هل يمكن أن يفهم أكل جسد الرب وشرب دمه في (يو 6) حرفيا؟




فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ.
(يو 6 : 53)


كنت أود أن أكتب في هذا النص الكتابي من الناحية التأملية وليس اللاهوتية أو العقائدية ، فالنص يحوي واحدا من أعظم إعلانات وتصريحات الرب عن نفسه والتي وإن فهمت في ضوء القرينة التي أخذت منها لكانت سبب تعزية جمة لأرواحنا ، ولكن أمام سوء تفسير النص الكتابي وإصرار البعض علي استخدامه للتدليل علي أمر حسي لن يفيد أرواحنا وهو الأكل والشرب من جسد الرب ودمه حرفيا ، ومحاولة الربط الذي ليس في محله بين هذا النص الذي اقتطع من قرينته وبين فريضة العشاء الرباني المباركة وجدت أنه من الضروري وضع الأمور في نصابها الصحيح وإيضاح المعني الحقيقي لقول الرب "الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة فيكم" (يو 6 : 53). وليس هدفنا هنا هو الدفاع عن عقيدة أو أن نكسب معركة لاهوتية طائفية أكثر من أننا لا نريد للقارئ العزيز أن يفوته المعني والبركة التي قصدها الرب يسوع المسيح من ذلك القول ، وإلا فإنه لا يكون قد جانبنا الصواب فقط ولكننا نكون قد خسرنا أيضا إعلانا روحيا مجيدا للرب يسوع عن نفسه. فدعونا إذا نسلط الضوء علي المعني الذي قصده الرب عن طريق إثارة سؤالان هامان.

وأول سؤال يتبادر إلي الذهن هو هل هناك علاقة بين أكل جسد الرب ودمه هنا وبين فريضة العشاء الرباني؟ من البديهي أن نبدأ بحثنا إنطلاقا من هذه النقطة ليس فقط لأنه من أكثر النصوص المستخدمة بواسطة من ينادون بالمعني الحرفي لأكل جسد الرب وشرب دمه وخلط ذلك بفريضة العشاء الرباني ، ولكن أيضا لأن هذا من شأنه أن يحسم مسألة الخلاف حتي قبل أن نتعرض لباقي الحجج. لا شك أن التشابه في قول الرب يسوع هنا وبين ما قاله عند تأسيسه لفريضة العشاء الرباني (متي 26 ، مر 14، لو 22) جعل البعض يربط بينهما ظنا منهم أن حديثه في (يو 6) يشير إلي العشاء الأخير أيضا. لكن لو أمعننا النظر لوجدنا أن الرب يشير إلي أمرين مختلفين في كلا القولين ، وأن ما يبدو من تشابه أو إرتباط علي السطح ليس له أي وجود إن تعمقنا في معني كل منهما.

أولا انتفاء الإرتباط الزمني

عندما تفوه الرب يسوع المسيح بهذه الكلمات العميقة في (يو 6 : 53) لم تكن فريضة العشاء الرباني قد تاسست حينئذ ، وذلك لأنه من المعروف تاريخيا أن معجزة إشباع الخمسة آلاف والتي قيلت في سياقها هذه الكلمات الإلهية حدثت قرب نهاية السنة الثانية من خدمة الرب علي الأرض ، في حين أن فريضة العشاء الرباني قد تأسست ومورست لأول مرة فقط قبل سويعات قليلة من القبض علي الرب يسوع وتسليمه للمحاكمة والصلب. أي أن هناك فارق زمني بين حديث المسيح في (يوحنا 6) وبين العشاء الأخير علي الأقل سنة. وهناك دليل آخر نسوقه أيضا هو أن يوحنا الحبيب يذكر في نفس الأصحاح عدد (4) "وكان الفصح ، عيد اليهود ، قريبا" ولكننا لا نقرأ أن الرب قبض عليه في هذا الأصحاح أو صلب ، لأننا جميعا نعلم أن الرب صلب في عيد الفصح (يو 18 ، 19) ، بل نري البشير أيضا يحدثنا عن عيد آخر بعد ذلك وهو عيد المظال الذي صعد إليه هو فيما بعد في الخفاء (يو 7). إذا فهناك فجوة زمنية بين الآية التي نحن بصددها الآن وبين العشاء الرباني من حيث الترتيب الزمني لحياة الرب يسوع المسيح علي الأرض. فكيف إذا يطالبهم الرب بشئ لم يفعله من قبل وهو الذي قيل عنه أن كان يفعل ما يعلم به؟ (أع 1 : 1 ، مت 5 : 19) ولماذا يطلب منهم ممارسة شئ لن يستطيعوا فعله إلا بعد عام من ذلك؟ ولماذا يطلب منهم فعل شئ هدفه تذكار موته (لو 22 : 19) قبل حدوث هذا الموت بفترة طويلة هكذا؟ وإن لم يتكلم يوحنا عن العشاء في موضعه قرب نهاية حياة الرب يسوع المسيح علي الأرض مثل البشيرين الآخرين هل من المعقول أن يذكره في غير موضعه؟؟

ثانيا انتفاء الإرتباط الموضوعي

إن موضوع حديث الرب في يو (6) وخصوصا الآية قيد البحث ، يختلف عن النصوص التي تتكلم عن مائدة الرب والتي أسسها مسيحنا القدوس قبيل صلبه ومن ثم موته. وتشابه بعض العبارات التي استخدمها الرب في كلا المناسبتين ليس دليلا علي إنطباق المعني. فالقرينة في الأصحاح السادس تكلمنا عن إطعام الجموع وإشباعهم ، لهذا نجد الرب يسوع المسيح يقول لليهود الذين جاءوا يطلبوه أنهم فعلوا ذلك ليس لأنهم رأوا آيات بل لأنهم أكلوا من الخبز فشبعوا ، فقد ساروا وراء رب المجد بحثا عن الإشباع المادي ، ولكن الرب يستغل انشغالهم بملء بطونهم لكي يلفت أنظارهم إلي إحتياج آخر لديهم وهو الجوع الروحي الذي جاء هو من أجله خصيصا من السماء لكي يملأه ، ومن هنا يلتقط الرب خيط الحديث ليحول أنظارهم من علي احتياجهم المؤقت إلي احتياجهم الأبدي الروحي (يو 6 : 27) ، فيحدثهم عن نفسه كخبز الحياة الآتي إلي العالم وأنهم إن لم يأكلوا جسده ويشربوا دمه فليس لهم حياة فيهم. أما النصوص الأخري التي تتكلم عن فريضة العشاء فقد قيلت في سياق اجتماع الرب بالتلاميذ في العلية ليأكل الفصح معهم ومن ثم يؤسس فريضة لتذكار آلامه العتيدة وإنكسار جسده وسفك دماه من أجلهم. ولا شك أن العامل المشترك بين آية البحث هنا وبين الفقرات الكتابية التي تكلمت عن مائدة الرب هو صلب المسيح وسفك دماه ، إلا أنه يتكلم عن صلبه وسفك دماه (في يو 6) بإعتبارهما مصدر الشبع الروحي والحياة الأبدية لمن يؤمن بهما بالمقابلة مع المن الذي أكل منه الآباء وماتوا جميعا (يو 6 : 31 – 32) ، أما أثناء العشاء الرباني فهو يضع نموذجا فعليا أمام تلاميذه لممارسة هذه الفريضة ليتذكروا صلبه وسفك دماه وإشتراكهم جميعا روحيا في هذا النصيب الروحي الذي نالوه عن طريق جسده الذي كسر ودماه التي سفكت علي الصليب.

ثالثا انتفاء الإرتباط اللفظي

نستطيع أن نستدل أيضا علي عدم وجود إرتباط بين الحديث عن أكل جسد الرب وشرب دمه في (يو 6) وبين ما قيل أثناء تأسيس العشاء الأول وذلك إذا تأملنا الألفاظ التي أستعملت في كل مناسبة من المناسبتين حسب النص الأصلي. وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف المسيحي عوض سمعان أنه بمقارنة لفظا "جسد" المستعملان في حالة (يو 6) وفي الحالات الأخري التي تتحدث عن العشاء الأخير (متي 26 ، مر 14، لو 22) نجد أنهما يختلفان عن بعضهما البعض في اليونانية. فاللفظ المستعمل في الأصحاح السادس من انجيل يوحنا هو (sarx) والذي يعني حرفيا (لحم) وقد ترجم إلي الإنجليزية (flesh) ، بيمنا اللفظ اليوناني الذي أستعمل في المناسبات الأخري التي تكلمت عن المائدة المقدسة هو (sōma) والذي يعني حرفيا (جسد) وقد ترجم إلي الإنجليزية (body). ويتابع هذا الباحث المحنك قوله أن هذا الإختلاف بين اللفظين لم يأت مصادفة بل كان إختيارا مدققا من الرب له هدفه ومعناه وهو أن الرب كان يتحدث عن نفسه في (يو 6) بوصفه غذاء البشرية وإشباعها لهذا كان من البديهي أن يشبه نفسه بـ (اللحم) الذي يغذي الجسد والذي يشير إليه هو كغذاء الروح ، بينما استعمل لفظ (جسد) في المرات التي تكلمنا عن تأسيس هذه الفريضة لكي يترك لهم تذكار بكسر جسده كله علي الصليب وليس لحمه فقط. وللمزيد عن هذا الإختلاف بين اللفظين يمكنك أيضا عزيزي القارئ مراجعة شرح روبرتسون لإنجيل يوحنا (RWP).

رابعا إنتفاء إرتباط الظرف المكاني

ونقصد بذلك هو من ألقيت علي مسامعهم الكلمات في الحالتين. ففي الأصحاح موضوع بحثنا في (يو 6) يكلم الرب جموع اليهود التي احتشدت لرؤيته وليس تلاميذه فقط ، بينما الحديث عن العشاء الرباني وتأسيسه لم يتم إلا في دائرة خاصة ومغلقة مع تلاميذه فقط دون وجود المريمات أو حتي أي من السبعين رسول. والسؤال هنا هو كيف يتكلم الرب عن أمر مقدس مثل تذكار موته أمام جموع اليهود التي لم تؤمن به بعد؟ ألا يكون ذلك طرحا للدرر أمام الخنازير؟ أليسوا في حاجة ماسة إلي الإيمان بشخصه وقبوله كالمسيا الذي انتظروه لسنين عديدة أكثر من الحاجة إلي تعليمهم عن هذه الفريضة المقدسة التي لا ينبغي أن تمارس إلا لمن آمن بالرب يسوع؟ وكيف سيعطيها الرب للعالم كله في حين أنها لا تعطي إلا لمن آمنوا به؟ (يو 6 : 51)
من الجدير بالذكر أيضا أيها القارئ الكريم أن فريضة العشاء الرباني مورست أمام من سيكونوا شهودا علي موت الرب وقيامته فقط حتي يستطيعوا أن يخبروا بموته ويمارسوا الفريضة بإعتبارهم شهودا علي ذلك (1 كو 11 : 26) ، الأمر الذي لم يتسني تحققه لجموع اليهود التي خاطبها الرب بهذه الكلمات يوم احتشدوا لديه ، فعند الصليب لم يكن هناك إلا القليلون ، وبعد قيامته لم يظهر الرب إلا لبعض الذين اختارهم.

وبناء علي ما سبق فليس إذا هناك إرتباط من أي ناحية بين ما قاله الرب هنا وبين العشاء الرباني إلا من الناحية الظاهرية فقط. وأن أي محاولة لتفسير كلام الرب في (يو 6) حرفيا ليست إلا تجاهلا للقرينة وتعقيدا للمعني ومنافاة للمنطق وتأويلا لقول الرب الصريح. وهذا يقودنا إلي السؤال الآخر وهو علي فرض أنه لا يوجد إرتباط بين ما قاله الرب في يوحنا (6) وبين العشاء الرباني فهل هذا يمنعنا من أن نأخذ بالمعني الحرفي المباشر الذي قاله الرب يسوع؟ بكل تأكيد لا نستطيع تبني المعني الحرفي لقول الرب يسوع "إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" وذلك لعدة أسباب:

أولا لكثرة التصريحات الرمزية للرب عن نفسه في هذا الإنجيل

إذا فهمنا هذا القول للرب يسوع المسيح حرفيا لكان علينا أن نفهم تصريحات أخري بنفس الطريقة ، مثل "أنا هو "الباب" (يو 10 : 9) فهل هو فعلا له جسما خشبيا مثبتا به مقبض ومصاريع ومزاليج؟ أم أن ذلك كان مجرد تشبيه وتجسيد لحقيقة روحية؟ وإذا كان قد قال "أنا هو نور العالم" (يو 8 : 12) أفيعني بذلك أنه يتكون من نار؟ وإن أخذنا بالمعني الحرفي لقوله "أنا هو الراعي الصالح" (يو 10 : 11) فهل نفهم من ذلك أنه راع فعلا وسيطعمنا برسيما؟ وهل نفهم من قوله أنه "الطريق" (يو 14 : 6) أنه فعلا طريقا مشجرا وبذلك يكون جزءا من هذه الأرض التي نسير عليها؟ وماذا عن قوله "أنا الكرمة الحقيقية" (يو 15 : 1)؟ هل يعني بذلك أنه كرمة مادية مغروسة في الأرض لها أفرع وثمار وتقف علي أغصانها الطيور أم أنه كان يقصد تشبيه نفسه بالكرمة المثمرة التي تخضع أفرعها لعملية التقليم والتنقية؟ (راجع أيضا يو 1 : 36 ، 2 : 19 ، 3 : 14 ، 4 : 32 ، 7 : 37 – 39). ولكن لماذا لا يقل الرب صراحة ما يريد قوله عن نفسه؟ لقد كان الرب يسوع المسيح يتعمد استخدام الرموز والأمثال عندما يخاطب جموع اليهود ، ولم يكن يفسرها إلا عندما كان ينفرد بتلاميذه "بأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا ، وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما علي انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شئ" (مر 4 : 33 ، 34). أي أن اللغة الرمزية الغامضة التي كان يستخدمها الرب في حديثه مع اليهود كانت مقصودة بل كان متنبأ عنها (مت 13 : 35). ولكن لماذا يصعب الرب عليهم الأمر هكذا؟ إن استعمال هذه اللغة الرمزية الصعبة من الرب يسوع كانت بمثابة السيف ذي الحدين ، فقد كانت تعلن الحق لمن يريدون الحق فعلا أما للرافضين والمعاندين فكانت لدينونتهم لأنهم لا يريدون أن يسمعوا مع أنهم سامعين ولا يريدون أن يبصروا مع أنهم مبصرين "من أجل هذا أكلمهم بأمثال لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون" (مت 13 : 13) لهذا نجدهم يقولون بعد حديث الرب معهم عن أكل جسده وشرب دمه "هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه؟" (يو 6 : 60). وبخصوص هذا يذكر متي هنري أن اللغة الرمزية للرب يسوع تشبه عمود السحاب والنار الذي كان ينير لإسرائيل من ناحية ، ومن ناحية أخري كان يربك المصريين ويزعجهم في نفس الوقت.

ثانيا لأن شرب الدم كان محرما لدي اليهود

رأينا كيف استخدم الرب أسلوبا رمزيا صعبا تعثر منه اليهود وذلك كنوع من الدينونة علي غلاظة قلوبهم وعنادهم. ولكن لماذا تعثر اليهود من هذا الكلام؟ لا شك أن الكلام كان سيقابل بالرفض لدي سامعيه من أي جنس إن فهم حرفيا ، لأن أكل اللحم البشري وشرب دمه أمرا منافيا للطبيعة البشرية ، أما بالنسبة لليهودي الذي يسمع هذا الكلام فإن رفضه لن يكون مؤسسا فقط علي طبيعته الإنسانية بل أيضا ناموس موسي. فالشريعة الموسوية كانت تحرم شرب الدم أو أكل اللحم والدم بعد فيه (تك 9 : 4 ، لا 17 : 10 – 14 ، تث 12 : 16 ، أع 15 : 29). والسؤال هنا كيف يطلب منهم الرب فعل شئ نهت عنه شريعة موسي وهو الذي قال عن نفسه أنه جاء ليكمل الناموس لا لينقضه؟

ثالثا لأنه قال صراحة أن كلامه روح وحياة

بداية من عدد (60) نري عددا من تلايمذه يتذمرون علي ما قاله ، وليس المقصود بالتلاميذ هنا هو الإثني عشر رسولا ، ولكن كان هناك تلاميذ كثيرون للرب ، وكان قوم من هؤلاء مجرد معترفين وليسوا مؤمنين حقيقيين (يو 6 : 64) ، وهم الذين تعثروا من هذا الكلام ورجعوا للوراء ولم يعودوا يمشون معه منذ ذاك الحين (66). ولكن لشفقة الرب علي هؤلاء – الذين علي الأقل اعترفوا به وحتي إن لم يكن لهم إيمان حقيقي – نجده يقدم لهم أساسا لتفسير كلامه فيقول "الروح هو الذي يحي. أما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (63). ويقول جون جيل في شرحه لهذه الآية أنه ربما يكون المقصود بـ "الروح" هو روح الإنسان بإعتباره نسمة الحياة التي نفخت في أنفه وذلك علي خلاف الجسد الذي لا يفيد شئ وليس له قيمة بدون الروح ، أو ربما يكون المقصود بها أيضا هو أن الروح القدس هو الذي يحي الخطاة الأموات بالذنوب والخطايا ، وأخيرا قد يكون المقصود بهذا التعبير هو الأكل بالمعني الروحي لجسد الرب ودمه أي الإيمان بالعمل الروحي لجسده المكسور ودمه المسفوك علي الصليب ، وهذا هو الذي يحي الإنسان ويشبعه. وأي كان المقصود بكلمة "روح" فإن ذلك كافيا بأن يوضح لنا عدم نفع الجسد "لأن كل ما يدخل الفم يمضي إلي الجوف ويندفع إلي المخرج" (مت 15 : 17). أما القسم الأخير من الآية "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" فهو دليل قاطع علي ضرورة فهم الكلام الذي قاله الرب روحيا وليس حرفيا ، لإنها إن فهمت وطبقت روحيا وليست حرفيا لصارت لنا هذه الكلمات حياة. ألم يقل هو في عظته علي الجبل "طوبي للجياع والعطاش إلي البر لأنهم يشبعون"؟ فهل هناك كلمات أوضح من هذه عزيزي القارئ؟؟

رابعا لأنه يتناقض مع ما ذكر سابقا

إن افترضنا جدلا صحة التفسير الحرفي لأكل جسد الرب وشرب دمه لوجدنا أن ذلك يناقض ما قيل صراحة في نفس الأصحاح السادس من انجيل يوحنا (عدد 40) والذي يقول "لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: أن كل من يري الإبن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمة في اليوم الأخير" فماذا إذا؟ أنحصل علي الحياة الأبدية بالإيمان أم بأكل جسد الرب وشرب دمه؟ أم أن كلاهما شيئا واحدا إن سلمنا بالمعني الروحي لا الحرفي فيكون الأكل من جسد الرب وشرب دمه عن طريق الإيمان به وبذلك لا يكون هناك تناقض في القولان؟

ولا شك أن هناك المزيد من الحجج التي يمكن أن نوردها في هذا السياق أيها القارئ الكريم ، ولكننا سنكتفي بما سردناه رغبة منا في الإختصار ، وأدعوك ألا تكتفي بما تقرأه من شروحات بل أن تفتش الكتب بنفسك فهي التي تشهد الشهادة الحق للرب أكثر من أي بشر (يو (5 : 39).


تعليقات

  1. How would you respond to examining bread and wine before and after the conversion during a liturgy to find out that bread consists of human tissues and blood contains white bllod cells, red blood cells, and plateltes? I will borrow the books from abouna or church librarary on Sunday to justify for my references as I know this has been tested multiple times different countries and resulats were the same. Good defense and very well written but I still don't see the point behind attacking others' faith if you're convinced with yours!!! I know online material is not a reliable source but will dig more tonight as I'm currenlt at work. I just felt the urge to respond... http://english.pravda.ru/society/stories/27-03-2008/104689-jesus_christ-0/

    ردحذف
    الردود
    1. الصديقةالعزيزة ماريا

      شكرا علي مشاركتك وتعليقك علي ما كتبناه ، ولكن نحب أن نجيب علي هذا التعليق بالآتي:

      أولا بخصوص استحالة الخمر إلي دم والخبز إلي جسد فعليان.
      نحن لا نؤسس إيماننا علي قصص تتناقلها الألسن وقد تزيد إلي الحقيقة أو تنقص منها ، ذلك إن كان في هذه القصص أي من الحقيقة ولكننا "عِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُم". ودعيني اسألك سؤالا: ألم يقل الرب يسوع سابقا "لأن كل ما يدخل الفم يمضي إلي الجوف ويندفع إلي المخرج" (مت 15 : 17) فما فائدة الجسد والدم فعلا إن كانا فعلا قد تحولا ما دام مصيرهما هو أن يمضيا إلي الجوف ويندفعان إلي المخرج؟ أهذا يكون مصير رب الطهر والمحبة؟ وماذا عن اللص التائب علي الصليب الذي لم يشارك في هذه الفريضة المقدسة؟ وماذا عن قديسي العهد القديم؟ هل هناك استثناءات في مبادئ الله خصوصا فيما يتعلق بخطة الخلاص؟؟ وإن كان الخبز يتحول فعلا إلي جسد والخمر إلي دم لماذا لم أشعر أنا بهذا التحول؟ لماذا يكون هذا الإمتياز مقصور علي البعض دون البعض الآخر ، أي أن من اختبروا هذا التحول وشهدت عليه حواسهم هم نسبة ضئيلة جدا جدا ذلك إن كانوا فعلا موجودين؟؟ وكم من المرات حاول رب المجد أن يرتقي بأنظارنا عن الأمور الملموسة؟ ألم يقل "لي طعام لآكل لستم أنتم تعرفونه؟ .. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو 4 : 32 ، 34)؟ ألم يقل هو أيضا "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4 : 4)؟

      ثانيا: إن كنتي تعتبرين هذا البحث هجوما علي عقديتك فأنا أعتبر إن ما تؤمنين به هو تشويها لعقيدتي واستخفافا وتسطيحا ليس فقط لواحدة من أعمق أقوال الرب عن نفسه بل أيضا لتعليم الخلاص المبارك. ولماذا تسمينه هجوما ولا تسمينه نقدا؟ ولماذا تحجرين علي آراء الآخرين؟ ولماذا لا تنقدي أنتي ما أؤمن به أنا فلن أمنعك؟ وهل الكتاب المقدس ملكا لأحد حتي يحتكر تفسير نصوصه حتي تسمين ما أكتبه هجوما؟

      ثالثا: كنا نتوقع من الصديقة العزيزة مقابلة الحجة الكتابية بحجة كتابية أخري ، ومناقشة النقاط التي ذكرناها وضحدها من الكتاب المقدس ولكن يبدو لدي الصديقة أن المقال الذي أشارت إليه في التعليق - والذي لم يحتوي علي آية كتابية واحدة - أكثر أهمية من كلمة الله. ولهذا السبب سمينا هذه المدونة "إلي الشريعة وإلي الشهادة" .. فهذا شعارنا. وأنا أدعو كل صديق للمدونة أن يرجع إلي كلمة الله كما فعل أهل بيرية الشرفاء الذين يقول عنهم الكتاب المقدس "وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟" (اع 17 : 11).

      رابعا: ننتظر نتيجة بحث الصديقة العزيزة في الكتب الكنسية التي ستحصل عليها ومشاركتنا بالبراهين والنقاط التي يمكن بها أن تدحض ما ذكرناه.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس