العداء بين العلم والمسيحية هو عداء مُفَبْرَك بواسطة علماء أرادوا امتهان العلم


لطالما رُوِّجَ لأكذوبة العداء بين الكتاب المقدس أو المسيحية أو الكنيسة ورجالها وبين العلم ورجاله. ولكن لا يوجد شئ أبعد عن الحقيقة أكثر من ذلك.

فالعداء المُصْطَنَع بين العلم والإيمان جاء من جانب العلماء العلمانيين تجاه الكنيسة ورجالها، وليس العكس. يقول المؤرخ الكنسي المعاصر تيموثي لارسون أن العداء المزعوم بين كل من الكنيسة ورجال العلم هو عداءا مفبركا بواسطة كل من العَالِمَيْنِ أندرو ديكسون وايت ووليام درابر. 

وتلفيق هذا العداء المزعوم بين كل من الكنيسة والعلم كان له أسبابه لدى أولئك. فقد كان العلماء في ذلك الوقت هم رجال الدين الذين يمارسون العِلْم عن حب وشغف دون مقابل مادي بحيث أنه لم يكن هناك علماء علمانيين متفرغين لممارسة العلم. فأراد البعض إزاحة رجال الدين من الطريق ليكون هناك فئة علماء مدفوعوا الأجر، فقاموا باختلاق صراعا وتشويه سمعة رجال الدين العلماء. وعلى حد تعبير د. لارسون:

"كان الغرض من الحرب هو تشويه سمعة رجال الدين كأشخاص مناسبين للقيام بالأعمال العلمية حتى يَتَسَنَّىَ للجيل الجديد من المَهَنِيين ملء الفراغ في هذا العمل، ذلك الفراغ الذي كان سينتج عن التخلص من رجال الدين  كالعلماء الحاليين وقتذاك. ومن ثم فقد تم التأكيد على أن القناعات الدينية لرجال الدين جَرَّدَتْهُم من الأهلية لمتابعة أبحاثهم العلمية بصورة موضوعية". ويتابع د. لارسون قائلا:

"لكن الأكثر أهمية، على أي حال، هو حقيقة أن رجال الدين كانوا يمارسون هذا العمل من أجل حبهم المحض للعلم، وبالتالي يعيقون التوقع بأنه يمكن عمل ذلك في مقابل المال المدفوع للعلماء المتفرغين للعلم. وهكذا صُنِّفَ رجال الدين على أنهم علماء هُوَاة من أجل تسهيل إنشاء فئة جديدة من العلماء المِهَنِيُّون". [1]

ويؤكد هذا الأمر د. لورانس برنسيبيه أستاذ الإنسانيات وتاريخ العلوم بجامعة جون هوبكينز بقوله أن ذلك العداء هو خرافة:

"ولكي نفهم الفلسفة الطبيعية في الفترة الحديثة المبكرة، من الضروري أن نتحرر من عدة افتراضات وتحيزات حديثة شائعة؛ أولًا: فعليًّا، كان كل شخص في أوروبا — وبالتأكيد كل مفكر علمي ذُكر اسمه في هذا الكتاب — مسيحيًّا متدينًا وممارسًا لديانته، والفكرة القائلة إن الدراسة العلمية، حديثة كانت أو غير ذلك، تتطلب وجهة نظر إلحادية — أو بتعبير ألطف 'متشككة' — هي خرافة ظهرت في القرن العشرين على يد أناس أرادوا أن يكون العلم نفسه دينًا (بحيث يكونون هم كهنة هذا الدين)". [2]

وبناء على ما سبق يتضح لنا ثلاثة أمور: أولا العداء المزعوم بين المسيحية ورجالها والعلم ورجاله هو عداء مُفَبْرَك. وثانيا فقد تم اصطناع ذلك العداء لتحويل العلم إلى مهنة للتربح لأن رجال الدين كانوا رجال دين وعلم في نفس الوقت. وثالثا حتى يقدم لنا أيضا أولئك العلماء الذين فبركوا تلك الكذبة أنفسهم على أنهم كهنة العلم الجدد الذين ينبغي الإمتثال لهم.


[1]  "War Is Over, If You Want It": Beyond the Conflict between Faith and Science, web article by Timothy Larson
[2] مقدمة قصيرة جدا: الثورة العلمية - لورانس برنسيبييه - ترجمة محمد عبد الرحمن اسماعيل - ص 42 - اصدار مؤسسة هنداوي الطبعة الأولي 2014

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس