رسالة إلي الكنيسة المشيخية في مصر


 آلمني جدا وأحزنني الحالة الروحية التي انحدرت إليها الكنيسة الإنجيلية المشيخية في مصر عندما نما إلي علمي أن الطائفة الإنجيلية بصدد تعين إمرأة قسيسا. لقد وقع علي الخبر كالصاعقة ، فهرعت إلي كلمة الله لا لكي أعرف إذا كان هذا خطأ أم لا فهذا واضح لمن لديه القليل من المعرفة الكتابية ويحترمها ، بل لكي أحصر ما تقوله بخصوص هذا الموضوع. وما أدهشني هو أن الكنيسة الإنجيلية تخالف لا وصية ضمنية أو شئ صمتت عنه كلمة الله ، بل بالحري وصية صريحة وردت مرتين في العهد الجديد.

وأنا لست عدوا للمرأة ولا أنكر تعليم العهد الجديد أنه "ليس ذكر وأنثي لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع" ، ولكن ينبغي وضع كل شئ هنا في نصابه الصحيح. فمساواة المرأة للرجل في الإمكانيات العقلية والإمتيازات الروحية لا يعني أنها تصلح للخدمة الرعوية ، لأنه إن صح هذا القول فالمساواة إذا معناها إلغاء للترتيبات والأدوار التي جعلها الله في سلطانه والتي نجد لها بعض المبررات كالإختلافات في تكوين الرجل والمرأة ، فالمرأة مثلا تميل للحكم علي الأمور بتوجيه من العاطفة التي لا يمكن الإعتماد عليها نظرا لتقلبها ، والمرأة أيضا ينبغي أن يكون همها الأول هو تربية الأبناء في البيت – والتي بلا شك هي المهمة الأشق والأكثر أهمية – لا تربية أعضاء الكنيسة.

وثمة شئ ينبغي أن نوضحه هنا أولا وهو أنه لا مانع من تولي المرأة القيادة علي المستوي السياسي أو الإداري أو المهني أو الإجمتاعي ، ولكن تعليمها للرجل في الإجمتاعات العامة هو ما لا نقبله. لتكن ما تشاء المرأة أن تكنه ولكن المنبر في الإجمتاعات العامة هو منطقة محظورة بحسب ما تعلمنا إياه كلمة الله. فلتعلم المرأة في إجتماع السيدات أو الشابات ، ولكن ليس في الإجتماعات العامة.

والسؤال هنا هو لماذا لا تسطيع المرأة تولي الخدمة الرعوية؟ دعونا نلقي نظرة علي النصوص الكتابية التي تكلمت مباشرة عن هذا المبدأ:

لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضًا. وَلكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ (1 كو 14 : 34 – 35)
لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي  (1 تي 2 : 11 14)

ولا أعقتد أن يوجد أوضح من هذه النصوص الكتابية المباشرة والصريحة بخصوص هذه المسألة ، ودعونا نشرح الأسباب التي ذكرها بولس والتي نستند عليها هنا بخصوص هذا التعليم:

1- صمت النساء في الكنائس لم يكن شئ خاص بكنيسة كورنثوس أو أفسس (التي كان يرعاها تيموثاوس) وحدهما ، لأنه أولا: كان مبدأ ترجع جذوره إلي الناموس ، يذكر بولس أن هذا التعليم كان في صلب الناموس إذ يقول "كما يقول الناموس أيضا" ، ومن الواضح أن الرسول بولس هنا يشير إلي ما جاء في تكوين (3 : 16) "وهو يسود عليك" ، وهذا هو ترتيب الله للخليقة منذ القدم ، فليس للمرأة أي تسلط علي الرجل ، بل إن موضع القيادة ينبغي أن يكون للرجل وحده ، وهنا بولس لم يبتدع شئ جديد يناسب الوضع الذي كان سائدا في كنيسة كورنثوس ، إذ يرينا أن جذور هذا التعليم تمتد إلي الناموس. وثانيا: هذا السلوك كان متبع في كل الكنائس الأخري ولس فقط في كورنثوس وأفسس ، ولكي نفهم هذا علينا أن نوضح شيئا بخصوص قراءة العددين في (1 كو 14 : 33 – 34) ، يقول وليم ماكدونالد في تفسيره للعهد الجديد "كما هو معروف جيدًا، تقسيم الأعداد وعلامات الترقيم في كتاب العهد الجديد أضيفت بعد كتابة النسخ الأصلية بقرون. على هذه الأرضية، فإن العبارة الأخيرة من العدد 33 تعطي معنى أعظم بكثير لو وصفت ممارسة الكنيسة في العدد 34 منها لو أقرت حقًّا شاملاً يتعلق بوجود الله في كل مكان. (علمًا بأنّ بعض نسخ العهد الجديد اليونانية والترجمات الإنجليزية تستعمل هذا التنقيط). مثلاً، تقول ترجمة شهيرة: ”كما في جميع كنائس القديسين، لتصمت النساء في الكنائس، لأنه ليس مأذونًا لهن أن يتكلمن، بل ليكنَّ في خضوع، كما يقول الناموس“. ثم إنّ هذه التعليمات التي يوجِّهها بولس للكورنثيين لا تنطبق عليهم وحدهم، فقد وجّهها أيضًا إلى جميع كنائس القديسين، لأن شهادة العهد الجديد الموحَّدة هي أنّه بينما للنساء الكثير من الخدمات القيّمة لا يُسمح لهنَّ أن يمارسن خدمات عامة إذ تجتمع الكنيسة كلها". وثالثا: لأن موضوع صمت النساء في الكنائس أثير بخصوص التكلم بألسنة والتنبؤ ، لقد كان الرسول بولس هنا يعالج تعليم التكلم بالألسنة والتنبؤ في الكنيسة ، ومن ثم أثار قضية حدود مشاركة النساء في هذا الأمر. إذا فالأمر غير مرتبط بمشكلة ثقافية كانت سائدة في كورنثوس ، بل بالأحري مرتبط بموضوع التكلم بالألسنة والتنبؤ كما تعلمنا القرينة في هذا الإصحاح ، ومن ثم فقد كان هذا النص موجها لكل الكنائس.

2-  إذا كان الرسول بولس لم يسمح للنساء بمجرد أن يسألن أسئلة في الإجمتاعات "ولكن إن أردن أن يتعلمن شيئا فليسألن رجالهن في البيت" ، أفليس من البديهي إذا أن يكون وعظهن غير مسموح به في الكنائس؟ وربما يجد البعض في هذا مبالغة ولكن هذا ما تعلمه لنا كلمة الله إن أردنا أن نقبله. يقول وليم ماكدونالد أيضا "وإن سئل: كيف يمكن أن يُطبَّق ذلك على النساء غير المتزوجات أو الأرامل، فالجواب هو أن كلمة الله لا تأخذ كل حالة على حدة، بل تضع المبادئ العامة. فإن كانت امرأة غير متزوَّجة فبإمكانها أن تسأل والدها أو أخاها أو أحد شيوخ الكنيسة. غير ذلك يمكن في الواقع ترجمة العبارة هكذا: ”فليسألن أنسباءهن الرجال (Men-folks) في البيت». وعلى أيّة حال تبقى القاعدة الأساسية التي يجب تذكُّرها، وهي: قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة".

3- تعليم المرأة للرجل هو نوع من التسلط عليه ، وهذا يخالف الترتيب الذي وضعه الرب بأن يكون الرجل هو القائد ، وليس معني ذلك أن يتسلط الرجل بعنف ، بل أن يكون مثاله هو قيادة المسيح للكنيسة.

4- وثمة سبب آخر وهو أن آدم جبل أولا ثم حواء ، وهنا لسنا بصدد ترتيب تاريخي صرف إذ أن ذلك يعني أن تتسلط الحيوانات علي آدم وحواء لأنها خلقت قبلهما ، ولكن لأن حواء أخذت من آدم ولأنها خلقت من أجله ولم يخلق هو من أجلها (1 كو 11 : 9). وهنا يرينا بولس جذور هذا الترتيب الإلهي الذي أسسه الله في الخليقة. وخضوع المرأة للرجل كقائد لم يكن أساسا نتيجة للسقوط ، إذ أن هذا الترتيب كان قائما قبل السقوط ، ولكنه تأكد بعده (تك 3 : 16). وبناء علي هذه الحقيقة فإن المسألة ليست مرتبطة بظروف ثقافية لكنيسة معينة ككورنثوس أو أفسس ، ولكنه شئ يخص البشر جميعا إذ أن هذا هو الترتيب الذي قصده الرب منذ الخليقة.

5- عندما تسطلت المرأة وأخذت مكان القيادة من آدم وتفاوضت مع الحية  سقطت وأسقطت رجلها ولم تصمد أمام التجربة "وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي" ، وهذا دليل واضح علي أنه لم يكن من المناسب أن تقود حواء آدم في التصدي لتجربة الحية ، بل كان ينبغي لها الرجوع لرجلها ، وإذ تصرفت من تلقاء نفسها سقطت في الفخ بعد أن أغوتها الحية ، أما آدم فلم يغو. آدم تم اغراءه وليس اغواءه ، لقد أكل من الثمرة المحرمة وهو يعلم ما كان يفعله أما حواء فأغويت ، أي خدعت (تك 3 : 13 ، 2 كو 11 : 3). لقد أخطأت حواء بأن تعدت علي دور آدم في قيادتها وحمايتها والتصدي للتجربة ، وأخطأ آدم أيضا بسماحه لحواء بأن تأخذ مكان القيادة  والخروج من دائرة حمايته لها. وبسبب هذا التعدي من حواء علي دور آدم في القيادة واهمال آدم لهذا الترتيب والدور سقط الجنس البشري بأكمله. وبكل تأكيد هذا لا ينفي مسؤولية آدم بالأحري يزيدها إذ أنه أكل من الشجرة ولم يخدع في حين أن حواء أكلت بعد أن خدعت بكلام الحية.

والسؤال الجدير بالإثارة هنا هو: لماذا ذهبت الحية لحواء؟ ألا يعني هذا أنها توقعت مستوي أقل من المقاومة من المرأة؟ ألا يعني ذلك أنها سبرت غور ضعف المرأة وقدرتها الضعيفة علي المقاومة؟ وألم تعلم الحية أيضا تأثير حواء علي آدم فلم تقترب منه مباشرة بل تركتها لتؤثر عليه؟ (تك 3 : 17)

وبناء علي كل ما سبق فإن المرأة لا تصلح للخدمة الرعوية بحسب ترتيب الله المعلن في كلمته المقدسة. ويتضح أيضا أن القضية لم تثر بصدد الضوضاء والثرثرة النسائية في الكنائس ولكنه متعلق بتعليم المرأة للرجل والذي يعد بمثابة التسلط عليه ، وأنها أيضا لم تثر بسبب مشكلة محلية ظهرت في كنسيتي كورنثوس وأفسس كما سبق وأوضحنا.

وربما يعترض البعض قائلين وماذا عن دبورة؟ في الحقيقة إن الحالة الروحية للشعب في ذلك الوقت كانت مخزية ومحزنة للغاية "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ" ، وكون دبورة قاضية وقائدة للشعب في ذلك الوقت لهو شئ يخزي الرجال الإسرائيليون الذين رفضوا القيادة ، فباراق نفسه لم يستطع تحمل مسؤولية الذهاب للحرب وحده وأصر علي ذهابها معه بالرغم من تحذريها اياه أن الفخر لن يكون له في الطريق الذي هو سائر فيه (قض 4 : 6 – 9) ، فذهاب دبورة النبية معه وقتل سيسرا علي يد أمرأة كانا بمثابة صفعة علي وجه باراق ووجه كل رجل في اسرائيل في ذلك الوقت بسبب جبنهم. وهذا ما تؤكده الآية الواردة في (إش 3 : 12) " شَعْبِي ظَالِمُوهُ أَوْلاَدٌ وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ" ، وعلي الرغم أنه ربما تكون الإشارة هنا إلي أن الحكام كانوا تحت تأثير نساءهم وليس من الضروري أن يكون النساء هن من تسلطن مباشرة علي الشعب ، مع أن هذا وارد ، إلا أنها تخبرنا ايضاعلي أنه لم يكن أمر طبيعي أن تتسلط النساء علي الشعب ، والقرينة هنا مرتبطة بالدينونة كما يخبرنا العدد التالي لذلك "قَدِ انْتَصَبَ الرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ الشُّعُوبِ". وحالة دبورة وغيرها من النساء مثل مريم وخلدة ، كلها استثناءات علي مبدأ الخدمة الرعوية "ِلتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ" ، ولا ينبغي أن نستند علي استثناءات في معالجة هذه القضية.

وقد أثار حفظيتي بعض الأشياء التي استمعت إليها في المناظرة التي دارت بين القمص عبد المسيح بسيط والقس رفعت فكري ، أولا أن الأخير تعلل بإمكانية تحضير المرأة لعظة كسبب كافي لدخولها الخدمة الرعوية. عزيزي ، دعني أقول لك إن المرأة تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك بكثير ، فليس المانع هنا قدراتها العقلية ، إذ أنها تتساوي مع الرجل في هذا الأمر ، ولكن القضية هنا تتعلق بترتيب وضعه الله في الخليقة ، لم تبتدعه المسيحية ، ولم يكن محصورا بكنائس معينة كما بينا ، ولكن جذوره ترجع إلي مشهد الخليقة حينما أخذت حواء من ضلوع آدم لا لتتسلط عليه. ثم جاءت المسيحية ورسخت المبدأ الموجود في الناموس فلا نجد مثال لأمرأة تولت قيادة روحية أو خدمة رعوية في الكنيسة الأولي. وثانيا ذكر القس رفعت فكري أيضا أن المبدأ الذي أرساه بولس الرسول بوجوب صمت النساء في الكنائس كان بسبب أنهن كن يثرثرن ولا يلتزمن الهدوء ، وأقول له فإذا كان الحال هكذا ، فلماذا ربط بولس ذلك بالتسلط علي الرجل؟ وما علاقة هذا بالتعليم؟ ولماذا ربط ذلك بما قاله الناموس في القديم؟ وثالثا : لا أعلم من أين تأكد القس رفعت فكري من أن أم يوحنا مرقس كانت تعلم التلاميذ المجتمعين في بيتها؟ يبدوا أنه كان حاضرا وقتها! رابعا : لا أعلم كيف ربط بين الخدمة الرعوية وتولي المناصب السياسية في المجمتع؟ فما لنا والسياسة؟ ما لك تقحم الأمور الروحية المقدسة في قاذورات السياسة؟ أين أنت من قول الرب يسوع المسيح "لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ"؟ (مت 7 : 6)

وكل هذا بلا شك يدفعني للقول بأن الحالة الروحية والتعليمية التي أنحدرت إليها الكنيسة المشيخية في مصر لهو شئ يندي له الجبين خجلا. ناهيك عن انخراطها في السياسة  ، الأمر الذي بلا شك من شأنه أن يلطخ ثوب الشهادة للرب ويورط الكنيسة في قاذورات كثيرة. وإذ هم يحاولون تقليد الغرب في مثل هذه الأمور يفقدون تكريسهم للسيد ونقاوتهم كعروس له. وإن أرادت الكنيسة المشيخية تقليد الغرب فدعوني أضع مبدأ هام نصب أعينكم "حسنة هي الغيرة في الحسني كل حين" (غل 4 : 18). وما يبدو لي من هذا أن الكنيسة المشيخية في مصر في حاجة لرجال حتي أنهم عينوا قسيسة!  ليرحمنا الرب في هذه الأيام الأخيرة وليبسط لطفه علينا إذ نحن في حاجة شديدة إلي ذلك!

بقلم سامي سليمان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس