تبادل الصفات كمنهج لفهم العلاقة بين طبيعتي المسيح

تمهيد

لا شك أن العلاقة بين طبيعتي المسيح تُعد من أصعب المواضيع في الفهم اللاهوتي المسيحي. وقد أدّت هذه الصعوبة إلى ظهور هرطقات متنوعة من جهة، وإلى انعقاد مجامع مسكونية وصياغة إقرارات إيمان من جهة أخرى للرد عليها.

ومن بين محاولات الكنيسة لفهم هذه العلاقة، تأتي مساهمة اللاهوت المصلح التي تنظّم هذا الفهم من خلال مفهوم لاتيني يُعرف بـ Communicatio Idiomatum، والذي يمكن ترجمته إلى "تبادل الصفات" أو "نسبة الصفات".

وقبل شرح هذا المصطلح، يجب التنويه أولًا إلى أن تعليم تبادل الصفات يقوم على أساس عقيدة الاتحاد الأقنومي، أي اتحاد الطبيعتين — الإلهية والبشرية — في شخص واحد هو الابن. لقد اتخذ الابن منذ لحظة تجسده في بطن العذراء مريم طبيعة بشرية، بحيث تتحد الطبيعتان في شخصه الإلهي الواحد بدون انفصال وبدون امتزاج.

تعريف مبدأ تبادل الصفات

بناءً على ذلك، يمكن القول إن مفهوم تبادل الصفات لا يعني انتقال الصفات بين الطبيعتين في المسيح، بل هو نسبة صفات كل طبيعة إلى شخص المسيح الواحد.

ما يُنسب إلى كل طبيعة على حدة يمكن أن يُنسب إلى الشخص الواحد، أي إلى الابن المتجسد. لا تنتقل الصفات من طبيعة إلى أخرى، ولكن كل طبيعة تنسب صفاتها إلى الشخص الإلهي الذي يجمعهما.

في كتابه Post-Reformation Reformed Dogmatics، يوضح ريتشارد ميولر أن اللاهوتيين المصلحين رفضوا أي فكرة عن انتقال الصفات بين الطبيعتين. فـ Communicatio Idiomatum في الفكر المصلح تعني نسبة صفات كل طبيعة إلى الشخص الواحد، لا انتقال الصفات من طبيعة إلى أخرى.

توضيح عملي للمبدأ

في ضوء هذا المبدأ، تُنسب صفات الطبيعة البشرية مثل الجوع، والعطش، والتألّم، والتقيّد بالمكان والزمان، والموت إلى شخص المسيح. لذلك يستطيع المسيحي أن يقول: "الله المتجسد جاع، عطش، تألّم، ومات" — ليس لأن اللاهوت جاع أو مات، فهذا مستحيل، بل لأن شخص الابن، الذي هو إله حقيقي وإنسان حقيقي، اختبر هذه الأمور بحسب ناسوته.

وبالمثل، تُنسب صفات الطبيعة الإلهية مثل العلم المطلق، والحضور في كل مكان، والقدرة على غفران الخطايا إلى شخص المسيح. لذا يمكننا القول إن المسيح أقام الموتى، ومشى على الماء، وعرف خفايا القلوب، وأخرج الشياطين لأنه فعل ذلك بحسب لاهوته، لكن باعتباره شخصًا واحدًا متجسدًا.

الطبيعتان إذًا لا تتبادلان الصفات، لأن ذلك يؤدي إلى اختلاط أو امتزاج غير مقبول، بل تنسب كل طبيعة صفاتها إلى الشخص الواحد الذي يُعبَّر عنه باسم "يسوع المسيح".

تأكيدات من اللاهوتيين المصلحين

وقد أكّد عدد من اللاهوتيين المصلحين هذا الفهم، منهم:

يقول لويس بيركهوف:
"إن خصائص الطبيعتين، والأعمال الناتجة عنهما، تُنسب إلى شخص واحد هو المسيح."
أي أن الصفات لا تنتقل من طبيعة إلى أخرى، بل تُنسب إلى الشخص الواحد.

ويقول روبرت دابني:
"نقول بحق: 'الله صار جسدًا' أو 'الله مات'، مع أن الألوهية — إذا نظرنا إليها بدقة — لا يمكن أن تموت."
وهو هنا يرفض انتقال الصفات من الطبيعة البشرية إلى الإلهية أو العكس.

ويضيف ت. و. شيد:
"صفات كل طبيعة تُنسب إلى الشخص الواحد، فيكون الشخص موضوعًا لكلا مجموعتي الصفات، من دون أن تنتقل الصفات من طبيعة إلى أخرى."

الفرق بين مبدأ تبادل الصفات ومصطلح زانكي "الأعمال الثياندريكية"

طبقًا للمصلح جيرولامي زانكي، فقد صاغ مصطلحًا خاصًا أطلق عليه "الأنشطة الثياندريكية"، والذي يشير إلى أفعال المسيح التي تُعتبر أعمالًا مشتركة لكلتا الطبيعتين، أو بعبارة أدق، العمل المشترك للشخص الإلهي-الإنساني.

وقد أوضح اللاهوتي ريتشارد ميولر هذا المفهوم بقوله إن هذه الأنشطة تعني أن كل ما عمله المسيح، سواء كان ذلك بحسب طبيعته الإلهية أو بحسب طبيعته البشرية، لا يُنسب فقط إلى شخصه الإلهي الواحد، بل يُفترض أن هناك تعاونًا مباشرًا بين الطبيعتين في أداء هذه الأعمال.

هذا الطرح يوحي بفكرة وجود فعل مركب أو مشترك، وهو ما يميزها عن مبدأ تبادل الصفات (Communicatio Idiomatum)، الذي ينص على أن الصفات والأفعال بحسب كل طبيعة تُنسب إلى الشخص الواحد، لكن دون تصور فعل طبيعي مشترك أو اتحاد عملي بين الطبيعتين بشكل مركب.

ومن المهم إدراك أن مبدأ تبادل الصفات يعني نسبة الصفات إلى الشخص الواحد، وليس انتقال الصفات من طبيعة إلى أخرى، ولا يعني أن الأعمال طبيعية مشتركة بين الطبيعتين. هذا التمييز يحفظ سلامة عقيدة الاتحاد الأقنومي ويمنع خلط الطبيعتين أو اختلاط صفاتهما.

ومن الجدير بالذكر أن معظم اللاهوتيين البروتستانت المصلحين تجنبوا استعمال مصطلح زانكي هذا، إذ اعتبروا أن استخدامه قد يُسهِم في التباس مفاهيمي، ويُعرض العقيدة التقليدية لخطر سوء الفهم، خصوصًا فيما يتعلق بفصل دقيق بين الطبيعتين وحفظ وحدة الشخص الإلهي-الإنساني في المسيح.

القيمة العملية لهذا التمييز

يُظهر هذا التمييز أهميته العملية في تطبيقين رئيسيين لهما حساسية لاهوتية كبيرة:

أولًا: موت المسيح على الصليب

من الناحية اللاهوتية، الصواب أن نقول إن الله الابن المتجسد مات على الصليب بواسطة طبيعته البشرية، لا أن نقول إن اللاهوت أو الطبيعة الإلهية ماتت، فهذا غير ممكن ولا صحيح.

لذلك، القول بأن "الله مات" ليس خاطئًا بالمعنى المطلق، لكنه قد يُساء فهمه إذا لم يُوضح أنه من مات هو الابن المتجسد الذي اتحدت فيه الطبيعتان، لا اللاهوت كطبيعة قائمة بذاتها. هذا التمييز يحفظ عقيدة الاتحاد الأقنومي ويمنع الخلط أو اللبس في فهم طبيعة موت المسيح.

ثانيًا: فهم عشاء الرب وحضور المسيح الجسدي فيه

في هذا السياق، يبرز مبدأ تبادل الصفات في التمييز اللاهوتي بين اللاهوت المصلح واللوثري، حيث يقول اللاهوتي مايكل هورتون:

"يعترف المصلحون بنسبة الصفات الإلهية والبشرية إلى الشخص الواحد، بينما يُعلّم اللوثريون انتقال الصفات من طبيعة إلى أخرى."

فاللوثريون يرون أن الطبيعة البشرية للمسيح حاضرة في كل مكان بسبب اتحادها بالطبيعة الإلهية، ما يبرر إيمانهم بالحضور الجسدي الحقيقي للمسيح في سر العشاء.

أما المصلحون، وفقًا لمبدأ تبادل الصفات، فيؤمنون بأن المسيح ليس حاضرًا بجسده البشري في الفريضة، بل حاضر من خلال شخصه الإلهي المتحد فيه الطبيعتان، محافظين بذلك على التمييز الدقيق بين الطبيعتين.

خاتمة

مبدأ تبادل الصفات هو حجر الأساس في فهم الاتحاد الأقنومي بين الطبيعتين في المسيح، فهو يحفظ وحدة الشخص ويمنع اختلاط أو انتقال الصفات بين الطبيعتين. هذا المبدأ يساهم في الحفاظ على سلامة العقيدة المسيحية، ويوفر إطارًا واضحًا لفهم أفعال المسيح وتجسده وعمله الخلاصي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

هل إله العهد القديم غاضب بلا محبة وإله العهد الجديد محب بلا غضب؟