حقيقة الإدعاء بوجود خلاص خارج المسيحية






ظهر في السنوات الأخيرة تيارًا متناميًا لدى بعض بروتستانت الشرق ينادي بإمكانية أن يخلص غير المسيحيين دون أن يعرفوا عن المسيح أو يقبلوه أو يؤمنوا به إيمانًا واعيًا، طالما كانوا مجتهدون وتائبون ومُخْلِصُون في دينهم أو بحثهم عن الله. وقد رأينا ذلك في الندوات والدعوات التي عقدها البعض مؤخرًا، وفيما كتبه أيضًا مرنم مصري شهير في مقالاته المجمعة التي بدأها بالسؤال: "هل تكلم الكتاب المقدس عن معرفة بالله الحقيقي لنوعية لا تنتمي للدعوة الإبراهيمية". وما جاء في باقي مقالته هو محاولة للإجابة عن ذلك السؤال بالإيجاب. يقول أيضًا واعظ مصري بروتستانتي معروف في أحد لقاءاته القديمة "التوبة مش إنك تعرف المسيح، التوبة تقر بإنك خاطئ وتستحق دينونة الله .. الله بيتكلم لكل البشر، إذا الإنسان وصل لحقيقة أنه خاطئ وشرير ويستحق القضاء وقال لربنا: إرحمني، أنا متأكد أنه إذا وجد هذا الإنسان الله هيرحمه، وهَيَخْلُصْ على أساس ذبيحة المسيح .. حتى لو مكانش أدرك التعليم المسيحي". وفي لقاء حديث له قال أيضًا: "الله مش هيدين الناس اللي رفضوا الإيمان المسيحي" وأنه سيدينهم بناء على أعمالهم. 

أيًا كانت الدوافع وراء الإدعاء بأن هناك مؤمنين حقيقيين بالله خارج المسيحية فهو ادعاء غير كتابي مُحَمَّل بمجموعة من الإفتراضات المسبقة التي لا مبرر لها من كلمة الله. أن يقول أحدهم أن هناك من سيخلصوا من خارج المسيحية لأنهم متدينون، أو جادون في بحثهم عن الله، ويعملون أعمالاً صالحة، أو لديهم معرفة حقيقية بالله، علينا أن نسأل ما الذي افترض مسبقًا صحته أصحاب ذلك الإدعاء؟ وهل ما افترضوه مؤسس على كلمة الله؟ في هذه السطور الآتية سنقوم بتحليل هذه الادعاء لإبراز الإفتراضات التي بُنِيَ عليها. طبعًا يوجد في كلمة الله نصوص صريحة تؤكد حصرية المسيح على عكس ما يدعيه أولئك مثل يو 3 : 36 ، 14 : 6 ، أع 4 : 12 ، 1 يو 5 : 12 ، 1 تي 2 : 5. لكن ما سنركز عليه هنا غرضه إظهار أن ذلك الإدعاء مؤسس على افتراضات مسبقة ومتضمنة فيه بصورة خفية لا تدعهما كلمة الله. إن هذا الإدعاء ضد كلمة الله ضمنيًا وصراحة. 

من الجدير بالذكر أن الإفتراضات المسبقة الخفية في ذلك الإدعاء، ليست فقط تخالف الحق الكتابي الصريح، بل تعمل أيضًا على تمزيق أواصر الإيمان المسيحي المترابطة والمتماسكة، وتفصل عناصره عن بعضها (كما سنرى). كما أنها تمس الكثير جدًا من فروع اللاهوت المسيحي مفترضةً إفتراضات مسبقة خاطئة حول الله (ثيولوجي بروبر)، والمسيح (كريستولوجي)، والإنسان (أنثروبولوجي)، والخلاص (سوتيريولوجي). سنحاول في السطور الآتية إيضاح كيف أن الإدعاء بإمكانية الخلاص بدون معرفة أو إيمان بالمسيح يحمل الكثير من الإفتراضات المسبقة غير الكتابية والتي تمزق الوحدة التي في الإيمان المسيحي. 

ما هي إذا الإفتراضات المسبقة في ذلك الإدعاء؟ 

أولاً، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض أنه يمكن الفصل بين المسيح كالوسيط والمُعْلِنُ عن الله، وبين المسيح الذي هو الله نفسه (إفتراض متعلق بالكريستولوجي يفصل بين طبيعتي المسيح) 

لا يوجد إيمان حقيقي بالله بدون الإيمان بالمسيح، ذلك لأن المسيح هو الله. فأن تقول أن هناك من يؤمن بالله حقًا في الأديان الأخرى، هو أن تفترض ضمنًا أن المسيح ليس هو الله. إن هذا الإدعاء يفصل بين المسيح كوسيط، وبين المسيح كالله. بكلمات أخرى، إنه يفصل بين لاهوت المسيح وبشريته كنوع من النسطورية الخفية. المسيح هو الكل في الكل. هو الله والوسيط والنبي والكاهن والذبيحة. لماذا لن يخلص أحد لم يؤمن (إيمانًا واعيًا) أثناء حياته على الأرض بالمسيح، وإن كان مجتهد دينيًا ويؤمن بوجود إله؟ لأن المسيح هو الوسيط الوحيد، لكونه الله حق وإنسان حق، وأنه لا وصول أو اقتراب إلى الله بدون وساطة هذا الوسيط الوحيد. لهذا يقول بولس "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح" (1 تي 2 : 5). لا يوجد مخلص يمكن أن يخلص البشر سوى يسوع المسيح، لأنه الله وإنسان في نفس الوقت. هذه صفة جوهرية للوسيط بين الله والناس. لهذا دافعت قوانين الإيمان عن ألوهية يسوع الحقة، وبشريته الحقة. التفريط في مساواة المسيح للآب في الجوهر، وفي مساواته لنا في البشرية (فيما عدا الخطية)، لهو تقويض لعقيدة الخلاص. 

يعبر جريجوريوس النازيانزي (القرن الرابع) بقوة عن الترابط بين حقيقة شخص المسيح وبين خلاصه الذي حققه بتجسده وموته: "ما لم يأخذه [في التجسد] لم يشفه". أي أن اللاهوت اتخذ طبيعة بشرية واتحد بها لكي يشفها. إن هذا كان موضوع كلاسيكية أنسلم Cur Deus Homo أي "لماذا الإله الإنسان" (القرن الحادي عشر). وإجابة أنسلم على ذلك هو أنه كان لابد للفادي أن يكون إله حق وإنسان حق حتى يستطيع أن يخلص البشر. يقول أيضًا فرانسيس يونج (مؤرخ كنسي معاصر): 

"إن الكثير من الخلافات العقائدية في القرون المبكرة، لا سيما النقاشات الكريستولوجية، أوعز بها في نهاية المطاف افتراضات مسبقة عن الخلاص والتي خلقت ولاءات عميقة، على الرغم من أنه بالكاد صُرِّحَ بها في بعض الأحيان" (يونج ٢٠١٠). 

ما يقوله يونج هنا هو أن الآباء دافعوا عن مساواة المسيح للآب في الجوهر، ومساواته لنا نحن البشر في جوهر بشريتنا (فيما عدا الخطية) لأن التفريط في أي من هاتين الحقيقتين هو تفريط في الخلاص نفسه. مع أن الآباء قلما تحدثوا صراحة عن العلاقة بين شخص المسيح (كإله حق وإنسان حق) وبين عمله الخلاصي، إلا أن العلاقة بينهما مُفْتَرَضَة ومُتَضَمَّنَة وراسخة. 

إذًا، في جوهر الإدعاء بأن هناك من سيخلصون دون أن يؤمنوا بالمسيح، افتراض مسبق بأن المسيح ليس هو الله. طبعًا هذا الإفتراض لا يُقال صراحة، بل وعادة ما لا ينتبه له الذين ينادون بالإدعاء بالخلاص خارج المسيحية، لكنه موجود في صميم ما يقولونه، حتى وإن أنكروا ذلك صراحة. بل ويمكننا أيضًا قول أن الإدعاء بأن هناك خلاص خارج المسيحية، من خلال أي نبي أو معلم أو رسول آخر (سوى شخص المسيح)، يتضمن نسبة نوع من الألوهة إلى ذلك الشخص. لأنه طبقًا للمسيحية، لا يستطيع أحد أن يصل بنا إلى الله سوى الإله-الإنسان يسوع (الله المتجسد)، وعليه فأن تنسب ذلك الإمتياز لشخص آخر (غير المسيح) هو أن تنسب له الألوهة. إذًا، فالقول أن هناك خلاص خارج المسيحية، يسلب ألوهية الرب يسوع المسيح من ناحية، ويمنحها لشخص آخر من ناحية أخرى فضلاً عن الفصل بين طبيعتي المسيح. 

ثانيًا، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض مركزية الله فقط بدون مركزية المسيح (إفتراض يفصل بين الكريستولوجي والثيولوجي بروبر) 

تعلّم المسيحية بمركزية شخص الله، وفي نفس الوقت بمركزية شخص المسيح. أو بعبارة أخرى، مركزية الله في المسيح. لا تعارض بين الحقيقتان. ذلك لأنه في المسيح يحل كل ملء اللاهوت جسديًا، والمسيح هو الكلمة الذي كان عند الله وكان الكلمة الله. إن مركزية الله لا يمكن أن تكون حقيقية إلا إذا تأسست على مركزية المسيح. المسيح هو الإعلان الوحيد عن الله الذي لا تشوبه شائبة. عند معمودية الرب يسوع المسيح شهد أقنومي الآب والروح القدس بمركزية المسيح "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيًا عليه، وصوت من السماوات قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت 3 : 16 – 17). وعند تجليه على الجبل أيضًا شهد الآب قائلاً "وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم، وصوت من السحابة قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا" (مت 17 : 5). قال المسيح أيضًا عن الروح القدس "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو 16 : 14 – 15). 

يقول اللاهوتي توم شراينر، في شرحه للفكر اللاهوتي لبولس، كيف أن كل من مركزية المسيح ومركزية الله هما في الحقيقة أمرًا واحدًا ويكملان أحدهما الآخر، وطبقًا لكلمات شراينر نفسها: 

لكن القول بأن الله هو مركز لاهوت بولس لا يعني أننا نقلل من مركزية المسيح، لأنه، كما سنرى، فإن تمجيد يسوع المسيح يجلب المجد والحمد لله. ربما يمكننا القول أن الله في المسيح هو أساس لاهوت بولس .. علاوة على ذلك، يشرح بولس الإنجيل ويفسره في رسائله. يمكننا أن نقول، من ناحية، أن الإنجيل هو موضوع كتابات بولس، طالما أننا نرى أن الإنجيل هو "إنجيل الله" (رو 1: 1)، مما يشير إلى أن الإنجيل لا يمكن تقديره أكثر من الله نفسه الذي يجعله حقيقة. إن الإنجيل هو الأخبار السارة لأنه يعلن رسالة الخلاص عن الله ومن الله، وهذا الإنجيل يتمركز حول ابن الله، الذي يحقق النبوءات القديمة (رو 1 : 2 – 3). نلاحظ كيف أن بولس ينتقل بسلاسة من إنجيل "الله" إلى الإنجيل "عن ابنه"، بما أنه يرى أن مركزية المسيح ومركزية الله هما أمرًا واحدًا. (شراينر، بولس رسول مجد الله، 2020) 

المسيح ليس فقط مركز المسيحية، بل اليهودية أيضًا. وهذا شيء طبيعي ومتوقع لكون المسيحية إتمامًا وتحقيقًا بل وذروة اليهودية. فالرب يسوع المسيح رأى شخصه وعمله هما مركز اليهودية "فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان، بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان يبنغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟ ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو 24 : 25 – 27). لهذا قال يسوع لليهود "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي" (يو 5 : 39). يؤكد كل من بولس وبطرس أيضًا حقيقة مركزية يسوع كالمسيا في الكتب اليهودية (رو 1 : 2 ، 1 بط 1 : 10 – 11). حتى قبل أن يتجسد المسيح ويأتي في ملء الزمان، فإن الوعد به، وبخلاصه، كان هو محور اليهودية، وكتبها المقدسة. المسيا هو يهوه متجسدًا ومُخَلِّصًا. عندما أشار الرب يسوع المسيح إلى ألوهيته أو بنوته الأزلية لم يعترض اليهود على هذا الأمر كفكرة غريبة يأتي بها إلى مسامعهم، لكن اعترضوا فقط على أنه هو الشخص الذي يتم فيه هذا الوعد (مر 14 : 61). فلا يوجد مبرر أبدًا، أو مسوغ من أي نوع، للقول أن هناك ديانة حقيقية أو إيمان حقيقي بالله يكون الله مركزه دون مركزية المسيا. 

إذًأ، فأن تقول أنه يمكن أن يكون هناك إيمان بالله، أو توبة له، أو معرفة به، في مختلف الأديان، هو أن تُقْصِي المسيح من المركز، وأن تنادي بمركزية الله دون مركزية المسيح، وأن تفترض أن الإعتقاد عن المسيح والسجود له ومحبته وطاعته وخدمته كلها أمورًا ثانوية. وهذا ضد الإيمان المسيحي. لأن مركزية الله لا يمكن أن تكون حقيقية بدون مركزية المسيح. عندما يكون المسيح هو المركز حينها فقط يكون الإيمان بالله إيمانً حقيقيًا. 

ثالثًا، أن تقول أن الإنسان يمكن أن يخلص على حساب عمل المسيح، دون أن تكون له معرفة أو قبول أو إيمان واعي بالمسيح، هو أن تفصل المسيح عن عمله (إفتراض يفصل بين الكريستولوجي والسوتيريولوجي) 

أي، ليس فقط أن هذا الإدعاء، يفصل ألوهية المسيح عن بشريته (كما رأينا)، بل يفصل أيضًا المسيح عن عمله. ذلك لأنه في صميم هذا الإدعاء افتراض بأن شخص المسيح غير هام، والمهم فقط هو خلاصه. إنها نظرة نفعية بحتة. هؤلاء يرون أنه من اللائق الإنتفاع بعمل المسيح دون الحاجة إلى المعرفة عنه أو الإيمان به، بل وفي بعض الأحيان كما يرى سي إس لويس دون أن تقبل العقيدة المسيحية (رغم كونها معروفة لدى الشخص). هو بالضبط أن تكون لأحدهم علاقة مع شخص أساسها المنفعة. إنه نوع من الجحود أشبه بعلاقة المسيحي الإسمي بالمسيح. إذ أن هذا الأخير ينتفع بالمسيح لكن لا يرغبه لشخصه. لكن لا يمكن أن تأخذ أي ميزة لخلاص المسيح دون أن تخضع له كرب. والله لا يعطينا المسيح كمخلص دون أن يعطينا إياه في نفس الوقت كرب. أن تقول أن هناك من سيخلصون في مختلف الأديان دون أن يؤمنوا بالمسيح عن وعي وقبول مُدْرك، ولكنهم سيخلصوا في النهاية بعمل المسيح، هو أن تقول أنك تريد عمل المسيح فقط وليس شخصه. إنه نوع من القول أن يسوع مخلِّص لكن ليس رب. إنه فصل لهوية المسيح (بشريته وألوهيته) عن عمله الخلاصي. 

رابعًا، أن تقول أنه يمكن أن يخلص شخص خارج المسيحية، طالما كان تائبًا مؤمنًا بالله، هو أن تفصل بين أقانيم الثالوث (إفتراض متعلق بالثيولوجي بروبر يفصل أقانيم الثالوث عن بعضها) 

هذا الإدعاء الخطير بإمكانية وجود خلاص خارج المسيحية يفصل بين الآب والإبن والروح القدس. ذلك لأنه، من ناحية، يجعل الله الآب يعمل بمعزل عن إبنه. فإن كان الله الآب يعلن عن نفسه بطرق أخرى، ووسطاء آخرون في الأديان المختلفة، سوى إبنه الوحيد يسوع المسيح، إذًا، فالله الآب يعمل بدون إبنه، وبدون الإعلان الكامل الذي قدمه في تجسده وكفارته. إن كان "الإبن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر" (يو 1 : 18)، وإن كان المُدَّعُون يقولون أن هناك معرفة حقيقية عن الله الآب ليست من خلال الإبن، فهم إذًا يقولون من طرف خفي أن الله الآب يتجاهل عمل وإعلان وتميز الإبن، ويعمل بمعزل عنه. إنهم يدقون إسفينًا بين أقنومي الآب والإبن. مع أن الآب شهد عند معمودية الإبن "مجدت وأُمَجِّدُ" (يو 12 : 28)، والآب أيضًا حث جميع البشر قائلاً "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا" (مت 17 : 5). 

من ناحية أخرى، فإن القائلون بذلك الإدعاء، يفصلون بين أقنومي الإبن والروح القدس. اِدَّعَىَ واعظ بروتستانتي معروف أن رابعة العدوية المسلمة المتصوفة وُلِدَت الولادة الثانية، طبعًا دون أن تؤمن بالمسيح (إيمانًا واعيًا)، وإن كانت في النهاية ستخلص على حساب عمل المسيح. إن ما فعله ذلك الواعظ هو أنه فصل الروح عن الإبن بالفصل بين عملهما الواحد. ذلك لأنه جعل الروح القدس يأخذ ثمار ومزايا عمل المسيح ليطبقها على من لا معرفة لهم أو إيمان أو قبول واعي بشخص المسيح. 

الإدعاء بأن هناك إيمان حقيقي بالله، أو ولادة ثانية، خارج المسيحية، ودون معرفة واعية بشخص المسيح، لهو بمثابة تفكيك العلاقة بين الأقنوم الثاني (الإبن) والأقنوم الثالث (الروح القدس). ذلك لأن عمل الروح القدس هو تمجيد المسيح "ذاك يمجدني" (يو ١٦ : ١٤)، والإخبار به "يأخذ مما لي ويخبركم" (يو ١٦ : ١٤)، والشهادة له "المعزي .. روح الحق .. الذي من عند الآب .. يشهد لي" (يو ١٥ : ٢٦). الروح القدس هو روح المسيح (١ بط ١ : ١١)، لذلك لا يمكن ان يوجد عمل للروح القدوس دون معرفة عن المسيح. حيث وجد المسيح وجد روحه، وحيث لا يوجد المسيح لا يمكن أن يوجد الروح. إن عمل النعمة دائمًا وأبدًا ما يكون عملاً أقتوميًا، تمامًا كما أن طبيعة الله دائمًا ثالوثية أقنومية. 

الآب والإبن والروح القدس يعملون معًا منذ الأزل، ولا يمكن إلا أن يشير عمل أحدهم إلى الآخر، وليس لأقنوم فيهم أن يعمل عمل بدون الآخر. ناهيك عن مركزية المسيح كما أراد الآب أن يمجده (مَجَّدّت وأمجد)، وكما أراد الروح القدس أن يمجده أيضًا (ذاك يمجدني). فالآب اختار قديسوه قبل تأسيس العالم، وأعطاهم للإبن، والإبن جاء لفداء أولئك المختارين الذين أعطاهم الآب له. ثم أرسل أقنومي الآب والإبن، أقنوم الروح القدس (يو 14 : 26، 15 : 26)، لكي يقوم بتطبيق ذلك الفداء على المختارين الذين اختارهم الآب، وفداهم الإبن. 

الطبيعة الثالوثية لله، حق يتميز به الإيمان المسيحي وحده. وهي بمثابة المحك أو إختبار المصداقية Litmus Test الذي يقوم أو يسقط عليه أي تعليم أو إدعاء. كل تعليم من شأنه تشويه الوحدة الثالوثية والتناغم الثالوثي هو تعليم كاذب. والتعليم القائل بأن هناك إمكانية للخلاص بدون معرفة وإيمان واعيين بالمسيح هو تعليم كاذب يفشل في اجتياز إختبار عقيدة الثالوث بسبب الإفتراضات المسبقة الخفية التي يحملها. إذًا، فالإدعاء بأن هناك مؤمنون حقيقيون بالله لم يسمعوا عن المسيح ولم يؤمنوا به، لهو طعن في الاهمية البالغة للطبيعة الثالوثية لله. 

خامسًا، أن تقول أن الله الحي الحقيقي موجود في الديانات الأخرى، هو أن تفترض أن عقيدة الثالوث غير جوهرية في الله (افتراض يفصل بين الثيولوجي بروبر والسوتيريولوجي) 

دافعت كل من المجامع المسكونية، والكنيسة التاريخية على مر العصور، عن الثالوث الأقدس، ورأت أن عقيدة الثالوث، التي تميز إله الكتاب المقدس، عن باقي الآلهة حق جوهري لا يمكن التنازل عنه. إن عقيدة الثالوث هي صلب التعليم الكتابي والمسيحية. لهذا يقول اللاهوتي كيفين دي-يونج: 

"إذا كانت هناك عقيدة تجعل المسيحية مسيحية، فمن المؤكد أنها عقيدة الثالوث. إن قوانين الإيمان المسكونية الثلاثة الكبرى - قانون إيمان الرسل، وقانون إيمان نيقية، وقانون الإيمان الأثناسيوسي - كلها مبنية حول إعترافنا: ثالوث في إله واحد، وهو ما يكمن وراء الأهمية الأساسية للاهوت الثالوثي". (DeYoung, The Doctrine of the Trinity: No Christianity Without It) 
يكتب أيضًا اللاهوتيان ماثيو باريت ومايكل هايكن عن الأهمية البالغة لعقيدة الثالوث بالنسبة للمسيحية لدى العملاق جون أوين: 

"الله ثالوث وإلا فهو ليس الله على الإطلاق .. إذا استغنينا، بقصد أو بغير قصد، عن عقيدة الثالوث، فلا يمكننا حينها، بأي معنى مسيحي، معرفة الله. أو كما يقول أوين: عقيدة الثالوث هي أساس كل شركتنا مع الله، والإتكال المُعَزِّي عليه. بعبارة أخرى، يرسم أوين خطاً مباشراً من الثالوث إلى الحياة المسيحية، خط لا يمكن كسره. أن تعرف الله، وأنت تكون في شركة معه، وأن تتصل به، هو أن تتحدث مع الأقانيم الثلاثة لذات الله بترتيبهم وأدوارهم الصحيحة". (Barrett & Haykin, Why the Doctrine of the Trinity Is Crucial for the Christian Life) 
المفارقة الرهيبة هي أنه بينما رأى كل من المجامع المسكونية والمسيحية التاريخية وعمالقة اللاهوت أن عقيدة الثالوث هي جوهر الحق الكتابي والمسيحية، ومن ثم فهي التي تميز الإله الكتابي عن باقي الآلهة، حتى أن الإله غير مثلث الأقانيم ليس إله، في نفس الوقت يرى بعض الوعاظ والمعلمون المعاصرين أن الله الحي الحقيقي موجود في الأديان الأخرى التي لا تعلم بإله مثلث الأقانيم. 

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن أن يوجد الخلاص لدى الطوائف المنحرفة منكرة الثالوث مثل شهود يهوه أو المورمون أو بدعة يسوع وحدة؟ الإحابة الصحيحة لابد أن تكون "لا". وعليه، فلماذا نصدق بعض المعلمين الكذبة الذين ينادون بوجود خلاص في الأديان الأخرى التي لا تنادي بثالوث؟ لقد فهمت الكنيسسة الأولى أن إنكار الثالوث معناه إنكار للتجسد ومن ثم الخلاص، لهذا دافعت الكنيسة التاريخية بكل قوتها عن تعليم الثالوث. إنكار الثالوث هو إنكار ألوهية الابن الذي تمم الفداء بتجسده وموته وقيامته. رأينا علاقه الترابط القوي الذي أبرزه جريجوريوس النازيانزي: "ما لم يأخذه [في التجسد] لم يشفه". أي أن اللاهوت اتخذ طبيعة بشرية واتحد بها لكي يشفها. إذًا، حيث لا يوجد ثالوث لا يوجد تجسد ولا يوجد خلاص. 

إن كان الثالوث حق جوهري في المسيحية (وهو كذلك فعلاً)، إذًا فالديانة التي لا يوجد بها إله واحد الجوهر وفي نفس الوقت مثلث الأقانيم هي ديانة باطلة وليس بها حق. هي ديانة إلهها وثن شيطاني وليس الله الحي الحقيقي المخلص الوحيد (كما سنرى). 

إن كان آباء الكنيسة التاريخية رأوا أن هذا حق جوهري في المسيحية، وإن كان كتابنا المقدس يعلمنا بأن تعليم الثالوث حقًا جوهريًا، فلا يحق لنا أن نقول أن الله الحقيقي موجود في الديانات الأخرى، ولا يحق لنا أن نقول أن أي شخص يؤمن بغير إله الكتاب المقدس الثالوثي يمكن أن يخلص. وعليه، فأن تقول أن هناك من يؤمنون بالله الحي الحقيقي في الديانات الأخرى، هو أن تفترض أن عقيدة الثالوث غير جوهرية في الله. وهو أن تقول أيضًا أن آلهة الدينات الأخرى، رغم عدم كون أي منها مثلث الأقانيم هي آلهة بالحق. إن هذا سوء فهم خطيرة لجوهرية عقيدة الثالوث في طبيعة الله. إنه افتراض مسبق خاطيء يفصل بين طبيعة الله والخلاص. 

سادسًا، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض تطابق، أو على الأقل، تشابه، أو وجود أرضية مشتركة، بين إله الكتاب المقدس وآلهة الأديان الأخرى (إفتراض آخر يفصل بين الثيولوجي بروبر والسوتيريولوجي) 

ليس فقط أن الأديان الكبرى مختلفة فيما بينها من حيث مفهوم الخطية والخلاص (كما سنرى)، بل حول طبيعة الله نفسه. وما نريد التأكيد عليه هنا أن الكتاب المقدس ينفي مجرد فكرة وجود تشابه، حتى ولو من بعيد، بين إله الكتاب المقدس وباقي الآلهة، وإن وُجِدَ تشابه في الأسماء. ما أكثر المرات التي ذكر فيها الوحي أنه لا يمكن مشابهة الرب مع أي إله آخر. ثلاث مرات يقول إشعياء ما معناه "فبمن تشبهونني فأساويه؟ يقول القدوس" (إش 40 : 18 ، 25 ، 46 : 5). وإن كان إشعياء يتحدى أن يكون هناك إله يضاهي الرب في قداسته، فإن ميخا يتحدى أن يكون هناك إله رحيم ورؤوف مثله "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه، لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة" (مي 7 : 18). إرميا بدوره يقول أنه لا يوجد إله يشبه الرب في قوته "لا مثل لك يا رب. عظيم أنت وعظيم اسمك في الجبروت" (إر 10 : 6). أنظر أيضًا خر 8 : 10 ، 9 : 14 ، 15 : 11 ، تث 33 : 26 ، 1 صم 2 : 2 ، مز 86 : 8 – 10 ، 89 : 6 ، 8 ، 113 : 5. 

فضلاً عن أنه لا يوجد إله آخر مثل الرب في قداسته ورحمته وقدرته وبره، فإن إله الكتاب المقدس يختلف عن باقي الآلهة في كونه شخصي، واحد في جوهره، مثلث الأقانيم. لا يوجد إله في أي دين آخر يجمع بين هذه السمات (يجتمع في شخصه الواحدنية والكثرة). على الرغم أن الله في الإسلام واحد وشخصي، إلا أن وحدانيته مطلقة وليست وحدانية جامعة. آلهة الديانات الشرقية مثل البوذية والهندوسية رغم أنها تجمع بين الوحدة والكثرة إلا أنها ليست شخصية، بل واحدية، أي الإله واحد مع خليقته Pantheism ، أو أن الخليقة في الإله كشيء واحد Panentheism . لا إنفصال أو تمييز بين الخالق والمخلوق. 

لهذا يقول الرب يسوع المسيح أنه لا يوجد إلا إله واحد حقيقي هو الآب مع ابنه "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 17 : 3). بناء على كلام الرب يسوع أي إله آخر سوى الإله الحقيقي هو وثن. وهذا ما يقول الكتاب المقدس صراحة في عهديه. 

يعلمنا الكتاب المقدس بوجود إرتباط بين الأوثان والشياطين. نقرأ في سفر التثنية عن يشورون (أي إسرائيل): "أغاروه بالأجانب، وأغاظوه بالأرجاس. ذبحوا لأوثان ليست الله" (تث 32 : 16 - 17). في بعض الترجمات الإنجليزية مثل ESV و NET الجزء الأول في عدد 17 تُرجم كالآتي "ذبحوا لشياطين". في هذا النص أسلوب أدبي يسمى التوازي الترادفي، وهو تكرار المعنى باستخدام مرادفات مختلفة. المرادفات هنا هي "آلهة غريبة" و"شياطين ليست آلهة". إن المعنى هنا هو أن آلهة الأديان الأخرى هي شياطين. في سفر اللاويين يوصي الرب شعبه "ولا يذبحوا بعد ذبائحهم للتيوس التي هم يزنون ورائها" (لا 17 : 7). وردت أيضًا كلمة "تيوس" في بعض الترجمات الإنجليزية (مثل الترجمتين المشار إليهما سابقًا) كالآتي: "ولا يذبحوا بعد ذبائحهم لتيوس الشياطين". يؤكد بولس أيضًا الإرتباط بين الآلهة الوثنية وبين الشياطين "بل إن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين، لا لله. فلست أريد أن تكونوا أنتم شركاء الشياطين" (1 كو 10 : 20). 

بل إن الصورة تزداد ظلامًا أكثر من ذلك. يقول الكتاب المقدس أن الإنسان الطبيعي، وإن كان متدينًا مثل اليهودي، في حقيقة أمره "من أب هو إبليس" (يو 8 : 44)، وأن آلهة الديانات الأخرى هي "شياطين" وليست مجرد أوثان (1 كو 10 : 20 – 21، رؤ 9 : 20)، وأن أي تعليم سوى التعليم الكتابي هو "تعاليم شياطين" (1 تي 4 : 1). إذًا، فأتباع الديانات الأخرى في حقيقة أمرهم يتبعون الشياطين ولا يمكن أن يخلصوا دون أن يؤمنوا بالإله الكتابي الحي الحقيقي إيمانًا واعيًا. 

رأينا كيف يفترض سي إس لويس وجود تشابهات بين المسيحية والبوذية، إلا أن الرب نفسه في نصوص كثيرة، نفى وجود هذه الإمكانية بصورة مطلقة. وعليه فإن وجد تشابه فهو تشابه سطحي، وعند التمحيص والتعمق فيه لابد أن يظهر الفرق الجوهري بين إله الكتاب المقدس وآلهة الأديان الأخرى. فأن تقول إذًا أن هناك من سيخلصون في الأديان الأخرى، هو أن تفترض مسبقًا أن هناك تشابه أو أرضية مشتركة بين إله الكتاب المقدس وآلهة تلك الأديان الوثنية التي يعلم الكتاب المقدس أنها في حقيقتها شياطين وليست آلهة. أن تقول أنه يمكن أن يكون هناك معرفة بالله أو إيمان به أو خلاص خارج المسيحية، هو أن تقول أن من يعبدون الشياطين سيخلصون! 

سابعًا، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض أن الإعلان العام يخلص (افتراضات مسبقة غير كتابية حول الثيولوجي بروبر والأنثروبولجي) 

لا يوجد إيمان حقيقي بالله مؤسس على الإعلان العام فقط. الخليقة تخبرنا عن حكمة الله وقوته لكنها لا تخبرنا بشئ عن خلاصه. في الحقيقة إن الخليقة لا تعلن الله كالمخلص بل كالديان. الخليقة تعلن دينونة الله على الإنسان من خلال أشياء مثل الألم، والحروب، والشر، والموت. الخليقة تخبرنا عن الخطية ودينونة الموت، لكن لا تخبرنا عن التبرير والحياة اللذان في المسيح. الخليقة، من خلال الألم والموت، تصرخ بأعلى صوتها أن هناك خلل جوهري فيها، وفي علاقة الإنسان بها. صحيح أنها تعلن أيضًا عناية الله وحفظه لخليقته، لكنها لا تخبرنا عن طريق الخلاص ولا عن المُخَلِّص. 

إن أقصى ما يمكن أن تعمله الخليقة (الإعلان العام) فيما يتعلق بالخلاص، هو أن ما تعلنه عن الله قد يُعِدُّ الإنسان للخلاص، لكن يظل الإعلان العام الطبيعي قاصر عن تخليصه. يقول كل من جويل بيكي ومارك جونز في رد البيورتيان على تعليم السوسينيون (هراطقة أنكروا الثالوث وألوهية المسيح والكفارة العقابية) بأن الوثنيون الذين لم يسمعوا عن المسيح سيخلصوا بدونه: 

على سبيل المثال، جادل السوسينيون بأن الله لا يمكن أن يطلب من البشر إلا ما يعطيه؛ إذا لم يُعْطَىَ المسيح لهم، فيمكن أن يُخلص الوثنيون بدون المسيح. رداً على ذلك، أكد البيوريتانيون ذوي القناعات اللاهوتية المُصْلَحَة بقوة أن اللاهوت الطبيعي لا يمكن أن يخلص ولكن قد يُعِدُّ أحدهم أو إحداهن للنعمة. يشير ماثيو باركر (1619-1698) إلى أن الإنجيل يدعو البشر إلى الإيمان بالمسيح، وأن الإحساس بوجود الله في قلوب البشر قد "يثير ويؤثر على البشر" للإيمان. (بيكي وجونز، لاهوت البيوريتان، 2012) 

في قلب الإدعاء بأن هناك من سيخلصون من الأديان الأخرى، بدون الإيمان بالمسيح وقبوله قبولاً واعيًا، هو أن الله يتكلم من خلال تلك الأديان. نحن لا ننكر أن الأديان قد يكون بها شئ من الحقيقية كنعمة عامة. لكن الأديان جميعها مؤسسة على فكر إنساني يعاني من التأثيرات الفكرية للخطية الأصلية Noetic effects . أي أنها نابعة من فكر ملوث بالفساد الجذري. بل ولا نستبعد أن تكون تلك الديانات بوحي من الشيطان (رأينا بالفعل العلاقة بين الآلهة الوثنية والشياطين). كما سمعنا أن الملائكة أوحت للبعض بنصوص ما أو بألواح ذهبية عليها نصوص مقدسة. وهذه استراتيجية الشيطان منذ جنة عدن، أن يأخذ جزء من الحق ويقيم عيله ديانة مضادة للحق الإلهي. على سبيل المثال، لا توجد ديانة واحدة (سوى المسيحية) تنادي بالخطية الأصلية، وبقداسة الله المطلقة، وبالنعمة المجانية. كل ديانات العالم تفترض صلاح الإنسان، وقدرته على الصلاح بدون نعمة إلهية. 

طبعًا نحن لا نساوي هنا بين الأديان وبين الإعلان العام. لكن لا شك أن الأمران متداخلان. فالأديان البشرية بمختلف صورها، تختلط فيها الحكمة الإنسانية العامة بالأفكار الشيطانية. أما في الأجزاء الشيطانية في تلك الديانات فهي بكل تأكيد لا تنتمي للإعلان العام الذي يعلن الله عن شخصه من خلاله. 

فضلاً عن ذلك، فموقف الإنسان من إعلان الله العام، كما يعلمنا بولس في رومية 1 هو موقف الرفض والمقاومة وليس القبول. يقول بولس في ذلك الإصحاح العظيم، أن الله يعلن عن وجوده للإنسان من خلال المصنوعات "مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته" (رو 1 : 20)، ويعلن عن الأخلاقيات الجنسية القويمة التي ينبغي أن يلتزم بها البشر (بين الذكر والأنثى فقط) من خلال البنية التشريحة الواضحة جدًا لكل من الرجل والمرأة. إلا أن البشر اشتعلوا بشهوتهم فاعلن الفحشاء ذكور بذكور، وأناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة (رو 1 : 26 – 27). لهذا يقول بولس أنه نتيجة رفض البشر إعلان الله عن وجوده والأخلاقيات القويمة التي يتطلبها من خلال إعلانه العام، فإن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم. فهم "يحجزون (يقمعون) الحق بالإثم" (رو 1 : 18)، و"استبدلوا حق الله بالكذب" (رو 1 : 25)، و"لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم" (رو 1 : 28). هذا ما فعله الإنسان تجاه الله في إعلانه العام: قمعه، واستبدل الحق بالكذب، ولم يبقي الله في معرفته. 

كما رأينا، فإن الإعلان العام لا يخلص أولاً بسبب كونه محدود بطبيعته، وثانيًا بسبب التأثيرات الفكرية للخطية الأصلية. وبناء على ذلك، أن تقول أن هناك من سيخلصون في الأديان الأخرى، هو أن تقول أن الإعلان العام يمكن أن يخلص أو أنه يكفي للخلاص، وأن تقول أن الله يتكلم بالتساوي من خلال الإعلان العام بنفس القدر الذي يتكلم به في الإعلان الخاص، وأن تقول أنه ليس للخطية الأصلية تأثيرات فكرية تعوقه عن معرفة وقبول الله من خلال الإعلان العام. وهذه كلها افتراضات مسبقة خاطئة. 

ثامنًا، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض أن الإنسان يبحث عن الله ويريده (افتراض مسبق خاطيء حول الأنثروبولجي) 

لكن هذا الافتراض هو ضد ما يعلمه الكتاب عن موقف الإنسان من الله. الإنسان رفض كل من الإعلان العام في الطبيعة، والإعلان الخاص في الصليب والكتاب المقدس. كَتَبْتُ مقالاً خاصًا "الله والإنسان .. من الذي يبحث عن من" لدحض هذا الإفتراض. لكن يمكن أن أشير باختصار إلى بعض ما ورد به هنا. 

لقد رفض الإنسان إعلان الله عن نفسه في الطبيعة كما يقول بولس "الذين يحجزون [يقمعون] الحق بالإثم .. لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله .. وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفعنى والطيور والدواب والزحافات .. الذين استبدلوا حق الله بالكذب، واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق" (رو 1 : 18 – 25). في هذه الكلمات يوضح بولس أنه بالرغم من وضوح حق الله عن نفسه في الخليقة (أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العلم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته)، إلا أن التعنت الإنساني في قمع حق الله، واستبدال حقه بالكذب، واضح في رفض شخص الله نفسه، الأمر الذي يعبتره بولس جحودًا (لم يشكروه). 

فضلاً عن ذلك، لم يرفض الإنسان فقط إعلان الله العام عن نفسه في الطبيعة، بل صلب إعلان الله الخاص والمتجسد. عندما وُلد الرب يسوع المسيح تنبأ عنه سمعان الشيخ أنه به "تعلن أفكار من قلوب كثيرة". لقد أعلن الرب يسوع المسيح قلب الله الملئ بالمحبة والقداسة في تجسده وحياته وصلبه وموته. وأعلن لنا أيضًا قلب الإنسان الملئ بالرفض والجحود وكراهية الله. الصليب فضح التدين الإنساني الباطل وعراه كاشفًا خزيه. وكأن التدين لم يكن سوى للتستر على النجاسات الداخلية، فهم قبور مبيضة من الخارج ولكن مملوءة كل نجاسة وعظام من الداخل. لم يكن اليهودي فقط هو المتدين. الرومانيون أيضًا كان لهم آلهتهم الكثيرة وطقوسهم وهياكلهم. إن الإنسان يمكن أن يتخذ الديانة المعلنة من الله (اليهودية)، عندما يعتنقها فقط في ظاهرها، ويتخذ الديانة الوثنية التي من اختراعه، ليخفي وراءهما رفضه لله. التدين، إذًا، لا يعني أن الإنسان يبحث عن الله، بل هو طريقته في أن يحتفظ بمنافع العلاقة مع الله، كالسعادة والسلام والراحة من الشعور بالذنب والشبع الشخصي وغير ذلك من الخيرات، دون العلاقة نفهسا. التدين هو أن يقول الإنسان لله أنه لا يريده لكن يريد خيراته. 

أن تقول أن هناك من سيخلصون في الأديان الأخرى، دون أن يؤمنوا بالمسيح، هو أن تفترض أن هناك من يبحث عن الله في مختلف الأديان، أو أن الأديان في حد ذاتها محاولة للوصول إلى الله، في حين أنها محاولة للهروب منه، والتستر على الشرور الداخلية بتبييضها خارجيًا بالطقوس الدينية. 

تاسعًا، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض بأن أعمال المتدينون صالحة حقًا وأن الله يقبلهم على هذا الأساس (افتراض مسبق خاطيء حول الأنثروبولجي) 

إن هذا الإدعاء يفترض أن توبة البشر أو بحثهم عن الله أو اجتهادهم الديني أو أعمالهم الخيرية (كما يزعمون) بمثابة أعمالاً صالحة. لكن ولا حتى التوبة أو الاجتهاد أو الأعمال الصالحة الصادرة من قلب غير مجدد مقبولة أمام الله، لأنها لم تزل بعد ملوثة بالفساد الجذري. إن عقيدة الفساد الجذري، طبقًا للتعليم المصلح، تعنى أن جوهر الإنسان فسد وتلوث بالخطية. مثل كوب الماء الذي اختلط به السم. لا يوجد شئ في الإنسان لم تطله تأثيرات السقوط. الروح والجسد والإرادة والعقل والشعور والضمير. لهذا فالأعمال التي تبدو صالحة هي في حقيقتها نابعة من كيان إنساني يرزح بأكمله تحت تأثيرات الفساد الجذري. 

يقول بولس في رسالته إلى تيطس "كل شئ طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرًا، بل قد تنجسن ذهنهم أيضًا وضميرهم. يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه، إذ هم رجسون غير طائعين، ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون" (تي 1 : 15 – 16). إن بولس يؤكد أن من هو نجس (غير المؤمن) فهو نجس كله، ذهنه وضميره وأعماله، لهذا فأعماله التي تبدو صالحة هي في حقيقتها نجسة، وعليه، فهي مرفوضة بدورها. 

لم يكن أقل من إشعياء النبي، الذي رأى الملائكة تصرخ "قدوس قدوس قدوس"، هو نفسه الذي قال "وقد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عدة كل أعمال برنا " (إش 64 : 6)، أي أن أعمال اليهود المتدينون ظاهريًا فقط، دون الديانة الحقيقية المؤسسة على الوعد بالمسيا وخلاصه، هي ثوب قذر ملطخ بالدماء، في أفضل حالاتها. لاحظ أنه يتكلم عن "أعمال برنا"، أي أنها أعمال من المفترض أنها أفخر ما يمكن أن يقدمه اليهودي المتدين. بالإتساق مع ذلك يعلم رسول الأمم بولس "بل إني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح" (في 3 : 8). اللفظ اليوناني الذي استعمله بولس المترجم نفاية (سكوبالون) يترجم حرفيًا "روث بهائم" أو "فضلات". هكذا رأى بولس حقيقة أعماله تدينه وصلاحه في نور قداسة الله. 

لهذا يقول بولس بكل جرأة "ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (رو 3 : 12). والأعمال التي تبدو صالحة ليست سوى "فضيلة مدنية" كما أسماها المصلحون. بل إننا لا يمكن حتى أن نعتبر الأعمال الصالحة التي تصدر من الإنسان المجدد والذي عرف المسيح صالحة بصورة مطلقة. إلا أنها تجد كمالها في شخص المسيح وشفاعته من أجله. الأعمال المفترض أنها صالحة والصادرة من معتنقي الديانات المختلفة هي غير صالحة في حقيقتها لأنها، فضلاً عن كونها صادرة من كيان إنساني لم يتقدس بعد، فهي ليست معمولة في المسيح الذي يقدس ويكمل كل شئ. 

إن الكتاب المقدس يخبرنا أن الأعمال الصالحة هي هكذا فقط في ظاهرها، لأنها عندما تقاس على مقياس قداسة الله (الناموس)، تفشل فشلاً ذريعًا في اجتياز هذا الاختبار. وليس فقط أن الأعمال الصالحة لا تخلص كيفًا، أي غير صالحة من حيث الجودة، بل إنها أيضًا لا تكفي من حيث الكم. كم من الأعمال الصالحة يمكن للإنسان أن يعمله لكي يسترضى عدل الله غير المحدود؟ إن خطية واحدة يفعلها الإنسان تستحق دينونة أبدية لأنها صدرت ضد الله الأبدي. إن كل أعمال الإنسان الصالحة لا تكفي للتكفير عن خطية واحدة فعلها. 

لهذا ففي صميم القول أن هناك من يعرفون الله أو يؤمنون به في الديانات المختلفة، افتراض بأن هناك أعمالاً صالحة حقًا كيفًا أو كمًا، وإغفال تام أنه طبقًا لمقاييس إله الكتاب المقدس لم يستطع شخص واحد في تاريخ البشرية بأكملها (سوى الرب يسوع) أن يحفظ الناموس مطلقًا. 

عاشرًا، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض أن الخلاص بالأعمال الصالحة (افتراضات خاطئة حول الأنثروبولجي والسوتيريولوجي) 

طبقًا للتعليم المصلح، فإن في خلاص المسيح مبادلة مباركة: يأخذ هو عقاب خطايانا على صليبه، ويمنحنا بره المؤسس على طاعته للناموس. إنها نعمة مزدوجة، أن تُمْحَىَ خطايانا، وأن يُحْسَبُ لنا بر آخر غريب عنا. ليس فقط يصير الخاطئ وكأنه لم يقترف إثمًا واحدًا، بل وكأنه أتم الناموس كله بصورة مطلقة. لا يوجد نظير لهذه النعمة في أي من الأديان الأخرى. أي دين من الأديان تجسد الله فيه، ليحمل عنا العقوبة في جسم بشريته، ويحسب لنا طاعته الكاملة للناموس؟ 

إن الخلاص بالنعمة، وليس بالأعمال الصالحة، أو بأعمال الناموس، هو مبدأ لا يوجد في أي عقيدة أو دين آخر سوى المسيحية. وعليه فأن تقول أن هناك من سيخلصوا في مختلف الديانات، دون أن يسمعوا عن المسيح، هو أن تقول أنهم يمكن أن يخلصوا بأعمالهم وجهادهم، لأنهم لم يؤمنوا بنعمة غفران وتبرير المسيح، لكونها غير متوفرة لهم في معتقدهم. 

يدعي أصحاب المذهب الشمولي Inclusivism والقائلون بأن كل مجتهد دينيًا أيًا كان دينه، إن طلب الله بصدق، وتاب، سيخلص في النهاية حتى وإن لم يسمع عن المسيح أو يؤمن به، لأن المسيح سيشمله في النهاية بخلاصه (مثل ما ادعاه المرنم والواعظ المصريان المعروفان). هم يؤكدون على أنه لا يمكن أن يخلص أحد بدون المسيح، ولكن المسيح سيمشل بخلاصه أولئك الذين تابوا وآمنوا بالله رغم أنهم لم يسمعوا عن المسيح أو يؤمنوا به أثناء حياتهم على الأرض. 

لكن هذا غش وعدم أمانة في التعامل مع الحق المسيحي. فضلاً عن كون ذلك، حتى في أبسط حالاته، إنكارًا لألوهية المسيح ومركزيته ولعقيدة الثالوث ووحدة الأقانيم (كما أوضحنا أعلاه)، وفضلاً عن أن الكتاب المقدس لا يدعم الإدعاء بأن هناك فرصة للإيمان بالمسيح بعد الموت، فإن ما لا يقل خطورة عن كل ما سبق، هو كيف يمكن التوفيق بين الأعمال الصالحة لذلك الشخص المجتهد طبقًا لدينه، وبين نعمة المسيح التي سَيُشْمَلُ بها؟ هل سيخلص بأعماله الدينية الصالحة، أم بنعمة المسيح (الذي لم يؤمن به قبل أن يموت)؟ إنها محاولة خطيرة لمزج الناموس بالنعمة يقول عنها بولس "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه" (رو 3 : 20). إن محاولة التبرر بأعمال الناموس، سواء الناموس اليهودي، أو ناموس الضمير الداخلي، لهو إبطال لنعمة الله: "لست أبطل نعمة الله. لأنه إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذا مات بلا سبب" (غل 2 : 21). 

حادي عشر، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض أن الإيمان شئ يساهم به الفرد في الخلاص بينما يعلمنا العهد الجديد أن الإيمان شيء يُمنح لنا من الله، وأنه لا يمكن أن يكون هناك إيمان حقيقي بالله دون أن تكون هناك ولادة جديدة (افتراضات مسبقة غير كتابية حول الأنثروبولجي والسوتيريولوجي والثيولوجي بروبر) 

الإيمان الحقيقي ليس قرارًا يصنعه الإنسان، لكنه نتيجة عمل النعمة السيادي (بسلطان الله) في القلب. يقول بولس "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أف 2 : 8 – 9). كلمة "ذلك" في اليونانية في صيغة المحايد، ولغويًا لا تشير إلى "النعمة" ولا "الإيمان" لأن كلاهما اسمًا مؤنثًا في لغة الأصل. كما أنها لا تشير إلى "مخلصون" لأنها في صيغة جمع المذكر. ما يقصده إذًا بولس بكلمة "ذلك" التي جاءت في صيغة المحايد هو جميع ما سبق. إن "ذلك" تشمل كل شئ: الخلاص والنعمة والإيمان. في نص آخر مماثل يقول بولس نفس الشئ "غير مخوفين بشيء من المقاومين، الأمر الذي هو لهم بينة للهلاك، وأما لكم فللخلاص، وذلك من الله. لأنه قد وُهِبَ لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (في 1 : 28 – 29). إن كلمة "ذلك" أيضًا في صيغة المحايد. ولأنه لا توجد كلمة سابقة لها في السياق يمكن أن تكون "ذلك" إشارة لها، يمكننا إذا القول أنها تعود على الأمرة بأكمله: مقاومة وهلاك المقاومين وكذلك خلاص الفيلبيون. أما عن كون الإيمان مشمولاً أيضًا في تلك الهبة، فهو يتأكد من الآية التالية "وُهِبَ لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط". 

يظن الكثيرون أن الله يقدم لنا الخلاص، ونحن علينا أن نقدم الإيمان. صحيح أنه من من منظور ما أننا نمارس الإيمان في الله ووعده بالخلاص، لكن ليس قبل أن يكون قد أُعْطِيَ لنا كهبة منه. فالإنسان الخاطئ الميت بالذنوب والخطايا، لا يستطيع أن يؤمن. بل يلزمه أن يأخذ هبة الحياة أولاً، والتي تشمل الإيمان، وحينئذٍ فقط يستطيع أن يضع ثقته في عمل المسيح ويؤمن به. لهذا يُعَلِّمُ المنهج المصلح بأن التجديد يسبق الإيمان. من لم يتجدد بعمل الروح القدس المحيي لا يستطيع أن يؤمن لأنه ميت روحيًا. الإنسان الخاطئ لا يستطيع أن يعمل أعمالاً صالحة ترضي الله، ولا يستطيع أن يؤمن به، لأنه ميت، والميت لا إرادة له ولا حياة فيه. إن كون الإيمان عطية الله يقطع الطريق أمام الذين يظنون أنهم يحضرون شيئًا إلى الله يؤهلهم لنوال الخلاص. يصرح جيروم تعليقًا على قول بولس في (أف 2 : 8) وذلك ليست منكم: 

يقول بولس هذا في حالة ما إذا تسللت إلينا فكرة أنه "إذا لم نَخْلُص بأعمالنا، فإننا على الأقل نَخْلُصُ بإيماننا، وبطريقة ما يكون خلاصنا من أنفسنا". ولهذا فقد أَضاف تصريحه بأن الإيمان أيضًا ليس بإرادتنا بل بهبة الله. 

أن تقول إذًا أن هناك من يؤمنون بالله حقًا في الأديان الأخرى، هو أن تفترض أن الإنسان يساهم بالإيمان في الخلاص. وأن فعالية الخلاص متوقفة على إرادة الإنسان وليس على سلطان الله. لكن هذا افتراض مضاد لما تعلمه كلمة الله لنا بكون الإيمان عطية الله لنا. كما أنه لا يُعقل أن يعطي الله عطية الإيمان والولادة الجديدة لشخص دون أن يمنحه معرفة بموضوع الإيمان الذي هو الرب يسوع. الله أعطانا يسوع الذي هو موضوع الإيمان، وأعطانا الإيمان نفسه، وأعطانا الإعلان (الكتاب، التعليم) الذي يعلن لنا كل ما سبق. الله لا يعطي إيمانًا به دون أن يعلن مع ذلك عن موضوع الإيمان! 

ثاني عشر، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض أن الإيمان يمكن أن يوجد بدون العقيدة الصحيحة، وأن الاعتقاد عن المسيح غير هام بصفة خاصة، وأن العقيدة في حد ذاتها غير مطلوبة بصفة عامة (افتراضات خاطئة حول الأنثروبولجي تفصل بين المعرفة العقلية والإختبار) 

مَيَّزَ المصلحون بين ثلاثة عناصر للإيمان. الأول هو محتوي الإيمان: نوتيتسيا (Notitia). فلكي نؤمن لابد أن يكون هناك ما نؤمن به، وهو ما نعرفه "عقليًا" عن الشخص أو الشئ موضوع الإيمان. ومحتوى الإيمان المسيحي وموضوعه هو الرب يسوع المسيح وإنجيله (شخصه وعمله). والعنصر الثاني فيه هو الإقتناع العقلي بصحة المحتوى المعلوماتي: أسينسوس (Assensus). فحتى نؤمن بشئ لا يكفي أن نعرف عنه فقط بل لابد أيضًا من التسليم بمصداقيته وصحته. وأخيرًا هناك أيضًا الإتكال القلبي الشخصي على ما نعرفه ونصدقه عقليًا: فيدوشيا (Fiducia). فمعرفة وتصديق الإيمان المسيحي ليسا كافيين ليكون الإيمان حقيقي، بل لابد أن تقترن المعرفة عن المسيح وتصديق ما ينسبه لنفسه بثقة شخصية قلبية في ذلك. 

إن المسيحي المعترف، والذي يؤمن بالمسيح عقليًا دون أن يكون له علاقة اختبارية حقيقية، يوجد لديه العنصران الأولين من الإيمان فقط (نوتيتسيا، أسينسوس). بينما علينا تصديق أنه في حالة الإدعاء بأن هناك من سيخلصون في الأديان الأخرى أن أولئك لديهم العنصر الأخير (فيدوشيا) أي الثقة والإتكال بدون العنصرين الأولين. طبعًا هذا غير ممكن. فلكي تثق قلبيًا في شئ أو شخص لابد أن تعرف عنه معلومات ما، وأن تصدق أنها صحيحة، ثم تتكل على ثمارها. إن الذين ينادون بأن هناك من سيخلصون في الأديان الأخرى دون أن يؤمنوا بالمسيح، فضلاً عن أنهم يقولون ضمنًا أن الإيمان بالمسيح غير ضروري أو هام، يقولون أن الإيمان يمكن أن يوجد دون أن يكون له محتوى معلوماتي ثابت عن شخص الله. 

إن قول بولس "كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز" (رو 10 : 14) يخبرنا أن بولس لا يرى هناك إمكانية بأن يوجد إيمان دون سماع رسالة الإنجيل (كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟). لهذا يؤكد بولس أيضًا أن "الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رو 10 : 17). أو كما وردت في الترجمات الإنجليزية الحديثة المحافظة: أن الإيمان يأتي بالسمع، والسمع يكون من خلال كلمة الله. 

من المفترض، طبقًا للإدعاء الذي نتناوله هنا، أن أي عقيدة ستوصلك إلى الله طالما كنت مجتهدًا ومُخْلِصًا. لا يهم شكل أو نوع الإله الذي تؤمن به، المهم الإخلاص والجهاد والعمل الصالح. فمثلاً من المفترض أن المسلم أو البوذي أو الهندوسي أو السيخي أو البهائي أو الصابئي، كل واحد من أولئك، طبقًا لإلهه ومعتقده، يمكنه أن يخلص، حتى دون أن يجمع أولئك مفهوم مشترك عن الله أو عن الخطية أو الخلاص. فإله الإسلام واحد وحدانية مطلقة وشخصي، بينما إله الديانات الشرقية لا فرق بينه وبين الخليقة، وإما أن يكون مطابقًا للخليقة، أي أن الخليقة هي الله والله هو الخليقة Pantheism ، أو إما أن تكون الخليقة داخل الإله نفسه Panentheism . كما أن الخلاص في الإسلام هو أن تتبع السيئة بحسنة تمحها. وفي الديانات الشرقية هو أن تتحرر من دورة إعادة الميلاد والموت من خلال التأمل فتصل إلى الموكشا (الخلاص طبقًا للهندوسية) والنيرفانا (الخلاص طبقًا للبوذية). الإسلام يعلم بأن الإنسان يولد على الفطرة، أي محايد لا فساد به. الديانات الشرقية مثل البوذية والهندوسية والكونفشية تقريبًا تنادي بنفس الشيء، أي صلاح الإنسان أو في أسوأ الفروض طبيعته المحايدة. وعقيدة تلك الديانات عن الإنسان في تناقض صريح مع تعليم الخطية الأصلية في المسيحية. 

إن من أشهر الذين ينادون بإمكانية خلاص من هم خارج المسيحية، دون أن يؤمنوا بالمسيح، هو سي إس لويس. يقول سي إس لويس حرفيًا: 

"هناك أناس لا يقبلون العقيدة المسيحية الكاملة عن المسيح ولكننهم منجذبون إليه بقوة لدرجة أنهم خاصته بشكل أعمق بكثير مما يفهمونه هم أنفسهم. هناك أناس في ديانات الأخرى يقودهم تأثير الله السري للتركيز على تلك الأجزاء من دينهم التي تتفق مع المسيحية، وهكذا فهم الذين ينتمون إلى المسيح دون أن يعرفوا ذلك. على سبيل المثال، قد يُقاد البوذي ذو النوايا الحسنة للتركيز أكثر فأكثر على التعليم البوذي حول الرحمة وقد يترك وراءه (على الرغم من أنه قد لا يزال يقول أنه يؤمن به) التعليم البوذي في بعض النقاط الأخرى". Lewis, Mere Christianity, HarperCollins 2009, p.204 

إن ما يقوله لويس هنا في منتهي الخطورة. إنه يتخيل أن هناك من سمعوا عن المسيح ومنجذبون إليه لكنهم لا يقبلون العقيدة المسيحية. أي أنه، طبقًا لمنطق لويس، يمكنك أن ترفض المسيح وفي نفس الوقت تكون منجذبًا له ومؤمنًا به دون أن تدري. أن ترفض الإعتقاد عنه وفي نفس الوقت تكون منجذبًا إليه! تخيل أيضًا كم السخافة والإستخفاف في قوله: "هناك أناس في ديانات الأخرى يقودهم تأثير الله السري للتركيز على تلك الأجزاء من دينهم التي تتفق مع المسيحية، وهكذا فهم الذين ينتمون إلى المسيح دون أن يعرفوا ذلك". إن الله يقود البوذي، الذي سمع عن المسيح وفي نفس الوقت لا يقبل العقيدة المسيحية، لا إلى الإيمان بالمسيح، بل إلى التركيز على ما يتفق في البوذية مع المسيحية! طبعًا هذا هراء محض. فضلًا عن ذلك فإن لويس يفترض أن هناك ما في البوذية يتفق مع المسيحية! وهذا غير صحيح، وإن وجد ذلك الإتفاق لن يكون اتفاقًا جوهريًا. لأنه كما رأينا فإن البوذية تختلف تمامًا عن المسيحية من حيث شخص الله وطبيعة المشكلة الإنسانية والطريق إلى الخلاص ومركزية المسيح في المسيحية! 

السؤال الذي يثور هنا، طالما أن العقيدة غير هامة مطلقًا، هل يمكن أن يخلص الملحد ذو الأخلاق والذي يمارس بعض الطقوس الإلحادية المهذبة مثلاً؟ ما المانع، طالمًا كان مُخْلِصًا ومهذبًا ومؤمنًا بإخلاص بما يؤمن به (لاحظ أن الإلحاد درجات)؟ هل يخلص أصحاب البدع مثل شهود يهوه والمورمون؟ لما لا طبقًا لذلك الإدعاء، ولا سيما أن أصحاب البدع يعرفون شيئًا عن المسيح ومنهم من يوقره كملاك؟ إن كان كذلك فكنيسة القرون الأولى التي حاربت من أجل ألوهية المسيح، الأمر المتوقف عليه الخلاص، كان مسعاها باطلاً! وهكذا، فإنه منحدر خطير، يبدأ بتنحية المسيح من المركز، وستجد الملحدين والمهرطقين ورافضي المسيح والكارهين له يجلسون جنبًا إلى جنب مع الرسل الإثني عشر طبقًا لتلك المزاعم الشمولية الباطلة! 

إن القول أن هناك من سيخلصون من أتباع الديانات الأخرى، دون أن يسمعوا عن أو يؤمنوا بالمسيح يشير إلى وجود إفتراض خفي بأن الإيمان يمكن أن يوجد بمعزل عن العقيدة أو المعرفة العقلية عن المسيح. وهكذا فهم، كما مزقوا الوحدة الثالوثية، يمزقون الآن الوحدة الإنسانية، وذلك من خلال فصلهم بين عقل الإنسان (العقيدة) وقبلبه (اختباره). 

ثالث عشر، أن تقول أن هناك من سيخلصون في الديانات الأخرى هو أن تفترض أن الله لا تهمه قداستهم ونموهم وانضمامهم للشركة مع جسد المسيح (افتراض مسبق حول السوتيريولوجي يفصل بين التبرير والتقديس) 

إن الخلاص المسيحي ليس فقط خلاصًا من الدينونة النهائية (التبرير والغفران)، بل خلاصًا من عبودية الخطية (التجديد والعتق). جانب من جوانب الخلاص من سلطان الخطية هو التقديس في الحاضر. صحيح أننا أُعْتِقْنَا من عبودية الخطية، لكنها لا تزال ساكنة فينا، ونحتاج يوميًا، بل لحظيًا، أن نتقدس حتى يكتمل خلاصنا منها. أن تقول أن هناك من يخلصون خارج المسيحية، هو أن تختزل خلاصهم في الدينونة الأخيرة (على فرض أن ذلك صحيح). طبعًا ليس هدفنا هنا التقليل من شأن هذا الجانب الجوهري من الخلاص، لكن فقط نرغب في إبراز الترابط بين جوانب الخلاص المسيحي الذي يرغب أصحاب ذلك الإدعاء تفكيك وحدته. إنه تمزيق للخلاص في كونه يشمل كل من المركز والحالة. أن تقول أن هناك من يؤمنون بالله في الأديان الأخرى، حتى ولو لم يسمعوا عن المسيح، أو حتى ولو سمعوا ولكنهم رفضوا (كما يقول سي إس لويس)، هو أن تقول أن هناك مؤمن بدون روح الله، وبدون شركة أعضاء الجسد، وبدون كتاب مقدس، وبدون تغذي على شخص المسيح، وبدون ممارسة وسائط النعمة (كالمعمودية وعشاء الرب)، وبدون التأديب الكنسي، وبدون سماع الوعظ الكتابي. كيف يمكن أن يكون هذا مُخَلَّصًا بالحق؟ هل سيقبل الله في ملكوته من لم يتقدسوا بعمل الروح والكلمة وشركة أعضاء الجسد والتغذي على شخص المسيح؟ إن لم يقبل الخطاة المسيح على الأرض لن يقبلوه في السماء، لأنهم لم يصيروا شركاء الطبيعة الإلهية التي تمكنهم من أن يحتملوا حضوره. 

لطالما عَلَّمَ الآباء أنه "لا يوجد خلاص خارج الكنيسة". هذا لا يعني أن الكنيسة تُخَلِّص، ولكن الكنيسة هي واسطة الله في الكرازة (إعلان المسيح) والتقديس أيضًا (من خلال الوعظ والتأديب الكنسي). ولكن هذا الإدعاء يقول عكس ذلك، أن هناك من سيخلصون خارج الكنيسة وهم لم يعرفوا المسيح ولم يسمعوا عنه. ولا يوجد أنسب من كلمات المصلح البروتستانتي العظيم جون كالفن للرد على هذا التعليم غير الكتابي: 

لمن يكون [الله] لهم أب فإن الكنيسة تكن أيضا أم .. حيث أنه لا توجد طريقة أخرى للدخول للحياة ما لم تحمل بنا هذه الأم في رحمها، وتلدنا، وتغذينا على صدرها، وأخيرًا ، ما لم تحافظ علينا تحت رعايتها وارشادها إلى أن نخلع الجسد المائت .. إن ضعفنا لا يسمح لنا بأن نتخرج من مدرستها إلا بعد أن نكون قد صرنا تلاميذها طوال حياتنا. علاوة على ذلك، بعيدًا عن حضنها لا يمكن للمرء أن يأمل في أية مغفرة للخطايا أو أي خلاص. 

وبناء على ذلك، ففي صميم هذا القول إفتراض بأن الله يهمه الخلاص النهائي لأولئك بينما لا يهتم بتقديسهم وشركتهم مع المسيح والكنيسة! 

رابع عشر، أن تقول أن هناك من يعرفون الله حقًا خارج المسيحية هو أن تفترض أن عدم سماع البعض عن الإنجيل يشكل معضلة لله (افتراض خاطيء حول الثيولوجي بروبر) 

طبعًا لا توجد لدى الإله الحكيم أية معضلات. ولكن، هذا الأمر كان سيشكل معضلة حقًا لو كان المعيار الوحيد الذي سيدين الله الناس على أساسه هو موقفهم من الإنجيل. كنا قد أوضحنا في مقال سابق أن الله سيدين الناس على أساس موقفهم من المسيح. أما الذين لم يسمعوا عن الإنجيل، فسيحاسبوا على أساس موقفهم من الإعلان العام، في الطبيعة، وفي الناموس الداخلي (الضمير)، وفي الإحساس بوجود الله داخلهم. لدى الإنسان، خليقة موجودة خارجه لتخبره عن وجود الله وصفاته بصفة عامة، ولديه ضمير في داخله يرشده إلى الخير والشر، وأيضًا إحساس بالأبدية، أو الإحساس بالإلهي كما أسماه كالفن. 

في صميم هذا الإدعاء افتراض بأنه لا ذنب لمن يسمعوا عن الإنجيل، وبالتالي فالله ملزم بخلاص الجادين منهم. يقول سي إس لويس: 

أليس من الظلم أن تقتصر هذه الحياة الجديدة على الأشخاص الذين سمعوا عن المسيح وكانوا قادرين على الإيمان به؟ لكن الحقيقة هي أن الله لم يخبرنا ما هي ترتيباته عن الآخرين. نحن نعلم أنه لا يمكن أن يخلص أي إنسان إلا من خلال المسيح؛ نحن لا نعرف أن أولئك الذين يعرفونه فقط هم الذين يمكن أن يخلصوا من خلاله". Lewis, Mere Christianity, HarperCollins 2009, p.67 

فضلاً عن أن القول بأن هناك من سيخلصون ممن لم يؤمنوا بالمسيح يفترض وكأن الإنسان يبحث عن الله، أو يبحث عن المسيح، ويتحين الفرصة لسماع صوتهما، وكأن الله والمسيح هما المحتجبان دون داعي (وقد أثبتنا خطأ ذلك)، فإن هذا القول يفترض أيضًا أن الله مضطر لإرسال رسالة الإنجيل لكل الناس. وهذا غير صحيح بدوره، فمجرد سماع رسالة الإنجيل في حد ذاته نعمة لا يستحقها الإنسان. ليس فقط لأن الله غير مديون لأحد بشيء، وليس تحت أي التزام البتة، إذ يفعل كل شئ من قبيل إحسانه ومحبته، بل أيضًا لأن الإنسان رفض الله بالفعل في إعلانه العام عن نفسه في الطبيعة والضمير والإحساس الداخلي بوجود الله والأبدية (رومية 1 : 18 - 32)، وصار تحت قصاص من الله. 

خامس عشر، الإدعاء بأن هناك من سيخلصون بدون معرفة وإيمان بالمسيح، وفي نفس الوقت على حساب عمل المسيح، هو إدعاء يفصل بين النظرية والتطبيق (افتراض متناقض ذاتيًا ومفكك) 

إن لدى أصحاب ذلك الإدعاء فصامًا لاهوتيًا بين النظرية والتطبيق. نظريتهم تقول أنه لا خلاص سوى بالمسيح، لكن التطبيق يقول أن هناك من سيخلصون دون معرفة أو قبول أو إيمان واعي بالمسيح. وهو تناقض ذاتي. لأنه ما فائدة أن تقول أنه لن يخلص شخص إلا من خلال المسيح، وفي نفس الوقت تقول أنه لا يحتاج أن يعرف عن المسيح أو يؤمن به أو يقبله عن وعي؟ أن تخلص بدون معرفة عن المسيح وإيمان واعٍ به، هو أن تخلص بواسطة معرفة شخص آخر غيره. وهكذا فإن هذا الإدعاء، يقول شيء، لكن يناقضه على أرض الواقع. يؤكد على مبدأ لا خلاص إلا بالمسيح، لكن لا يعامل المسيح بهذه الطريقة. يقول أن المسيح هو المخلص الحصري، لكن يدعي أن الطرق كثيرة. يقول لك أنه لا يوجد إلا مسيح واحد، وفي نفس الوقت يدعي أن الإيمان حتى بأضداد المسيح يمكن أن يخلص، ذلك لأن كل شخص آخر سوى يسوع المسيح، هو مسيحًا كاذبًا، وضد للمسيح. أي شخص يدعي لنفسه النبوة أو الإرسالية من الله هو ضد للمسيح، لأنه وإن كان لا يهاجم الرب يسوع المسيح صراحة، إلا أنه يأخذ مكانه ويستبدله، وبهذا فهو يهاجمه ويضاده ضمنًا. إن كان هناك راعٍ واحد صالح، فالباقون إذًا ذئاب. وإن كان هناك معلمون كذبة داخل المسيحية لأنهم يشوهون الإنجيل، فبالأولى أن نطلق ذلك عمن هم خارج المسيحية. 

خاتمة 

إن الإدعاء بأن التائبون المؤمنون بالله في الأديان الأخرى، سيخلصون بدون إيمان أو معرفة عن المسيح، وفي نفس الوقت على حساب عمل المسيح، فضلاً عن كونه مُحَمَّل بالإفتراضات المسبقة الخاطئة لاهوتيًا، فهو يمزق أواصر الإيمان المسيحي، ويفصل الترابط الذي فيه. بل إنه يمتد ليفصل بين أقانيم الثالوث أنفسهم (من خلال الفصل بين عمل الأقانيم الواحد). ويفصل بين الله وطبيعته الثالوثية (من خلال تهميش الطبيعة الثالوثية لله). ويفصل بين ألوهية وبشرية الرب يسوع (من خلال القول أن الله يخلص بدون الإيمان به). ويفصل بين المسيح وعمله (من خلال القول بأن ثمار خلاص المسيح ستطبق على من لم يؤمنوا به). ويفصل بين التبرير والتقديس (إن كان الله يخلص الذين هم خارج الكنيسة ومن لم تتح لهم وسائط النعمة للتقديس). وأخيرًا يفصل العقل عن القلب والمعرفة العقيدية الصحيحة عن الإختبار (من خلال القول أنه يمكن أن يكون لك إختبار بدون عقيدة صحيحة). 

فضلًا عن ذلك، فإن هذا الإدعاء يمس جوانب خطيرة أخرى من الحق المسيحي تتعلق أيضًا بطبيعة الإنسان الفاسدة جذريًا، في كونه لا يبحث عن الله بل يهرب منه، ومحدودية الإعلان العام في كونه يعلن الله كالخالق والديان وليس كالمخلص. وبما أن هذا الإدعاء يفترض أمور خاطئة حول أشياء جوهرية في الحق المسيحي تمس طبيعة الله وشخص المسيح والإنسان والخطية والتبرير والتقديس، فعلينا أن نرفضه ككذبة شيطانية، بل كهرطقة متعددة الجوانب، غرضها النيل من أغلى ما يمتلكه المسيحي. 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس