الرد على إدعاء القس إكرام لمعي بأنه كان هناك بشر غير مكتملي العقل قبل آدم

يبدأ المذيع اللقاء الهزيل بين طرفي الفديو بجملة أكثر هزالاً تحمل الكثير من المزاعم وصفر من التوضيحات والأدلة: "نظرية التطور المثبتة علميًا". ورغم أننا يمكن أن نكتب الكثير من السطور لدحض هذا الإدعاء المزعوم والغير مُبَرهن عليه، لكننا سنكتفي بالإشارة إلى أن عبارة المذيع جاءت تأكيدية وليست توضيحية مُدَعَّمَة بالأدلة.

ومع أن القس إكرام يشرع في إجابة سؤاله دون أن يقوم بتعريف المفاهيم التي سيتحدث عنها، لأنه هكذا ينبغي أن تبدأ كل مناقشة أكاديمية صحيحة، إلا أن المصيبة الأكبر هي قوله أن داروين كان مؤمنا (جدًا) بالله ومسيحيًا (حقيقيًا).ولكن هل هذا صحيح؟ طبعًا لا، فقد وصف داروين حالته العقيدية (بحسب المجلة المسيحية الأمريكية: Christianity Today) قائلاً: "في أكثر تقلباتي شدة لم أكن أبدًا ملحدًا بمعني إنكار وجود الله، وأنا أعتقد أنه وبصفة عامة (وأزداد قناعة بذلك أكثر وأكثر كلما كبرت)، ولكن ليس دائمًا، أن وصف 'لاأدري' هو أصح وصف لحالتي الفكرية". وقرب نهاية حياته يذكر صراحة أن عدم إيمانه قد اكتمل: "كنت مقاومًا جدًا لفكرة التخلي عن إيماني .. ولكني وجدت الأمر صعبًا جدًا، مع إطلاق العنان لخيالي لإختراع أدلة يمكن أن تكون كافية لإقناعي. وهكذا زحف عدم الإيمان ببطئ في حياتي، إلي أن اكتمل أخيرًا". أما بخصوص توبته علي فراش مرضه كما يدعي البعض أنه آمن بالله وجحد نظرية التطور، يقول الخبراء أنها أكذوبة، دحضها إبنه فرانسيس قائلاً أنه لو كان أبيه أصبح مسيحيًا لكانت قد عرفت أسرته بذلك، فهذا التغيير لم يحدث.

وبينما يقول التاريخ فعلاً أن داروين جاء من عائلة قاومت العبودية وأن جده إيراسموس داروين قام بتكوين تكتل لمساعدة اللاهوتي الإنجيلي المحافظ وليام ويلبرفورس في مقاومته لتجارة الرقيق، إلا أن إدعاء القس إكرام بأن داروين "عامل جمعية ضد العنصرية" غير صحيح. يقول موقع الـ BBC  الإخباري العلماني الليبرالي في مقال قصير بأن داروين كان "عنصريًا". فقد اعتبر في كتابه "أصل الإنسان" أن سكان أستراليا الأبوريجينال الأصليون "هَمَج"، كما استعمل داروين وصف "العِرْق المُفَضَّل" في كتابه "أصل الأنواع". بل إن الباحث الكبير في هذا المجال راسل جريج يقول "هكذا، بالنسبة لداروين، كانت العبودية نتيجة للإنتخاب الطبيعي .. وأنه لم تكن مقاومة العبودية هي دافعه في صياغة نظرية التطور". بكلمات أخرى فإن داروين اعتقد بأن العبودية التي رآها في مملكة الحيوان كانت بسبب الإنتخاب الطبيعي.

بل وبالإضافة إلى كون داروين عنصريًا، فإن نتيجة حتمية للإعتقاد بأن البشر تطوروا عن كائنات أقل تعقيدًا يؤدي إلى العنصرية. إذ يرى الدارويني الغيور عالم الحفريات ستفين جاي جولد أن الجدل البيولوجي بخصوص العنصرية ازداد أضعافًا مضاعفة عقب اعتناق نظرية التطور. وقد لعب كتاب أصل الأنواع دورًا خطيرًا في حياة كل من ستالين وهتلر وفرانسيس جالتون (وغيرهم) بحيث أدى إلى إعتناقهم جميعًا أفكارًا عنصرية عملت على إرتكابهم المذابح. ألم تلحظ يا جناب القس كيف يُصَوِّر الدارونة في رسمواتهم التوضحية قردًا أسود يتطور مع الوقت إلى أن يصبح إنسان أبيض وما بينهما درجات بين الأسود والأبيض بحيث كلما إزداد الكائن الحي إنتصابًا كلما أصبح لون بشرته فاتحا؟ والسبب في ذلك لديهم هو أن هناك بشر أكثر تطورًا من نظرائهم.

ثم يتحفنا القس إكرام بقوله أن داروين "ابتدي شغله في الجينات". هل تعلم يا جناب القس أن داروين لم يعلم شيئا عن الجينات؟ وهل تعلم أن أول ما سمع البشر عن الجينات كان ذلك من خلال الراهب المسيحي (والرافض لنظرية التطور الداروينية كما قال د. هنري موريس) جريجور مندل عندما اكتشف قوانين الوارثة المندلية التي شكلت الأساس لعلم الجينات؟

وهل أراد داروين فعلا أن يحقق كلام الكتاب المقدس؟ كتب داروين قائلا في أحد خطاباته "أنا آسف لأني مضطر لإخبارك بأني لا أؤمن بالكتاب المقدس كإعلان إلهي، وبناء على ذلك لا أؤمن بيسوع المسيح كإبن لله". أين إذًا المنطلق الإيماني الذي يتحدث عنه القس إكرام أستاذ مقارنة الأديان؟ يبدو أنه تزويجًا وخلطًا للأديان من طرف القس إكرام وليس مقارنة لها.

ثم يقول القس إكرام أن هناك مقولة مشهورة تُنْسب إلى داروين بأن الإنسان أصله قرد. ويذكر القس إكرام بالحرف الواحد "حتي هو ماقلهاش .. الجملة دي مش موجودة خالص .. دي مش موجودة نهائيًا" ثم يخبط بكفيه نافضا يديه من تلك الأكذوبة المزعومة. مسكين داروين الذي يفتري عليه المحافظين!! ودعونا نسأل مرة أخرى، هل أنت متأكد مما تقوله يا جناب المدير السابق لكلية اللاهوت؟ قد لا يكون داروين ذكر ذلك في كتابه الأكثر شهرة "أصل الأنواع بواسطة الإنتخاب الطبيعي"، ولكنه وبكل تأكيد قال ذلك في كتابه "نشأة الإنسان والإنتقاء الجنسي". وقد جاء في هذا الكتاب الأخير ترجمة وتقديم مجدي محمود المليجي ومن إصدار المجلس الأعلى للثقافة لعام 2005 المجلد الأول صفحة 387: "والقرديات بعد ذلك تفرعت إلى أورمتين عظيمتين، وهما قرود العالم الجديد وقرود العالم القديم، ومن الأخيرة وفي عصر بعيد، انبثق الإنسان، أعجوبة الكون ومثار فخره".

وماذا يقصد القس إكرام بإكتمال العقل؟ هل هذا يعني أن خليقة الله ناقصة واحتاجت إلى ملايين السنين (كما ادعي لاحقا في الفديو) لكي تكتمل؟ ولكن كيف يمكن أن تظل خليقة الله، لآلاف بل وربما لملايين السنين، غير كاملة ويصفها الله بأنها "حسنة" و"حسنة جدا"؟ وكيف يظل الله بحسب الكتاب "الصخر الكامل صنيعه"؟ وعلى فرض أنه حدث إكتمالاً للعقل، فهل هذا الإكتمال حدث بمجهود الإنسان إلى أن وصل لحالة العقل المكتمل؟ وكيف يمكن أن يكون ذلك والكتاب المقدس يعلمنا أن الله نفخ في أنف الإنسان نسمة حياة؟ وأن تلك النسمة هي الروح العاقلة التي أعطاها الله للإنسان كما يقول الكتاب أيضًا "وفي الناس روحا ونسمة القدير تعقلهم"؟ (أي 32 : 8). العقل هو هبة الله للإنسان وليس شئ يحققه بمجهوده الذاتي في تطوره عبر آلاف السنين. ثم أين هي الفجوة المزعومة في كلامك بين خلق الإنسان واكتمال عقله؟ كيف يمكن أن يكون الإنسان إنسان بدون عقل؟ وبالمناسبة فإن المنظور الكوني الدارويني يقول أن المادة هي التي أنشات العقل، وذلك لأن كل شئ – بما في ذلك عقل الإنسان – نشأ من ذرة صغيرة. بينما المنظور الكوني الكتابي يقول أن عقل الله هو الذي أنشأ المادة. فهل المادة هي التي أنشأت العقل أم أن العقل هو الذي أنشأ المادة؟ كيف توفق بين هذين المنظورين المتضادين يا جناب القس؟

ثم يدلل القس إكرام على كلامه بأن الكتاب المقدس تحدث عن الذين اكتمل عقلهم بأنهم "أولاد الله" (وحتى في ذلك لم يستطع القس إكرام تذكر المصطلحات التي استعملها الكتاب). والناس الذين كانوا موجودين ولم يكتمل عقلهم هم "أولاد الناس". ثم يصحح القس إكرام قوله "أولاد الناس" إلي "بنات الناس" (بما يتفق مع الكتاب المقدس). وأول كل شئ نستطيع قوله هنا هو أن القس إكرام إختار نصًا من أصعب النصوص الكتابية التي اختلف الكثير من اللاهوتيين حول معناها. وهذا لا يخدم ما يدعيه إطلاقًا. ولكن رغم ذلك نستطيع أن نجد في النص ما ندحض به إدعاء القس إكرام أستاذ مقاربة الأديان وخلطها ببعض!! ولكن كيف يمكن أن يكون ذلك والكتاب المقدس في لغته العبرية يصف "بنات الناس" بأنهم "بينوت هآدم"؟ أي أنهم بنات من نسل آدم. وبنو الله يصفهم بأنهم "بني ها إيلوهيم". فلماذا اقتصر الوصف على فئة واحدة من الفئتين بأنها فقط تنتمي إلى آدم؟ إن هذا في حد ذاته كفيل بتفنيد إدعاءات القس إكرام. وللرد على ذلك سنقوم هنا بتلخيص بعض ما ذكره العالم واللاهوتي د. جوناثان سارفتي (وهو عالم في الكيمياء ويؤمن بعصمة الوحي وبالقراءة الحرفية لتكوين 1 – 11) في تفسيره الفخم للإصحاحات الإحدى عشر الأولى لسفر التكوين: 1- تكوين (6 : 1 – 8) هو جزء من توليدوت (مواليد) آدم التي بدأت في الإصحاح السابق. 2- إعمالاً بمبدأ أن الكتاب المقدس يفسر نفسه بنفسه فتعبير "بنو الله" (بني ها إيلوهيم) يرد في الكتاب مساويًا للملائكة سواء كانوا ابرارًا أم أشرارًا. مثل (أي 1 : 6 ، 2 : 1). بل وحتى الترجمة السبعينية قامت بترجمة "بنو الله" في (أي 1 : 6) (هوي أنجيلوي تو ثيو) أي "ملائكة الله". 3- اليهود القدماء فهموا تعبير "بنو الله" على أنه الملائكة، مثل قول يوسيفوس: "الكثير من ملائكة الله صارت مع النساء فأنجبوا أبناء غير صالحين". سفر أخنوخ الغير قانوني أيضًا يقول أن بنو الله هم الملائكة (أخ 6 : 1 – 3). والعهد الجديد في أكثر من موضع يشير إلى أن "بنو الله" هم الملائكة الذين أخطأوا (2 بط 4 – 8 ، يهوذا 6 – 7). ويربط يهوذا بين خطية الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم (عدد 6) وبين خطية سدوم وعمورة (عدد 7) في كون كلاهما انحرافات جنسية. فكلاهما مضى وراء أشياء غير طبيعية على غير قصد الله لهم. 4- السبب في زواج الملائكة (الذين اتخذوا أجسادا لهم) بالبشر هو أن الشيطان أراد أن يفسد نساء الأرض لكي يُعَطِّل الوعد القائل بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية. وهذا التفسير ليس غير معقول لأننا نري الملائكة في سفر التكوين وقد اتخذوا أجسادًا وظهروا بهيئة مثل الرجال وأكلوا مع إبراهيم (تك 18) واشتهاهم رجال سدوم وعمورة (تك 19).

ثم يقول القس إكرام أن نتيجة زواج البشر مكتملي العقل مع البشر غير مكتملي العقل "أنجبوا العمالقة .. اللي هما الناس الطوال .. الضخام". العمالقة هي فعلا ترجمة شائعة للفظة "طغاة" والتي جاءت في الأصل العبري "نفيليم". وقد ساهمتا كل من السبعينية والفولجاتا في تعميم هذا المفهوم غير الصحيح. ولكن الترجمة الدقيقة للفظة "نفيليم" هي "الساقطون". وذلك لأن "نفيليم" من المصدر "نافال" والذي يعني "ساقط". يقول سارفاتي أيضًا أن "التفسير الرابيني هنا معقول: لقد سقطوا وجعلوا العالم يسقط". ولكن إن كان الزواج فعلا كما يقول القس اكرام قد حدث بين مكتملي العقل وغير مكتملي العقل، فلماذا يكون النسل "طوال" و"ضخام"؟ أليس من المعقول أن يكون نتاج هذا الزواج هو بشر "متوسطي العقل" مثلا؟ وإن كانوا جميعهم (بنو الله وبنات الناس) مكتملين النمو الجسدي (وإلا لما استطاعوا التناسل)، فلماذا لا يكونوا جميعا مكتملي العقل؟

وقد قام كاتب هذه السطور بمراجعة الكثير من التفاسير القديمة والحديثة، المسيحية واليهودية، في شرحها لمن هم بنو الله، فلم تخرج عن واحدة من هذه الثلاثة: أنهم 1- إما ملائكة، 2- أو إما نبلاء أو بشر من نسلك ملكي، 3- أو إما بنو شيث الأتقياء. ولا يوجد تفسير قيّم أو حتى غير قيّم، من قريب أو من بعيد، يرى أن بنو الله هم البشر الذين اكتمل عقلهم بينما بنات الناس هم بنات من البشر الذين لم يكتمل عقلهم. فمن أين جاء القس إكرام بهذا التفسير الغريب الشكل والمضمون؟ تفسير القس إكرام لا يمكن أن يقبله أي إنسان مسيحي مكتمل العقل!

ثم من أين تفتق عقل القس إكرام المكتمل بقوله: "طبعًا علميًا مفهوم أن الناس اللي عقلها لم يكتمل بيبقي جسدها جامد .. ضخم جدا"؟ وكعادة الليبراليين يدعي القس إكرام إدعاءات ساذجة ودون أن يقدم المراجع عليها. ولكن لو كان كلام القس إكرام صحيح فلماذا مثلا لا نجد بين ذوي البله المنغولي من هم ضخام وطوال؟ وبينما يذكر الموقع الطبي الشهير (Webmd) في مقال عنوانه "الإعاقة الفكرية" بعض العلامات الفسيولوجية للإعاقة الذهنية عند الأطفال لا نجده يشير من قريب أو من بعيد إلي الضخامة البدنية كعلامة لتلك الإعاقة الذهنية. بالإضافة إلى ذلك أوضح عالم التشريح المسيحي الدكتور ديفيد منتون (الذي يؤمن بعصمة الكتاب وبالقراءة الحرفية التاريخية لسفر التكوين) أن هناك اكتشافات لحفريات البشر من النياندرثال، والذين اتسمت أجسامهم بالضخامة، تدل على أنهم تمتعوا بما نتمتع به نحن البشر المعاصرين من ذكاء. فالنياندرثال ضخام البنية العظمية، دفنوا موتاهم، وغطوهم، ووضعوا فوقهم الورود. وقاموا بصنع أدوات متنوعة من الحجر واشتغلوا بالجلود أيضًا. واكتشف أيضًا ببين بقاياهم قيثارة خشبية. بل ويوجد أيضًا ما يدل علي أنهم مارسوا الطب. وكشفت بعض العينات من النياندرثال علي أنهم بقوا علي قيد الحياة لعمر متقدم رغم ما تعرضوا له من جروح وكسور في العظام وعمي وأمراض كما أظهرت الأدلة. وهذا يدل أنه تم الإعتناء بهؤلاء من قبل أقرانهم الذين أظهروا لهم الرحمة.

ثم يعاود القس إكرام الكرَّة للتدليل على صحة كلامه من خلال قول الكتاب بأن قايين كان يخشى القتل بسبب قتله لأخيه. ويضيف القس إكرام بأنه لابد أن من أراد قتل قايين كانت هي تلك الخليقة الأخرى التي تفكر تفكيرًا بسيطًا. ولكن يا له من إدعاءا بسيطًا بل وساذجًا! وهنا نحب أن نقف ونسأل جناب القس، كيف نمى لعلم لتلك الخليقة الأخرى التي تفكر تفكيرًا بسيطًا قتل قايين لهابيل ومن ثم فكروا في الإنتقام منه؟ أليس رغبة تلك الخليقة التي تفكر تفكيرًا بسيطًا في الإنتقام يدل على أن لديهم مفهومًا للعدل، فمن قتل ينبغي أن يُقْتَل؟ ولا سيما أن مَنْ قُتِلَ كان بارًا وظل بِرُّه معروفًا لأجيال كثيرة لاحقة؟ أما عن هوية مَنْ كان قايين يخشى قتلهم، فهم إخوته من أبويه آدم وحواء. ففي ذلك الوقت كان عدد البشر كبيرًا. وإن أخذنا في الإعتبار أن آدم وحواء أنجبا غير قايين وهابيل كما نقرأ: "وكانت أيام آدم بعدما ولد شيثا ثماني مئة سنة، وولد بنين وبنات" (تك 5 : 4). الأمر الذي يؤكده يوسيفوس بقوله: "عدد أبناء آدم كما يقول التقليد القديم كان ثلاثة وثلاثون إبنا وإثنتان وعشرون إبنة". وإن أخذنا في الإعتبار أيضا أن زواج الأخ من أخته لم يتم تحريمه إلا فى شريعة موسى، والدليل على ذلك أن إبراهيم تزوج ساره التي كانت نصف أخت له. يكون أن اخوة وأخوات قايين تزوجوا من بعضهم البعض فأنجبوا نسلاً كثيرًا. كما يجوز أن قايين كان يخشي من خطر مستقبلي. وفي هذا الصدد يقول ناحوم سارنا المفسر اليهودي المعروف تعليقًا على خوف قايين من أن يُقْتَل على أيدي كل من يجده: "إن هذا يمكن أن يُفْهَم فقط على أنه النسل المستقبلي لآدم والحواء الذين لن يجدوا أي قيد في تنفيذ الإنتقام". ومعظم المفسرون يرون أن في هذا الوقت الذي قال فيه قايين تلك الكلمات كان هناك بشر كثيرين على الأرض بالفعل كنسل جاء من تزواج أبناء وبنات آدم بين بعضهم البعض. يقول جون جيل: "قد يكون هناك عدد كبير من البشر في ذلك الوقت على الأرض". طبعًا يصير هذا الامر محتمل جدًا إن أخذنا في الإعتبار أن التحولات الجينية التي حلت بسبب الخطية واللعنة والتي تسبب عدم الإنجاب والتأخر فيه لم تكن قد تراكمت في هذا الوقت المبكر من البشرية.

أما عن قول الكتاب أن قايين بني مدينة، فهو بكل تأكيد لا يعني مدينة مثل نيويورك أو لندن أو باريس. كما أنها لا تعني أنه كان هناك بشر آخرين غير مكتملي العقل ظهروا قبل آدم. على العكس فقد أراد قايين أن يهرب خوفًا من الإنتقام فعمل لنفسه معكسر بأسوار لكي يختبئ فيه هو وأسرته. ويؤكد كل من ألبرت بارنز وكايل وديليتزج (K&D) هذا المعنى في تسفيرهما.

ثم يقول القس إكرام أن "عملية الخلق خدت ملايين السنين". وهنا يتضح لنا أن ما يعتقده الليبراليون حول نشأة الكون والحياة ليس علمًا تجريبيًا مثبتًا، بل تأريخًا مزعومًا. لأن العلم التجريبي يتناول الظواهر الطبيعية المتكررة التي يمكن تحليلها ودراستها في الحاضر. بينما الأحداث الفريدة غير المتكررة لا تعدو سوي أن تكون تأريخًا يندرج تحت بند العلوم التأريخية. إن القس إكرام وباقي اللفيف الليبرالي الذي معه يريدون الترويج للتأريخ الدارويني المزعوم على أنه علمًا مثبتًا. ويكفينا هنا أن نقول أن كل من اللاهوتي وعالم تأريخ الجيولوجيا المسيحي المعاصر الدكتور تيري مورتنسون وأستاذ الجيولجيا المسيحي والمعاصر أندرو سنيلينج وعالم الجيولوجيا الدكتور جون موريس (جميعهم يؤمنون بالقراءة الحرفية لسفر التكوين) يرون أن ملايين السنين ليست علمًا ولكنها محاولة لإقحام التاريخ في العلم. وهو مفهوم ظهر حديثًا قبل اكتشاف طرق التأريخ بالكربون المشع والراديو- أيزوتوب. وأن أيام الخليقة الستة هي أيام حقيقية مكونة من أربعة وعشرين ساعة كالأيام التي نختبرها حاليًا.

وعن "الإنفجار العظيم" الذي يدعيه القس إكرام، فهناك الكثير من العلماء يتشككون به في وثيقتهم الشهيرة الموجودة علي الإنترنت والتي أسموها (Cosmology Statement) طالبين أن يُعاد النظر فيها لأنهم يشكون في الأدلة المقدمة على صحتها. وأيام الخليقة لم تكن حقب من ملايين السنين، أو حتى كانت أيام حرفية تخللتها ملايين السنين، ولكنها كانت ستة أيام طبيعية متعاقبة من ليل ونهار. الصغية الكتابية التي يستعملها الأصحاح الأول من سفر التكوين (مساء+صباح+عدد) دائمًا تدل على أيام مكونة من أربعة وعشرين ساعة.

وقبل أن نختم ردنا هنا نود أن نسأل القس إكرام لمعي عن مصير البشر غير مكتملي العقل، ومصير العمالقة الذين جاءوا نتيجة تزاوجهم مع البشر مكتملي العقل؟ هل بقي البشر غير مكتملي العقل وتناسلوا ويعيشون بيننا نحن البشر المعاصرين؟ وإن كان هناك بشر قبل آدم، فمن أي نسل جاء الرب يسوع المسيح، من نسل آدم أم من غيره؟  وكيف يكون الرب يسوع المسيح فاديا لنسل آدم إن لم يكن جميع البشر جاءوا من آدم؟ ثم نود أن نسألك أيضًا، أليس وجود تطور وبشر قبل آدم يعني أنه كان هناك موت قبل مجئ ذلك الإنسان الأول المكتمل العقل والمسمي آدم، ومن ثم فبناء علي منطقك هنا يكون أن الموت دخل قبل خطية آدم، وبالتالي فجنابك هنا تنفي العلاقة بين الخطية والموت، الأمر الذي يؤدي إلى تشويه الإنجيل المسيحي؟ وذلك لأن المسيح "مات" من أجل "الخطية". ثم ما هي المبادئ التفسيرية التي جعلتك تعتبر أيام الخليقة غير حرفية بينما جعلتك في نفس الوقت تعتبر كل من قايين وهابيل وكل ما يتعلق بهما حرفيًا؟ على أي أساس تعتقد بأن أيام الخليقة الستة غير حرفية بينما باقي أحداث الخلق حرفية؟

وأخيرًا فليتسع لنا صدر القس إكرام لسؤال أخير، في ضوء التوضيح التالي، كيف تستطيع التوفيق بين "ترتيب" أحداث الخلق بحسب سفر التكوين و"الترتيب المزعوم" لظهور الكون وأشكال الحياة بحسب نظريتي الإنفجار الكبير والتطور؟ 

في سفر التكوين: الأرض قبل الشمس والنجوم. بينما بحسب المنظور الدارويني: النجوم والشمس قبل الأرض.
في سفر التكوين: الأرض نشأت وهي مغطاة بالماء في بدايتها. بينما بحسب المنظور الدارويني: الأرض نشأت كفقاعة ساخنة مذابة.
في سفر التكوين: المحيطات أولا ثم الأرض الجافة. بينما بحسب المنظور الدارويني: الأرض الجافة ثم المحيطات.
في سفر التكوين: خلق الحياة أولا على الأرض. بينما بحسب المنظور الدارويني: ظهرت الحياة أولا في المحيط.
في سفر التكوين: خلق النباتات قبل الشمس. بينما بحسب المنظور الدارويني: ظهرت النباتات قبل الشمس بحقبة طويلة.
في سفر التكوين: خلق الحيوانات الأرضية بعد الطيور. بينما بحسب المنظور الدارويني: ظهرت الحيوانات الأرضية قبل الطيور.
في سفر التكوين: خلق الحيتان قبل الحيوانات الأرضية. بينما بحسب المنظور الدارويني: ظهرت الحيوانات الأرضية قبل الحيتان.








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس