أين هو الرب إله إيليا؟




وَلَمَّا عَبَرَا قَالَ إِيلِيَّا لأَلِيشَعَ: «اطْلُبْ: مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ قَبْلَ أَنْ أُوخَذَ مِنْكَ؟». فَقَالَ أَلِيشَعُ: «لِيَكُنْ نَصِيبُ اثْنَيْنِ مِنْ رُوحِكَ عَلَيَّ».  فَقَالَ: «صَعَّبْتَ السُّؤَالَ. فَإِنْ رَأَيْتَنِي أُوخَذُ مِنْكَ يَكُونُ لَكَ كَذلِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ يَكُونُ».  وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: «يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا». وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ، فَأَمْسَكَ ثِيَابَهُ وَمَزَّقَهَا قِطْعَتَيْنِ، وَرَفَعَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ، وَرَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الأُرْدُنِّ. فَأَخَذَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ وَضَرَبَ الْمَاءَ وَقَالَ: «أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِيلِيَّا؟» ثُمَّ ضَرَبَ الْمَاءَ أَيْضًا فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ، فَعَبَرَ أَلِيشَعُ. وَلَمَّا رَآهُ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا قُبَالَتَهُ قَالُوا: «قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ». فَجَاءُوا لِلِقَائِهِ وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ.
(2 مل 2 : 9 – 15)



لم يكن سؤال أليشع مجرد دمدمة أو استفهاما ساذجا أخذت تنفرط كلماته من بين شفتيه تعبيرا عن حزنه الذي لا شك أنه ملأ قلبه بسبب فراق سيده له ، ولكنه كان يحمل الكثير  من المعاني بين طياته. كان صلاة واعترافا ومناجاة وتحديا وشوقا وإيمانا واستعلاما. والمشهد هنا يكتظ بالأحداث، فها هو ذلك الخادم أليشع يسير مع سيده ورفيقه إيليا كما يسير الظل مع صاحبه، وإذ بهذا الأخير يؤكد له خبر رحيله الذي سبق وأعلن له شخصيا وأيضا علي لسان بنو الأنبياء، ولكي يخفف من وطأة هذا الخبر أعلمه أن هناك تعويضا لهذه الخسارة التي لا يمكن تجنبها وهي رغبته في مكافأة خادمه قبل أن تقلع مركبته النارية إلي السماء. وبعد أن يعلمه أليشع عن طلبته التي تخبرنا بدورها عن أشواقه يضع إيليا أمام هذه الطلبة شرطا وتحديا إن استطاع فعله أجيبت له الطلبة. ثم تأتي المركبة النارية لتفصلهما عن بعضهما أثناء رؤية أليشع لذلك ويذهب فيها إيليا تاركا فقط رداءه متحققا بذلك الشرط الذي كان يحول بين الطلبة وإجباتها. وعلي الجانب الآخر من الأردن تنتظر أليشع الكثير من التحديات الروحية، فهناك بنو الأنبياء الذين افترق عنهم قائدهم الروحي وكانوا يتطلعون إلي قيادة جديدة لتحل محل إيليا. ولعلهم توسموا تلك الموهبة أو هذا الدور في إليشع الأمر الذي كان بمثابة ثقلا عليه ، زد علي ذلك الحالة الروحية المتردية للشعب بما فيهم ملكهم وقادتهم الإداريين والعسكريين.

والتشابه بين كل من خدمتي إيليا وأليشع كبير لدرجة قد تجعلنا نظن أن هذا الأخير لم يكن سوي امتدادا للأول مع بعض الفروق البسيطة ، ولكن لا شك أنه كان هناك أيضا اختلافات بينهما من حيث الجذور والشخصية والهيئة الخارجية وطبيعة الخدمة. ولعل أبرز المشابهات بينهما هي أن كلاهما رمزا للمسيح. فمن ناحية يشير إيليا إلي يوحنا المعمدان وأليشع إلي شخص المسيح. وهذا ما يعلمه لنا العهد الجديد في قول الرب يسوع المسيح عن يوحنا المعمدان "وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي" (مت 11 : 14). وكما أن اسم إيليشع يعني "الله يخلص" كذلك فإن ربنا الغالي دعي "يسوع" لأنه "يخلص شعبه من خطاياهم". وإذ بدأ أليشع خدمته من حيث انتهي إيليا ولكن بنصيب إثنين من روحه فصنع ستة عشر معجزة في مقابل ثمان معجزات لإيليا فقط فإننا نري صورة في ذلك للمعمدان الذي جاء بروح إيليا وليس قوته، لذلك لا نجده يصنع أي معجزات بل جاء لكي يمهد الطريق أمام الرب بمعموديته وحثه للشعب علي التوبة وعلي الإلتفات إلي ذاك الذي كان قائما في وسطهم ولم يعرفوه الذي جال يصنع الكثير من المعجزات فرفع عنهم أمراضهم إلي أن حملها أخير جبنا إلي جنب مع خطاياهم علي الصليب كحمل الله. وإن كان أليشع قد أخذ نصيب إثنين من روح إيليا إلا أنه مرض ومات ولكن مع ذلك صار موته واسطة حياة للرجل الذي طرح جسده الميت في قبره فعاش وقام علي رجليه عندما مس عظام رجل الله المتوفي ، فكان بذلك رمزا لموت الرب يسوع المسيح الذي بموته أنقذ الموتي روحيا. ومن ناحية أخري فإن إيليا يرمز أيضا إلي الرب يسوع المسيح ورداءه يشير إلي الروح القدس وخادمه أليشع يصور لنا الكنيسة. فكما ارتفع إيليا وترك رداءه لخادمه أليشع ليصنع به قوات أعظم من التي صنعها هو ، هكذا صعد الرب يسوع المسيح إلي السماء وأعطي روحه القدوس للكنيسة التي تستطيع من خلال إيمانها بالرب أن تعمل الأعمال التي يعملها هو أيضا بل وتعمل أعظم منها لأنه مضي إلي أبيه (يو 14 : 12). وكما بدأ أليشع من حيث انتهي إيليا هكذا علي الكنيسة أن لا تضع أساسا غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح.

وسر عظمة هذين الرجلين لا يكمن في شئ آخر سوي انتمائهما إلي إله العبرانيين الواحد. فقد دعا أليشع الله "الرب إله إيليا" معلنا بذلك أنه يتبع نفس الإله. وعلي الرغم من اعترافه ضمنا بأنه يتبع إله سيده إيليا إلا أنه عند رحيله عنه تسائل أين هو هذا الإله. فما الذي جعله يتسائل هكذا عن إله إيليا مع أنه تربي من صغره علي مخافته ورأي قدرته وعظمته أثناء خدمته وملازمته لإيليا إذ كان يصب ماء علي يديه؟ هل فراق سيده له وحزنه عليه فجر شعوره بالوحدة فأخذ يبحث عن الرفيق الأعظم؟ هل أدرك جسامة المسؤولية التي تركها له سيده بداية من قيادة بنو الأنبياء مروروا برعاية شعب الرب ووصولا إلي مواجهة الشر الأدبي في الأنبياء الكذبة والملوك العصاة؟ هل تشوق أن يري وعد الرب له بأخذه نصيب اثنين من روح إيليا متحققا فيه؟ أم هل لأنه لم يكتف بالشهادة التي قدمها سيدها إيليا عن الله بل أراد إعلانا مباشرا من الرب نفسه؟ أم هل ذكره منظر الأردن بمشقات آباءه أثناء دخولهم الأرض الموعودة وكيف كان يتقدمهم تابوت الرب حتي تمكنوا من عبور النهر لهذا صرخ "أين هو الرب إله إيليا"؟ الإجابة هي كل ما سبق.

أولا أين هو الرب إله إيليا لأسير في طريقه؟

لم يتحطم إيمان أليشع النبي علي صخرة رحيل سيده إيليا عنه بل نراه أولا يعلن عن عزمه ونيته مواصلة المسير مع الإله الذي شهد عنه إيليا وتكلم بكلمته ، إذ في قوله "أين هو الرب إله إيليا" نلمح إيمانا يجدد العزم ويعقد النية علي المثابرة في المسير الروحي مع الرب. ولم يكن من العسير علي أليشع أن يجدد ويؤكد علي قرار مثابرته الروحي في طريقه مع الرب ، إذ أننا نقرأ أنه عندما دعي أن يكرس نفسه لعمل الرب "كان يحرث واثنا عشر فدان بقر قدامه ، وهو مع الثاني عشر. فمر إيليا به وطرح رداءه عليه". فعلي ما يبدو أن أبيه كان غنيا ولكن هذا لم يعوقه أبدا عن اتباع الرب. ولعل العدو ذكره بغني أبيه عند لحظات فراق إيليا له وأنه قد سار مع الرب وخدمه بما يكفي وحان الوقت ليعود إلي بيت أبيه ويستريح من أتعاب التجوال مع إيليا. ولكن من ذاق حلاوة المسير في ظل الرب ونبية لا يستطع العودة هكذا إلي الماضي ، فلا عجب أن نسمعه يوطد العزم علي اتباع الرب إله إيليا. وكما كان أليشع يسير الخطي باحثا عن الرب إله إيليا هكذا أيضا بولس الرسول كان يسعي نحو الغرض لعله يدرك الذي لأجله أدركه المسيح.

وثانيا لم يكتفي أليشع بالإفصاح عن نيته في مواصلة المشي الروحي نحو الرب ولكنه يعلن أيضا عن أساس هذا المسير وهو "الرب إله إيليا". وهنا نري الأساس الذي ثبت النبي عليه مسعاه الروحي. فنري أول كل شئ أنه كان يتبع الإله الذي أعلنه الآباء. لم يبتدع أليشع ملة جديدة أو مذهبا أو طريقة جديدة في العلاقة مع الله ، ولكنه ببساطة قرر أن يسير وفق الطريق الذي أعلنه أبيه الروحي إيليا. وبالنسبة لنا "فعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسنا إن إنتبهتم إليها كما إلي سراج منير في موضع مظلم. إلي أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم". فنحن أيضا نسير خلف الرب يسوع المسيح وفق ما تعلنه لنا الشهادة النبوية المقدسة التي تسلمناها من الآباء. وليس لدينا مرجع آخر في معرفة طريق الرب سوي هذا السراج المنير. والأساس الثاني الذي وضعه أليشع في طريق سياحته الروحي هو الإقتداء بنموذج أبيه الروحي إيليا. لقد عاش إيليا كرجل صلاة طيلة أيام حياته وكثيرا ما نقرأ تصريحاته النارية في الوحي "حي هو الرب الذي وقفت قدامه". ثم أنه كان أيضا رجل إيمان فصدق أقوال الرب بأنه لا يكون طل ولا مطر وأيضا بعد ثلاثة سنين وستة أشهر يأتي المطر. ولا يمكن أن يوجد الإيمان الأصيل بدون طاعة ، لهذا فقد كانت حياة إيليا حياة الطاعة أيضا. لقد كان في ذلك النبي الناري خير نموذج روحي لتلميذه أليشع. ونحن أيضا لم نُترك أيها القارئ العزيز بدون السوابق الإيمانية العظيمة التي تمتلأ بها كلمة الله "إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا". فلنتجهد أن نجد الرب إله إيليا علي هدي هذه الغمامة العظيمة المضيئة. والأصل الثالث الذي أرساه أليشع لكي يسعي حسنا في سفره الروحي نحو الرب إله إيليا هو حصوله علي الرداء وتمسكه به. ولم تكن القوة أو السلطان الإلهي في الرداء في حد ذاته ولكن بكل تأكيد في ذلك النصيب الروحي المضاعف الذي أخذه إليشع، بذاك فقط استطاع أن ينتصر ويذلل كل العقبات أمامه. وكما ذكرنا آنفا أن الرداء يحدثنا رمزيا عن الروح القدس في العهد الجديد. فنحن لا نستطيع أن نتبع الرب الإله بدون قوة وسلطان الروح القدس فينا. "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهي حق وليست كذبا. كما علمتكم تثبتون فيه" (1 يو 2 : 27). وكما كان الطريق الوحيد لعبور الأردن هو ضربه بالرداء، فليس لنا نحن أيضا سبيل آخر للإنتصار علي الأردن الذي هو رمز للموت الذي فينا سوي بقوة الروح القدس الذي أخذناه من الله. وأخيرا فإن أليشع أيضا ذهب ليبحث عن الرب إله إيليا وسط جماعة الأنبياء ، إذ نقرأ أنه ذهب إلي بنو الأنبياء في أريحا. وقد سألت العروس قديما حبيبيها عن مكان وجوده فأجابها قائلا "إن لم تعرفي أيتها الجميلة بين النساء، فأخرجي علي آثار الغنم، وأرعي جداءك عند مساكن الرعاة" (نش 1 : 7). إن جماعة المؤمنين الحقيقيين والكتابيين هي من أعظم السبل أيضا التي نجد فيها الرب. ولا يستطيع أي مؤمن حقيقي أن يستغني عن بركة معرفة الرب في وسط الكنيسة الحقيقية المؤسسة علي تعاليم الكتاب المقدس وحدها.

ثانيا أين هو الرب إله إيليا في ضيقتي؟

كان رحيل إيليا عن أليشع وقتا عصيبا، ليس فقط بسبب الصداقة والرباط الأدبي الذي كان بينهما إذ أن هذا الأخير قد لازم سيده طوال فترة خدمته التي دامت حوالي عقدا من الزمان ، ولكن أيضا لأن إيليا كان قائدا روحيا ناريا ذو كاريزما عملاقة لا يمكن تعويضه علي الإطلاق. وقد كان له بمثابة الأب الروحي خصوصا بعد أن ترك أليشع أبيه وأمه ليذهب وراء نبي الرب (1 مل 19). لهذا نجده يدعوه "أبي" أو كما جاءت في ترجمات أخري "سيدي" إذ أن الكلمة المستخدمة في العبرية يمكن أن تشمل المعنين. وكان أيضا يري في إيليا حماية وظلا روحيا وأدبيا ليس له فقط بل لإسرائيل كلها ، لهذا يدعوه "مركبة اسرائيل وفرسانها" أي أنه كان بمثابة المدافع الروحي عن اسرائيل أكثر من الفرسان والمركبات الحربية الفعلية ، ولا شك أنه استوحي هذا الوصف من المركبة والخيول النارية التي قلت أليشع إلي السماء ، فقد كان إيليا فارسا ومحاربا ومدافعا روحيا لهذا استحق أن ينقل بما يليق بمقامه الروحي إذ أخذته العجلات الحربية إلي حيث يستحق أن يوجد مع جيش الفرسان الغالبين فوق في أورشليم السماوية. وهذا يجعلنا ندرك كيف أن إيليا كان يعني الكثير لأليشع ، لهذا فلا عجب أن نجد أليشع يمسك ثيابه الخاصة ويمزقها قطعتين في إشارة منه علي قلبه الذي تمزق إثر رحيل أبيه وسيده ورفيقه عنه. يا له من موقف لا يحسد عليه رجل الله فقد رحل عنه صديقه وظله الروحي وترك وحيدا. فأين يجد إيليا آخر الآن؟ ومن هو كفؤ لملء الفراغ الذي تركه هذا العملاق الروحي؟ إلي من سيذهب ليستظل روحيا؟

لا شك أن هذه اللحظات كانت تعج فيها الأفكار في رأسه كالأمواج وتجيش فيها المشاعر في قلبه كالريح الزوبعية التي تقتلع الأشجار من جذورها. لهذا يتسائل أين هو الرب إله إيليا في ضيقتي هذه؟ وإن كان قد سمح أن يؤخذ سيدي مني هل سيتركني وحيدا أم سيعوضني عن ذلك؟ وما أشبه اليوم بالبارحة فكثيرا ما يسمح الرب أن يزول عنا الأحباء والأقارب الروحيين والجسديين ، أولئك الذين كنا نود أن نظل قابعين تحت صخرة قيادتهم ومحبتهم وصداقتهم وعنايتهم بنا إلي الأبد. هل تُركت أيها القارئ العزيز من ذلك الفارس الذي كان يحبك ويدافع عنك ويقيمك إن سقطت؟ هل ترعبك وحشة الدار من بعده؟ هل يذكرك رداءه بهيبته وقامته الفريدتان؟ إن هناك ظلا أعظم من ذاك الذي زال عنا "ويكون إنسان كمخبأ من الريح وستارة من السيل، كسواقي ماء في مكان يابس، كظل صخرة عظيمة في أرض معيية" (إش 32 : 2). ولكن إذ يدرك أليشع بذكاءه الروحي وبصيرته النافذة التي عهدناها كثيرا أنه له النصيب المضاعف الذي من روح إيليا فيأخذ الرداء الذي سقط من سيده ويضرب به ماء الأردن فينفلق إلي هنا وهناك ويعبر هو. لم يعبر فقط الأردن ولكنه عبر أيضا الأزمة الروحية التي عاشها بسبب رحيل أبيه إيليا عنه. ولعل كثيرا ما ذكره الرداء فيما بعد بذلك القائد العظيم إلا أنه لا شك أن أوقات الفراق والوحدة الأولي كانت هي الأصعب بعد أن عبر الأردن وعرف أن إله إيليا الذي شق الأدرن أمامه سيكون معه دائما. فما إن سأل أليشع السؤال ما لبث حتي جاءت له الإجابة قوية في انفلاق الأردن إلي هنا وهناك ، فعرف أن الإله الذي وقف مع إيليا أمام أنبياء البعل وايزابل وآخاب الشريران، والذي أرسل له الغربان بالطعام وجعل أرملة صرفة صيداء تصنع له كعكة لن يتركه بل سيكون معه كما كان مع إيليا. ألم يحزن أيضا التلاميذ حين أخبرهم سيدهم باقتراب موعد رحيله عنهم؟ (يو 14) لكننا نقرأ تشجيعه لهم بإخبارهم أنه سيترك لهم تركة عظيمة هي الروح القدس الذي يأخذ مما له ويخبرهم. ونحن أيضا لنا سلطانا وقوة وتعزية بسكني الروح القدس فينا كما كان لأولئك التلاميذ. فمع أننا لا نري سيدنا الحبيب الآن إلا أننا نستطيع أن نرتدي رداءه الروحي ونستخدم سلطان هذا الرداء الذي فينا لكي نقاوم الشر ونتعزي عن غياب سيدنا وأبينا وحبيبنا الرب يسوع المسيح.

ثالثا أين هو الرب إله إيليا سامع الصلاة؟

كما ذكرنا آنفا لم يكن قول أليشع "أين هو الرب إله إيليا" مجرد شئ يدمدم به بينما يمسك بالرداء ذو القوة الخارقة لكي يفلق به الأردن ، ولكنه كان يصلي إلي الرب الذي يسمع الصلاة ويستجيب. صلي النبي إلي الرب إله إيليا لكي يجعل له طريقا في وسط الأردن كما فعل مع هذا الأخير منذ قليل. ولعل رفقة أليشع لإيليا رجل الصلاة الذي كان "إنسانا تحت الآلام مثلنا، وصلي صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر علي الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلي أيضا، فأعطت السماء مطرا، وأخرجت الأرض ثمرها" (يع 5 : 17 – 18) كان لها أبلغ الأثر في تقديره للصلاة التي رأي ثمارها في حياة سيده إيليا ، ولا شك أنه أدرك أن الأفعال العظيمة لابد أن تكون مصحوبة بالصلوات العميقة. كان نبي الرب يريد أن يذهب لكي يتفقد بنو الأنبياء في أريحا علي الضفة الأخري من الأردن ولم يكن أمامه سبيل لفعل ذلك سوي عبور النهر، لهذا طلب وجه الرب لكي يذلل أمامه هذه العقبة، خصوصا وأنه قد رأي جدواها في حياة سيده.

ونحن كثيرا ما نتساءل أين هو الرب سامع الصلاة. لقد ظن المرنم في حيرته أن الرب لم يعد يراه "وأنا قلت في حيرتي أني قد انقطعت من قدام عينيك" ولكنه يتدارك الأمر قائلا "ولكنك سمعت صوت تضرعي إذ صرخت إليك" (مز 31 : 22). وإن فهمنا لماذا أستجيبت صلاة أليشع لأدركنا فورا ما تتطلبه الصلاة لتستجاب من قبل الرب. أولا كانت بإسم الرب إله إيليا ، أي لم تكن بناء علي استحقاقه كنبي أو حتي بناء علي إستحقاق إيليا الممجد الذي صعد للتو في مركبة نارية. فلا ينبغي أن نتوقع أن تستجاب صلاة لم تقدم للرب وبإستحقاق إسمه وحده "إلي الآن لم تطلبوا شيئا بإسمي. اطلبوا تأخذوا يكون فرحكم كاملا" (يو 16 : 24). ثم أنها كانت بالروح القدس ، فلا شك أن الروح القدس كان حاضرا في المشهد ، ولم ينطق أليشع بكلمات تلك الصلاة عن الهوي، ولكن بنو الأبنياء نفسهم شهدوا أن روح إيليا قد استقرت علي أليشع. والرسول بولس في رسالة رومية يعلمنا أن الصلاة التي بحسب الروح القدس هي وحدها فقط التي تستجاب "وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها" (رو 8 : 26). وليس بالضرورة أن تستجاب الصلاة في حينها وبنفس الطريقة التي نتوقعها، فقد ينفلق النهر أمامنا بمجرد أن نصرخ إلي الرب ، وقد نضطر للإنتظار ثماني وثلاثون سنة عند بركة "بيت حسدا" لا لكي يأتي ملاك فيحرك الماء بل لكي يأتي رب الملاك ورب البركة فيحركنا نحن ويترك البركة كما هي.

رابعا أين هو الرب إله إيليا متمم الوعود؟

سمع أليشع عن الرب الذي تمم الوعود للآباء عندما أخرج نسلهم من أرض مصر ثم أدخلهم أرض الموعد وباركهم وأكثرهم مثل نجوم السماء والرمل الذي علي شاطئ البحر. وأُخبر أيضا عن عمل الرب مع نبيه إيليا وكيف تحققت عواقب عصيان الشعب للرب وامتناع المطر ثلاثة سنين وستة أشهر ثم كيف أرسل الرب المطر عند رجوعهم وتوبتهم وطاعتهم له حسب وعده القديم (تث 11 : 14 ، 17). وقد مضي ما يقرب من العشر سنوات منذ أن طرح عليه رداء النبوة بواسطة إيليا ولم يحدث شئ أثناءها يدل علي أنه سيرتدي هذا الرداء في يوم من الأيام ومن ثم يتحقق الوعد بإختياره نبيا له. لهذا أخذ يستعلم أليشع عن الرب متمم الوعود قائلا "أين هو الرب إله إيليا ليتمم لي وعده القديم بإختياره إياي نبيا؟ فلينفلق إذا هذا النهر أمامي" لم ينتظر أليشع وقتا طويلا بعد رحيل إيليا عنه حتي يطلب من الرب أن يتمم الوعد بل نراه يعلن أشواقه لكي يري الوعد واقعا معاش في نفس المكان الذي لاح في أفقه امكانية اتمام ذلك الوعد. وإذ أدرك أليشع بفطنته الروحية أن هذا هو الوقت الذي سَيُنْجز له فيه الوعد أمسك بالرداء ولفه فأصبح مثل عصاة موسي وضرب به الماء فانفلق إلي هنا وهناك.

وأنت عزيزي القارئ هل مضي عليك عشرة سنوات ولا زلت تمسك بالوعاء الذي تصب منه الماء علي يدي خادم الرب؟ هل مرت أربعون سنة ولازلت ترعي الغنم في أرض مديان ولم تذهب بعد إلي حقل الخدمة حيث فرعن رئيسا لتفعل ما دعاك الرب إلي فعله؟ هل تتسائل أين هو الرب متمم الوعد؟ أم أن طول المدة التي انقضت منذ أن وصلت إلي أرض مديان جعلك تتساءل أين هو الوعد؟ (خر 4). وليس بالضرورة أن يكون الوعد خاصا بخدمة الرب ، ولكن قد يكون وعدا بإسحق مثل الذي كان لإبراهيم أو بالبركة مثل الذي أخذه يعقوب وهو بعد في البطن أو بالملك مثل مسحة الرب لداود علي يد صموئيل النبي. وينبغي لنا أولا أن نظل متمسكين بهذا الوعد مثلما فعل أليشع ، ولا ندع سراجه ينطفئ في داخلنا. وثانيا أن نصعد علي مرصدنا الروحي لنراقب تحقق الوعد مثلما أدرك أليشع أن الوعد كان علي وشك أن يتحقق. وثالثا فإذ أدركنا بفطنتنا الروحية أن الظروف مواتية لتحقق الوعد علينا أن نصلي طالبين الرب أن يتمم وعده لنا كما فعل مع أليشع. وأخيرا إذ نحصل علي يقين اتمام الرب وعده لنا علينا أن نمسك بالرداء ونفعل ما يأمرنا به الرب.

خامسا أين هو الرب إله إيليا ليعينني في مسؤوليتي الجديدة؟

لا شك أن أليشع كان يعلم أنه سيأتي اليوم الذي سيتولي هو فيه زمام الأمور الروحية من بعد إيليا إذ أن هذا ما يُفهم من مسحة إيليا له بوضع رداءه عليه قديما حسب أمر الرب "فقال له الرب .. وامسح أليشع بن شافاط من آبل محولة نبيا عوضا عنك .. فذهب من هناك ووجد أليشع بن شافاط يحرث، واثنا عشر فدان بقر قدامه، وهو مع الثاني عشر. فمر إيليا به وطرح رداءه عليه" (1 مل 19). ومع ذلك فلا داعي أن يشغل أو يقلق نفسه بهذا الأمر الآن إذ أن مهمته الوحيدة الآن هي أن يصب الماء علي يدي سيده (2 مل 3 : 11). ولكن بمجرد أن أطلقت الخيول النارية سيقانها للريح جاذبة ورائها الفارس الذي أكمل مهمته وآن الأوان ليستريح أدرك أليشع أنه حان وقته أيضا لكي يترك وعاء الماء الذي كان يصب منه الماء علي يدي سيده حتي يمسك ببوق النبوة ويطرح رداء القيادة الروحية علي جسده. ولم تكن المهام التي كان علي أليشع أن يضطلع بها سهلة بالمرة. فلم يكن عليه أن يحمل وزر نفسه فقط إذ لا يوجد الآن من يرجع له في الأمور الروحية بل كان عليه أيضا أن يتولي قيادة بنو الأنبياء. كانوا علي الضفة الأخري من الأردن في انتظار وصول قائدهم الروحي الجديد. وبعد أن صنع أليشع معجزته الأولي وشق الأردن نصفين لاحت مشقة القيادة في الأفق إذ أن الصعوبات التي بكل تأكيد توقعها أليشع ظهرت بوادرها أخيرا عندما لم يرد بنو الأنبياء طاعته بعدم ارسالهم ليفتشوا عن إيليا ظانين أن روح الرب ربما يكون قد حمله وطرحه علي أحد الجبال، فألحوا عليه حتي خجل. كما كان من مهام وضعه الجديد كنبي الله أن يلجأ له الملوك طالبين المشورة (2 مل 3). وقد عاصر وتنبأ أليشع لأربعة ملوك ، في حين أن إيليا قد عاصر وتنبأ لإثنان فقط. ناهيك عن رؤيته لنماذج مقاومة ملوك أشرار لأنبياء الرب مثلما حدث مع إيليا علي يد آخاب وإيزابل. زد علي ذلك أنه كان عليه أن يكمل الخدمة التي لم يتسني لإيليا انجازها – ليس لأنه تكاسل ولكن لأن هذا ما أراده الرب – وهي مسح كل من حزائيل ملكا علي آرام – الذي كان عدوا لشعب الرب الأمر الذي كان ينطوي علي خطورة – وياهو بن نمشي ملكا علي إسرائيل (1 مل 19 : 15 – 169) ،  فنري بعد ذلك هذا التعيين والمسح يتم بواسطة أليشع (2 مل 8 ، 9). فلا ريبة أن كل هذه دفعته ليسأل "أين هو الرب إله إيليا ليكون معي في واجباتي الجديدة الجسيمة؟"

هل طلب أليشع نصيب روحين من إيليا لأنه رأي ببصيرته النافذة مسبقا المهام الصعبة التي كان سيكلف بها؟ ربما ، ولكنه بكل تأكيد أدرك حاجته إلي معية الرب واستخدامه وسلطانه بعد رحيل إيليا عنه أكثر من أي وقت مضي ، لهذا تفوه النبي بهذه الكلمات في تعبير منه عن حاجته الشديدة إلي قوة وتأييدا واستخداما وقيادة إلهية له أمام التحديات الروحية التي كان علي وشك مجابهتها. وأنت أيها القارئ العزيز هل طرح عليك السيد رداء الخدمة والنبوة منذ زمن بعيد ثم حانت الساعة التي ترتدي فيها تلك العباءة المقدسة وتضرب ببوق النبوة لتوقظ جيلا شريرا من حولك؟ وهل ذكرك العدو بإمكاناتك المحدودة وقلة خبرتك وحداثة وضعك الجديد ومقارنة الناس لك بإيليا الناري الذي جاء من قبلك وتحدي أنبياء البعل والملوك الأشرار وصلي أن لا تمطر لمدة ثلاثة سنين وستة أشهر فلم تمطر؟ ولكن ها هو الجواب أيضا لهذا السؤال يأتي عندما ضرب الماء فانفلق إلي هنا وهناك. وإذ رأي بنو الأنبياء هذه المعجزة أدركوا في الحال أنه هو القائد الروحي الجديد "ولما رآه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته قالوا: قد استقرت روح إيليا علي أليشع. فجاءوا للقائه وسجدوا إلي الأرض" ، بل أدرك هو أيضا أن الرداء الذي طرح عليه منذ عشرات سنوات لم يكن عبثا ، وأن الطلبة التي خرجت من شفتيه بحصوله علي نصيب اثنين من روح إيليا كانت عملا إلهيا في قلبه ، وشوقا روحيا بحسب الخطة السماوية لاستخدامه. ولا شك أن صيت أليشع ذاع بعد اجراءه لهذه المعجزات لدي الملوك أيضا إذ أرسل الرب هيبته أمامه. ألم يحتاج يشوع أيضا إلي مثل هذه التعاملات الإلهية بعد موت موسي إذ شعر بثقل المسؤولية التي تركها له هذا الأخير ، لهذا نجد الرب يشجعه ويعلن تأييده له قائلا "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسي أكون معك. لا أهملك ولا أتركك"؟ (يش 1 : 5). فثقوا أيها الإخوة الأحباء أن اليد السماوية التي تمسح الأنبياء هي نفسها التي تشق النهر أمامهم.

سادسا أين هو الرب إله إيليا في وسط جيل شرير؟

لعل الأشرار فرحوا بصعود إيليا إلي السماء لكي لا يكون هناك من يزعجهم ويبوخهم علي شرورهم ويمثل تهديدا لملذاتهم. ولعلهم ظنوا أنه بذهابه إلي السماء  فقد ذهب ذكر إلهه معه بلا رجعة. وقد يكون هذا ما عناه الشباب الأشرار الذين قالوا لتلميذه أليشع "اصعد يا أقرع! أصعد يا أقراع" ، أي ليتك تصعد أنت أيضا مثل سيدك فنستريح منكم جميعا. ولا شك أنهم اعتقدوا أن إيليا وتلميذه كانا مكدرا الأمة وسبب البلاء الذي حل عليها ، فقد قتل هذا الإيليا الأشعر أربع مائة وخمسين من الرجال ، وصلي لإلهه أن لا تمطر لمدة ثلاثة سنين وستة أشهر فصار جفاف وجوع شديد في الأرض ، ولم يجعل الملك وزوجته يهنئان بالمملكة ولا بممتلكاتهما. كما أن الشر أيام إليشع النبي لم يكن أقل وطأة منه أثناء سني خدمة إيليا النبي. لهذا جاء أليشع ليطلق صحوة إنذار وتحذير في وسط الجيل ، أن الرب إله إيليا ينبغي أن يكون هو الكل في الكل لهذا الجيل ولكل الأجيال القادمة ، وهو مزمع أن يسير في طريق سيده إيليا الذي وقف في وجه الشر وقاوم أنبياء البعل وصلي لكي تحل علي ذلك الجيل دينونة الله في المجاعة بسبب عصيانهم له. فبقوله "الرب إله إيليا" يعلن انتماءه لنفس الإله القدوس مخلصهم الذي جلبهم من أرض العبودية وأسكنهم أرض الميعاد ، ويعلن أحقية الرب بشعبه وبعبادتهم له ، بل ويعلن أيضا أن خدمته ستكون امتدادا لخدمة إيليا حتي وإن كان إيليا صلي فنزلت نار من السماء بينما تنبأ أليشع فامتلئت الجباب في الوادي ماءا. وعبور أليشع لنهر الأردن لكي يكون مع بني الأنبياء لهو إعلان لإنفصاله عن حالة الشر السائدة في جيله ورغبته في الإلتصاق بالجماعة الحقيقية للرب المتمثلة في هؤلاء الأنبياء.

سأل أليشع نفسه متحيرا ومستنكرا الوضع الروحي والأخلاقي للشعب قائلا "أين هو مكان وذكر الرب إله إيليا في وسط هذا الجيل الشرير". فقرر أن يكون هذا شعار خدمته أن ينفخ في البوق لهم حتي يرجعوا إلي الرب من عبادة البعل. خدم أليشع جيله بمشورة الله وصنع الكثير من المعجزات التي أعلنت عن وجود الرب وقدرته ومراحمه وخطته من نحوهم. ونحن أيضا ينبغي أن نبحث عن الرب إله إيليا ونطلبه في كنائسنا واجمتعاتنا وبيوتنا. وما أكثر الكنائس التي أخذ المسيح فيها ركنا صغيرا ولم يعد هو "الرب إله إيليا" الذي ينبغي أن يلجأ له ويبحث عنه الجميع. في تلك الكنائس تسمع الكثير عن إيليا ولكنك لا تسمع عن الرب إله إيليا ، تسمع تمجيدا وذكرا لمن استخدمهم الرب ولكن لا تسمع تمجيدا وذكرا للرب الإله الذي استخدم إيليا وغيره كثيرون. وإن كان الرب لم يأخذ مكانه ومجده وحقه كملك الملوك ورب الأرباب في وسطنا فلا عجب أن نجد أن الشر قد انتشر حتي في وسط الكنائس التي تدعي عبادة الرب. وحقا ما أشبه اليوم بالبارحة فكما كان في أيام إليشع عبادة البعل والسحر والممارسات الغير أخلاقية منتشرة هكذا نجد الكثير من التصوف والسحر يستخدم في بعض الطوائف والكنائس بحجة التدريب الروحي والتوحد بالله الذي يمكن أن يقود إلي إزالة الفوارق بين الأديان والبشر ، ناهيك عن سماحهم بالشذوذ الجنسي وعدم التقيد بالأخلاق المسيحية كما تعلمنا إياها كلمة الله. لذلك فأنا أدعو بنعمة الله كل أليشع في وسطنا لكي يعلن انفصاله عن الشر ويلتصق بجماعة الرب الحقيقية ، ثم ينهض ويمسك بالرداء المقدس ويضرب به نهر الموت مناديا "أين هو الرب إله إيليا". ليت ذلك يكون شعار خدمتنا جميعا في وسط جيل لم يعد للرب إله إيليا مكانا في وسطه.

سابعا أين هو الرب إله إيليا .. سؤال ينبغي أن يسأله المؤمن عند فعله كل شئ

لم يكن سؤال أليشع وليد اللحظة أثارته المشاعر الكثيرة التي احتدمت نيرانها في قلبه حينها ، لكنه بلا شك كان اتجاه قلبه وفلسفته في الحياة. لم يخبرنا الكتاب المقدس أنه سأل نفسه فيما بعد نفس السؤال في مرات أخري ، لكن بكل تأكيد لم يتوقف عن طرح هذا السؤال في مختلف مواقف الحياة ، وإن لم يكن بفمه فبدون ريبة كان يثير السؤال في قلبه. وإن كان سؤاله "أين هو الرب إله إيليا" يخبرنا عن أشواقه لكي يري عمل الرب وصلاته من أجل تدخله واعترافه بحاجته له فهو بدون أدني شك سأله في كل مرة صنع فيها واحدة من المعجزات الستة عشر التي دونتها لنا الأسفار التاريخية. وكما أتته الإجابة علي السؤال في المرة الأولي في انفلاق النهر إلي هنا وهناك فنحن علي يقين أيضا أنها أتته في كل مرة رأي فيها التدخل المعجزي للرب. وليس بالضرورة أن نري معجزة حتي ندرك حضور الله. ولكن لا شك أن الأعمال المعجزية الحقيقية المعمولة بالروح القدس هي واحدة من طرق إعلان الله عن نفسه. علي أي حال فإن النبي هنا لم يرد أن يخطو خطوة واحدة بدون أن يري الرب في ذلك. ولعل منظر الأدرن ذكره بعبور الآباء له وتابوت الرب يتقدمهم فأدرك حاجته إلي الرب لكي يتقدم هو خطواته أيضا. والإستعلام عن حضور الرب وتأييده لخطواتنا الصغيرة والكبيرة أمر ينبغي أن يسبق كل ما نفعله في مسيرنا معه في هذه الحياة. سواء صغر أم كبر القرار الذي نحن بصدد اتخاذه علينا أن نستعلم ونتأكد من تأييد الرب لنا قبل الإقدام عليه. وإن كان الأمر الذي نريد أن نفعله قد سبقنا في فعله مؤمنون كثيرون إلا أن هذا لا يشكل لنا أساسا لفعله إن لم يكن الرب يتقدمنا بوجهه في ذلك الأمر. عزيز القارئ المسيحي دعني أحذر نفسي وأحذرك أن المسؤولية تقع علينا جميعا لكي نستعلم عن وجود الرب في الأمر الذي نحن فاعلوه أو المكان الذي نحن ذاهبون إليه ، وإن ساورتنا الشكوك بخصوصه فحري بنا أن لا نتقدم خطوة واحدة بدون أن نتأكد من تأييد الرب لهذا الأمر.

وثانيا ليس فقط علينا أنا نتحقق من تأييد الرب لما نفعله وقيادته لنا في مسيرنا ، ولكن نحتاج أيضا أن نراه في كل أمور الحياة. فلنتطلع لكي نري الرب إله إيليا في كل شئ. فإن كان الأردن يجري بصورة طبيعية كما رسمت له يد الله القديرة  فمما لا شك فيه أن كلمة قدرته المسيرة والحاملة لكل الأشياء وراء ذلك السريان الهادئ. وإن انفلقت مياهه إلي هنا وهناك لكي يعبر النبي فبدون أدني ريبة فإن ذلك ليس سوي إصبع الله. قد يكون وجود الله ظاهرا أكثر في التدخلات المعجزية لكنه بلا شك موجودا أيضا بنفس القوة في الأشياء العادية جدا والتي نكاد لا نلحظها من كثرة تعودنا علي رؤيتها. إن الرب إله إيليا يقف وراء كل الأحداث التي نمر بها ، إن لم يكن محدثا لها فهو بكل تأكيد سامحا بها، وهو في كل الحالات محدثا أو سامحا لا يكون إلا متسلطا في مملكة الناس بصورة مطلقة. إنه الخالق لكل شئ، والحافظ لكل ما خلقه، وهو أيضا المتسلط بصورة مطلقة في كل الخليقة. إننا في حاجة شديدة أن نجعل الرب مركز إبصارنا الروحي ، وأن نجعل أشعه فهمنا تسير فيه هو أولا ، لأنه حينئذ فقط سيكون لكل شئ معني ، وستصبح قصة حياتنا مترابطة وجميلة رغم بؤسنا وضعفنا وجهلنا. إن سألت نفسك عزيزي القارئ "أين هو الرب إله إيليا" فهو "عن كل واحد منا ليس بعيدا. لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد .. لأننا أيضا ذريته" (أع 17 : 27 ، 28). مبارك إسمه إلي الأبد.



تعليقات

  1. حبيبي سامي كل حرف في المقال غالي عليا جدا لانه بيفكرني بيك وبأفكارك الجميلة واهتماماتك الرائعة. علشان كدة بقرا المقالة مرة واكتر.
    رائع يا سامي والي الامام روحيا دائما.

    ردحذف
  2. شكرا عدول حبيبي علي تشجيعك
    الرب يباركك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس