المشاركات

عرض المشاركات من فبراير, ٢٠١٦

هادمين ظنونا (3)

صعود الداروينية والظروف التي أدت إلى انتشارها تحدثنا في الفصل السابق عن الفرق بين العلم والعَلْمَوِيَّة، وأن هذه الأخيرة نشأت عن تأليه العلم ونسبة إمكانيات له ليست فيه. فالعلم يُعْنى فقط بدراسة العالم الطبيعي المنظور، أما المسائل الأخرى التى تتعلق بالوجود الإنساني فهي خارج نطاقه. ولكن للأسف الإنجازات التي حققها العلم التجريبي نُسبت بغير حق إلى النظريات القائمة على الافتراضات غير المثبتة بوسائل العلم التجريبي، من تجربة يمكن تكرارها ورصد مباشر لتلك التجارب التي يتم إجراؤها. ورأينا أيضًا كيف أثمرت تلك العَلْمَوِيَّة عما يسمى بأشباه العلوم، وفرضية التطور واحدة من أشباه العلوم تلك. وهنا نريد أن نتطرق إلى الظروف التي أدت إلى إنتشار الداروينية رغم كونها من أشباه العلوم ولا تندرج تحت العلوم التشغيلية المثبتة.  أول سؤال يطرح نفسه علينا هو: هل نظرية التطور اكتشافًا حديثًا؟ فرضية التطور ليست حديثة النشأة، بل قديمة قدم أساطير الحضارات الأشورية والبابلية والمصرية القديمة. فقد اعتقد أولئك القدماء بأن الحياة على الأرض نشأت وتدرجت نتيجة تأثير الكواكب عليها. وأن إختلاف صور الحياة والأ

هادمين ظنونا (2)

تأليه العلم والعلوم الزائفة رأينا في إجابتنا الأولى أن الصراع بين رجال الكنيسة ورجال العلم لم يكن بسبب التمسك المتزمت للكنيسة بالكتاب المقدس والمبني على أخطاء علمية واردة به (حسب زعمهم). ورأينا أيضا أن هذا الصراع تم فبركته بواسطة بعض العلماء لخلق فرص عمل لهم ولسحب البساط من تحت رجال الدين المسيحيين الأتقياء الذين كانوا يمارسون العلم لحبهم المحض له. أي أنه لا يوجد صراع بين ما يعلمه الكتاب المقدس وبين المكشفات العلمية الحديثة، هذا من ناحية. ولكن من ناحية أخرى، نود أن نضيف إلى ما سبق، هو أنه يوجد فعلا صراعا حقيقيا مع الكتاب المقدس، ولكن هذه المرة بينه وبين وأشباه العلوم الداروينية. وذلك لأن هذه الأخيرة ليست سوى عقيدة مرتدية عباءة العلم. إنها ديانة أخرى مُضَادة ومُعَادِية للمسيحية. إن هناك صراعا حقيقيا بين العقيدة المسيحية المنسوجة في التأريخ الكتابي وبين العقيدة الطبعانية الإلحادية والمنسوجة في التأريخ الدارويني المزعوم لنشأة الكون وظهور الحياة وتنوعها. لقد تَحَيَّنْتْ الداروينية فرصة صعودها في وقت مناسب جدا. فقد صدر كتاب أصل الأنواع وسط تفاؤل كبير وثقة متزايدة في منجزات ا

هادمين ظنونا (1)

حقيقة الصراع بين العلم والإيمان الكتابي في مطلع العصر الذي يقال له التنوير العلماني، إجتاح العالم الغربي تيارا من الفكر المادي الطبعاني وما تبعه ذلك من إلحاد وشكوكية. فقد سُمعت صيحة إنتصار زائفة بين منكري وجود الله بأن العلم لم يعد في حاجة إلي الله كفرضية لمواصلة البحث العلمي، فهذا الأخير يستطيع أن يسير بإستقلال مطلق عن الله. وهذا الإعتقاد يأخذ فرضيتا التطور والإنفجار العظيم كمسوغان له. فهما اللتان تجيبان الآن عن الأسئلة الوجودية التي كان اللاهوت المسيحي يجيب عنها فيما قبل. وأخذت لفظة "تطور" تطن بها كل الآذان، فنسمع عن تطور الكون والمخلوقات والإنسان، بل وتطور الإيمان بالله نفسه كما إدعي سيجموند فرويد. ولا شك أن التغييرات السياسية والدينية الكثيرة التي مرت بها أوروبا كانت تقف وراء تلك الحركة الشكوكية التي ما لبثت أن عرفت طريقها إلي الكنيسة الغربية أيضا، ومنها إلي الكنائس العربية. حتي وجدنا الكنيسة في العالم الغربي ساومت علي الحق الكتابي ومزجته بالفرضيات الشبه علمية والغير مثبته. وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد ظهر علي السطح مؤخرا موجة إلحاد شديدة في بلادنا العربية وبصفة