مالتوس ودارون والشيطان


توماس مالتوس اقتصادي معروف في القرن الثامن عشر قام بيصاغة نظرية اقتصادية لتخفيض عدد سكان العالم بإبادتهم نظرا لعدم كفاية الموارد الطبيعية. وادعي في نظريته أنه حدد بالضبط ما هي مشكلة زيادة السكان، فالطعام يتزايد في العالم بصورة حسابية 1 – 2 – 3 – 4 ، بينما يتزايد عدد سكان العالم بصورة هندسية 2 – 4 – 8 – 16 وهكذا. وهذا لم يكن يعني في نظره سوي أمرين: إما أن الإنسان لا يولد إلا ليموت جوعا ، وإما أن يتضاعف طعامه وشرابه بنفس سرعة تضاعف السكان حتي يمكنه البقاء، وبما أن ذلك الأمر الأخير غير ممكن الحدوث فعلي الإنسان أن يتوقف عن التكاثر. وليس ذلك فقط بل إنه ذهب لأبعد من ذلك فقال أن الحل يكمن في ترك الفقراء لكي يموتوا جوعا، لأننا إن وفرنا لهم الطعام لأدي ذلك إلي زيادة أخري في السكان، لهذا كان الجوع المفضي إلي الموت في نظره هو المنظم الوحيد للنسل.

ولا شك أن هناك قنطرة فكرية بين كل من داروين ومالتوس. فقد ذكر أنيس منصور صراحة في كتابه الذي اقوم بقراءته الآن "التاريخ أنياب وأظافر" أن داروين تأثر بالنظرية المالتوسية لزيادة السكان بقوله أن البشر في صراع علي لقمة العيش، فالموارد الطبيعية لا تكفيهم، ومن ثم فينبغي انقاص عددهم وترك الجوعي منهم يموتون. وهذا عين ما رمي إلي قوله داروين في كتابه "أصل الأنواع"، فالبقاء للأقوي، والضعيف لا مكان له، بل ولا لزوم له، فهو عقبة في طريق التطور ينبغي التخلص منها، حتي تتمكن البشرية من التطور إلي الأفضل بالتخلص من العناصر الضعيفة الضارة، وبالتالي تصبح الموارد الطبيعية كافية لهم بل ومن حقهم لأنهم الأقوي. الغريب في الأمر أن توماس مالتوس كان قسا!! ولا أعلم من أين استقي مالتوس هذه الأفكار. فأولي الوصايا التي أودعها الخالق لخليقته كانت "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض"، كما أن الأمر الذي سبب بلبلة الألسنة في برج بابل هو أنهم لم يريدوا الإنتشار في الأرض لتعميرها. فأي قس هذا؟ وأية نظرية تلك؟

ولا نستطيع أن نمر هنا مرور الكرام دون أن نتذكر ما فعله اليعقوبيين في فرنسا عندما خططوا لقيام الثورة الفرنسية (التي يشاع عنها أنها عظيمة وهي ليست كذلك) فأثاروا الشعب علي الملك وقاموا باختلاق الحروب الأهلية لكي ينقصوا عدد الفرنسين حتي تكفيهم الموارد الطبيعية المحدودة التي كانت متاحة في ذلك الوقت، الأمر الذي أسموه (انقاص عدد السكان
Depopulation) ، وهذا ما حدث فعلا، فقتل مئات الآلاف وخاصة من المسيحيين رجال دين وشعب ، حتي يتمكنوا أيضا من نشر ديانتهم الطبعانية التي كانوا ينادون بها كبديلا عن المسيحية.

وهكذا فإن القتل للتحسين والتطوير هو العامل المشترك بين هؤلاء القتلة المتفلسفون. وبفلسفاتهم تلك لم يكونوا يخدمون سوي ذاك الذي كان قتالا للناس منذ البدء، حتي ولو ظهروا لنا في مظهر القساوسة والفلاسفة والعلماء والمصلحين. وليس هناك اعتراف أكثر صراحة من اعتراف روجر مورنو الكاتب المسيحي الذي كان يعبد الشيطان سابقا عندما قال في مقابلته التليفزيونية أنه عندما وقع الإختيار عليه لكي يصبح من كبار دعاة عبادة الأرواح أن مدربه أفصح له أن الأرواح اختارت داروين وصديقه هكسلي لكي ينشرا خدعة جديدة تتحقق بها مآرب الأرواح ألا وهي "نظرية التطور".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس