الخطاة .. أولاد إبليس وليسوا عبيده


الكتاب المقدس لا يُعَلِّم أبدا بأن الإنسان الشرير عبد للشيطان، بل يصف العلاقة يينهما كعلاقة الإبن بأبيه (يو 8 : 38 ، 41 ، 44 ، مت 13 : 38 ، أع 13 : 10 ، 1 يو 3 : 8 - 10 ، 12). والغرض من هذا القول ليس مجرد التشبث بمسميات محضة لا طائل من وراءها، لكنه أمرا يمس جوهر كل من الخلاص والمسؤولية البشرية وبالتالي عدل الله وبره.

لو كان الإنسان عبدا للشيطان لكان هذا يعني أن الإنسان يرتكب الخطية قسرا عنه، أو أنه مغلول اليدين لأن هناك إجبارا يأتيه من خارجه. لكن الكتاب – في الشواهد الكتابية التي أشرنا إليها أعلاه – يؤكد أن الإنسان يعمل الخطية وهو في وفاق تام مع إرادة الشيطان. الإنسان عبد للخطية لكنه ليس عبد للشيطان. والفرق بين الإثنين كبير. ففي كونه عبد للخطية فهو لا يخضع لشئ خارجه، بل لطبيعته الشريرة. وفي كونه إبن لإبليس فهو يعمل إرادة أبيه عن طيب خاطر.

ومع أن الكتاب يقول أن الشيطان له سلطان علي الإنسان الشرير، إلا أن هذا السلطان ليس سلطانا مباشرا، بل يمارسه الشيطان من خلال أمور معينة. فهو يمارس سلطانه من خلال الخديعة (أع 26 : 18)، وبالتالي يكون الخلاص، كما تقول نفس الآية، من خلال أن يُفْتَح عيونهم بواسطة عمل النعمة. ويمارس سلطانه أيضا من خلال الموت (عب 2 : 14)، فجاء خلاص الرب لنا بإشتراكه في لحمنا ودمنا لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت. لذلك، وإن كان الكتاب المقدس يصف الأشرار كأمتعة أو سبايا للشيطان (مت 12 : 29)، فإن هذا في حد ذاته لا يُثبت وجود أي قَسْر علي إرادتهم، ولكنه ربما يكون مجرد توصيف للحق القانوني للشيطان فيهم.

ورغم أن هذه الصورة (أبوة الشيطان للإنسان وليس استعباده له) قد تبدو من الوهلة الأولي أنها تعطي كرامة أكثر للإنسان، إلا أنها أكثر خطورة مما إذا كان الإنسان عبد للشيطان. وذلك لأن الإنسان لا يمكنه أن يلقي باللوم علي الشيطان في إجباره علي شئ. كان الشيطان ولا يزال مخادعا محتالا يُغِّرر بالإنسان، إلا أنه لم يمارس عليه أي نوع من القهر، حتي بعد السقوط. وهذا لا يدل سوي علي مدي كراهية الإنسان لله وتمرده عليه. وأيضا علي توافق شهواته مع شهوات الشيطان. وبالتالي فإن هذا من شأنه أن يبرز بوضوح مسؤولية الإنسان الشرير عن أفعاله.

وهنا تأتي أهمية تمييز أغسطينوس بين "حرية الإرادة"(Liberum Arbiterium) التي يتمتع بها الإنسان وبين "الحرية" (Libertas) التي لا يمتلكها. الإنسان حر الإرادة في كونه لا يخضع لأي قسر في إرادته من الخارج، ومع ذلك فهو مستعبد لخطيته التي يريدها من الداخل. فإن كان الشيطان يمارس سلطانه علي الإنسان من خلال الخديعة والموت إلا أنه لا يمارس إجبارا علي إرادته. أما لو قلنا أن الإنسان عبد للشيطان لا يستطيع إلا فعل إرادة هذا الأخير، فإننا بذلك نطيح بالمبدأ الأول: "حرية الإرادة"(Liberum Arbiterium). وبالتالي لا يكون الإنسان مسؤول عن خطيته، ويصبح مرغما في تمرده علي الله. ويصير غضب الله علي الإنسان غير مُبَرَّر. وكنتيجة طبيعة لذلك، لا نحتاج إلي كفارة عقابية، بل إلي مسيح منتصر فقط (كريستوس فيكتور) يخلصه من الشيطان وكفي. وطبعا لا يخفي علي أي مسيحي كتابي أن الكتاب المقدس لا يعلم بذلك. لهذا وجب علينا أن نميز بين كون الإنسان عبدا للخطية وبين كونه إبن لإبليس يفعل إرادته عن وفاق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس