ليري ماذا يدعوها


أحضر الرب كل حيوانات البرية وكل طيور السماء إلي آدم ليري ماذا يدعوها، ولا شك أن آدم أخذ يتفحص صفاتها وطباعها ليطلق عليها الأسماء التي تليق بها، والدليل علي ذلك أنه عندما أحضر الرب حواء إلي آدم أسماها "حواء" لأنها "أم كل حي"، ولعل تسمية الحيوانات كان تدريبا له من أجل تسمية حواء. وهذا الفحص والتمحيص في طباع الحيوانات لتسميتها – التي لم تكن سوي ممارسة للسلطان الممنوح له علي الخليقة – جعله يخلص إلي أنه لا يوجد بين تلك المخلوقات معينا نظيره. وصادق الله علي الأسماء التي أطلقها آدم علي تلك المخلوقات حيث أن كل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها (تك 2 : 19 – 20).

وهناك اعتقاد يري أن اللغة العبرية هي اللغة الأولي والأصلية (قبل بلبلة الألسن في برج بابل)، أو علي الأقل هي واحدة من ضمن عدة لغات أخري شرقية قديمة تشترك في نفس الجذور مثل العربية والأرامية. وقد أعطي صموئيل بوشارت بعض الأمثلة كيف أن أسماء المخلوقات في العبرية تتناسب مع طبيعتها. كما أن أفلاطون يقول أنه بدا له أن الطبيعة التي أعطت الأشياء أسماءها كانت فائقة علي الإنسان، وأن أسماء الأشياء والمخلوقات لا يمكن أن تكون من أعمال الإنسان الباطل الجاهل، بل إن الأسماء الأولي تعينت بواسطة الآلهة. ويسأل سيسرو "مَنْ أول من كان له الحكمة الأسمي – إلي جنب الفيثاغورثيون – حتي أعطي للأشياء أسماء هكذا؟"


ولكن لماذا أراد الله أن يري بماذا سيدعو آدم الحيوانات؟ المقصود بـ "ليري" هنا هو غبطة الرب بهذا الأمر (وقد ترجم هذا الفعل في مواضع أخري من الكتاب ليعني: يتمتع)، فهو نفسه دعا النور نهارا والظلمة دعاها ليلا، فقد كان عمله المحبب هو تسمية الأشياء بما يليق بها. وتسمية آدم للحيوانات كانت أول الأشياء التي أظهرت أنه مخلوق علي صورة الله، ولا ريبة في أن هذا ما سبب الغبطة للرب، أن يري صورته مطبوعة علي آدم. الغريب في الأمر أن الرب لم يطلب من آدم ذلك، بل أن هذا الأخير تطوع من نفسه لفعل هذا الأمر. وقد كان ذلك أمرا ضروريا حتي يمارس آدم ويتمتع بذلك السلطان الممنوح له علي الخليقة. وإذ فقد آدم السلطان الممنوح له علي الخليقة فقد أيضا قدرته علي تسمية الأشياء بما يليق بها.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس