كيف تقرأ سفر يوئيل

 

كيف تقرأ سفر يوئيل

وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ. (٢: ٢٨ – ٣١)

الخلفية التاريخية

يحدثنا يوئيل في الأصحاح الأول منه عن ضربة جراد معاصرة له أحدثت خرابًا كبيرًا في المحاصيل لدرجة التأثير على البهائم والقطعان (١ : ١٨)، بل وأثرت على العبادة في الهيكل أيضًا بسبب نقص القمح المستخدم في تقدمة الدقيق (١ : ٩ ، ١٣). وعلى ما يبدو أن هذا الخراب حدث على أربعة مراحل. ولكن غير معروف ما إن كان يوئيل يقصد بتلك المراحل أربعة أطوار مختلفة من حياة الجراد أم أربعة أنواع (١ : ٤). فيما عدا ذلك، لا يوجد بالسفر أية قرائن تاريخية تدل على تاريخ كتابته. على سبيل المثال، ليس هناك أية معلومات عن يوئيل بالسفر سوى أنه إبن فثوئيل (يوئيل يعني "يهوه هو الله"). كما أن السفر لا يورد أية إشارات إلى ملوك معاصرون له سواء من إسرائيل أو يهوذا. ولكن في ضوء كل من إستخدام يوئيل لضربة الجراد رمزيًا (كما سنرى) للإشارة إلى غزو عسكري قادم، و الإشارات الكثيرة للهيكل، فإننا نستطيع أن نستنتج أن يوئيل تنبأ للمملكة الجنوبية يهوذا قبيل السبي البابلي عليها (والمشار إليه رمزيًا بالجراد).

الأسلوب الأدبي والقيمة الليتورجية للسفر

الأسلوب العام للسفر هو التوازي الشعري. أي النص مكتوبًا في صيغة شطرتي شعر كل شطرة توازي الأخرى في المعنى أو تكملها أو تضادها. فضلاً عن ذلك، فإن الرمزية، أي استخدام ضربة الجراد كرمز لدينونة قادمة، هي أيضًا أحد الملامح الكبرى فيه. وهذه الرمزية تُستخدم بالإرتباط مع صور أبوكاليبسية (أحداث الخراب النهائي التي ستحدث قبيل الدينونة الأخيرة ولا سيما في الضيقة العظيمة). أي أن ضربة الجرداد تشير رمزيًا إلى أحداث آخروية مرعبة ستسبق مجئ المسيح الثاني. الأكثر من ذلك، فإن خلو السفر من القرائن التاريخية، كما أسلفنا، يجعل مجال تطبيقه أوسع. إذ يقول لونجمان أن خلو السفر من الإشارات التاريخية هو أمر مقصود لكي يكون غير مرتبط بزمن معين ومن ثم يسهل تطبيقه. أي أن سفر يوئيل يشترك مع المزامير في كونهما لا يوردان قرائن تاريخية ومن ثم يمكن استخدامها في الصلاة أو العبادة بواسطة الأجيال التالية.

موضوع السفر

نستطيع القول أن الفكرة الرئيسية في السفر هي يوم الرب. ويرد مصطلح "يوم الرب" خمسة مرات فيه (١ : ١٥ ، ٢ : ١، ٢ ، ٢ : ١١ ، ٢ : ٢٨ – ٣١ ، ٣ : ١٤). ومفهوم "يوم الرب" على قدر من التعقيد ولا يمكن حصره في أحداث المجئ الثاني لربنا يسوع كما نجد في المنهج التدبيري الكلاسيكي. على سبيل المثال يستخدم الكثير من الأنبياء هذا المفهوم للإشارة إلى دينونة قريبة على يهوذا وإسرائيل في السبيين الأشوري والبابلي (إش ٣ : ١٨ – ٤ : ١ ، عا ٥ : ١٨ – ٢٠ ). ولكن معظم الإشارات إلى يوم الرب هي إشارات سلبية في كونه يوم سخط وغضب من الرب وإن استعمله يوئيل إيجابيًا حول إنسكاب الروح القدس يوم الخمسين (٢: ٢٨ – ٣١). وفي يوئيل أيضًا يشير يوم الرب بصفة خاصة إلى دينونة قريبة وأخرى بعيدة (سيتضح هذا في النقطة التالية). الدينونة القريبة والتي ستتحقق في السبي البابلي ستجئ على يهوذا بسبب خيانتهم العهدية. بل إن ضربة الجراد المعاصرة أيضًا جاءت كعقاب بسبب الخيانة العهدية ليهوذا كما يعلِّم سفر التثنية "بذارًا كثيرًا تُخرج إلى الحقل، وقليلاً تجمع، لأن الجراد يأكله .. جميع أشجارك وأثمار أرضك يتولاه الصرصر (نوع من الجراد)" (تث ٢٨: ٣٨، ٤٢). ومن المثير للإنتباه هنا أن ضربة الجراد التي جاءت على مصر صارت عقاب شعب الرب. وكأن السفر يقول لنا بأن الحالة الروحية لشعب يهوذا لا تختلف عن تلك التي كانت لمصر الأمر الذي استدعى نفس الضربة على شعب الرب. والأنبياء كثيرًا ما يستعملون أحداث الخروج كرمز لأحداث معاصرة أو مستقبلية في تاريخ الشعب. فنجدهم مثلاً في الأنبياء الكبار يشيرون إلى السبي كعودة إلى مصر، وإلى النجاة منه كخروج جديد.

يوم الرب والمنظور النبوي للسفر

يختلف باحثو العهد القديم حول العلاقة بين الجراد في الأصحاحين الأول والثاني. هل كلاهما ضربتي جراد حرفيتين؟ أم أن الأولى حرفية والثانية رمزية؟ وإن كانت الأولى حرفية والثانية رمزية، فهل ترمز إلى دينونة قريبة (السبي) أم إلى دينونة بعيدة (الأحداث الإسخاطولوجية للمجئ الثاني)، أم إلى كلاهما؟ يرى كاتب هذه السطور أن الأصحاح الأول يشير إلى ضربة جراد حرفية كما يفهم من زمن الماضي المستعمل وكما سبق وأنبأ سفر التثنية بمجيئها في حالة العصيان. يستخدم يوئيل تلك الضربة الحرفية في الأصحاح الأول ليشير بها رمزيًا في الأصحاح الثاني إلى دينونة قريبة وأخرى بعيدة. القريبة، كما نفهم من أسلوب الحديث عن غزو عسكري، تحققت بالفعل في الغزو البابلي للمملكة الجنوبية ٥٨٦ ق. م. والبعيدة ستتحقق مستقبليًا في أحداث المجئ الثاني للمسيح. وهذه الرمزية تفهم من إستعمال يوئيل لأسلوب التشبيه "كمنظر الخيل منظره .. مثل الأفراس يركضون .. كصيرف المركبات .. كزيفر لهيب نار .. كقوم أقوياء" (٢ : ٤ ، ٥ إلخ). ولكن كيف نستدل على أن هناك تحقق بعيد لم يزل مستقبلي؟ إن اللغة التي يستعملها يوئيل تشير إلى أن هناك أحداث (أبوكاليبسية) في يوم الرب لم تزل بعد مستقبلية مثل "الشمس والقمر يظلمان. والنجوم تحجز لمعانها" (٢ : ١٠). فضلاً عن وصف هذا الجيش الغازي بأنه جيش الرب "والرب يعطي صوته أمام جيشه. إن عسكره كثير جدًا" (٢ : ١١). وهذا اللغة تتشابه إلى حد كبير مع لغة العهد الجديد عن الأحداث الإسخاطولوجية التي ستصاحب الأيام الأخيرة ولا سيما تلك المذكورة في سفر الرؤيا (رؤ ٦ : ١٢).

وعلى الرغم من كون يوم الرب (التحقق البعيد للنبوة في الأصحاح الثاني) سيكون يوم غضب وسخط، إلا أنه سيكون من ناحية أخرى خلاصًا للمختارين. كما كانت ضربة الجراد دينونة على مصر، وفي نفس الوقت من ضمن تدابير الخلاص لشعب إسرائيل من أرض مصر، هكذا أيضًا سيكون التحقق البعيد لنبوة يوئيل. إن التحقق البعيد للنبوة قد بدأ بالفعل من منظور ما بمجئ المسيح وإنسكاب الروح القدس كما تنبأ يوئيل بالفعل "ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلامًا، ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الأيام" (٢ : ٢٨ – ٢٩). وقد اقتبس بطرس الرسول هذا النص ليطبقه على إنسكاب الروح القدس يوم الخمسين. يرى المنظور العهدي أن نبوة يوئيل قد تحققت بالفعل في يوم الخمسين. بينما يرى المنظور التدبيري الكلاسيكي بأن نبوة يوئيل حول يوم الرب لم تتحقق في يوم الخمسين وأن بطرس استعملها فقط كصورة لما سيحدث لاحقًا. إلا أن المنظور التدبيري التدريجي، والذي يعتقد به كاتب هذه السطور، يرى أن نبوة يوئيل تحققت جزئيًا بتدشين العهد الجديد وإنسكاب الروح القدس يوم الخمسين، بينما لم تزل تنتظر التحقق الأكبر والنهائي في الأحداث التي ستصاحب مجئ ربنا يسوع المسيح.

نفس الأمر ينطبق على الوعد ببركة يهوذا (٣ : ١٨ – ٣١). إذ له تحقق قريب وآخر بعيد. القريب سيتم بعودتهم من السبي ودينونة الأمة التي قهرتهم. والبعيد يتحقق على مرحتلين؛ الأولى في المجئ الأول للمسيح وإنسكاب الروح القدس، والثانية في المجئ الثاني وتأسيس الملك الألفي.

المسيح في السفر

رغم صغر السفر، إلا أننا نجد المسيح فيه واضحًا وجليًا. فكما كانت ضربة الجراد دينونة على مصر، وخلاصًا لإسرائيل. وكما سيكون يوم الرب دينونة على غير المؤمنين، وفي نفس الوقت خلاصًا للمختارين. هكذا كان صلب ربنا يسوع المسيح، من منظور ما هو يوم الرب أيضًا، إذ احتمل العقاب نيابة عن المذنبين، وفي ذات الوقت كان خلاصًا لهم. كان صليبه دينونة وخلاصًا في نفس الوقت. دينونة له وخلاصًا لنا. ذلك لأنه هو من تحمل تبعات الخيانة العهدية، ليس فقط، ليهوذا وإسرائيل، بل ولكل المختارين أيضًا. لهذا نجد المسيح في السفر هو يهوه الذي كل من يدعو بإسمه يخلص (٢ : ٣٢ قارن مع أع ٢ : ٢١ ، رو ١٠ : ١٣). وهو أيضًا يهوه الذي يسكب الروح القدس (٢ : ٢٨ – ٢٩ قارن مع أع ٢ : ٣٢ – ٣٣). أخيرًا وليس آخرًا، كما أرسل يهوه الجراد الحرفي ليأكل محاصيل يهوذا، وكما أرسل أيضًا جراد عسكر البابليون ليهدم أسوار مدينتهم ويحرق هيكلهم، سيرسل يهوه المتجسد والممجد أيضًا جراد أحداث النهاية على الأشرار لدينونتهم (رؤ ٩ : ٣ ، ٧).

تطبيق

على عكس الإدعاءات المرقيونية المعاصرة بأن إله العهد القديم غاضب وقاس وإله العهد الجديد محب ورحيم، فإننا نجد في نصوص السفر ما يدل على كون الرب عادل ورحيم في نفس الوقت. فهو من أرسل غزو الجراد الحرفي، وغزو البابليون، كدينونتان على الشعب، وفي نفس الوقت هو ذاته من يردهم ويسكب روحه على كل أطيافهم شيوخًا وشبابًا رجالا ونساءً.

يشترك يوئيل مع يونان في كونهما يعلمان بأن الرب يندم على الشر (يوئيل ٢ : ١٣ ، يونان ٣ : ٩). وقد جاءت كلمة "يندم" في ترجمة الملك جيمز repent . والرب لا يندم بالمفهوم البشري عندما يأسف البشر على شئ فعلوه بتسرع أو في عدم حكمة أو شر. إن ندم الرب على الشر (الكارثي) ببساطة يعني رجوعه عن الدينونة التي كان سينزلها على الأشرار. إن ندم الرب على الشر يعني ببساطة تغييره لفكره حول الدينونة. تمامًا كما تعني التوبة "تغيير الفكر".

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس