واحد وعشرون نقطة يساء فهمها حول اللاهوت المُصْلَح (الكالفينية)


بقلم د. صموئيل والدرون
أستاذ اللاهوت النظامي وعميد كلية العهد وصاحب مؤلفات عديدة
مقال مترجم عن الإنجليزية



حَظِيتُ مؤخرا بإمتياز الحديث بمؤتمر الوعظ المُصْلَح لعام 2015. وقد عُيِّن لي الحديث عن الموضوع اللذيذ، والصعب، في نفس الوقت: إساءة فهم اللاهوت المُصْلَحْ. وبعد التفكير وإلتماس المشورة قمت بإعطاء هذه الرسالة عنوان: 21 نقطة يساء فهمها حول الكالفينية.

إلي جانب الإظلام الفطري وكبرياء القلب الإنساني يوجد بضعة أشياء تشكل خطرا أكبر على تعاليم النعمة (الكالفينية) من سوء الفهم الواسع الإنتشار حول تلك التعاليم وآثارها. وأفضل حل لتلك الأمور التي يُساء فهمها هو دراسة التقليد المُصْلَح نفسه وتصريحاته الواضحة حول ما يُعَلِّمَهُ، وما لا يُعَلِّمَهُ، الكتاب المقدس بخصوص تعاليم النعمة.

وقبل أن أتحدث في هذا الموضوع الهام، أَعْطَيْت الحضور أربعة نقاط علي سبيل التقديم. أولها هو موضوع الطرح الأول علي تلك النقاط الواحد والعشرين التي يُسَاء فهمها.

مصادر إساءات الفهم

قمت بالتمييز بين ثلاثة مصادر لسوء الفهم المتعلق بالكالفينية.

الأول هو التحريف الأرميني للكالفينية. بدون شك، وعلى حد سواء، اليوم وفي التاريخ الماضي للكنيسة، لطالما كرر الأرمينيون تحريفهم لتعاليم النعمة. ومع أن تلك التشويهات ربما بدت للأرمينيين نتائج ضرورية لوجهات نظر خصومهم الكالفينيون، إلا أنها في حالات كثيرة قد اقْتُرِفَتْ رغم أوضح التكذيبات من الجانب المُصْلَح. ليس من العدل لأي شخص أن يتهم خصومه أنهم يعتنقون أمورا هم ينكرونها حتي وإن بدت نتائج منطقية لمواقفهم العقيدية. وإنه لمن الإنصاف الإشارة إلى أن آراء الكالفينيون تقود حقا إلي تلك النتائج. ولكنه ليس عدلا التأكيد علي أنهم يؤمنون أو يعتقدون بتلك الآثار بينما هم ينكرونها صراحة.

الأمر الثاني هو ردود الأفعال غير الناضجة. مصدر آخر لمختلف إساءات فهم تعاليم النعمة يأتي من ردود الأفعال المبالغ فيها من الكالفينيين غير الناضجين. ففي رؤيتهم المكتسبة حديثا لسلطان الله المطلق، والنفور الذي حظيوا به حديثا تجاه الجهل الواسع النطاق وإنكار سلطان الله بواسطة المعترفين من المسحيين، فإنه يصبح من السهل على الكالفيين الجُدْدْ أن يُصَرِّحوا بمختلف التصريحات المتطرفة، بل واعتماد جميع أنواع وجهات النظر غير المتوازنة والتي سَيُظْهِرُ الوقت والتأمل الهادئ أنها كانت مليئة بالتأكيدات غير السليمة، والتضمينات المتهورة. هذه التصريحات ليست هي التشويهات المتعمدة من قبل الأرمينيين، أوتلك التخمينات المحسوبة للكالفينيين المفرطون (الهايبر)، ولكنها التصريحات الحماسية المبالغ فيها لحماسات كالفينية شبابية فائرة أو لكالفينيني جُدُدْ حَرِيٌ بهم أن يوضعوا في قفص حتي يهدأوا.

الأمر الثالث هو الكالفينيون المفرطون (الهايبر). مصدر آخر وخطير لسوء الفهم الحادث حول الكالفينية هو التيار التاريخي للكالفينية المفرطة الحقيقية، والتي تطورت في القرون التالية للإصلاح. نعم، إنه يوجد حقا شئ كالكالفينية المفرطة. ولكن الكالفينية المفرطة قطعا ليست هي كالفينية النقاط الخمسة. فهذه الأخيرة هي الكالفينية فقط. وعلينا أن نعترف أن تلك الكالفينية المفرطة نادرا ما توجد في أي مكان. إلا أن كتاباتها وممثليها يوجدون بالفعل وتشكل، ما أخشي أن يكون، اغراءا متزايدا لغير المتوازنين من الكالفينين الشباب الذين هم علي استعداد لإعتناق أي شئ من شأنه أن يمجد سلطان الله. وأريد أن أنذركم هنا أنه ليس كل ما يلمع ذهبا. كونوا علي حذر من الذين يخبرونكم أن التقديم الحر وحسن النية للإنجيل وتعليم النعمة العامة والإيمان الواجب هي أمورا أرمينية.

الحل لإساءات الفهم هذه

إن السبب وراء كل إساءات الفهم هذه، على ما أعتقد، شيئا واحد. إنها العقلانية. وبذلك أعني إعلاء العقل البشري فوق تعاليم كلمة الله. صحيح طبعا أن العقل البشري مخلوق بواسطة الله وأداة ضرورية لتفسير الكتاب المقدس. إن هذا أمر لا يمكن إنكاره. وأنا أتفق مع اعتراف إيمان ويستمنستر في قوله:

"إن مشورة الله كلها فيما يتعلق بكل الأشياء الضرورية لمجده، خلاص الإنسان، الإيمان والحياة، إما أنها مسجلة صراحة في الكتب المقدسة، أو بنتيجة صالحة وضرورية يمكن استخلاصها من الكتاب المقدس .."

ولكن ينبغي علينا ألا نغفل أبدا أن عقولنا مُقيَّدة من ناحيتين. إنها محدودة وساقطة. لهذا وجب علينا أن نكون متواضعون وحذرون في الإستنتاجات التي نستخلصها من الكتاب المقدس، محترسين دائما من السماح لعقولنا البشرية بأن تُطَهِّر الكتب المقدسة من الأشياء التي تبدو متعارضة مع العقل. ويجب علينا ألا نقفز بسرعة إلي تفسيرات غير طبيعية وقسرية لإزالة الأمور التي نظن أنها مسيئة لعقولنا من الكتب المقدسة.

النقطة الثالثة التي ذكرتها على سبيل التقديم: التحقق بواسطة الأدلة على وجود إساءات الفهم

الواحد وعشرين نقطة التي يساء فهمها، كعنوان لهذه الرسالة، يَفْتَرِضْ أن لدينا سلطة ما لما ينبغي أن تكونه الكالفينية التاريخية أو الفكر المصلح عليه. وبناء على تصريح رسمي بما هي الكالفينية أستطيع في هذه الحالة فقط إظهار أو إثبات أن آراء بعينها تشكل إساءات لفهم تعاليمها. وفي رسالتي التي قدمتها في المؤتمر قمت بإستخدام تصريحين رسميين للكالفينية.

سأستخدم أولا إعتراف الإيمان المعمداني الكالفيني لعام 1689. هذا هو الإعتراف الذي يستطيع الإدعاء أكثر من أي إعتراف إيمان آخر بتشكيل الفكر المصلح والمعمداني المتمسك بجميع نقاط الكالفينية الخمسة بما في ذلك النقطة الأخيرة: الكفارة المحددة. وهو إعتراف يتمتع بميزة أخرى في كونه تنقيحا لإعتراف الإيمان الكلاسيكي للإصلاح: إعتراف إيمان ويستمنستر، بل وجاء محاكيا إياه في معظم أسلوبه وميوله العقيدية.

سأستخدم ثانية قانون إيمان دُورْتْ. وقانون إيمان دُورْتْ كان أول شرح عقيدي ونظامي لتعاليم النعمة في تاريخ الكنيسةK وتَقَرَّرْ بواسطة مجمع دولي للكنائس المصلحة واللاهوتيون المصلحون في أعوام 1618 - 1619. أعتقد أن هاتين الوثيقتين هما، بدون منازعة، تأكيدين تاريخيين موثقين للكالفينية.

النقطة الرابعة في المقدمة كانت: التسلسل الذي سنتناول به إساءات الفهم.

رأيت أن أفضل طريقة لترتيب إساءات الفهم المختلفة للكالفينية هو من خلال تقديمها بنفس الترتيب الذي تأتي فيه عادة تعاليم النعمة. وهو الترتيب بحسب الإختصار الذي يجمع أول حرف من كل نقطة من النقاط الخمسة للكالفينية: توليب (TULIP). وهكذا سأعالج إساءات الفهم المختلفة بنفس ترتيب النقاط الخمسة للكالفينية.

أولا إساءات الفهم المتعلقة بتعليم الفساد الكلي

أولى النقاط الخمسة للكالفينية هي الفساد الكلي. وهذه النقطة تشمل فكرة العجز الكلي والتي (اقتباسا من إعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689) تقول أن: "الإنسان، بسقوطه في حالة من الخطية، قد فقد قدرته كليا على إرادة أي صلاح مصاحب للخلاص. فكإنسان طبيعي، نافرا كليا لذلك الصلاح، وميت في خطيته، غير قادر على تغيير نفسه بقوته الذاتية، أو إعداد نفسه لذلك الغرض".

إن عددا من إساءات الفهم في هذه النقطة وجب علينا تفنيدها:

(1) الكالفينية لا تعلم بالإرادة الحرة

بكل تأكيد صحيح أن الكالفينيين لا يؤمنون بما يسميه الناس (الذين يكونون عادة على قدر كبير من التشوش) الإرادة الحرة. أحيانا سمعت كالفينيين أجلاء يقولون أنهم يؤمنون بالوكالة الحرة وليس الإرادة الحرة. ولكن بالنسبة لي وللعديد من الكالفينيين الآخرين، فإننا نفضل القول أننا نؤمن بالإرادة الحرة المُعَرَّفَة بشكل صحيح. فما هو التعريف الكتابي الصحيح للإرادة الحرة؟ إنها تلك المعطاة في إعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689 الفصل التاسع والفقرة الأولي: "إن الله قد وَهَبَ إرادة الإنسان بالحرية الطبيعية وقوة العمل على الإختيار، فهو غير مُجْبَر أو مَحْتوم بأي ضرورة طبيعية على عمل الخير أو الشر". حرية الإرادة مُعَرَّفة هنا على أنها قوة العمل على الإختيار. هذه هي الحرية الطبيعة للإنسان. وهذه النظرة حول الإرادة الحرة تقترحها عددا من النصوص:
"ولكني أقول لكم: إن إيليا جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك إبن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم" (مت 17 : 12).

"ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته" (يع 1 : 14).

"أشهد عليكم اليوم السماء والأرض. قد جعلت قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك" (تث 30 : 19).

وكما أشرت أعلاه فإن الجنس البشري لازال يمتلك تلك الحرية الطبيعية أو "الإرادة الحرة". وهذا ما ينطوي عليه تحليل الخطوط العريضة للفصل التاسع من إعتراف الإيمان. ويمكن وضع خطوطه العريضة كالآتي:

1. تعريف الإرادة الحرة، فقرة 1.
2. حالات الإرادة الحرة، فقرة 2 – 5.
أ- الإرادة الحرة في حالة البراءة، فقرة 2.
ب- الإرادة الحرة في حالة الخطية، فقرة 3.
ج- الإرادة الحرة في حالة النعمة، فقرة 4.
د- الإرادة الحرة في حالة المجد، فقرة 5.


إن قوة ذلك التخطيط العريض هو أن الفقرات (2 – 5)، بما في ذلك بصفة خاصة فقرة (3)، لا تعمل كَنَفْي لتعريف الحرية البشرية في فقرة (1). كل تلك الفقرات تخبرنا ببساطة بالحالات الأربعة التي قد توجد فيها الحرية الطبيعية أو الإرادة الحرة للإنسان.

ولكن الجنس البشري، بالطبع، وهو في حالة الخطية لا يمتلك الحرية الروحية أو الأدبية لكي يستخدم "إرادته الحرة" ليختار ما هو صواب. إن إرادته مقيدة بطبيعته الخاطئة، لذلك فهو لا يقدر أن يريد أي صلاح روحي. لهذا يعلم يسوع: "هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارا ردية، لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارا جيدة" (مت 7 : 17 – 18). وكل هذا يعني أن أتفق مع والت شانتري بأن إرادة الإنسان حرة، إلا أنها مقيدة. لهذا فليس من الصواب القول أن الكالفينيون لا يؤمنون بالإرادة الحرة.


ليست نيتي في هذا المنشور هو إدانة كل إنكار للإرادة الحرة في وعظنا. فغالبا ما نفترض، وعلى ما يبدو لي أنه صحيح، مفهوم أرميني للإرادة الحرة في تلك الإستنكارات المشروعة. ولكن ما أقوله هنا هو أنه عندما يتعلق الأمر بالمناقشة اللاهوتية الهادئة والحذرة فمن الأفضل التأكيد على أننا نؤمن بالإرادة الحرة التي تم تعريفها بصورة سليمة. وهذا سيعطينا الأساس الأفضل للتأكيد عل أننا نؤمن بالمسئولية البشرية كما سأوضح بالأدلة في النقطة القادمة.

(2) الكالفينيون لا يؤمنون بالمسؤولية البشرية

هذا الإدعاء بدوره هو أيضا افتراءا على الكالفينية الأصيلة. فالكالفينيون لا يؤمنون فقط بأن البشر لديهم حرية طبيعية، ولكنهم يتفقون أيضا على أن البشر مسؤولون عن أفعالهم بسبب تلك الحرية الطبيعية.

السبب في كون الأرمينيون يدعون أن الكالفينيون ينكرون المسؤولية البشرية هو أنهم تبنوا في لاهوتهم ما يصل إلي حد الفرضية البيلاجيوسية. إنهم يعتقدون أن المسؤولية تفترض وجود القدرة. والفكرة القائلة بأن مسئولية القيام بشئ تفترض القدرة على فعل شئ ليست صحيحة، وذلك إذا كنت تتحدث عن القدرة الأدبية. إن الكتاب المقدس يعلمنا في أماكن كثيرة أن البشر لا يستطيعون الإتيان إلى المسيح، ولكنه لايزال يحملهم مسئولية القيام بذلك.



"لا يقدر أحد أن يُقْبِل إليَّ إن لم يجذتبه الآب الذي أرسلني، وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 6 : 44)



"فقال لهذا قلت لكم: إنه لا يقدر أحد أن يأتي إليَّ إن لم يُعْطَ من أبي" (يو 6 : 65).


وأنا أتفق مع الكالفينيين العظام: جوناثان إدواردز وأندرو فولر اللذان مَيَّزَا بين القدرة الطبيعية والقدرة الأدبية. وأعتقد أنه بصنع هذا التمييز فإنهما ببساطة يتوسعان حول ما يعلمه إعتراف الإيمان بالفعل. المسئولية البشرية تفترض القدرة الطبيعية، ولكنها لا تفترض القدرة الأدبية. إن الله لا يطلب منا الجري بمعدل ميلا واحدا (كيلو ونصف تقريبا) في الدقيقة. إنه يأمرنا بأن نفعل أشياء قد أعطانا القدرة الطبيعية على فعلها. فنحن قادرون علي الحب والثقة والأسف. ولدينا القدرة الطبيعية للقيام بمثل تلك الأشياء. ولكن ليس لدينا القدرة الأدبية لأن نحب ونثق ونأسف علي الأشياء الصائبة. وهكذا فإن الله يأمرنا بفعل أشياء ليس لدينا القدرة الأدبية على القيام بها بسبب الخطية. ففي (يو 5 : 40) يوبخ يوحنا اليهود، على وجه التحديد، لعدم إتيانهم للمسيح من أجل الخلاص: "ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة" (يو 5 : 40).

(3) الفساد الكلي يعني أن البشر أسوأ ما يمكن أن يكونوه

مرة أخرى، فإن هذا الإدعاء ليس هو التعليم المُصْلَح السائد. فبينما القول أن البشر لا يستطيعون فعل أي صلاح روحي أو خلاصي هو قول صحيح، إلا أن التقليد المُصْلح قد اعترف بأن الذين لم يتجددوا يستطيعون، بل ويقومون، بفعل ما يسمى عادة بأعمال البر المَدَنِي. استجابة آخاب ظاهريا لتوبيخ إيليا كانت أفضل مما لو لم يستجب من الأساس، ولكن ذلك لا يعني أن آخاب تاب حقا أو فعل أي شئ صالح روحيا. واللغة المستعملة في (1 مل 21 : 27 – 29) هي كالآتي: "ولما سمع آخاب هذا الكلام، شق ثيابه، وجعل مسحا على جسده، وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت. فكان كلام الرب إلى إيليا التشبي قائلا: هل رأيت كيف اتضع آخاب أمامي؟ فمن أجل أنه قد اتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه، بل في أيام إبنه أجلب الشر على بيته". ومن ثم فأنا أتفق مع إ. هـ. بالمر الذي ذكر في كتابه عن النقاط الخمسة للكالفينية أنه بينما ليس البشر أسوأ مما يمكن أن يكونوه فهم سيئون بالقدر الكافي. الفساد الكلي لا يعني الفساد المطلق.

(4) الفساد الكلي يعني، أنه علي الرغم أن البشر يرغبون في الخلاص، إلا أنهم لا يستطيعون أن يخلصوا أو يأتوا إلي المسيح

مرة أخرى، فإن هذا يُعَدّ سوء فهما شديدا لتعليميّ الفساد الكلي والعجز الكلي. هل يمكنني أن أقتبس إعتراف الإيمان مرة أخرى هنا؟

"الإنسان، بسقوطه في حالة من الخطية، قد فقد قدرته كليا على إرادة أي صلاح روحي مصاحب للخلاص. فكإنسان طبيعي، نافرا كليا من ذلك الصلاح، وميت في خطيته، غير قادر على تغيير نفسه بقوته الذاتية، أو إعداد نفسه لذلك الغرض".

العجز الكلي لا يعني مطلقا أن البشر يرغبون في الخلاص ولكنهم فقط لا يستطيعون لأنهم فاسدون كليا. العجز الكلي يتكون من نفور الإرادة من أي صلاح روحي. إنها تعني أن البشر كارهون للصلاح. وتعني أن تصريحيّ "لا يقدر" في يوحنا (6) هما طريقة لوصف "لا تريدون" في (يو 5 : 40): "ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة". إن العجز الكلي يعني أن لا أحد يريد حقا أن يخلص بمعزل عن نعمة الله العاملة في القلب.

ثانيا إساءات الفهم الثانية المتعلقة بالإختيار الغير مشروط

(5) الكالفينيون قَدَرِيُّون

بحثت عن تعريف القاموس لـ "القدرية"، ولكن لا أعتقد أن هناك علاقة بينه وبين ما يعنيه بالفعل الذين يدعون هذا الإدعاء. دعوني أخبركم ما أعتقد أنهم يعنون بذلك. أري أنهم يقصدون القول أن الكالفينيون يؤمنون أنه لا شئ نفعله يغير من مصيرنا النهائي. وأعتقد أنهم يعنون أنه لا يوجد علاقة بين ما يفعله الشخص وبين أين سيقضي أبديته. أي أظن أنهم يقصدون القول أن مصير الشخص، بطريقة ما، مُقَرَّرْ بغض النظر عن كيفية استجابته للإنجيل في هذه الحياة. إن كان هذا ما يقصدونه بالقدرية فإن هذا ليس له علاقة بالكالفينية السائدة. إن الكالفينيون يؤمنون بأن وعود الإنجيل صادقة لأي شخص يقبلهم بالإيمان. إن الوعد المدون في (أع 16 : 31) هو وعد صادق بلا إستثناء: "آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك". آمن بالرب يسوع المسيح وستخلص هو أمرا صادقا لأي شخص. فمن يتوب عن خطاياه ويؤمن بالرب يسوع المسيح يخلص بلا إستثناء. الإختيار لا يعني أن الله حر في عدم حفظه لوعود إنجيله. إنها لا تعني أنه قد لا يُخَلِّصك حتي لو آمنت بالمسيح. لاحظ التصريح النظامي الأول لتعاليم النعمة، قانون إيمان دُورْتْ:


البند الثاني: المادة الخامسة. علاوة علي ذلك فإن وعد الإنجيل هو أن كل من يؤمن بالمسيح المصلوب لن يهلك بل تكون له الحياة الأبدية ..

(6) الكالفينيون يؤمنون بأن المختارين سيخلصون بغض النظر عما يفعلوه

مرة أخري فإن هذا ليس ما تنادي به تعاليم النعمة. تأمل هذه الكلمات الواردة في الفصل الثالث من إعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689 :

إن الله ليس مُسَبِّب للخطية وليس له أية صلة بها، كما أنه ليس هناك إجبار مُورِسَ علي إرادة المخلوق، ولا حتي حرية أو إحتمالية المُسَبِّبَات الثانوية أزيلت، بل بالحري تَرَسَّخَتْ ..

وهنا يوضح إعتراف الإيمان أن الله يكرم الحرية الإنسانية والإحتمالية للمُسَبِّبَات الثانوية في إعمال خطته الأبدية. وهذا يعني أن ما يفعله الناس يصنع كل الإختلاف. إن إعتراف الإيمان هنا يُعَلّم ذلك لأن هذا ما يُعَلّمه الكتاب المقدس تماما. (2 تي 2 : 10) تقدم لنا تعليم بولس عن الإختيار: "لأجل ذلك أنا أصبر علي كل شئ لأجل المختارين، لكي يحصلوا هم أيضا علي الخلاص الذي في المسيح يسوع، مع مجد أبدي". إن كان بولس قد آمن أن المختارين سَيَخْلُصُوا بغض النظر عما نفعله نحن أو يفعلونه هم، فكيف كان يمكنه أن ينطق بتلك المشاعر؟ إن الإختيار لا يعني أن المختارين سَيَخْلُصُوا بغض النظر عما نفعل نحن أو يفعلونه هم. بل إن المقصود به أنهم، ونحن، بالتأكيد سنقوم بأشياء معينة! إنه يعني أن المرسلين سيتألمون. إنها تعني أن المختارين سيؤمنون. إنها تعني أن هذين الشيئين سيحدثان، وبهذه الطريقة سَيَخْلُص المختارون.

(7) الكالفينيون يسرقون يقين الخلاص من شعب الرب

خطأ! إن هذا الإدعاء هو بالضبط، وعلي وجه، التحديد عكس الحقيقة. إنهم الأرمينيون هم الذين يجعلون يقين الخلاص مستحيلا. أتذكر رؤيتي لجون وسلي مُقْتَبَسَا كتدعيم لفكرة يقين الخلاص. ولكن أيا كان الذي آمن به جون وسلي، فبما أنه آمن بالسقوط من النعمة، فهو لم يؤمن، بل ولم يستطع أن يؤمن، بطريقة تخلو من التناقض، بيقين خلاص حقيقي. إن اليقين الحقيقي للخلاص يصبح ممكنا فقط إن كان من المستحيل أن يسقط المسيحي الحقيقي من النعمة. إذا أمكن للمسيحي الحقيقي أن يسقط من النعمة، إذا فيمكنك أن تكون متيقنا أنك مسيحيا اليوم، ولكنك لن تكون متيقنا أنك ستكون مسيحيا غدا. وهذا ليس يقينا حقيقيا للخلاص بالمرة. إن من يؤمن فقط أن الخلاص هو عطية من الله صاحب السلطان وأنه ثمرة الإختيار الإلهي السيادي الحر يستطيع أن يكون متيقنا أن الخلاص الذي له اليوم سيظل له إلي يوم مماته.

ولكن ربما يكون الأرمينيون هم الذين يدعون أن الكالفينيون يسرقون يقين الخلاص من شعب الرب. لأنهم يتعقدون أن رَبْطْ الخلاص بالإختيار يحوله إلي مسألة خفية لا يمكن للمرء أن يمتلك يقينا من نحوها. ولكن، ببساطة، فإن هذا الأمر فيه إساءة فهم. إن إعتراف الإيمان المعمداني (3 : 6 ، 10 : 1) يعلمنا ما يقوله الكتاب المقدس بوضوح أن إختيار المرء يُجْعَلْ جليا بواسطة نتائج ذلك الإختيار في حياته. إن الشخص يستطيع أن يعرف أنه مختارا من خلال ثمار الإختيار في حياته. وهذا ما يقوله بند (3 : 6) من إعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689:

"كما عَيَّن الله المختارون للمجد، فهو أيضا، بواسطة مقاصده الأزلية والحرة جدا لمشيئته، سبق فَعَيَّن الأدوات لتحقيق ذلك الأمر، من أجل ذلك فإن المختارين، بينما هم ساقطون في آدم، ومفديون بالمسيح، فقد دُعِيُوا دعوة فعالة نحو الإيمان في المسيح، بواسطة روحه القدوس الذي يعمل في أوانه، وتبرروا، وتُبُنُّوا، وتقدسوا، وحُفَظُوا بقوته بالإيمان للخلاص، ولا يوجد آخرون فُدِيُوا بواسطة المسيح، أو دُعِيُوا دعوة فعالة، وتبرروا، وتُبُنُّوا، وتقدسوا، وخلصوا، إلا المختارين فقط".

وبطبيعة الحال فإن مثل هذا التعليم يعكس ببساطة التأكيدات الواضحة للكتاب المقدس. الإيمان والرجاء والمحبة، والتوبة الحقيقية تحت قوة الإنجيل هي، طبقا للرسول بولس، العلامات المؤكدة للإختيار الإلهي في حياة ذلك الشخص.

"متذكرين بلا إنقطاع عمل إيمانكم، وتعب محبتكم، وصبر رجاؤكم، ربنا يسوع المسيح، أمام الله وأبينا. عالمون أيها الإخوة المحبوبون من الله اخيتاركم، أن إنجيلينا لم يصر لكم بالكلام فقط، بل بالقوة أيضا، وبالروح القدس، وبيقين شديد، كما تعرفون أي رجال كنا بينكم من أجلكم" (1 تس 1 : 3 – 5). لاحظ أيضا قانون إيمان دُورْتْ حول هذه المسألة:

"البند الأول: مادة 12. إن المختارين سَيَبْلُغُون في الوقت المناسب، وإن كان بدرجات متفاوته وبمقاييس مختلفة، يقين إختيارهم الأزلي والغير متغير، ليس من خلال التدخل المتطفل في الأمور العمقية والسرية لله، ولكن بواسطة أن يلاحظوا في أنفسهم، بفرح روحي ومتعة مقدسة، ثمار الإختيار المؤكدة الحدوث والمشار إليها في كلمة الله، مثل إيمان حقيقي في المسيح، خوف بَنَوِي، حزن تَقَوِي علي الخطية، جوع وعطش نحو البر، إلخ".

(8) الكالفينيون يعلمون بهلاك الرُّضَّعْ

نقول مرة ثانية، إن هذا ببساطة إدعاءا كاذبا. يوجد الكثير من الكالفينيين المعروفين يؤمنون بخلاص جميع الرضع الذين يموتون في حداثتهم. سبرجون من قرنا مضي وألبرت مولر (حاليا) هما مثالان لأولئك الكالفينيين. وهناك آخرين يعتقدون أن الله غلف هذه المسألة بغلافا من الغموض فلم يقل إلا القليل جدا أو حتي لا شئ مباشر عنها في الكتاب المقدس. فقد تبنوا لاأدرية متفاءلة حول هذه المسألة. لا يوجد كالفيني أنا علي علم به يؤكد هلاك هؤلاء الرُّضَّع.

(9) الكالفينيون يعلمون بالإختيار المزدوج

ككالفينيون، علينا أن نتجنب هنا أن نقع في هذا الفخ. فينبغي علينا أن نسأل أولا من يوجهون لنا هذه التهمة: ماذا تعني بالإختيار المزدوج؟ فنحن يمكننا أن نؤكد علي الإختيار المزدوج ونقصد به شيئا مختلف بل وأفضل مما يتهمنا به مُتَّهِمِينا. لهذا ينبغي علينا توخي الحذر.

بكل تأكيد صحيح أن الإختيار الغير مشروط يعني أنه عندما يُخْتَار البعض للخلاص فإن هناك آخرين يُتَجَاوَزُون ويُتْرَكُون لدينونتهم في خطاياهم. لهذا (صحيح أيضا) أن نفس الإختيار الذي يختار البعض يترك آخرين في خطاياهم. وهذا نوعا من الإختيار المزدوج.

ولكن إن قَصَدَ أحدهم بالإختيار المزدوج أن بعض الناس معينون مسبقا للجحيم بغض النظر عن خطاياهم، فإن هذا غير صحيح، وأنا لا أعرف كالفينيا واحدا علَّم بهذا الأمر. إن سَبْقْ التعيين للجحيم يكون دائما في ضوء خطايا تلك الخلائق ومن ثم يكون الأمر عن استحقاق.

وإن قصد أحدهم القول أن بعض الناس معينون مسبقا للهلاك بنفس الطريقة التي عُيِّنَ بها آخرين مسبقا للخلاص، فهم أيضا مخطئون تماما بذلك. إن الله يتدخل في أعمال نعمته العديدة والعظيمة بإحضار المختارين للخلاص. وهو ببساطة يترك آخرين يتبعون رغباتهم الشريرة لذلك فإن تعيينهم المسبق للهلاك يصير واقعا.

(10) الكالفينيون لا يؤمنون بالإرساليات أو الكرازة

لاحظ قانون إيمان دُورْتْ مرة أخري:

البند الثاني: المادة 5. علاوة علي ذلك، فإن وعد الإنجيل هو أن كل من يؤمن بالمسيح مصلوبا لن يهلك، بل يكون له حياة أبدية. هذا الوعد، جبنا إلي جنب، مع الأمر بالتوبة والإيمان ينبغي أن يُعلن ويُذاع لكل الأمم، لكل الأشخاص بطريقة غير مُمَيِّزة وبدون فرق، الذين، من مسرته الصالحة، يرسل الله لهم إنجيله.

وهنا نريد أن نصيح لمن يوجهون لنا تلك الإتهامات، هل سمعتم عن وليم كاري؟ هل تعلمون أن هذا المرسل المعمداني كان أول معمدانيا يؤمن بكفارة خاصة* (أي أن المسيح لم يمت سوي من أجل خاصته المختارين) أو معمدانيا مصلحا، وقد أُرْسِل بواسطة كنائس معمدانية خاصة (تؤمن بأن موت المسيح مات من أجل المختارين فقط) أو معمدانية مصلحة؟

والحقيقة ليست هي الكالفينية، بل الأرمينية التي تشكل خطرا كبيرا علي الإرساليات والكرازة. إن أساس التبشير والإرساليات هو حصرية الإنجيل. والمدافعون الكبار عن حصرية الإنجيل هم الكالفينيون.

إنهم الأرمينيون الذين يؤمنون أن الله عليه أن يكون عادلا مع الخطاة. إنهم الأرمينيون الذين يعتقدون أن الله مدين لكل واحد بفرصة لكي يخلص. إنهم الأرمينيون الذين يعتقدون أنه ليس من العدل أن يرسل الله أناسا إلي الجحيم لم يسمعوا رسالة الإنجيل أبدا. ولذلك، فإنهم الأرمينيون الذين يخترعون طرقا للبشر لكي يخلصوا بدون الإنجيل. إنهم الأرمينيون، والذين لهذا السبب، وبهذه الطريقة، يقوضون دائما حصرية الإنجيل، وهكذا يقوضون أساسات الكرازة والإرساليات.

(11) ليس واجب غير المختارين أن يؤمنوا بالمسيح للخلاص، فالكالفينيون لا يؤمنون بالتقديم الحر للإنجيل

وهذا بالفعل تعليم بعض الكالفيون المفرطون، ولكنه لم يكن أبدا تعليم الكالفينية السائدة. إن اعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689 يؤكد: "علاوة علي ذلك، وإذ جلب الإنسان نفسه تحت لعنة الناموس بواسطة سقوطه، فقد سُّرَّ الرب أن يصنع عهدا للنعمة، والذي فيه يقدم الله للخطاة، من مطلق حريته، الخلاص بالمسيح يسوع، طالبا منهم الإيمان به حتي يخلصوا". لاحظ مرة أخري قانون إيمان دُورْتْ:

"البند الثالث والرابع: مادة 9. ليس خطأ الإنجيل، ولا المسيح المُقَدَّم فيه، ولا الله، الذي يدعو الناس بواسطة الإنجيل، ويمنحهم عطايا مختلفة، أن أولئك المدعويين بواسطة خدمة الكلمة يرفضون أن يأتوا ومن ثم يتغيروا. إن المشكلة كامنة فيهم هم، فالبعض ممن يدعون، وبغض النظر عن خطرهم، يرفضون كلمة الحياة".

(12) إن الله لا يرغب في خلاص غير المختارين بل وليس لديه سوي كراهية لهمم

ومرة أخري نقول أن هناك بعض الكالفينيون المفرطون الذين يعلمون أنه علي الرغم من أن الله يطلب من الغير مختارين أن يأتوا إليه، إلا أنه ليس لديه رغبة لمجئيهم. ولكن لاحظ معي مرة أخري قانون إيمان دُورْتْ:

"البند الثالث والرابع: المادة 8. علي قدر كثرة الذين يُدْعَوْنَ بواسطة الإنجيل علي قدر ما تكون دعوتهم بإخلاص. فقد أعلن الله بكل إخلاص وصدق في كلمته ما هو مقبول لديه، أي أنه علي من دُعِيُوا أن يأتوا إليه. وهو يعد بكل جدية راحة النفس وحياة أبدية لكل من يأتون إليه ويؤمنون به".

(13) لا يوجد شئ إسه النعمة العامة

نكرر، إن إعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689 لهو متعارض مع ذلك الإدعاء. إذ يقول في (14 : 13): "الإيمان والنعمة العامة للمؤمنين المؤقتين .. "

إن هنا فرصة طيبة للتوقف وإبداء تعليق أو إثنين حول الخطأ الحادث عندما ينكر الكالفينيون المفرطون الإيمان الواجب، والدعوة المجانية وحسنة النية للإنجيل، والنعمة العامة. الخطأ الحادث هو أنهم قد اعتنقوا تعليما غير متوازنا عن مشيئة الله. إنهم يطابقون بين كل من مشيئة الله مع مشورته المحتومة. ولكن علي أي حال، فإن الكتاب المقدس يعلمنا أن إرادة الله معلنة أيضا في وصاياه. تأمل بعض النصوص:

"السرائر للرب إلهنا، والمعلنات لنا ولبنينا إلي الأبد، لنعمل بجميع كلمات هذه الشريعة" (تث 29 : 29).

"أنتم قصدتم لي شرا، أما الله فقصد به خيرا، لكي يفعل كما اليوم، ليحي شعبا كثيرا" (تك 50 : 20).

"قل لهم: حيٌّ أنا يقول السيد الرب، إني لا أُسَرُّ بموت الشرير، بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا. إرجعوا، إرجعوا عن طرقكم الردية! فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل" (حز 33 : 11).

"أم تستهين بغني لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلي التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا في يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة" (رو 2 : 4 ، 5).

الكالفينية المفرطة ترفض تقدير، أو الإستخفاف، بإرادة الله التعليمية أو المُعْلَنة لصالح مشيئته السرية أو المحتومة. ولكن هذين البعدين لمشيئة الله ينبغي تقدريهما بالتساوي. الله كإله قدوس وبار وصالح يرتغب، بل وينبغي، أن يرتغب أن يسلك البشر بطريقة مقدسة وبارة وصالحة. لأسباب سرية لدي الله، فهو لم يعين مسبقا في مشيئته المحتومة أنه ينبغي علي الناس دائما أن يسلكوا وفقا لمشيئته التعليمية. فأحيانا تكون مشيئة الله المحتومة أن يكسر البشر مشيئته التعليمية ويفعلون ما أسماه يوسف "شرا". ينبغي علينا أن ننحني أمام هذا السر وألا نحاول نَفْيُه.

رأينا فيما سبق إساءات الفهم المتعلقة بكل من الفساد الكلي والإختيار الغير مشروط. ونأتي هنا إلي الحرف "ل" في إختصار "توليب" والذي هو "الكفارة المحدودة". إن معالجتنا المقبلة لأربعة إساءات فهم متعلقة بالكفارة المحدودة ستوضح لماذا يفضل الكثيرين، وأنا واحد منهم، استخدام اسم مختلف لهذا التعليم (مثل الكفارة المحددة، أو بحسب تفضيلي أنا، الفداء الخاص).

ثالثا إساءات الفهم المتعلقة بالكفارة المحدودة

(14) الكالفينيون فقط هم من يَحُدُّون من الكفارة

في الحقيقة، إن كل الإنجيليون يجعلون الكفارة محدودة. إنهم الشموليون فقط، الذين يؤمنون بأن جميع البشر سيخلصون تماما في النهاية بموت المسيح، هم من لديهم كفارة غير محدودة. الإنجيليون الذين يؤمنون بكفارة محدودة في إمتدادها يَحُدُّون من قوة أو فعالية الكفارة في خلاص الذين مات من أجلهم المسيح. الكالفينيون يَحُدُّون من امتداد الكفارة. كلاهما يَحُدَّان من الكفارة. وبالمناسبة، فإن هذا هو السبب الذي يجعلني أفضل وصف الكفارة بأنها فداءا خاصا.

(15) الكالفينيون يَحُدُّون من قيمة الكفارة

في الواقع، إن الأرمينيون هم من يفعلون ذلك. ولكن بالتكيد ليس الكالفينيون هم من يَحُدُّون من الكفارة. لاحظ مرة أخري قانون إيمان دُورْتْ:

البند الثاني: مادة 3. "إن موت إبن الله هو الذبيحة الوحيدة والأكثر كمالا واسترضاءا للخطية، وذات قيمة واستحقاقا غير محدودين، كافية جدا للتكفير عن خطايا العالم بأكمله".

إذا، فالسؤال موضوع الجدل بين الأرمينيين والكالفينيين، فيما يتعلق بالكفارة المحدودة، ليس هو: ما هي قيمة الكفارة أو إلي أي درجة يكون ثمن الفداء الذي دفعه المسيح ثمينا. ولكن السؤال هو مِنْ أجل مَنْ دُفِعَ ثمن الكفارة ومِنْ أجل مَنْ صُنِعَت.

(16) الكفارة المحدودة تتعارض مع الدعوة الحرة والصادقة للإنجيل

إن الأرمينيون يدعون ذلك لأنهم يستنتجون، وعلي حق، أن الكفارة المحدودة تعني أننا الكالفينيون لا نستطيع اخبار جميع من نقابلهم أن المسيح مات من أجلهم. لو صَحَّت الكفارة المحدودة، فإن المسيح لم يمت من أجل الجميع، ولا يصلح أن نقول ذلك. وهذه تبدو مسألة خطيرة لمن يفترض أن الكرازة بالإنجيل تعني اخبار الناس أن المسيح مات من أجلهم.

والمشكلة هي أن تقديم الإنجيل لا يشتمل علي وجهة نظر أي شخص حول من مات المسيح لأجلهم، أو تشتمل علي تصريح بخصوص إمتداد الكفارة. إن تقديم الإنجيل ليس هو "المسيح مات لأجلك". فلا يمكنك إيجاد مثل هذا العرض للإنجيل في وعظ رسل المسيح أو في سفر أعمال الرسل. إن تقديم الإنجيل ببساطة هو تقديم المسيح علي أنه مخلصا فيه الكفاية. وليس من الضروري القيام بتصريحات فيما يتعلق بمن مات المسيح لأجلهم في سر الإرادة الإلهية حتي نكون قد قدمنا المسيح كمخلصا كافيا لكل البشر وبدون استثناء. إن إعلان بولس في (غل 2 : 20) أن المسيح أحبني وأسلم نفسه لأجلي ليس تصريحا للإنجيل الذي يُقَدَّم للخطاة، ولكنه تصريحا باليقين المجيد للخلاص الذي يتمتع به الخطاة المخلصين.

(17) الكفارة المحدودة تعني أن كل من يرغب لا ينبغي أن يأتي

مرة أخري فإن هذا الإفتراء لَيَتَعَارَض مع قانون إيمان دُورْتْ:

البند الأول المادة الثانية: ولكن في هذا قد أظهرت محبة الله، فأرسل الله إبنه الوحيد إلي العالم، حتي لا يَهْلَك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (1 يو 4 : 9 ، يو 3 : 16).

فالسؤال إذا ليس هو "كل من يرغب يأتي". إن أي شخص يستطيع بالطبع أن يأتي. بل إن السؤال حقا هو من الذي سيأتي وما الذي يجعله يأتي.

رابعا إساءات الفهم المتعلقة بالنعمة التي لا تقاوم

(18) النعمة التي لا تُقَاوَم تعني أن الله يُخَلِّص البشر رغما عن إرادتهم

قطعا لا. إن النعمة التي لا تُقَاوَم، بالأحري، تعني أن الله يجعل الناس يرغبون في يوم قوته. والنص الذي عادة ما يُقْتبس بواسطة الكالفينيين هنا هو: "شعبك منتدب (سيرغب) في يوم قوتك" (مز 110 : 3). إن قانون إيمان 1689 يجعل هذه المسألة واضحة جدا:
إن أولئك الذين سبق الله فعينهم للحياة، فإنه سُرُّ في وقته المُعَيَّن والمقبول، أن يدعوهم دعوة فعالة، بروحه وبكلمته، من حالة الخطية والموت التي هم فيها بالطبيعة، إلي النعمة والخلاص بيسوع المسيح، منيرا عقولهم روحيا وخلاصيا ليفهموا أمور الله، منتزعا القلوب الحجرية، ومعطيا إياهم قلوبا لحمية، مجددا إراداتهم، وبسلطانه كلي القدرة، مُعَيِّنَا إياهم إلي ما هو صالح، جاذبا إياهم بفعالية إلي يسوع المسيح، ومع أنهم يأتون هكذا من منطلق إرادتهم مطلقة الحرية، فإنهم يُجْعَلون راغبين بواسطة نعمته.

(19) النعمة التي لا تُقَاوَمْ تعني أن البشر لا يقاومون الروح القدس أبدا

لو كانت النعمة التي لا تُقَاوَمْ تعني ذلك، فهي بكل تأكيد لا يمكن أن تكون كتابية. إن الكتاب المقدس واضح في قوله أن بعض الناس يقاومون الروح القدس فعلا. "يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان. أنتم دائما تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك أنتم" (أع 7 : 51).

علي أي حال، فإن النعمة التي لا تُقَاوَمْ لا تعني أن البشر لا يقاومون الروح القدس إطلاقا. وكما أوضحت سابقا، فطبقا لإعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689، فإن الكالفينية تعلم بما يعرف بالنعمة العامة. إن مناشدات وأعمال النعمة العامة ليست غير مُقَاوَمة. أظهرت فيما سلف أن كل من قانون إيمان دُورْتْ وإعتراف الإيمان المعمداني يوضحان أنه يوجد شئ كالدعوة العامة للإنجيل. في كل من النعمة العامة والدعوة العامة للإنجيل، يتكلم الروح القدس إلي البشر داعيا إياهم بإخلاص لكي يأتوا إلي المسيح. إن مثل هاتين النعمة العامة والدعوة العامة للإنجيل تقاوما بإستمرار من البشر. ومع ذلك، فإن كل من النعمة الخاصة والدعوة الفعالة للروح القدس تخلقان الإستجابة التي يُسْتَدعي إليها البشر. وعليه فإن النعمة والدعوة كلاهما لا يُقَاوَمَان.

خامسا إساءات الفهم المتعلقة بالمثابرة والحفظ

(20) مثابرة وحفظ القديسين يعنيان أنه بمجرد أن يخلص البشر، فليس من المهم كيف يحيون، وسيذهبون إلي السماء في كل الأحوال

في عصرنا الفاسد هذا، فإن هذا فعلا ما يفهمه الكثير من المسيحيين المعترفين علي أنه ما أسموه الضمان الأبدي. إن الضمان الأبدي هو صورة فاسدة لتعليم مثابرة وحفظ القديسين.

الحقيقة التاريخية هي أنه في وقت مجمع دُورْتْ ووقت كتابة إعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689، لم يؤمن أي من أنصار الكالفينية الغالبة أو الأرمينية بهذا التعليم البشع. لم يتخيل أي من المعمدانيين الكالفينيين الذين كتبوا قانون إيمان دورت، ولا حتي الأرمينيين الذين اطضروهم لكتابته، أنهم سَيَرَوْنَ تعليما مشابها لفكرة أنه بمجرد أن تصير مسيحيا فستخلص بغض النظر عن كيف تعيش. إن كل من الكالفينيين والأرمينيين آمنوا أن مثابرة القديسين لهي ضرورة. لقد اختلفا فقط حول ما إذا كان هذا الأمر واقعا أم يقينا.

لاحظ هذه المقتطفات من قانون إيمان دُورْتْ

إن أولئك الذين، يدعوهم الله، بحسب غرضه، إلي شركة إبنه، ربنا يسوع المسيح، ويجددهم بواسطة روحه الأقدس، فهو يخلصهم أيضا من سلطان وعبودية الخطية .. ولكن الله أمين، فبعد أن منح لهم نعمته، فهو يمكنهم برحمته ويحفظهم بقوته، إلي المنتهي.

إن المُخَلَّصين يتم إنقاذهم من سلطان وعبودية الخطية، ومحفوظون بقوة في عتقهم هذا إلي النهاية. هذه هي العقيدة الحقيقية والأصلية لمثابرة القديسين.

(21) إن مثابرة وحفظ القديسين يعنيان أن شعب الله لا يستطيع أن يكون له يقين بالخلاص إلا بعد حفظهم

لا شئ يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من هذا الإدعاء. إنه تعليم مثابرة وحفظ القديسين وحده فقط الذي يبرر يقين الخلاص. إن الخلاص الممنوح بواسطة الإختيار الإلهي السيادي، والذي سَيُحْفَظ فيه بكل تأكيد كل مسيحي حقيقي، وحده فقط يقدم ثمة أساس أو رجاء لليقين الحقيقي بالخلاص.

وبالإضافة إلي ذلك، ليس علي يقين مثابرتنا أن ينتظر حتي نكون قد حُفِظْنا. فهو يمكن أن يُجْتَنَي من علامات النعمة الخاصة التي تصاحب كل إيمان حقيقي. إن اعتراف الإيمان المعمداني لعام 1689 يؤكد ذلك بوضح في فصل (14)، فقرة (3):
هذا الإيمان، مع كونه مختلفا في درجاته، أو ضعفه أو قوته، إلا أنه في أقل درجة منه يكون مختلفا في نوعه أو طبيعته، مثل كل نعمة مخلصة أخري، عن الإيمان والنعمة العامة للمؤمنين المؤقتين، وعليه، ومع أنه قد يُهَاجَمْ بعنف ويتم إضعافه مرات كثيرة، لكنه يحصل علي الإنتصار، ناميا في الكثيرين إلي بلوغ ملء اليقين في المسيح، الذي هو رئيس إيماننا ومكمله.

لاحظ معي مرة أخيرة قانون إيمان دُورْتْ:

البند الخامس، مادة 9. مِنْ هذا الحفظ للمختارين للخلاص، ومِنْ مثابرتهم في الإيمان، فإن المؤمنين الحقيقيون أنفسهم قد يحصلون، بل ويحصلون فعلا، علي يقين طبقا لدرجة إيمانهم، والذي بواسطته يؤمنون أنهم سيظلون، كما هم حقا، أعضاء حقيقية وحية في الكنيسة، وأنهم يتمتعون بغفران الخطايا والحياة الأبدية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس