هل الحق الكتابي نسبي؟


"تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 8 : 32)


الحق هنا معرف بالألف واللام، فهو وحيد. واللفظ اليوناني (alētheia) المستخدم هنا هو نفسه المتسخدم في قول الرب عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14) وهو أيضا نفس اللفظ المستخدم في اشارة الرب للكلمة المقدسة "كلامك هو حق" (يو 17) (مع الملاحظة أنها قيلت عن العهد القديم أيضا لأن العهد الجديد لم يكن قد كتب حينئذ). كما أن الكلمة اليونانية (logos) استعملت للإشارة إلي الرب يسوع في (يو 1) وإلي الكلمة المكتوبة أو الوصية الكتابية في مواضع كثيرة من العهد الجديد، مما يجعلنا نستنتج أن الوصية الكتابية ليست شيئا مختلفا عن الرب يسوع المسيح بل هي المسيح ذاته ولكنه مكتوبا ومقروءا ومسموعا، فكلاهما "الحق الواحد".

كما أن قول الرب هنا يدل علي وجود امكانية لمعرفة الحق وإلا لما قال ذلك، لأنه إذا كانت معرفة المسيح (الحق المتجسد) ممكنة ، إذا فهناك إمكانية أيضا لمعرفة كلمة الله (الحق المكتوب). وبحسب بعض القواميس فإن كلمة "تعرفون" المذكورة في الآية أعلاه جاءت في اليوناينة (ginōskō) وتعني أن "تعرف بصورة مطلقة". أي أن المعرفة المقصودة هنا لا لبس أو غموض فيها. وهذا الفعل اليوناني أيضا استخدم إلي الإشارة إلي المعرفة النظرية كمعرفة الأسرار مثلا كما ورد في (مت 13 : 11) في قول الرب يسوع "لأنه قد أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات"، وذكر نفس الفعل أيضا في (يو 7 : 17) ليدل علي المعرفة النظرية للحق كما في قول الرب "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي". نستنج مما سبق أن الحق المكتوب (الكتاب المقدس) ليس غامضا أو نسبيا، ومن ثم يمكن فهمه والإتفاق علي معناه لأنه واضح ومحدد المعالم تماما مثل الحق المتجسد (الرب يسوع).


تأسيسا علي ما سبق فإن الحق هنا واحدا ولا اختلاف أو انفصال فيه، لكونه يشير إلي ذات الله وطبيعتة الأدبية. وأنت لا تستطيع أن تعرف الطبيعة الأدبية لله بدون الحق العقيدي، فلكي تعرف عن الله أنه مخلص عليك أن تتعلم عن عقيدة الخلاص، ولكي تتعلم عن عقيدة الخلاص فمن الضروري أن تقف علي معني البر والإثم، ومن ثم فالحق يشمل الطبيعة الأدبية لله والحق العقيدي أيضا. وهذا يعني أننا لا نستطيع أن ننكر الحق العقيدي إلا وأنكرنا في نفس الوقت الله نفسه باعتبار أن الحق العقيدي يفسر لنا الله نفسه. وبالتبعية فإن نسبية الحق العقيدي تعني نسبية الطبيعة الأدبية لله، ومن ثم لا يصير هناك صفات محددة لشخص الله ويصبح كل منا قادر علي رؤية الله بمنظوره الخاص. الأمر الذي سيؤثر حتما علي رؤيتنا للفضيلة التي يحددها فهمنا لطبيعة الله الأدبية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس