المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠١٩

الكتاب المقدس و"تكييف" الله لحقه اللامحدود

هل محدودية الفهم واللغة البشريين من ناحية، ولا محدودية الحق الإلهي من ناحية أخرى، يستتبع منطقيا الاعتقاد بوجود نقص أو خطأ في الكتاب المقدس أو عدم صلاحيته، كإعلان عن الله؟ لو سألت المصلحين هذا السؤال لأجابوك بالنفي. علّم المصلحون بما أسموه "التكييف" accommodation ، أو "التنازل" أو "الضبط"، فالله قام بتكييف حقه وضبطه ومواءمته للغة والفهم البشريين في تنازل من اللامحدود إلى المحدود، بحيث لا يخلّ بجودة الإعلان، ودون حدوث أي خسارة فيه. على أن هذا التكييف أو الضبط أو التنازل ليس من حيث الجودة، بل من حيث الأسلوب. وإن كان الله استطاع أن يتنازل ويتجسد، صائرا إنسانا محدودا، دون أن يخلّ هذا التجسد بجودة وصدق وقوة وكفاية إعلانه عن نفسه، فإن نفس الشئ يمكن أن يقال أيضا عن الكلمة المكتوبة. يقدم لنا ريتشارد أ. مولر في قاموسه للمصطلحات اللاتينية واليونانية خلفية تاريخية هامة لعقيدة "التكييف" لدى المصلحين: التكييف accommodation : أيضا الضبط   adjustment والتنازل condescension . أدرك كل من المُصْلِحين، وتلاميذهم اللاهوتيين المدرسيين، أنه لكي يعلن الله

الأعمال المشتركة للمسيح الكامل بطبيعتيه

مفهوم علّم به الآباء واللاهوتيون المصلحون يجنبنا الكثير من اللغط في الكريستولوجي العلاقة بين طبيعتي الرب يسوع، الإلهية والبشرية، كانت ولا تزال موضوع مناقشة اللاهوتيين. لاشك لأهميته القصوى للمسيحية من ناحية، وربما لصعوبته وإثارته للفضول من ناحية أخرى. ولكن أي مناقشة كريستولوجية غير مؤسسة على الفكر الكتابي المعلن، وغير مسترشدة بالفهم الكنسي التاريخي لتلك العقيدة ستؤدي حتمًا إلى الهرطقات. وفي محاولة من محاولات الكنيسة لفهم العلاقة بين الطبيعتين، صاغ اللاهوتيون مفهومًا لاهوتيا أسموه "أكسيونيس ثياندريكاي" actiones theandrikai ، وهو مصطلح لاهوتي لاتيني يوناني الأصل θεανδρικαί يعني "الأعمال المشتركة للطبيعتين". وأرى أن هذا المصطلح الذي صاغه اللاهوتيون يجنبنا الكثير من الأخطاء الكريستولوجية، بل والهرطقات. يُعَرِّف اللاهوتي والمؤرخ الكنسي ريتشارد مولر مصطلح أكسيونيس ثياندريكاي على أنه: "أنشطة ثياندريكية؛ بمعنى، أفعال أو أعمال المسيح التي هي الأعمال المشتركة لكلتا الطبيعتين، أو بشكل أدق، العمل المشترك للشخص الإلهي-الإنساني". كل عمل قام به الرب يسوع شمل اللاهوت والن

سي إس لويس ينكر البدلية العقابية

يجد البعض صعوبة في تقبل إنكار سي إس لويس للبدلية العقابية. ولكن يقول لويس بوضوح في كتابه "المسيحية المجردة" أن البدلية العقابية (وأي نظرية أخرى في رأيه) لا تصلح كنظرية لتفسير الكفارة. [1] يذهب لويس أبعد من ذلك متسائلا: "إذا كان الله مستعدا لتبرئتنا فلماذا، بحق السماء، لم يفعل ذلك؟ [دون الحاجة إلى صلب المسيح] وأي غرض ممكن أن يوجد في معاقبة شخص برئ؟ لا غرض على الإطلاق أستطيع أن أراه، وذلك إذا كنت تفكر في العقوبة بالمعنى القضائي الشُرَطِي". [2] فضلا عن أن موضوع إنكار سي إس لويس للكفارة العقابية محسوم برفضه المباشر لها في كتابه "المسيحية المجردة"، فإن هذا الرفض يتأكد لنا أيضا من أمرين آخرين. أولا اعتقاده بالمطهر. أقر لويس في الرسائل إلى مالكوم قائلا: "أنا أؤمن بالمطهر". [3] يرى اللاهوتي والمؤرخ الكنسي سكوت ماكنايت أن اعتقاد لويس بالمطهر يتسق مع نظرته حول الخلاص في كونه تغيير وليس تبرير. الخلاص لدى لويس تغيير كامل لا ينتهي على الأرص وبالتالي يحتاج إلى ما يكمله؛ المطهر. [4] وثانيا تصويره الرمزي للكفارة في روايته عالم نارنيا يدعم رفضه

هل شيوع نظرية الفدية إلى وقت أنسلم يعني أن البدلية العقابية غير كتابية؟

يرى البعض أن تعليم البدلية العقابية مستحدث بواسطة المصلحين البروتستانت الذين أخذوا نظرية أنسلم (القرن الحادي عشر) في الإسترضاء وقاموا بتطويرها. ولكن في الحقيقة، فإن هذا ليس سوى افتراء يُقْصَد به الطعن في ذلك التعليم وفي حركة الإصلاح أيضا. لأنه وإن كانت نظرية الفدية الكلاسيكية غالبة أو سائدة طيلة الألفية الأولى (العشرة قرون الأولى)، فقد تميزت تلك الحقبة بالتنوع والتعدد اللاهوتي في نظريات الكفارة. وقد كانت البدلية العقابية شائعة أيضا إلى جوار تلك النظريات الكفارية التي كانت موجودة. ولنا على الإدعاء بأن البدلية العقابية مستحدثة وليست أصيلة في المسيحية عدة ملاحظات: ١ - على فرض أنه كان هناك غياب تام للبدلية العقابية إلى وقت أنسلم (وهذا غير صحيح)، فإن الإحتحاج بغياب البدلية العقابية في الألفية الأولى لا يصلح لكون ذلك حجة من الصمت، أو حجة غياب الدليل. فعدم شيوع فكرة بعينها أو غيابها ليس دليلا على عدم صحتها. بل الغياب الصريح الشئ قد يكون له أسباب كثيرة؛ مثل بديهيته، أو عدم وجود ملابسات تاريخية معينة تؤدي إلى تسليط الضوء عليه (كالهرطقات التي طعنت في الثالوث وطبيعتي المسيح واقتضت مجامع

تاريخية آدم خارج سفر التكوين

هناك ادعاء منتشر بأن الأصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر التكوين ليست تاريخية بل مأخوذة عن أساطير شرق أدن القديم. ولكن على فرض أن هذا الإدعاء صحيح، يظل هناك الكثير من الأدلة خارج سفر التكوين على تاريخية أحداثه. وسنأخذ آدم كمثال، نظرا لأهميته للإنجيل المسيحي وللرواية الكتابية ككل. وإليك بعض الأدلة التي تثبت تاريخية آدم من خارج سفر التكوين: في العهد القديم - آدَمُ، شِيتُ، أَنُوشُ، قِينَانُ، مَهْلَلْئِيلُ، يَارِدُ .. (١ أخ ١ : ١) – آدم يرد هنا ضمن سلاسل الأنساب كشخصية تاريخية. - وَلكِنَّهُمْ كَآدَمَ تَعَدَّوْا الْعَهْدَ. هُنَاكَ غَدَرُوا بِي. (هو ٦ : ٧) – الرب هنا يقارن خيانة إسرائيل بخيانة آدم له في جنة عدن. في العهد الجديد - لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي (رو ٥ : ١٤) – آدم هنا يرد جنبا إلى جنب مع موسى كشخصية تاريخية. - هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا:"صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا"

العداء بين العلم والمسيحية هو عداء مُفَبْرَك بواسطة علماء أرادوا امتهان العلم

لطالما رُوِّجَ لأكذوبة العداء بين الكتاب المقدس أو المسيحية أو الكنيسة ورجالها وبين العلم ورجاله. ولكن لا يوجد شئ أبعد عن الحقيقة أكثر من ذلك. فالعداء المُصْطَنَع بين العلم والإيمان جاء من جانب العلماء العلمانيين تجاه الكنيسة ورجالها، وليس العكس. يقول المؤرخ الكنسي المعاصر تيموثي لارسون أن العداء المزعوم بين كل من الكنيسة ورجال العلم هو عداءا مفبركا بواسطة كل من العَالِمَيْنِ أندرو ديكسون وايت ووليام درابر.  وتلفيق هذا العداء المزعوم بين كل من الكنيسة والعلم كان له أسبابه لدى أولئك. فقد كان العلماء في ذلك الوقت هم رجال الدين الذين يمارسون العِلْم عن حب وشغف دون مقابل مادي بحيث أنه لم يكن هناك علماء علمانيين متفرغين لممارسة العلم. فأراد البعض إزاحة رجال الدين من الطريق ليكون هناك فئة علماء مدفوعوا الأجر، فقاموا باختلاق صراعا وتشويه سمعة رجال الدين العلماء. وعلى حد تعبير د. لارسون: "كان الغرض من الحرب هو تشويه سمعة رجال الدين كأشخاص مناسبين للقيام بالأعمال العلمية حتى يَتَسَنَّىَ للجيل الجديد من المَهَنِيين ملء الفراغ في هذا العمل، ذلك الفراغ الذي كان سينتج عن التخلص