المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, 2025

كيف تقرأ رسالة أفسس

لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ (أفسس ١: ١٠) تُعد رسالة أفسس من أعمق رسائل بولس من حيث الرؤية اللاهوتية والتطبيق العملي. فهي لا تخاطب كنيسة واحدة فقط، بل تقدم تعليمًا عامًا عن هوية المؤمنين في المسيح، ووحدتهم معًا كجسد له. في بيئة وثنية متعددة الآلهة، يشدد بولس على اتحاد المؤمنين بالمسيح، واختيارهم فيه منذ الأزل، وبنائهم معًا كهيكل مقدس. تتنقل الرسالة بين تعليم سماوي عن رئاسة المسيح، وتطبيق عملي يظهر في حياة الكنيسة والأسرة. في هذا المقال نستعرض خلفية الرسالة، وأسلوبها، ومضمونها اللاهوتي، لنفهم كيف يدعونا بولس لأن نعيش هويتنا في المسيح واقعًا ملموسًا. الخلفية التاريخية والثقافية تقع مدينة أفسس في غرب آسيا الصغرى (تركيا الحالية)، وكانت من أكبر مدن المنطقة، ومركزًا تجاريًا وثقافيًا ودينيًا بارزًا. وقد اشتهرت بعبادة الإلهة أرطاميس، التي عُرفت عند الرومان باسم ديانا، وكان معبدها في المدينة يُعد من عجائب الدنيا السبع. كما عُرفت أفسس بتعدد الأديان والعبادات الوثنية، ما جعلها بيئة معقدة وسياقًا مليئ...

تبادل الصفات كمنهج لفهم العلاقة بين طبيعتي المسيح

تمهيد لا شك أن العلاقة بين طبيعتي المسيح تُعد من أصعب المواضيع في الفهم اللاهوتي المسيحي. وقد أدّت هذه الصعوبة إلى ظهور هرطقات متنوعة من جهة، وإلى انعقاد مجامع مسكونية وصياغة إقرارات إيمان من جهة أخرى للرد عليها. ومن بين محاولات الكنيسة لفهم هذه العلاقة، تأتي مساهمة اللاهوت المصلح التي تنظّم هذا الفهم من خلال مفهوم لاتيني يُعرف بـ Communicatio Idiomatum، والذي يمكن ترجمته إلى "تبادل الصفات" أو "نسبة الصفات". وقبل شرح هذا المصطلح، يجب التنويه أولًا إلى أن تعليم تبادل الصفات يقوم على أساس عقيدة الاتحاد الأقنومي، أي اتحاد الطبيعتين — الإلهية والبشرية — في شخص واحد هو الابن. لقد اتخذ الابن منذ لحظة تجسده في بطن العذراء مريم طبيعة بشرية، بحيث تتحد الطبيعتان في شخصه الإلهي الواحد بدون انفصال وبدون امتزاج. تعريف مبدأ تبادل الصفات بناءً على ذلك، يمكن القول إن مفهوم تبادل الصفات لا يعني انتقال الصفات بين الطبيعتين في المسيح، بل هو نسبة صفات كل طبيعة إلى شخص المسيح الواحد. ما يُنسب إلى كل طبيعة على حدة يمكن أن يُنسب إلى الشخص الواحد، أي إلى الابن المتجسد. لا تنتقل الصفات من ط...