الرد على مقالة القس رفعت فكري في جريدة الدستور "الأصوليون الأحاديون"

والعنوان الذي وضعته لردي عليه هو: "الليبراليون ذوي الرأيين"

 

أرسل لي القس الليبرالي، باعترافه وافتخاره (على السوشيال ميديا)، رفعت فكري، رابطًا لمقاله، بسبب وصفي إياه (أيضًا على السوشيال ميديا) بأنه ليبرالي. وكأنه زنقني في خانة اليك عندما أرسل لي بهذا المقال، أو كأنه جاب الديب من ديله، أو كما خيَّل له أنه سيستطيع إرهابي برسالته الإرهابية (التي كان نصها: ليبرالي وأفتخر عاجبك ولا مش عاجبك) سيفحمني ببعض الكلام الأجوف، الذي جاء خاليًا من أي نص أو حق كتابي أو حتى أي من معلومات وأطروحات صحيحة!

يبدأ القس رفعت مقالته بالقول: "الأصولية، مصطلح يدل على التعصب المتمركز حول الدين والمرتبط بتأويلات خاصة لحقائقه، ويوجد أصوليون متشددون ومتطرفون فى معظم الديانات وغالبًا ما يعمد «الأصوليون» لاستخدام النصوص المقدسة لإضفاء المصداقية على أطروحاتهم، ولتأكيد هويتهم. والأصوليون يتمسكون بالماضى، ويرفضون كل جديد، ويحاربون العلم ويصرون على عدم تكييف عقيدتهم مع ظروف الحياة وكل تطور، ويصنفون الآخر بوصفه مختلفًا عنهم، ولهذا ينتهجون معه سلوكًا إقصائيًا، ولا يقرون بذهنيّة التسامح والحوار ويستعملون بدلًا منهما القوة والعنف الرمزى".

المشكلة يا قس رفعت، أن الحقيقة التي يغفلها الليبراليون هي أنهم متعصبون! متعصبون ضد الحق الكتابي، ومتعصبون لنفايات أشباه العلوم، لا للعلوم الحقيقية، ومتعصبون في رفضهم للمحافظين، ومتعصبون في تفريطهم لكل ما هو غالي وثمين، ومتحمسون للمساومة لدرجة أنهم لا يخجلون من افتخارهم الباطل بليبراليتهم!

القس رفعت يتحدث عن استخدام المحافظون للنصوص المقدسة وكأنه لا يستخدمها ليدعم بها ليبراليته الباطلة. ألا تستخدم نصوص الكتاب في دفاعك عن تعليم رسامة المرأة غير الكتابي لإضفاء المصداقية على هويتك الليبرالية التي اعترفت بها صراحة بل وتفتخر بها؟ ثم أن هذا يثير سؤالاً يا جناب القس، إن كنت تستنكر علينا استخدام النصوص المقدسة لإثبات مواقفنا العقيدية، ماذا تستخدم لإضفاء المصداقية على أطروحاتك؟ العلم الكاذب الإسم، أو بالحري أشباه العلوم؟ أم الفلسفة؟ على ما يبدو أنك تستخدم الفلسفة حيث أن كل ما اقتبسته في مقالتك هو مراد وهبة، ولم تقتبس نص كتابي واحد!

وفي كوننا محافظون نفخر بأننا نتمسك بالماضي، لأنه جذورونا التي لا نستطيع الإنفصال عنها، الأمر الذي تسعى أنت جاهدا لفعله بإقحامك أفكاراً غريبة حديثة مثل الفكر النسوي بدعوتك لرسامة المرأة، وحوار الأديان المسكوني. من لا يتمسك بجذوره التاريخية، مثلك، هم الذين قال عنهم يهوذا "أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفًا مقتلعة".

كمحافظون أيضًا، نرفض الجديد إن كان يتعارض مع كلمة الله، مثل الفكر النسوي الذي تريد إقحامه على الكنيسة. وليس لدينا مانع من الإنتفاع بأي جديد يخدم كلمة الله والحق الكتابي. إننا لدينا منهج في التعامل مع الثقافة، إذ نستعملها بطريقة خدمية ministerial use of culture  ولا نعطيها المكانة الماجيستيرية magisterial use بل نترك ذلك الإمتياز وحده لكلمة الله. أما منهجك الواضح يا قس رفعت فهو ابتلاع كل يقوله نقاد المسيحية عنها، المساومة، خلط ذهب كلمة الله الخالص بنفايات أشباه العلوم والفلسفة، أو بالحري التفريط في كلمة الله!

ولا نحارب العلم، بل أشباه العلوم، ونتمسك بالعلوم الحقيقية المؤسسة على التجربة والمشاهدة، وليس على الأيديولوجيات التي تفترض صلاح الإنسان وعدم وجود الله. قل لنا يا قس رفعت، ما الذي تعرفه عن الفرق بين العلوم التجريبية والعلوم التأريخية والعلوم التطبيقية؟ ما هو الفرق بين العلم الحقيقي وأشباه العلوم؟ ما هي العلموية؟ ما الفرق بين المعادلة الرياضية والحقيقة العلمية والنظرية؟

كما أننا كمحافظون نتمسك بالحق ولا نبعه كما يفعل الليبراليون. ونعرف الفرق بين المساومة، أي التنازل عن الحق، وبين المسايقة contextualization أي وضع إيماننا في السياق المعاصر دون الإخلال به أو التنازل عنه كما هو الحال معكم يا معشر شلايرماخر (أبو اللاهوت الليبرالي).

يواصل القس رفعت كلامه قائلاً: "ويصنفون الآخر بوصفه مختلفًا عنهم، ولهذا ينتهجون معه سلوكًا إقصائيًا، ولا يقرون بذهنيّة التسامح والحوار ويستعملون بدلًا منهما القوة والعنف الرمزى" ... الإقصائيون الحقيقيون هم الليبراليون، لأنهم يقصون الحق، ويقصون المحافظون لتمسكهم بالحق. وبما أنك متساهل هكذا، لماذا لا تتساهل مع المحافظين؟ ثم هل تريدينا أن نكون متسامحون مع الديانات الوثنية التي يصفها الكتاب المقدس بأنها شيطانية، كما تتسامح أنت معها، وكما تقول أنها تعددية أوجد الله؟ إننا نعرف جيدًا الفرق بين حرية الإعتقاد التي نحترمها في كل إنسان، وبين أن نضع إلهنا، الذي هو الإله الحي الحقيقي وحده، على قدم المساواة مع شياطين الديانات الوثنية كما تفعل أنت!

أما عن كلامك بخصوص الأصولية، فهي مصطلح يلذ لليبراليين الزج به في الجدل اللاهوتي في سبيل اظهار أنفسهم على أنهم معتدلون أو مستنيرون أو مفكرون. مع أنكم، كما سبق وأشرت، متعصبون ضد الحق، ولحساب الباطل، تمجدون في نظريات الإنسان المتغيرة، وتسفهون من الوحي الإلهي الراسخ وغير المتغير!

يُعَرِّف القاموس الإنجيلي للاهوت الأصولية بأنها: "حركة نشأت في الولايات المتحدة أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى مباشرة لإعادة تأكيد المسيحية البروتستانتية القويمة والدفاع عنها ضد اللاهوت الليبرالي، والنقد الألماني الأعلى، والداروينية، وغيرها من الأيديولوجيات التي تعتبر ضارة. ومنذ ذلك الحين، تغير تركيز الحركة ومعنى المصطلح ومستخدميه الراغبين في إطلاقه على أنفسهم عدة مرات. لقد مرت الأصولية بأربعة مراحل على الأقل مع الحفاظ على بعض الاستمرارية الأساسية". إذا فَعَلَىَ الرغم من التغيرات التي مرت بها الأصولية،  فقد كانت في بدايتها تستهدف صعود اللاهوت الليبرالي الذي اعترفت صراحة باعتناقك إياه. وحسبما يرى جيه آي بَاكَرْ أيضًا "فلا يوجد أي غموض فيما يعنيه المصطلح [الأصولية] عندما تم صياغته لأول مرة. كان هو اللقب الذي اتخذته مجموعة من الإنجيليين الأمريكيين من جميع الطوائف البروتستانتية، الذين حشدوا أنفسهم للدفاع عن إيمانهم ضد الهجوم الليبرالي بعد الحرب العالمية الأولى". ثم يضيف بَاكَرْ "الاسم نمى استخدامه من عادة الإشارة إلى العقائد الخلاصية الجوهرية والتي رفضتها الليبرالية كالأصوليات". أي أن الحركة في بدايتها كانت للدفاع عن "أصول" (أساسيات، جوهريات) الإيمان المسيحي، ومن هنا جاءت تسمية الأصولية. وإن كان معنى المصطلح ومن يطلقونه على أنفسهم قد تغيرا عدة مرات، وأن الحركة شابتها بعض الشوائب فيما بعد، فهو أمر لا تُسْأَل عنه الحركة والهدف الأولى التاريخي من نشأتها. لهذا فالوصف الذي نطلقه على أنفسنا هو "محافظون"، والوصف الذي نطلقه عليكم يا قس رفعت هو "ليبراليون" و"مساومون" و"موحدون للأديان" و"لاعبو سياسية". 

ثم يضيف القس رفعت "والواقع يقول إنه يوجد فى جميع الأديان من يتوهمون ويزعمون أنهم نواب الله على الأرض وحراس المعبد" ... يا قس رفعت أنت تقف على أكتاف من دافعوا عن العقيدة عبر التاريخ، هذا إن كنت تتبع العقيدة المسيحية القويمة، ولولا هؤلاء، ولولا المصلحون الذين دافعوا عن الحق الكتابي، مَنْ يعلم، لربما وجدناك متشحًا بسواد اللحية والجلباب والعمامة ومتمتمًا ببعض الألحان التي لا تفهم معناها! الغريبة يا قس رفعت، أنه سَرَّكَ أن تكون حارسًا لنيافة وقداسة بابا الفاتيكان بسبب حلقة أذيعت لم يكن بها شئ غير حقيقي، بل كله مسجل بالصوت والصورة، ثم تستنكر على من يدافعون عن الحق غيرتهم المقدسة والوديعة التي أودعت لهم عبر التاريخ!

استنكارك لوجود نواب لله يأتي كمخالفة صريحة لقول بطرس "ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضًا، كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة" (1 كو 4 : 1). أليس كل أسقف هو "وكيل الله" (تي 1 : 7) في الحفاظ على الحق الكتابي والدفاع عن رعيته من ذئاب المعلمين الكذبة التي لا تشفق على الرعية؟

واستهجانك بحراس المعبد أيضًا يأتي كمخالفة صارخة لقول بولس "يا تيموثاوس احفظ الوديعة، معرضًا عن الكلام الباطل الدنس، ومخالفات العلم الكاذب الإسم" (1 تي 6 : 20). العلم الكاذب الإسم الذي تصدقه يا قس رفعت، يحرضنا الرسول بولس على أن نحفظ (نحرس) وديعة الحق في مواجهته. هل سمعت يا قس رفعت عن أكاذيب علمية موثقة مثل أكذوبة إنسان نبراسكا، وأكذوبة إنسان بيلت داون، وأكذوبة اللأركيورابتور، تلك الأكاذيب التطورية التي يصدقها الليبراليون عن عمى، والتي تسعى للنيل من أحداث الخلق في سفر التكوين؟

المفارقة الساخرة التي لا يفطن لها الليبراليون، في كل مرة يتهكمون فيها على المحافظين بوصفهم حماة الإيمان أو حراس العقيدة أو نواب الله، هي  أن الليبراليون أنفسهم، هم حماة للإيمان وحراس للعقيدة ونواب لله. إلا أنهم يحمون الإيمان من نفسه، لأنهم يرون أن هناك أشياء داخل الإيمان (والكتاب) ينبغي التخلص منها، فانطبق عليهم مثل الدبة التي قتلت صاحبها! وهم حراس لعقيدتهم الليبرالية المضادة للحق الكتابي، والإله الوثني الذي خلقوه على صورة خيالهم الفاسد. وهم أيضًا نواب كاذبون لم يرسلهم الله الحي الحقيقي، أو بالحري نواب للإله الذي اختلقوه على صورة فسادهم التعليمي والأدبي!

يقول القس رفعت فكري مجددًا: "وهؤلاء الأشخاص هم فى الأغلب الأعم يتميزون بضيق الأفق لا برحابة الصدر، ويؤمنون بأحادية الرأى لا بتعدده، يتوهمون أنهم اقتنصوا كل الحقيقة المطلقة، ومن ثم يعطون لأنفسهم الحق فى وصم مخالفيهم بالتكفير والهرطقة".

هل المحافظون في نظرك ضيقو الأفق لأنهم يتمسكون بالحق؟ إن كان الحال هكذا، فمن الطبيعي أن تعتبر التعددية واحتضان الأديان الأخرى اتساع أفق بطولي! ومن الطبيعي أن تعتبر الحقيقة غير مطلقة، لأن الأديان الوثنية التي تحتضنها وتتساهل معها هي حقيقة بالنسبة لك! إن التعدديون، الذين يعتنقون ويبتلعون ويحتضنون الأكاذيب، يصفهم يعقوب "رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه" (يع 1 : 8).

يضيف القس الليبرالي قائلا: "ونسى هؤلاء المتعصبون أنه ليس من حق أحد أن يعتبر نفسه وصيًا على فكر أو أخلاق أى أحد، كما أنه ليس من حق أى جماعة أن تتوهم أنها حارسة المعبد أو حامية الإيمان، ومن ثم تُعطى لنفسها الحق فى أن تكفر الآخرين أو تتهمهم بالهرطقة، فليت من يظنون أو يتوهمون أنهم نُواب الله على الأرض، أو حراس المعبد، أو حماة الإيمان، أو أسود وذئاب العقيدة، أن يكفوا عن لعب هذا الدور الذى لن يصنع سوى بطولات كارتونية زائفة، إن الرأى لا يُواجه إلا بالرأى، والحُجة لا تُقارع إلا بالحُجة، والفكر لا يُرد عليه إلا بالفكر، أما أن يُواجه الفكر والرأى بوصم المخالفين بالتكفير أو التخوين أو الهرطقة، فهذا ما لا يمكن قبوله بأى حال من الأحوال، لأن مصطلحات «التكفير» و«الهرطقة» من مخلفات العصور الوسطى البائدة، وقد عفا عليها الزمن".

لماذا تصر يا قس رفعت على وضع المسيحية على قدم المساواة مع الإسلام؟ وأن تساوي بين الأصولية الإسلامية وبين المنهج الإنجيلي المحافظ؟ هل أحللنا دمك أو ممتلكاتك أو هددناك أو قلنا عليك ذمي مثلما يفعل الإسلاميون؟ لماذا تساوي بين وصف أحدهم كهرطوقي، وبين وصف الإسلاميين لي ولك ككافرين؟ عندما نصف تعليم كهرطقة، نحن لا نحلل دم أو ممتلكات صاحبه كما يفعل الإسلاميون، ولا نحرقه على الوتد كما فعلت كنيسة القرون الوسطى بغير حق، مخالفة بذلك تعليم الكتاب المقدس، بل ندين تلك الهرطقات كانحرافات تعليمية.

خذ مثلاً ما يقوله قاموس ويستمينستر للمصطلحات اللاهوتية (دونالد كـ ماكيم) في تعريفه لكلمة هرطقة: "وجهة نظر تم اختيارها بدلاً من التعاليم الرسمية للكنيسة. مثل هذا الرأي يعتبر خاطئاً ويشكل خطورة للإيمان". ليبراليتك التي اعترفت بها يا قس رفعت هي وجهة نظرك التي اخترتها بدلاً من التعاليم الرسمية للكنيسة! ثم أن مصطلح "هرطقة" (آيريسيس) هو مصطلح كتابي في الأساس، وإن كان قد اختلف معناه قليلاً في الإستخدام الكنسي فيما بعد!

يا قس رفعت أنتم الليبراليون، الذين تروجون لأنفسكم على أنكم دعاة التفكير والتنوير، تنصبون أنفسكم أوصياء (لم يدعوكم الرب) على شعب الرب بإقحامكم نفايات الأيديولوجيات العلمانية التي يكذبها العلماء أنفسهم على الحق الكتابي. بدلاً من الإلتزام بالدستور المشيخي، وإعتراف إيمان ويستمينستر الذي هو الوثيقة الرسمية للمشيخيين، الذي أقسمت على الحفاظ عليهما، تفرضون ليبراليتكم على الكنيسة!

أخيرًا يقول القس رفعت فكري ذو الرأيين: "إن الأصوليين هم أحوج ما يكونون إلى التنوير، لأن التنوير يعنى الجرأة فى إعمال العقل، والتنوير على علاقة تناقض حاد مع الأصوليات بسبب رفضها إعمال العقل فى النص الدينى، مما ترتب عليه رفض الأصوليات للحداثة، لأن الحداثة هى ثمرة التنوير، وحيث إن الحداثة معادلة للثورة العلمية والتكنولوجية التى هى ضمير القرن العشرين، فإن الأصوليات فى هذه الحالة يمكن اعتبارها نتوءًا فى مسار الحضارة الإنسانية، لذا يقول وهبة: إذا تناولنا العلمانية على أنها مسألة معرفية تخص مجال العقل قبل أن تخص أى مجال آخر، فوفقًا لنظرية كوبرنيكس القائلة بدوران الأرض حول الشمس، فمن ثمّ لم تعد الأرض مركزًا للكون، وبالتالى لم يَعُد الإنسان مركزًا للكون، وإذا لم يكن الإنسان مركزًا للكون، فمن ثم لا يكون من حقه الزعم بأنه قادر على قنص الحقيقة المُطلقة، لأن هذا القنص ليس ممكنًا إلا إذا كان الإنسان فى مركز الكون، ومعنى ذلك أن العقل الإنسانى ليس فى إمكانه التفكير بالمُطلق وفى المُطلق، إنما فى إمكانه التفكير بالنسبى وفى النسبى، فهل يتعقل الأصوليون؟!"

إننا، كمحافظين، لا نحتاج سوى الكلمة النبوية، والتي نفعل حسنًا إن انتبهنا إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم!

يا قس رفعت، إن الحداثة والتنوير اللذان تتغنى بهما، مؤسسان على فلسفات علمانية مضادة للحق الكتابي! هذا التوأم الشيطاني (التنوير والحداثة) ههو نتاج تزاوج فلسفتي العقلانية (إعلاء صوت العقل فوق صوت الإعلان الكتابي) والتجريبية (كل ما لا يمكن إثباته بالتجربة الحسية – كالأمور الروحية – ينبغي أن يرفض كخرافة). هل هذا جهل من طرفك أم استجهال لنا بحقيقة الحداثة والتنوير يا قس رفعت؟

"الحداثة معادلة للثورة العلمية والتكنولوجية التى هى ضمير القرن العشرين" ... الثورة العلمية والتكنولوجية جاءت كثمار لعمل الكثير من العلماء المسيحيين في عصر النهضة، وليست معادلة للحداثة.

يقول عالم الأنثروبولجي والفيلسوف والكاتب لورين أيسلي Loren Eiseley "أن فلسفة العلم التجريبي .. بدأت استكشافاتها واستغلت طرقها وهي بعد في الإيمان – وليس في المعرفة – بأنها تتعامل مع كون يمكن فهمه عقليًا ويسيطر عليه خالق لا يتصرف بناء على هوى أو نزوة ما ولا يتدخل في القوى التي بدأ تشغيلها هو. ولا شك أن واحدة من المفارقات الغريبة للتاريخ أن العلم الذي لا يوجد بينه وبين الإيمان علاقة إلا القليل من الناحية الحرفية هو مدين في أصوله إلى عمل الإيمان بأن الكون يمكن تفسيره عقليًا ومنطقيًا، وأن العلم لا يزال يستمد وجوده إلى الآن بواسطة ذلك الإفتراض". يقول أيضًا عالم الإجتماع الأمريكي رودني ستارك Rodney Stark "العلم لم يأت كثمر لعمل العلمانيون في الغرب أو حتي الربوبيون، بل جاء كثمر لعمل المؤمنون الأتقياء بإله فعال وواع وخالق".

إن من هو أحوج بالتنوير، هو أنت يا قس رفعت! أحوج بالتنوير الحقيقي الذي يأتي من السراج الحقيقي، كلمة الله، وليس أشباه النور، التي يوعز بها ذاك الذي يستطيع أن يغير نفسه إلى شبه ملاك نور! الفلسفات العلمانية التي تتشدق بها وصفها بولس الرسول "أنظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل [الخداع الفارغ] حسب تقليد الناس، حسب أركان العالم، وليس حسب المسيح" (كو 2 : 8).

حسنًا يا قس رفعت أنت تعتبر الأصوليات فى هذه الحالة نتوءًا فى مسار الحضارة الإنسانية، ونحن نعتبر الليبراليات، التي اعترفت صراحة باعتناقها، نتوءًا في مسار مسيحيتنا القويمة عبر التاريخ! بل نعتبرها غرغرينا ترعى كآكلة! سرطانًا خبيثًا حري به أن يقطع من مسيحيتنا حتى لا يجلب علينا الهلاك ودينونة الله العادلة!

يا جناب القس المعترف ذاتيًا بليبراليتك، أنتم الذين وضعتم الإنسان في مركز الكون عندما رفعتم العقل فوق الإعلان. المحافظون لا ينادون أو يدافعون عن أفكارهم ويضعونها في مركز الكون، بل كلمة الله المعصومة. إننا كمحافظين نسير على المنهج المصلح الذي يعلم بمركزية كلمة الله Word-centered ذلك المنهج الذي تنصلت منه باعترافك الصريح أنك ليبرالي وتفتخر! فهل يتعقل الليبراليون؟

https://www.dostor.org/3011716?fbclid=IwAR3DYIkcKlOgaJMVfmcVSHASmcvhoFD6ULF5VCWV17txCsPVLnvQYg-Tpuc


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس