لماذا سمح الله لآدم بأن يسقط؟ أم كيف سمح آدم لنفسه أن يسقط رغم كل ما كان متاحا له؟




السؤال الأكثر إلحاحا، في رأيي، لا ينبغي أن يكون: "لماذا سمح الله لآدم أن يسقط"، بل: "كيف يمكن أن يسقط أدم في ظل تلك الظروف المثالية التي خلقه عليها الرب؟".

ولكي نعرف أي من السؤالين أكثر بداهة وإلحاحا، عَدِّد معي هذه العطايا أو البركات التي أعطاها الرب لآدم، والتي كان من المتوقع لآدم أن يستخدمها في مقاومة التجربة:

1 - كان لدى آدم وصية صريحة، دون لبس أو مواربة بها، تقول أن لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر.

2 - كانت الوصية مقترنة بتحذير وعقاب "موتا تموت"، الأمر الذي كان من المفترض أن يُنَبِّهَه لخطورة الأمر.

3 - كانت له جميع خيرات الجنة ليتمتع بها، فلم يكن محروما من شئ.

4 - كان يستطيع الأكل من شجرة الحياة إذا أراد. فشجرتي معرفة الخير والشر، والحياة، كانتا متجاورتان في منتصف الجنة.

5 - كان آدم صاحب القرار باعتباره المسئول أمام الرب، لأن الكتاب المقدس ينسب مسؤولية السقوط لآدم بصورة أساسية، مع أن حواء هي التي أغويت، وهي التي سقطت أولا. كما أن الوصية أعطيت له هو. (السقوط حدث في القلب والفكر أولا واكتمل بالأكل من الثمرة)

6 - لم يكن من المفترض أن تكون الحية قادرة على الكلام، على خلاف باقي المخلوقات، وهذا في حد ذاته كان ينبغي أن يكون مثارا للشك حول حقيقتها. ولأن جنة عدن لم تكن مجرد حديقة، لكن أساسا مقدس ليهوه إيلويهم، كان على آدم، بصفته المسئول عن حفظ الجنة وعملها حسب الوصية، طرد الحية من المقدس. فكيف يُسْمح بوجود عدو يهوه الملك في مقدسه الملكي؟

7 - لم يكن وضعا طبيعيا أن يتم تنحية آدم جانبا هكذا وتجرى المحادثات بين زوجته والحية الناطقة، فآدم هو النائب الملكي الأول، وحواء هي النائبة الملكية الثانية تحت قيادة زوجها، والحية كمخلوق تخضع لهما. كان انقلاب الأدوار المعينة بسلطان الله هكذا كفيل بإثارة الشكوك لدى آدم.

8 - لم يكن قرار الطاعة صعب، إذ لم يكن آدم قد أُخْضِعَ لطبيعة الفساد بعد.

9 - تمتع آدم يوميا بحضور الرب الإله بصورة مادية محسوسة، فحتى حواسه، التي استخدمها في السقوط، بوركت وتمتعت وامتلأت بالإظهارات المادية لله.

10 - في المناقشة التي دارت بين حواء والحية كان من المفترض بآدم أن يلتفت إلى كذب الحية، بقولها "لن تموتا"، وإلى مبالغة حواء، بقولها "لا تمساه". ولعل هذا كان جرس الإنذار الأخير الذي لم يعبئ به آدم.

11 - كان كل من ذكاء آدم وذاكرته فائقان قبل سقوطه، فقد استطاع تسمية "جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية [حيوانات الحقل]" في أقل من يوم واحد.

مهما كانت التحفظات التي لدينا، مثل أن الله كان يستطيع منعه من الأكل والسقوط، أو لماذا سمح الله للشيطان بالتواجد في الجنة، أو أن الإنسان في النهاية محدود، كل هذه الأشياء، مع وجاهتها، لا تشفع لآدم أمام كل الامتيازات والنعم السابقة التي كانت له.

وبناء عليه، فسقوط آدم، من الناحية النظرية الإفتراضية المحض، كان غير محتمل جدا، وذلك في ضوء النعم الروحية والمادية التي أحيط بها. لهذا فالسؤال الأكثر بداهة ووجاهة: لماذا سقط آدم رغم كل ما أتيح له؟

ومع ذلك، ورغم عظمة إعلان الله عن ذاته في فداء آدم الأخير وطاعته، والذي ما كان سيتم بدون السقوط، سيظل في سماح الله لآدم بالسقوط نوعا من الغموض، والذي ربما لن يُحسم "بأكمله" حتى في الأبدية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس