مارتن لوثر بأن الخطاة أبرار أمام الله من خلال الإيمان وحده بالمسيح (سولا فيديه)، ليس فقط أنها قوضت النظام التكفيري الكاثوليكي [الخلاص من خلال القيام بكفارات معينة]، لكنها اقتلعت من الجذور الدور السرائري للكاهن القروسطي كالمانح للنعمة الخلاصية من خلال أسرار الكنيسة". بكلمات أخرى، الكنائس التقليدية، أرثوذكسية وكاثولكية، تعلِّم بأن الخلاص يُمنح من خلال إعطاء الأسرار السبعة، ولا سيما سريّ المعمودية (لإزالة الخطية الأصلية)، والإفخارستيا (لمنح غفران الخطايا). وعليه فأن يقول المصلحون، أن الخلاص بالإيمان وحده، فهذا معناه أنه لا حاجة لنا للأسرار أو الكهنوت الطقسي.

هذا الأمر ترتب عليه أمر خطير؛ إزالة المذبح من الكنيسة البروتستانتية، بما أنه لا أسرار ولا كهنوت طقسي، ثم إعطاء منبر كلمة الله المركزية.

يتابع مانيتسك قائلا:

"وبدلاً من ذلك قام المصلحون بإعلاء دور الخادم، أو الراعي، الذي كانت مهمته الرئيسيه هي أن يعظ بكلمة الله [التي تلد روحيًا وتخلص] ويشرف على سلوك الجماعة الروحية".

يؤكد كل من المؤرخين الكنسيين كارل ترومان وأونجين كيم على هذا الأمر أيضًا:

"في كتاب لوثر ‘حول عبودية الإرادة’ الذي جاء كرد على ذلك، شرح كل من الأساس المناهض للبيلاجيوسية في تعليمه عن السوتريولجي وفهمه للوضوح الأساسي للكتاب المقدس. في الواقع، يكمن هذان الأمران في صميم خلافه مع روما. الأول دَعَمَ التبرير بالنعمة من خلال وسائطية الإيمان، الأمر الذي قوض بالتالي فكرة النعمة الممنوحة سرائريًا. هذا حطم بشكل فعال سلطة الكنيسة القروسطية، التي كانت مبنية على الكهنوت السرائري".

إن كان التبرير بالإيمان انتزع السلطة الكهنوتية القروسطية هكذا، فهذا يجعلنا عن نستاءل عن المنوط بالسلطة في الكنيسة؟ إن كان المذبح قد أزيل من الوسط بسبب فعالية كل من كلمة الله ووسائطية الإيمان، فما الذي يوضع بدلاً من ذلك؟

يتابع ترومان وأونجين قائلان:

"والثاني هو إجابة لوثر لأزمة السلطة في الكنيسة: إذا أخطأت البابوية والمجامع، فأين يمكن العثور على الحقيقة؟ رد لوثر بشكل أساسي من خلال التصريح بأن الكتاب المقدس نفسه كان واضحًا بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالنقاط الحيوية في العقيدة حتى أنه لا حاجة إلى البابوية كسلطة تعليمية".

بناء على ما سبق، يتضح لنا أن تعليم التبرير بالنعمة بالإيمان لا يخص السوتوريولوجي فقط، بل له تضميناته الإكليزيولوجية أيضًا. فإن كان المؤمن لا يحتاج للوساطة الكهنوتية، لأنه يُعْلَن بار من خلال وسائطية الإيمان نفسه، إذًا، فالسلطة الكهنوتية كمانحة للنعمة من خلال الأسرار، فقدت فعاليتها. 


Matthew Barrett, Reformation Theology: A Systematic Summary

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس