الأعمال المشتركة للمسيح الكامل بطبيعتيه


مفهوم علّم به الآباء واللاهوتيون المصلحون يجنبنا الكثير من اللغط في الكريستولوجي

العلاقة بين طبيعتي الرب يسوع، الإلهية والبشرية، كانت ولا تزال موضوع مناقشة اللاهوتيين. لاشك لأهميته القصوى للمسيحية من ناحية، وربما لصعوبته وإثارته للفضول من ناحية أخرى. ولكن أي مناقشة كريستولوجية غير مؤسسة على الفكر الكتابي المعلن، وغير مسترشدة بالفهم الكنسي التاريخي لتلك العقيدة ستؤدي حتمًا إلى الهرطقات. وفي محاولة من محاولات الكنيسة لفهم العلاقة بين الطبيعتين، صاغ اللاهوتيون مفهومًا لاهوتيا أسموه "أكسيونيس ثياندريكاي" actiones theandrikai ، وهو مصطلح لاهوتي لاتيني يوناني الأصل θεανδρικαί يعني "الأعمال المشتركة للطبيعتين". وأرى أن هذا المصطلح الذي صاغه اللاهوتيون يجنبنا الكثير من الأخطاء الكريستولوجية، بل والهرطقات.

يُعَرِّف اللاهوتي والمؤرخ الكنسي ريتشارد مولر مصطلح أكسيونيس ثياندريكاي على أنه:
"أنشطة ثياندريكية؛ بمعنى، أفعال أو أعمال المسيح التي هي الأعمال المشتركة لكلتا الطبيعتين، أو بشكل أدق، العمل المشترك للشخص الإلهي-الإنساني".
كل عمل قام به الرب يسوع شمل اللاهوت والناسوت معًا وفي نفس الوقت. فالأعمال التي بطبيعتها إنسانية مثل كونه جنينًا يشعر بالآلام في الرحم، وولادته وما صاحبها من آلام أيضًا، وعندما اختتن بعد ثمانية أيام نازفًا الدماء كرضيع، وتجربته في البرية، وآلامه وموته وبقاء جسده في القبر، عُمِلت واللاهوت شريكًا فيها ومرافقًا لها. حتى أن اللاهوت ظل متحدًا بالجسد وهو في القبر (كما يؤكد إقرار الإيمان البلجيكي). والأعمال التي بطبيعتها إلهية، مثل المعجزات، ومعرفة الأسرار، وقبوله للسجود والعبادة، وغفرانه للخطايا، والقيامة من الموت، والصعود، ثم الجلوس عن يمين الآب، فُعِلَت والناسوت شريكًا فيها ومرافقًا لها. فمنذ لحظة الحمل بيسوع في رحم العذراء، كان، ولا يزال، كل من الناسوت، بمحدوديته وآلامه، واللاهوت بلا محدوديته وأمجاده، شريكان متحدان، ومتلازمان، في كل ما فعل وفي كل ما حدث ليسوع. إن كل أفعال يسوع، وكل ما حدث له، منذ أن كان في رحم العذراء، هي أكسيونيس ثياندريكاي، أي أفعالاً مشتركة للطبيعتين.

وقد قام اللاهوتي الإيطالي المُصْلَح جيرولامو زانكي (1516 – 1590) بشرح هذا المفهوم ببراعة في كتابه "اعترافات الديانة المسيحية":

في الوقت نفسه، نؤمن ونعترف بقوة إتحاد الطبيعتين في شخص المسيح بأنه عظيم جدًا، فأولاً: مهما يكونه المسيح أو يفعله بحسب الطبيعة البشرية، يمكن القول، أنه يكونه أو يفعله نفس المسيح بأكمله، ابن الله. مرة أخرى، فما يفعله المسيح أو يتألمه حسب طبيعته البشرية، فإن نفس هذا المسيح بأكمله، ابن الله، الله نفسه، يفعله ويتألمه كما هو مكتوب في الكلمة المقدسة. وبينما: "الله (الذي هو المسيح، إنسان والله) اشترى الكنيسة بدمه"، فإنه على قدر ما أن قوة الشراء متعلقة بالذات الإلهية، على قدر ما أن سفك الدم متعلق بالطبيعة البشرية. إلا أن كلا هذين الفعلين [الشراء والسفك] متحدين في واحد وكل منهما على حدا يمكن أن يُنْسب إلى المسيح بأكمله، رغم كونهما متميزين، ذلك لأن الطبيعتين، رغم أنهما متميزتان، فهما مقترنتان معًا في شخص المسيح الواحد. نعم، فإن المسيح الوسيط، لم ولن يفعل أي شئ، بحسب طبيعته البشرية، لا تشاركه في فعله طبيعته الإلهية، ولم يقم أبدًا بأي شئ، حسب طبيعته الإلهية، بحيث لم تؤيده أو توافقه في ذلك طبيعته البشرية، حتى أنه لاق بالآباء أن يُسَمُّوا أعمال المسيح الوسيط ثياندريكاي theandrikai، أي الأعمال المعمولة بواسطة الله والإنسان معا [في ذات الوقت]. ثانيا: ولأن قوة الإتحاد عظيمة هكذا بين الآب والابن، فإنه لا يَفعل شئ ولا يُوَصِّل أي شئ صالح للعالم إلا بواسطة الابن، بل وإن قوة الإتحاد الشخصي بين الطبيعتين عظيمة جدًا، لدرجة أنه لا نعمة، ولا خلاص، ولا حياة، يمكن أن تأتينا، من اللاهوت سوى بواسطة الناسوت، وإذ ندرك ذلك بواسطة الإيمان، فإنه [الله] يحتاج أن يكون مقترنًا بجسد المسيح، الذي سيكون شريكًا في الحياة الأبدية، الأمر الذي ينطبق عليه قول المسيح: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان فليس لكم حياة فيكم". وأخيرًا، فإن هذا يؤدي إلى حقيقة أننا لا نستطيع أن نعبد اللاهوت [فقط] في المسيح، بل يتحتم علينا أن نعبد معه الطبيعة البشرية أيضًا، فكلا الطبيعتين اللاهوتية والبشرية ينبغي أن يُكْرَمَا نفس الإكرام الواحد، حسب قوله: "ومتى أدخل البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله". "له" في الآية تعود على المسيح بأكمله، الله والإنسان معًا، في حين أننا لا نستطيع بل ولا ينبغي أن نبعد الطبيعة البشرية في حد ذاتها، فيما يتعلق بها وحدها فقط (لأن الله وحده فقط هو الذي ينبغي أن يُعبد)، ولكن الإتحاد (ولا شئ سواه)، ذلك الإتحاد الشخصي للطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية، هو الذي يقود للعبادة. ولذلك، وإن كان الله يسكن في القديسين، إلا أنهم لا ينبغي أن يُعْبَدوا ولا يُصَلَّى لهم، كما هو الحال مع المسيح الإنسان. من أجل هذا، فإننا نعترف بأن هذا الإتحاد الذي نتكلم عنه بأنه على درجة عظيمة، ومع ذلك فإننا نقول أنه اتحاد يستثني كل تشويش وتحوّل. لأنه إن كان الإتحاد بين الآب والابن والروح القدس في جوهر واحد (والذي لا يمكن تخيل أو تصور إتحاد آخر أعظم منه) لا يستبعد التميّز الشخصي [الأقنومي]، إذًا ولا الإتحاد بين الطبيعتين، وكذلك الصفات والأفعال في الشخص الواحد، يستطيع استبعاد التميز بين الطبيعتين أو أن يسبب خلطًا لهما.


إن مصطلح، ومفهوم، الأعمال المشتركة للمسيح الكامل بطبيعتيه، أكسيونيس ثياندريكاي، يساعدنا على التفكير في الكريستولجي بمنهجية سليمة. ويجنبنا الكثير من الأخطاء اللاهوتية المتعلقة ليس فقط بعقيدة الإتحاد (الكريستولوجي)، بل وتعليم الخلاص (السوتيريولوجي) أيضًا لكونه متوقف ومعتمد كليًا على الأول.




Muller, Dictionary of Latin and Greek Theological Terms, 2017
Zanchi, Confessions of Christian Religion, 227

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس