إجابات علي كتاب "أسئلة في العهد القديم" (14)


إِجابة 14:

الطوفان الكتابي حدث تاريخي بلا زخارف أسطورية ومُدَعَّم بالأدلة الجيولوجية


يستهل د. أ. حديثه عن الطوفان الكتابي، بقوله أنه لا علاقة بين الكوارث التي تحل على الدول وبين الشرور المرتكبة من شعوب تلك الدول. مثل التسونامي الذي ضرب شواطئ المحيط الهندي منذ عدة سنوات، فهو ليس دليلا على شرور تلك الأمة. وفي محاولة د.أ. لإثبات وجهة نظره يستخدم قول المسيح بأن الجليليون الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم لم يكونوا أشر من غيرهم من الجليليين، وأن الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم لم يكونوا أكثر شرا من باقي أورشليم. (ص 69 – 75)

وفي هذا خلطا شديدا للأوراق من طرف د.أ. لأن لا أحد يحق له القول أن هذه الكارثة أو تلك جاءت كدينونة من الله إلا الله نفسه دَيَّان كل الأرض العارف القلوب والأسرار وكل شيء مكشوف أمامه، فهو الذي يدين ويبرر. ومن ثم فليس من حق د.أ. أن ينفي العلاقة بين الكوارث التي تحل على الدول والشرور المرتبكة من شعوب تلك الدول. خاصة وأنه في أقوال الرب يسوع ما يؤيد أن الطوفان حادثة تاريخية حقيقية، حلت على العالم القديم بسبب شرورهم. والدليل على ذلك هو أن الرب يقارن بين الحالة التي كان عليها العالم عند مجيء الطوفان وبين الحالة التي سيكون عليها العالم الحالي عند مجيئه لدينونة هذا الأخير (لو 17 : 26 -27). طبعا ناهيك عن الكثير من الإشارات في (تك 6) والتي تؤكد مجيء كارثة الطوفان بسبب شر البشر آنذاك (أعداد 1، 3، 5، 6، 7، 11، 12، 13، 17). ونحن بدورنا هنا لا نستطيع أن نقول أن بعض الكوارث بعينها حلت كنتيجة للشرور إلا عن تلك التي يذكر الكتاب المقدس عنها ذلك صراحة، مثل الطوفان وسدوم وعمورة، والضربات العشر على مصر، وبعض المجاعات والحروب والأوبئة في الأسفار التاريخية. كما أن كون تلك الكوارث أحداثا طبيعية لها تفسيرات علمية لا ينفي العلاقة بينها وبين أن تكون قد حلت بسبب شر من جاءت عليهم. ونحن، ببساطة، لا نبرئ أولئك الذين تحل عليهم الشرور ولا ندينهم، ولكن نترك الأمر برمته لديان كل الأرض الذي دائما وأبدا يصنع العدل. وفي نهاية المطاف كل البشر ساقطون وأشرار، وعلي مستوى ما، جميع البشر يستحقون دينونة الله مهما كانت خطاياهم قليلة.

ويرى د.أ. إن الميل الموجود لدى الشعوب لتفسير الكوارث الطبيعية على أساس أنها عقاب من الآلهة على الشر الإنساني هو السبب في شيوع قصة الطوفان في كل الحضارات القديمة. ولو كان هذا صحيحا كما يدعي د.أ. فهنا تثور عدة أسئلة: لماذا رأت كل الأساطير القديمة أن تُنْزِل الآلهة دينونتها في صورة طوفان وليس في أي صورة أخرى كزلزال أو حريق أو بركان أو وباء أو قصاص مباشر من الآلهة؟ ولماذا لا تربط كل الأساطير بين الطوفان وبين شرور من حلت عليهم تلك الكارثة؟ ولماذا لا يرد في بعض الأساطير أي ذكر للآلهة؟

بل ويعتقد أيضا د.أ. أن ثمة علاقة بين طوفان نوح المذكور في سفر التكوين وبين أسطورتي جلجامش وأتراهاسيس. وفي ضوء اعتقاده بأن التكوين وثيقة دفاع عن الهوية العبرانية أمام البابليين، فقصة الطوفان الكتابية إذا هي استعارة للأسطورة البابلية وإعادة صياغتها في إطار عبراني يناسب العبرانيين. وبهذا فهو يجعل أسبقية للأسطورة البابلية على أحداث الطوفان التي دونها موسى في توراته. ونحن لا ننكر التشابه بين التاريخ الكتابي وبين الأسطورة البابلية، ولكننا نرى أن هذه الأخيرة نقلت عن الشهادة الشفوية التي تناقلتها الأجيال لطوفان نوح مما أثمر عن وجود أساطير للطوفان لدى معظم الحضارات القديمة تقريبا، إن لم يكن جميعها. وقد رأينا كيف أن الأسطورة تأخذ من التاريخ الحقيقي ثم تضيف إليه وتحذف منه، وليس أن التكوين نقل عن الأسطورة البابلية.

علاوة على الأدلة التي قدمناها في خضم حديثنا لإثبات أسبقية أحداث الخلق الكتابية على أسطورة الخلق البابلية إنوما إليش، كأسبقية التوحيد على تعدد الآلهة، وأن التاريخ الذي يُنْسَب إلى كتابة تلك الألواح البابلية غير مؤكد ويعد ضربا من التخمين بحسب ما يرى علماء الآثار، وأن التاريخ يتحول إلى أسطورة وليس العكس، نود أن نضيف بعض الأدلة الأخرى على أسبقية طوفان نوح كحدث تاريخي حقيقي على أسطورتي جلجامش وأتراهاسيس المشابهتين له. الأول هو أفضلية تصميم فلك نوح على الفلك المذكور في الأسطورة البابلية، الأمر الذي يُضْفِي عليه واقعية ومصداقية. والثاني هو وجود قصة طوفان تقريبا في كل حضارات الثقافات القديمة مما يدل على حدوث طوفان عالمي حقيقي استقت منه تلك الأساطير القديمة مادتها وحولتها إلى أسطورة بعد التغيير في القصة الأصلية. والثالث هو الوقائع والتفاصيل الدقيقة بالأماكن والتواريخ والقياسات تدل على واقعية قصة التكوين وتحريفها في صورة الأسطورة البابلية، ومن ثم أسبقية التكوين على أسطورتي ما بين النهري . وأخيرا شهادة أحد علماء الجيولوجيا لتاريخية طوفان نوح.
  
أولا كفاءة تصميم فُلْك نوح بالمقارنة بتصميم الفُلْك المذكور في الأسطورة البابلية

الفُلْك الوارد ذكره في الأسطورتين البابليتين جلجامش وأتراهاسيس كان مكعبا. وفُلْك بهذا الشكل سهل انقلابه أمام أقل الموجات. أما الأبعاد المذكورة عن فُلْك نوح في سفر التكوين فهي تشير إلى أنه كان مستطيلا. ويذكر الدكتور سارفاتي  أن أبعاد فُلْك نوح دليل على أسبقية رواية الخلق الكتابية على الأسطورة البابلية. إذ أن الكتاب المقدس يقول أن أبعاد الفُلْك كانت ثلاث مائة ذراع للطول، وخمسون ذراع للعرض، وثلاثون للارتفاع. مما يدل على أنه لم يكن سهلا على البابليين تذكر أبعاد الفُلْك الكتابي الثلاثة فجعلوه مكعبا متساوي الأضلاع طولا وعرضا وارتفاعا. وبالطبع فإن جعله مكعبا متساوي الأبعاد أسهل من جعله مستطيلا له أبعادا مختلفة تحتاج إلى تَذَكُّرْ ونسب معقولة. وبينما لم يدرك البابليين أهمية هذا أدركها الكتبة الإسرائيليون الذين لم يكن لديهم معلومات هندسية بحرية أكثر من تلك التي كانت لأمثالهم من الوثنيين. [1]

أما عن كفاءة فُلْك نوح عمليا فهذا ما أثبته أحد الأبحاث التي أجريت بواسطة الخبراء. يقول كين هام أنه باستخدام خصائص القوة للخشب، فبإمكان الحسابات تحديد السُمك المطلوب لسفينة بحجم فُلْك نوح أبحرت في مياه مضطربة. وبحسب الدراسة التي أجراها مركز البحث العالمي للسفن بكوريا KRISO عام 1992 على فُلْك نوح وُجِدَ أن المواصفات الكتابية لفُلْك نوح سليمة [2]. وعليه فإن فُلْك الأسطورة البابلية يفشل بكل المقاييس عند مقارنته بالفُلْك الكتابي، مما يثبت أن الأسطورة البابلية نقلت عن حدث التكوين الحقيقي والمدون في سفر التكوين، وليس العكس.

ثانيا الطوفان وحضارات العالم القديم

الطوفان موجود في الكثير من حضارات العالم القديم إن لم يكن جميعها، وفي هذا نتفق مع د.أ. إلا أننا نختلف معه في العلاقة السببية التي افترضها هو ولا نرى نحن لها أي أساس من الصحة. فقد افترض أن هناك ميل لتفسير الكوارث على أنها عقاب من الآلهة على شر الإنسان، وهذا الميل هو السبب في وجود قصة الطوفان لدى كل الحضارات القديمة. ولكن بالإضافة إلى الأسباب التي أشرنا إليها في أسئلتنا أعلاه، فإننا نفسر وجود الطوفان في كل الحضارات القديمة بأن هذه الأخيرة استقت أساطيرها من حدث الطوفان التاريخي الحقيقي المذكور في التكوين وحولتها تلك الحضارات القديمة إلى خرافات. وإن كان البشر بعد خروجهم من الفلك وبناءهم لبرج بابل تفرعوا بسبب بلبلة ألسنتهم، بحسب التاريخ الكتابي، فإننا نتوقع أن تحتوي تلك الحضارات القديمة على قصص مشابهة للطوفان. وهذا ما حدث فعلا، إذ يقول أحد الباحثين بأنه "لقرون عديدة قام العلماء بتجميع قوائم لقصص الطوفان من مناطق مختلفة من العالم". [3] ونذكر من ذلك بعض الأمثلة التي تدل على عدم ذكر تلك الأساطير على آلهة غاضبة أنزلت الطوفان بسبب شر الإنسان كما يدعي د.أ. ومن ثم نفي العلاقة السببية التي افترضها هو بكون مجيء أسطورة الطوفان في الحضارات القديمة لسبب الميل لتفسير الكوارث الطبيعية على أنها غضب الآلهة على شر الإنسان:

قدماء الهنود الحمر:

لدى قدماء الهنود الحمر نسختهم الخاصة من قصة الطوفان، ولكن "كيف تعكس أساطير الهنود الحمر قصة الطوفان؟ في أمريكا الشمالية ترد قصص الطوفان في مئات الأساطير الخاصة بالهنود الحمر. فقبائل الشيروكي تخبر عن مطر غير متوقف ملأ الأنهار والجداول وابتدأ في الصعود على الأرض والجبال. فقام رجل، قد أنذره نباح كلبه، بأخذ عائلته ومتعلقاته وكلبه على قارب وهرب بينما غطت المياه باقي العالم". [4] وهنا لا نجد أي ذكر يدل على اعتقاد من تناقلوا الأسطورة بأن الطوفان حل بسبب غضب الآلهة على الشر الإنساني.

حضارة الآزتك (المكسيك):

تحكي لنا إحدى أساطير حضارة الآزتك القديمة عن طوفانا "اكتنف البشرية، ولم يبق أحد سوى رجل يدعي كوكس-كوكس .. وامرأة تدعى شوتشيكيتزال، اللذان خلصا نفسيهما في قارب صغير، وبعد أن استقرا (بالقارب) على جبل يدعي كولهواكان، أنجبا ذرية كثيرة، وكل أطفالهم ولدوا بُكْمَاً، إلى أن منحتهم حمامة من شجرة عالية لغات، ولكنها كانت مختلفة جدا حتى أنهم لم يستطيعوا فهم أحدهم الآخر". [5] وعلاوة إلى أننا في هذه الأسطورة نرى ذكر لأصل اللغات المختلفة بين البشر، والتي يرجعها سفر التكوين إلى بلبلة الألسنة في برج بابل، فإننا نجد الأسطورة تحدثنا عن طوفانا لا علاقة له بآلهة غاضبة على شر الإنسان أو نبي يحذرهم من طوفان قادم. كما أن ربط الأسطورة لحدثي الطوفان وبلبلة الألسنة في برج بابل لهو إشارة إلى صحة التاريخ الكتابي.

حضارة الصين:

وفي فولكلور حضارة البنهار، وهي قبيلة بدائية للكوتشينا في الصين، تذكر إحدى الأساطير الصينية بأن الحدأة تصارعت مع الكابوريا وقامت بنقر جمجمتها بشدة فأحدثت بها ثقبا. ولكي تنتقم الكابوريا، قامت هذه الأخيرة بجعل مستوى المياه يصعد لأعلى إلى أن بلغ السماء، وهلكت كل الكائنات الحية ما خلا اثنين، أخ وأخته، استطاعا أن ينجوا في صندوق ضخم، وأخذوا معهم داخل الصندوق زوجين من كل نوع حيوان، وأحكموا غلق غطاءه، وطفوا على الماء لمدة سبعة أيام وسبعة ليال. وبعد أن سمع الأخ صوت غراب ينعق في الخارج كانت الأرواح قد أرسلته لإخبار الآباء بأن الطوفان قد هدأ بالخارج وأنهم باستطاعتهم الخروج من الصندوق الآن، فترك الأخ الطيور تطير، وأطلق العنوان للحيوانات لكي تخرج. [6] وهكذا فلا نجد هنا أن السبب في الطوفان هو غضب الآلهة على شر الإنسان، بل السبب في ذلك بحسب الأسطورة هو الصراع بين الحدأة والكابوريا فجاء هذا على دماغ البشر!

قدماء الأستراليون:

يقول سارفاتي أن قصة الطوفان موجودة حتى لدى قبائل الأبوريجينال الأستراليين، بل ولدى من يسكنون أدغال الأمازون في أمريكا الجنوبية أيضا. وينقل لنا سارفاتي ما قالته عالمة اللغات الدكتورة الكساندرا إيكنفالد في هذا الصدد " ... وبدون لغتهم وتراكيبها، لا يكون للناس أي جذور. وبتسجيلها فإننا أيضا نحصل على القصص والفولكلور. وإن فقدت هذه فإن جزءا ضخما من تاريخ الشعوب يُفقد معها. وهذه القصص غالبا ما يكون لها أصلا مشتركا يخبرنا عن حدثا حقيقيا وليس أسطورة. على سبيل المثال، فكل المجتمعات الأمازونية التي تم دراستها لديها أسطورة لطوفان حقيقي". [7] وما ذكرته هنا الدكتورة ألكساندرا يؤيد ما قلناه سابقا أن الأسطورة تأخذ من التاريخ الحقيقي بعد الحذف منه والإضافة إليه بحسب ما يروق خيال من يتناقلوها.

وفي الكثير من الحضارات الأخرى:

نجدها أيضا لدى قدماء الإغريق والرومان ولكن "لا يبدو أن لها مغزى فلسفي في هذه القرائن كما هو الحال في الثقافات البابلية والسومرية". [8] بل ولدى الإسكندافيين القدماء أيضا قصة طوفان مليئة بالخرافات ولا علاقة لها بغضب الآلهة على البشر بسبب شرورهم. [9] وكما سبق ورأينا، نجد أن قصة الطوفان ترد في الأساطير القديمة ولكن دون مغزى فلسفي، أي دون ربطها بالشر وإنزال الآلهة لها كعقاب على شرور البشر كما يدعي د.أ.

وبناء على ما سبق فرواية الطوفان المذكورة في أسطورتي ما بين النهرين هي واحدة من بين روايات كثيرة متنوعة ومختلفة. وهذا يدفعنا للقول بأنها جميعها نقلت من مصدر واحد، ثم اختلفت بسبب الإضافة إليها والحذف منها بحسب خيال راووها خلال تناقل الأجيال لها. وأسبقية طوفان نوح التاريخي والحرفي هو التفسير الوحيد على اشتراك تلك الحضارات القديمة في قصة طوفان واحدة رغم اختلاف تفاصيلها. وذلك لأن طوفان نوح، كما سنرى في النقطة التالية، خالي من الزخرفات ويذكر تفاصيل واقعية ودقيقة.

ثالثا الوقائع والتفاصيل الدقيقة بالأماكن والتواريخ والقياسات تدل على واقعية قصة التكوين وتحريفها في صورة الأسطورة البابلية

رغم التشابه البادي على السطح بين أحداث الطوفان المدونة في سفر التكوين وبين الأسطورة البابلية إلا أن هناك فروق جادة وخطيرة، وإحدى هذه الفروق هو إنفراد رواية الطوفان الكتابية بذكر تفاصيل ووقائع وتواريخ وقياسات تثبت واقعيتها وتاريخيتها. ناهيك طبعا عن خلوها من الزخارف والأمور الخيالية كما رأينا في الأساطير السابقة، مثل صراع الحدأة مع الكابوريا! وقد ذكر جوش مكدويل أن "هناك أسباب قوية للاعتقاد بأن سفر التكوين يقدم القصة الأصلية. أما الصور الأخرى للقصة فتشتمل على الكثير من الزيادات والتفصيلات التي تدل على تشويه القصة. وفي سفر التكوين وحده نجد سنة الطوفان، بالإضافة إلى التواريخ الخاصة بحياة نوح. وفي الواقع فإن سفر التكوين يبدو وكأنه يوميات أو سجـل للأحـداث التي مر بها الفُلْك .. أما فترة سقوط الأمطار في القصص الوثنية (سبعة أيام) فلا تعد فترة كافية لما تشير إليه هذه القصص من دمار. فقد ارتفعت المياه فوق قمم الجبال لمسـافة سبعة عشرة ألـف قـدم، ومن المنطقي أن تكـون فترة هطول الأمطار أطول من ذلك. أما الفكرة البابليـة التي مفادها أن مياه الطوفان انحسرت في يوم واحد فهي أيضاً غير منطقيـة" [10]. وهذه التفاصيل الدقيقة المذكورة في سفر التكوين والتي يلفت أنظارنا إليه ماكدويل كفيلة بإظهار أن التكوين تاريخ حقيقي والأسطورة البابلية تحريفا له.

من كل ما سبق نستنتج أن طوفان نوح الكتابي أسبق من كل الأساطير، وذلك لأنه خال من الزخرفة الأسطورية، ويذكر تفاصيل محددة كالأيام والتواريخ وارتفاع المياه وعدد الأفراد الذين نجوا والأحداث المصاحبة لذلك. كما أن أبعاد طوفان نوح، كما أثبتت بعض الدراسات، أكدت على أنه واقعي بمقارنته مع الفُلْك المكعب الذي تذكره الأسطورة البابلية.

أخيرا شهادة أحد علماء الجيولوجيا لتاريخية طوفان نوح

إن هناك العشرات من العلماء المسيحيين الذين يؤمنون بتاريخية طوفان نوح. ويرون أن هناك الكثير من الأدلة الجيولوجية التي تؤيد تاريخيته. ويمكننا أن نذكر الكثير مما قاله أولئك العلماء. لكننا سنكتفي بشهادة واحدة. وهو ما ذكره عالم الجيولوجيا المسيحي د. أندرو سنيلينج وهو يؤمن بتاريخية الأحداث الواردة في (تك 1 – 11)، ورئيس تحرير مجلة علمية مسيحية يكتب بها علماء مسيحيين. في بحث عنوانه "ستة أدلة جيولوجية على طوفان نوح" [11] يقول د. سنيلنج أنه إذا كان الطوفان، الذي تفجرت فيه ينابيع الغمر العظيم وأخرجت ماء من باطن الأرض طيلة 150 يوم (خمس شهور)، وظلت تمطر فيه السماء بغزارة طيلة أربعين يوم وليلة، حتى تغطت قمم الجبال، قد حدث حقا، فماذا نتوقع أن نجد؟ أليس من المنطقي أن نجد بلايين النباتات والحيوانات الميتة المدفونة والمتحفرة في الرمل والطين والكلس والتي ترسبت بالحركة السريعة للماء في طبقات الصخور في كل أنحاء الأرض؟ إن هذا بالضبط هو ما نجده. ولكن ما هي الأدلة التي تثبت لنا أن طوفان نوح حدث تاريخي حقيقي كما يصفه لنا سفر التكوين؟ بناء على ما جاء في سفر التكوين، يوجد ستة أدلة جيولوجية رئيسية تشهد بصحة الطوفان الكتابي:

الدليل الأول: حفريات بحرية موجودة فوق مستوى سطح البحر بكثير بسبب ارتفاع مياه الطوفان فوق القارات جميعها

مثل الحفريات البحرية الموجودة في معظم الطبقات الصخرية الموجودة في جراند كانيون. والتي تشمل أعلى الطبقات فيه، على ارتفاع 7000 – 8000 قدم فوق مستوى سطح البحر. وبعض الطبقات الصخرية المكشوفة في الجراند كانيون بها أعداد كبيرة جدا من الحفريات البحرية، مثل الشعب المرجانية، والمحار، والقواقع، والمفصليات ثلاثية الفصوص، ورأسيات القدم (من الرخويات)، وأسنان أسماك.

والحفريات البحرية توجد أيضا في قمم الهيمالايا، والتي أهي أعلى سلسلة جبال في العالم إذ تصل إلى 29 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر. مثل الأمونيت (لافقاريات بحرية منقرضة تنتمي إلى رأسيات الأرجل) التي توجد في شقوق (حشايا) حجر الكلس في هيمالايا نيبال.

الدليل الثاني: مقابر جماعية لحفريات موجودة في الطبقات الصخرية في مختلف أنحاء العالم

بما أن المياه الكثيرة التي غطت القارات جرفت الحيوانات وقتلتها، فإننا نتوقع أن نجد الكثير من تلك الحيوانات والنباتات التي دُفنت وتحفرت بسرعة في الرمال والطين والكلس. وهذا ما نجده بالضبط. بل والأكثر من ذلك، فإنه على الرغم من أن النشاط الجيولوجي لكارثة الطوفان قد تضاءل بعد الفيضانات الطوفانية مباشرة، فقد كانت هناك كوارث مصغرة لا زالت تحدث منتجة ترسبات حفرية محلية. مثل بلايين النوتويد (من رأسيات الأرجل) المتحفرة، مع حفريات بحرية أخرى، في طبقة سمكها سبعة أقدام في إحدى الطبقات الصخرية للجراند كانيون. وهذه المقبرة الجماعية للحفريات تمتد بطول 180 ميل عبر شمال ولاية أريزونا وجنوب ولاية نيفادا. وتغطي مساحة 10500 ميل مربع. ولكي تقوم بهذا الدفن الجماعي لذلك الكم الهائل من النوتويد تحتاج إلى 24 ميل مكعب من رمال الكلس والطمي تتدفق في الطين السميك بسرعة أكثر من 16 قدم في الثانية حتى تقوم بابتلاع ودفن هذا الكم الهائل من النوتويد. وما سوى طوفان نوح العالمي قادر على فعل ذلك؟

الدليل الثالث: طبقات صخرية ترسبت بسرعة ويمكن تقفي أثرها عبر مساحات شاسعة

هناك طبقات صخرية يمكن تقفي أثرها في أنحاء قارة بأكملها، بل وعبر القارات نفسها. والخصائص الفيزيائية في تلك الطبقات تشير إلى أنها ترسبت بسرعة. مثل تابيتس الحجر الرملي Tapeats Sandstone، والحائط الأحمر للحجر الجيري Redwall Limestone في الجراند كانيون، يمكن تقفي أثرهما عبر الولايات المتحدة بأكملها، صعودا إلى كندا، بل وحتى عبر المحيط الأطلنطي في انجلترا. مثال آخر هو الحشايا (الشقوق) الطباشيرية في انجلترا يمكن تقفي أثرها عبر أوروبا إلى الشرق الأوسط. بل وفي الغرب الأوسط الأمريكي وغرب أستراليا أيضا. مثال أخير: الطبقات الصخرية المنحدرة المائلة لـ كوكونينو الحجر الرملي Coconino Sandstone  في الجراند كانيون تشهد عن 10000 ميل مكعب من الرمال التي تم ترسيبها بواسطة تيارات مائية ضخمة في غضون أيام.

الدليل الرابع: رواسب نُقلت إلى مسافات طويلة بواسطة مياه الطوفان التي اكتسحت القارات

متوسط سُمْك طبقة كوكونينو الحجر الرملي في الجراند كانيون هو 315 قدم، وتغطي على الأقل مساحة 200 ألف ميل مربع من الرمال. من أين جاءت تلك الرمال؟ لا يوجد مصدر قريب يمكن أن تكون جاءت منه تلك الرمال. لأن مياه الطوفان قد نقلتها لمسافات بعيدة من مصدرها.

مثال آخر على ذلك وهي رواسب نقلت عبر قارة أميركيا الشمالية. طبقة الحجر الرملي لنافاهو في جنوب يوتا تحتوي على عنصر الزيركون. وهذا الأخير يمكن معرفة مصدره بتقفي أثره لأنه يحوي عنصر اليورانيوم المشع. وقد اقتُرِحَ بأن حبات الرمل في طبقة الحجر الرملي بنافاهو قد جاءت من جبال الأبالاش في بنسلفانيا ونيويورك ومن جبال سابقة شمالا في كندا. ولا يمكن أن تكون تلك الرمال المهولة قد ترسبت تدريجيا على مدار ملايين السنين بواسطة نظام نهري ما. ولكن لابد أنها حدثت بواسطة مياه عبر منطقة أكبر من القارة حتى تستطيع نقلها عبر أنحاء القارة. وأكثر حل معقول ومنطقي لتلك المعضلة هو طوفان نوح العالمي الذي دام بضعة شهور حاملا معه تلك الرواسب عبر القارات.

الدليل الخامس: تعرية سريعة أو لا تعرية على الإطلاق بين الطبقات الصخرية

نرى في كل ناحية من حولنا اليوم تأثيرات الطقس وعوامل التعرية، فأين إذا الدليل على ملايين السنين (المزعومة) بين طبقات الصخور؟ إذا كانت تلك الطبقات الصخرية بما بها من حفريات تكونت عبر ملايين السنين، أليس إذا من المتوقع أن نجد أمثلة للتعرية والتجوية بين طبقات متعاقبة من المفترض أن ملايين السنين تفصل بينها؟ إلا أننا لا نجد ولو مثالا واحدا لذلك. على العكس، فإننا نجد الفواصل أو الحدود بين الطبقات رتيبة (بلا ملامح)، حادة كالسكين، دون أي شكل من أشكال التعرية، الأمر الذي لا ينسجم مع ملايين السنين التي يفترضها التطوريين، بل بالحري مع الإطار الزمني المذكور في سفر التكوين، والذي ليس سوى بضعة شهور. فقد ترسبت الطبقات الواحدة تلو الأخرى في فترة زمنية قصيرة لا تسمح أبدا بملايين السنين. فمثلا لا يوجد أي دليل على حدوث تعرية (لملايين السنين) بين طبقتين معروفتين للجراند كانيون، كوكونينو الحجر الرملي والبنية المتوحدة Hermit Formation . وأيضا بين الحدود المستوية بين حجر كلس الحائط الأحمر والطبقات التي تحته.

الدليل السادس: طبقات صخرية منحنية ترسبت وتصلبت بسرعة دون أن تنكسر

الصخور بطبيعتها لا تنحني، بل تنكسر لكونها صلبة وجافة. ولكننا نجد في أماكن كثيرة، سلسلة من الطبقات المنحنية، بدون أن تتعرض لأي انكسار. مما يشير إلى أن طبقات تلك الصخور المنحنية ترسبت وانحنت بسرعة، بينما لم تزل بعد مبللة وطيِّعة، أي قبل أن تتصلب. مثال على ذلك هو الطبقات الصخرية لتابيتس الحجر الرملي في الجراند كانيون، فإنها منحنية بزاوية قائمة (90 درجة) بدون أي دليل على انكسارها. وهذا الانحناء في تلك الطبقات لا يمكن إلا وأن يكون قد حدث بعد ترسب باقي الطبقات، بينما كانت بعد طيعة ومبللة.

وختاما يقول د. سنيلينج:

"قمنا بتوثيق أنه عندما نقبل رواية شهود العيان عن الطوفان في سفر التكوين 7-8 كحدث فعلي في تاريخ الأرض، نجد أن الدليل الجيولوجي يتناغم تماما مع كلمة الله. فمع تدفق مياه المحيطات فوق القارات، لابد أنها دفنت النباتات والحيوانات في تتابع سريع. وطبقات الرواسب هذه التي ترسبت بسرعة انتشرت عبر مساحات شاسعة، فحفظت حفريات المخلوقات البحرية في طبقات أعلى من مستوى البحر الحالي (المُنْحَسِر). وقد تم نقل الرمال والرواسب الأخرى في هذه الطبقات عبر مسافات طويلة بعيدا عن مصادرها الأصلية. ونحن نعلم أن العديد من هذه الطبقات الرسوبية تَرَسَّبَتْ في تتابع سريع لأننا لا نجد دليلاً على تآكل بطيء بين الطبقات". [12]



[1] Noah’s Flood and the Gilgamesh Epic by Jonathan Safrati Creation Magazine 28(4):12–17—September 2006  http://creation.com/noahs-flood-and-the-gilgamesh-epic
[2] The New Answers Book Volume 4 by Ken Ham, page 216
[3] The Flood Myth by Alan Dundes, Page 113
[4] 1001 Questions Answered About Earthquakes, Avalancehs, Floods and Other Natural Disasters, page 218-219
[5] Flood Legends by Stephen Lawwell
http://www.echoesofeden.org/articles/flood/flood-legends
[6] Folk-Lore in the Old Testament, page 209 (234)
[7] Noah’s Flood and the Gilgamesh Epic by Jonathan Safrati
[8] The Flood Myth by Alan Dundes, Page 101
[9] Noah’s Flood and the Gilgamesh Epic by Jonathan Safrati
[10
] برهان جديد يتطلب قرار لجوش مكدويل http://www.baytallah.com/McDowell/book/13.html
[11] Geologic Evidences for the Genesis Flood by Dr. Andrew Snelling, on September 18, 2007; last featured December 26, 2007
https://answersingenesis.org/the-flood/geologic-evidences-for-the-genesis-flood/
[12] The New Answers Book 3, Ken Ham Editor, p328






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس