هل إله العهد القديم غاضب بلا محبة وإله العهد الجديد محب بلا غضب؟


الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون من المسيحيين هو أنهم يميلون للاعتقاد بأن هناك إلهين، إله العهد القديم الغاضب القاسي، وإله العهد الجديد المحب الرحيم. وقد يكون السبب في هذا الاعتقاد الخاطئ هو الصعوبة المصاحبة للنقلة التدبيرية بين العهدين. لكن في رأيي، أن السبب الأكبر يأتي من النقد الشكوكي على المسيحية والكتاب المقدس. لكن يظل أن هذا لا يبرر فكرة أن المسيحي يمكن أن يعتقد أن هناك تناقض بين الله كما هو معلن في العهد القديم عنه كما هو معلن في العهد الجديد. طبعًا قد لا تكون الفكرة في أذهانهم بهذا الوضوح، مثل أن الله تغير في العهد الجديد عما كان عليه في العهد القديم. ومع هذا يظل أنه في جوهر هذه الفكرة، وادعاءات مشابهة لها، أن هناك تناقض بين الله بحسب العهد القديم ويسوع بحسب العهد الجديد. إلا أن، لا العهد القديم يصور يهوه غاضبًا بلا رحمة أو محبة، ولا العهد الجديد يصور يسوع محباً دون غضب أو دينونة. ذلك لأن يهوه هو نفسه يسوع، ولكن من خلال تدابير مختلفة للنعمة. وهذا ما سنسعى لإيضاحه في السطور التالية.

هل يصور العهد القديم يهوه غاضبًا لدرجة أنه بلا محبة أو رحمة؟

لنأخذ أكثر مشاهد العهد القديم قسوة والتي يبدو فيها الله (يهوه) غاضبًا، ونرى إن كانت تخلو من محبة الله أو رحمته. (سأستعمل هنا محبة الله ورحمته كمترادفات)

دينونة الله في طوفان نوح لم تخلو من إظهارات مراحمه

على قدر القتامة الموجودة في الصورة التي يرسمها الكتاب المقدس لأحداث الطوفان، إلا أنها لا تخلو من المراحم الإلهية. ومراحم الله يمكن أن نلاحظها في الآتي:

أولاً: لم يأتي الطوفان، كسائر دينونات الله، بدون إنذارات مسبقة. يقول بطرس الرسول أن نوح كان "ثامنًا كارزًا للبر". كارزًا هنا تعني "نذيرًا". بالإضافة إلى تحذير نوح بالدينونة القادمة، فإن حياته هو وأسرته والذين عاونوه في بناء الفلك طيلة المئة وعشرون عام، كانت بأكملها شهادة وإنذارًا بل ووعظًا عمليًا بما كان سيحل على العالم القديم.

ثانيًا، انتظر الرب مئة وعشرون سنة قبل أن يرسل الطوفان على العالم القديم الذي يصفه بطرس بأنه "عالم الفجار" (2 بط 2 : 5). يقول أيضًا: "إذ عصت قديما، حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح، إذ كان الفلك يُبْنَىَ، الذي فيه خلص قليلون، أي ثماني أنفس بالماء" (1 بط 3 : 20). انتظرت أناة الله قديمًا مئة وعشرون سنة على الأشرار حتى يتوبوا. لدرجة أن الرب قال: "لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد" (تك 6 : 3). تُرْجِمَت هذه الآية في ترجمة كتاب الحياة كالآتي: "فقال الرب: لن يمكث روحي مجاهدًا في الإنسان إلى الأبد. هو بشري زائغ، لذلك لن تطول أيامه أكثر من مئة وعشرين سنة فقط". وفي بعض الترجمات الإنجليزية المحافظة تُرْجِمَتْ "يدين" إلى strive ، أي "يجاهد". لقد صارع روح الله القدوس مع الأشرار في ذلك الوقت لكي يثنيهم عن مساعيهم الشريرة، ولكنهم أصروا على طرقهم الردية، فجلبوا على أنفسهم تلك الدينونة. والكلمة اليونانية (makrothumia) المترجمة "أناة" في قول بطرس وردت أيضًا في قول بولس: "فماذا؟ إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته، احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك" (رو 9 : 22). وتعليقًا على قول بولس يُصَرِّحُ مكارثر: "يستطيع الله أن يهلك الخطاة بالعدل في أول مرة يخطئوا فيها. ولكنه يحتمل بأناة ثورتهم بدلاً من اعطائهم ما تستحقه كل خطية: العقاب الأبدي".

وثالثًا، فقد كان الطوفان، من منظور آخر، خلاص للعالم من شر الأشرار الذي كان فيه. رغم كون الطوفان دينونة على الفجار، إلا أنه كان أيضًا بداية جديدة، فرصة أخرى، للعالم والجنس البشري. لهذا يوصي الله نوح وكأنه يوصي آدم من جديد: "وبارك الله نوحا وبنيه، وقال لهم: اثمروا واكثروا واملأوا الأرض" (تك 9 : 1 ، 7، قارن هذا بـ تك 1 : 28). إن هذا هو السبب الذي جعل بطرس يقول أن مياه الطوفان، كانت واسطة الخلاص من العالم القديم: "الذي فيه خلص قليلون، أي ثماني أنفس بالماء". فإن كان الفلك هو الواسطة التي نجا بها نوح ومن معه من دينونة الله، فإن مياه الطوفان كانت الوسيلة التي خلص بها نوح والعالم أجمع من شر الأشرار في ذلك الوقت. كان الطوفان هو واسطة الله لصد استفحال الشر الإنساني آنذاك.

رابعًا، لم يرسل الله دينونة الطوفان على عالم الفجار، دون أن يكون قد دبر واسطة النجاة منه: الفلك. الله دبر الإثنين: مياه الطوفان للدينونة، والفلك للنجاة منه. إن الرب قاض ديان وعادل، وفي أقسى مشاهد الدينونة لا يكف أن يكون رحيمًا ومحبًا. ولو أراد واحد من الأشرار الذي كانوا موجودين التوبة والنجاة في الفلك، لكان قد وجد متسعًا له على متنه. كان بإمكان الله أن يهلك العالم دون أو يوفر أي واسطة للنجاة. فحتى نوح نفسه "وجد نعمة في عيني الله".

خامسًا: فإن كل من الفلك والطوفان هما رمزين للمخلص الأعظم من الدينونة الأخيرة والعظمى. إن الرب يسوع المسيح هو نوح والفلك، وخلاصه على الصليب هو النجاة من دينونة الله الأبدية (مت 24 : 38). لهذا ففي أحداث الطوفان، إنذار، وسابقة قضائية، وأيضًا بشرى بالخلاص من الدينونة في شخص المسيح المبارك. وهكذا فإن حدث الطوفان الرهيب، لم يخلو من إظهارات مراحم الله وإحساناته رغم كونه دينونة الله على عالم الفجار قديمًا.

غضب الله على سدوم وعمورة لم يمنع إظهارات مراحمه وإحسناناته

حادثة سدوم وعمورة مثال آخر يبدو فيها غضب الله جليًا. وقد يصعب رؤية رحمة الله في وسط هذا المشهد المخيف من الوهلة الأولى. فالعهد الجديد يعلمنا بأن "الرب رَمَّدَ مدينتي سدوم وعمورة" (2 بط 2 : 6)، أي حولهما إلى رماد. ومع هذا، تظل ملامح الرحمة الإلهية موجودة بين طيات هذه الحادثة المرعبة مخبرة إيانا بأن كثيرًا جدًا ما يأتيان غضب الله ودينونته على الأشرار أقل مما يستحقوا. بل وبعد الكثير من الأناة والمراحم تجاههم.

لكي نرى ملامح الرحمة الإلهية في هذا المشهد المخيف، علينا أن نرى أولاً مقدار الانحدار الأخلاقي لساكني سدوم وعمورة، وتمردهم على وصايا الله وترتيباته، بل وعلى جحودهم لإحساناته لهم. يقول الوحي: "وكان أهل سدوم خطاة وأشرار لدى الرب جدًا" (تك 10 : 13). يقول أيضًا: "إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيتهم قد عظمت جدًا" (تك 18 : 20). المقصود بذلك هو صراخ خطاياهم وشرورهم أمام الرب. ليس فقط أن خطاياهم كانت كثيرة، بل كانت جسيمة أيضًا: "وقبلما اضطجعا [الملاكان] أحاط بالبيت رجال المدينة، رجال سدوم، من الحدث إلى الشيخ، كل الشعب من أقصاها. فنادوا لوط وقالوا له: أين الرجلان اللذان دخلا إليك اللية؟ أخرجهما إلينا لنعرفهما [لنعاشرهما جنسيًا]" (تك 19 : 4). يقول يهوذا، حسب ترجمة الكتاب الشريف: "وتذكروا أيضًا سدوم وعمورة والمدن المجاورة لهما. فقد انغمس أهلها بنفس الطريقة في الفسق والشذوذ الجنسي، وما جرى لهم هو إنذار للآخرين عن عقاب النار الأبدية" (يه 7). مدينتين بأكملهما، من الحدث إلى الشيخ، كانتا منغمستين في تلك النجاسات الجنسية، حتى أن سكانهما أرادا معاشرة الملاكين الزائرين للمدينة! وفضلا عما سببوه للرب من حزن، وإهانة لقداسته وسلطانه، ومقاومة لبره، كانت شرورهم عذابًا للوط الذي كان ينظرها ويسمعها يومًا فيومًا (2 بط 2 : 8). صحيح أن لوط ذهب للسكن هناك من تلقاء نفسه، لكن هذا لا ينفي عنهم تلك الخطية أيضًا. ناهيك عن أنه كان على وشك تقديم ابنتيه لأولئك الأشرار، لكن الملاكان منعاه عن إتيان هذا الفعل. والآن، كيف ظهرت مراحم الله لهم، رغم ذلك الفجور كمًا ونوعًا؟

أول كل شئ فإن الرب أراد تخليص سدوم وعمورة من دينونة غضبه عليهما. ونستدل على ذلك من صلاة إبراهيم الشفاعية للمدينتين في (تك 18). لم يكن الرب مضطرا أن يخبر إبراهيم بما هو فاعله. لكن يبدو أنه فعل ذلك خصيصا ليقود إبراهيم في تلك الصلاة الشفاعية التي لم يثابر فيها إلى النهاية. يقول إبراهيم للرب: "أفتهلك البار مع الأثيم؟ عسى أن يكون خمسون بارًا في المدينة .. فقال الرب إن وجدت في سدوم خمسين بارًا في المدينة فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم". واستمر إبراهيم في مفاوضاته التشفعية مع الرب إلى أن وصل إلى أنه ربما يكون هناك عشرة أبرار. ولكن الرب أكد له أنه لن يهلك المدينة إن كان هناك عشرة أبرار. فتوقف إبراهيم عند رقم عشرة. أيًا كان السبب الذي توقف من أجله إبراهيم عند هذا العدد، واضح جدًا أن الرب كان يلتمس سببًا يعفو عن المدينة لأجله. شفاعة إبراهيم، ووجود حفنة قليلة جدًا من الأبرار هناك. أنا لا أؤمن أن مشيئة الله كانت ستتغير من نحو سدوم وعمورة. لكن رغم هذا يظل بالنسبة لي، أنه كان هناك، من منظور ما، مشيئة إلهية لخلاصهم.

ثانيًا، كان الرب قد بارك سدوم بشدة من الناحية المادية. يقول موسى: "فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن، جميعها سقي، قبلما أخرب الرب سدوم وعمورة، كجنة الرب كأرض مصر. حينما تجئ إلى صوغر .. ولوط سكن في مدن الدائرة، ونقل خيامه إلى سدوم" (تك 13 : 10 ، 12). كانت سدوم جزء من مدن الدائرة التي يصفها الوحي بأنها "كجنة الله كأرض مصر". باركهم الرب جدًا رغم شرورهم. بارك أراضيهم ومحاصيلهم وماشيتهم. لكنهم قابلوا الإحسان بالجحود. فطغى صوت صراخ خطاياهم على صوت الإحسان الإلهي من خيرات مادية ونعمة عامة.

ثالثًا، كان عدل الله وغضبه نحو تلك المدينة، مضبوطين ضبطًا شديدًا. يقول الرب يسوع المسيح: "الحق أقول لكم، ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين، حالة أكثر احتمالاَ مما لتلك المدينة" (مت 10 : 15). إن المدينة التي سترفض البشارة التي يحملها رسل الرب، ستنال عقابا أشر مما ناله سدوم وعمورة. والمدينة التي رأت معجزات الرب ولم تتب ستكابد عقابًا أشر من سدوم وعمورة (مت 11 : 23 - 24). وهذا يعني أن الرب يضبط درجات غضبه ودينونته وعقابه للأشرار بما يتناسب مع الشرور التي يرتكبونها، وبما يتناسب أيضًا مع ما نالوه من إظهارات مراحمه. عند الدينونة الأخيرة لسدوم وعمورة، لن يعاقبهم الله بنفس العقاب الذي تستحقه المدن التي رفضته هو ورسله. ما حل بمدينتي سدوم وعمورة، وما ستواجهانه من دينونة مقبلة، محدد بدقة وفق موازين عدل الله التي لا تخطئ.

رابعًا، إن سدوم وعمورة هما مضرب المثل في الشر وغضب الله ودينونته عليه. ورغم غم هذا لا نرى الأشرار يعتبرون أو يرتدعون. يقول يهوذا: "كما أن سدوم وعمورة والمدن التي حولهما، إذ زنت على طريق مثلهما، ومضت وراء جسد آخر، جعلت عبرة مكابدة عقاب نار أبدية" (يه 7). إن النار التي نزلت على سدوم وعمورة هي حقًا دينونة الله وغضبه عليهما. لكن من منظور آخر، إنذار وعبرة "للعتيدين أن يفجروا" (2 بط 2 : 6)، حتى يخافوا غضب الله وسخطه (تث 29 : 23). في الأسفار النبوية يرد ذكر خطايا سدوم وعمورة بكثرة، في مقارنة بخطايا شعب إسرائيل. على سبيل المثال يقول إرميا: "وفي أنبياء أورشليم رأيت ما يُقْشَعَرُّ منه، يفسقون ويسلكون بالكذب، ويشددون أيادي فاعلي الشر، حتى لا يرجعوا الواحد عن شره. صاروا لي كلهم كسدوم، وسكانها كعمورة" (إر 23 : 14). استحق الإسرائيليون نفس عقاب سدوم وعمورة، والرب عاقبهم فعلاً بالسبي وبأشياء أخرى، لكنه أبقى لهم بقية: "لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية، لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة" (إش 1 : 9). لولا نعمة الله ورحمته، لكان قد عاقبهم بنفس عقاب سدوم وعمورة، لكنه أبقى لنفسه بقية. إن كل إنسان شرير، وكل مدينة شريرة، يستحقان عقاب لحظي من الله مثل سدوم وعمورة. لكن السبب في عدم عقاب الشر المستفحل في الأفراد والشعوب والمدن، هو أن يقتادهم لطف الله إلى التوبة. إن سبب من ضمن أسباب وجود الشر بكثرة حولنا، هو أناة الله على الأشرار.

وعليه، فرغم غضب الله وصرامة دينونته على سدوم وعمورة، لم يمنعه هذا من إظهار مراحمه نحو هاتين المدينتين اللتان وصلت شرورهما إلى حد الفجور.

الحروب الكنعانية

ربما أكثر شئ يُهاجم بسببه كل من الكتاب المقدس والمسيحية على حد سواء، هو الحروب الكنعانية. يقول الرب على لسان موسى: "متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها، وطرد شعوبًا كثيرة من أمامك: الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع شعوب أكثر وأعظم منك، ودفعهم الرب إلهك أمامك، فإنك تحرّمهم. ولا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم" (تث 7 : 1 - 2). بسبب هذا فإن النقاد الغربيون، والشرقيون أيضًا حاذون حذوهم في ذلك، يكيلون الاتهامات لإله العهد القديم بأنه سادي، ودموي، وأنه أمر بالإبادة الجماعية لشعب يسكن في أرضه سالمًا، بما في ذلك الأطفال الأبرياء والنساء.

صحيح أن الصورة قاتمة مثل سابقتيها، إلا أنه لا يزال فيها وميضًا من الرحمة والنعمة الإلهيتين. ولكي تكون لنا صورة أكمل وأوضح بمسألة الحروب الكنعانية، نحتاج أن نعرف أولاً الحالة الأدبية التي انحدرت إليها تلك الأمم الكنعانية.

كانت تلك الأمم الشريرة تمارس الزنا، والبهيمية (ممارسة الجنس مع الحيوانات)، والشذوذ الجنسي، وأسوأ الكل قدموا أطفالهم ذبائح للآلهة الوثنية. بعد أن نَهَىَ موسى الشعب عن قائمة من خطايا زنا المحارم، يضيف إليها التحريمات الآتية: "ولا تجعل مع امرأة صاحبك مضجعك لزرع، فتتنجس بها. ولا تعطي من زرعك للإجازة لمولك، لئلا تدنس اسم إلهك. أنا الرب. ولا تضاجع ذكرًا مضاجعة امرأة. إنه رجس. ولا تجعل مع بهيمة مضجعك فتتنجس بها. ولا تقف امرأة أمام بهيمة لنزائها. إنه فاحشة. بكل هذه لا تتنجسوا، لأنه بكل هذه قد تنجس الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامك. فتنجست الأرض. فأجتزي ذنبها منها، فتقذف الأرض سكانها. لكن تحفظون أنتم فرائضي وأحكامي، ولا تعملون شيئا من جميع هذه الرجاسات، لا الوطني ولا الغريب النازل في وسطكم، لأن جميع هذه الرجاسات قد عملها أهل الأرض الذين قبلكم فتنجست الأرض. فلا تقذفكم الأرض بتنجيسكم إياها كما قذفت الشعوب التي قبلكم. بل كل من عمل شيئا من جميع هذه الرجاسات تقطع الأنفس التي تعملها من شعبها. فتحفظون شعائري لكي لا تعملوا شيئا من الرسوم الرجسة التي عُمِلَتْ قبلكم ولا تتنجسوا بها. أنا الرب إلهكم" (لا 18 : 20 - 30).

في هذه القرينة وحدها يتكرر ذكر السبب الذي جعل الرب يطرد أولئك الأشرار مرات كثيرة، ألا وهو النجاسات التي ارتكبوها. ويؤكد الرب أيضًا إنذاره لشعبه أنه في حالة اقترافهم لتلك الرجاسات فإنهم يعرضون أنفسهم لنفس المصير الذي لاقته تلك الأمم الكنعانية الوثنية. فبالرغم أن الرب اختار إسرائيل من منظور ما، إلا أنه من منظور آخر، لا يحابي شعب على حساب شعب. بل يقيس الجميع على موازين عدله وقداسته.

قد تكون الخطايا الجنسية لدى البعض سبب غير كاف لطرد الشعوب الكنعانية من أراضيها. ولكن فضلاً عن أنهم كانوا يقتلون أبنائهم في الذبائح التي يقدمونها لمولك، فإن الخطايا الجنسية لدى الرب نجاسات بدورها أيضَا تستوجب الدينونة. فالرب لا يطيق الإثم الذي قد يبدو للإنسان لذة مشروعة لا تضير أحد. إن مقاييس عدل الله وقداسته أدق وأعظم من مقاييسنا الفاسدة والمحدودة. وعلينا أن نتذكر دائما أن الصلاح يتحدد بناء على ما يفعله ويقوله الله. وليس بقياس الله على أنفسنا.

بالإضافة إلى ذلك، كانت تلك النجاسات الجنسية تُمارس أيضًا كعبادة للآلهة الوثنية. يقول باحث العهد القديم بيرنارد أندرسون: "تضمن التعاون مع قوى الخصوبة في المعابد التجسيد التمثيلي لقصص حب وحروب بعل. إلى جانب الأداء التمثيلي لهذه الأساطير، كانت السمة البارزة للعبادة الكنعانية هي الدعارة المقدسة (انظر تث ٢: ٣ ، ٨). في ممارسة الدعارة في المعبد، يتوحد الرجل مع بعل، والمرأة مع عشتارت. لقد كان يُعْتَقَدُ بأنه من خلال محاكاة الزوجين البشريين لعمل بعل وشريكته، يمكن تجميع الزوجين الإلهيين في اتحاد للخصوبة". [1] 
 
والآن، وبناء على ما يقوله كل من الوحى، والتاريخ، عن شرور أولئك الكنعانيون، كيف يمكن أن نرى مراحم الله في مشهد الدينونة ذلك؟

أولاً: نرى رحمة الله في طول أناته على تلك الشعوب الكنعانية أربعة قرون بأكملها. "فقال لأبرام: اعلم يقينا أن نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم، ويستعبدون لهم. فيذلونهم أربع مئة سنة. ثم الأمة التي يستعبدون لها أنا أدينها، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة. وأما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة. وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا، لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملاً" (تك 15 : 13 - 16). وهذا يعني أن الكنعانيون كانوا يقترفون الذنوب قبل طردهم بأربعة قرون. ولكن ظلت شرورهم تزداد مع الوقت، إلى أن امتلأ مكيال آثامهم لدى الرب. لقد كانت أناة الله عظيمة من نحوهم. فهو لم يصبر عليهم أربعة أشهر، ولا حتى أربعة أعوام، بل أربع مائة سنة. تركهم يخطئون ويتناسلون وينجبون عدة أجيال تخطئ مثلهم، بل وربما أكثر من آبائهم شرًا. يا لطول أناته! ظل يحتمل نجاساتهم الجنسية، وزناهم الروحي والمادي في معابد آلهتهم الوثنية، طيلة أربعة قرون.

ثانيًا: يقول بول كوبان (طبقًا لما لخصه مصدر آخر)، أن الإسرائيليون "لم يصلوا إلي أرض كنعان وكأنه غير معلن عنهم ثم طلبوا من الكنعانيون مغادرة بيوتهم وأرضهم. كلا، فقد سبق ذلك أربعون سنة من الإنذار بينما كانت عناية الله تمد الإسرائيليون بما كانوا يحتاجون إليه معجزيًا في البرية، الأمر الذي بلا شك ذيعت أخباره بواسطة التجار الذين كانوا ينتظمون السفر بين مصر وأشور، وهو بالفعل ما كانت تعلمه جيدًا راحاب أيضًا". [2] بعبارة أخرى، كان للكنعانيين فرصة للتوبة، مثل راحاب، أو على الأقل فرصة للهرب. أما من بقي لمقاومة يهوه وشعبه، فقد كان ذلك مصيره.

ثالثًا: كما رأينا، فلم تكن حرب الإسرائيليون ضد الكنعانيون، وإبادتهم، مجرد احتلال أو صراع على الأرض. ولكنها كانت دينونة من الله على أولئك الأشرار وشرورهم. وكانت إسرائيل هي واسطة الله في انزال تلك الدينونة عليهم. ورغم كون طرد الكنعانيون وقتلهم دينونة من الله عليهم، إلا أنه من ناحية أخرى، كان هذا لحماية إسرائيل من التأثر بالكنعانيين سواء عن طريق المجاورة، أو الزواج منهم. "احفظ واسمع جميع الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خير إلى الأبد، إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك. متى قرض الرب إلهك من أمامك الأمم الذين أنت ذاهب إليهم لترثهم، وورثتهم وسكنت أرضهم، فاحترز من أن تصاد وراءهم من بعد ما بادوا من أمامك، ومن أن تسأل عن آلهتهم قائلا: كيف عبد هؤلاء الأمم آلهتهم، فأنا أيضًا أفعل هكذا؟ لا تعمل هكذا للرب إلهك، لأنهم قد عملوا لآلتهم كل رجس لدى الرب مما يكرهه، إذ أحرقوا حتى بينهم وبناتهم بالنار لآلهتهم" (تث 12 : 28 - 31). يقول الرب على فم موسى أيضًا: "ولا تصاهرهم. بناتك لا تعط لابنه، وبنته لا تأخذ لابنك. لأنه يرد ابنك من ورائي فيعبد آلهة أخرى، فيحمى غضب الرب عليكم ويهلككم سريعًا. ولكن هكذا تفعلون بهم: تهدمون مذابحهم، وتكسرون أنصابهم، وتقطعون سواريهم، وتحرقون تماثيلهم بالنار. لأنك شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبًا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض" (تث 7 : 3 - 6). فليس أن الرب أراد إبادة هؤلاء الشعوب في ذاتهم، بل أراد محو وثنيتهم وشرورهم في المقام الأول. لأنه لم يعد لها مكان في أناته، ولأجل حماية مستقبل شعبه الذي سيأتي منه المسيا، مخلص العالم. وعن هذا يقول رجل الدفاعيات بول كوبان: "لقد كان شغل الله الشاغل هو إبادة الديانة الكنعانية وليس إبادة الكنعانيون أنفسهم. فحفظ إسرائيل أدبيًا ولاهوتيًا بمعزل عن الكنعانيون كان هو غرضه. ومن الجدير بالملاحظة أن اللغة المستعملة هي بخصوص تجريد الكنعانيون أكثر من تدميرهم".

رابعًا: ربما مهما حاولنا أن نجد أي جوانب إيجابية في قتل أطفال الكنعانيون، ستظل الصورة قاتمة. ومع هذا، ولأني أؤمن أن الأطفال الذين يموتون دون سن المسؤولية ينالون الحياة الأبدية، أرى أن موتهم قبل أن يكبروا ويتعلموا ممارسة تلك الرجاسات والعبادة الوثنية، هو رحمة بهم. وإلا لكانوا سيصبحون في نهاية المطاف ذبائح للأوثان.

بناء على ما سبق، رغم أن الله قصد دينونة الكنعانيون، من خلال شعبه إسرائيل، إلا أن غضبه على تلك الأمم الكنعانية، لم يأتي من دون إظهار مراحمه السابقة والكثيرة. ولم تأتي دينونة الله كحدث سلبي محض دون جوانب إيجابية. على العكس، فقد كان ذلك لخير إسرائيل والعالم أجمع، مجيء المخلص، وفي نفس الوقت، بكبح جماح الشر الإنساني في الأمم الكنعانية.

هذه الدينونات الثلاثة، الطوفان وسدوم وعمورة والحروب الكنعانية، باعتبارها أقسى صور الدينونة والغضب الإلهيين في العهد القديم، لم تخلو من إظهارات الكثير من المراحم الإلهية. وهذا من شأنه أن ينفي الصورة المغلوطة عن إله العهد القديم، بأنه غاضب وصارم وقاس، دون أي نوع من أنواع الرحمة. هذا خطأ. وافتراء على الحق الإلهي المعلن في العهد القديم.

تعليم العهد الجديد عن المحبة يجد جذوره في العهد القديم

في إجابة الرب يسوع المسيح على سؤال الناموسي عن الوصية الأولى والعظمى في الناموس: “فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء” (مت 22 : 36 – 40). والقريب كما عرّفه الرب يسوع المسيح من خلال مثل السامري الصالح، يشمل كل إنسان، حتى ما يمكن أن نعتبرهم أعداء من حيث الدين أو القومية. كان السامريون أعداء من حيث الدين والقومية بالنسبة لليهود. لأنهم تزوجوا من الأمم ولم يسجدوا في الهيكل مثل اليهود بل في الجبل. فضلاً عن ذلك، فإن تحريض بولس "فإن جاع عدوك فاطعمه. وان عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه" (رو 12 : 20) هو في الحقيقة اقتباس من العهد القديم (أم 25 : 21). من الملائم إذن أن يكون إله العهد القديم إله محب لأنه علّم بمحبة القريب مثل النفس وبإظهار الرحمة للأعداء. إن هذا بالضبط ما فعله، ولا يزال يفعله، يهوه نفسه مع اعداءه الذين يقاومونه ويجدفوه عليه وينكرون فضله عليهم، فهو يشرق شمسه عليهم ويعطيهم حياة وطعام ونسل وغنى وعلم وطبيعة (أع 17 : 28). 

هل إله العهد الجديد، يسوع، محب ورقيق لا يغضب أو يدين الأشرار؟

إن الصورة الشائعة عن يسوع بأنه عكس إله العهد القديم، لهي مغلوطة بدورها. حقًا يسوع صور لنا محبة الله ومراحمه ونعمته في تجسده وتواضعه وخدمته للاحتياجات البشرية وصلبه، كما لم يصورها أعظم الأنبياء من قبله. فالعهد الجديد يعلمنا أنه ولد في مزود لأبوين فقيرين. ولم يكن له أين يسند رأسه. وكان يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. يقول بولس الرسول: "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في 2 : 6 - 8). هذا كلام في منتهي الصحة والعظمة والمجد. إلا أنه ليست الصورة كاملة. فالحق المتعلق بإله العهد الجديد لا يقتصر على كونه متجسد ووديع وعاش رقيقًا خادمًا للاحتياجات الإنسانية. بل هناك أيضًا حقائق أخرى لا تقل خطورة عن ذلك.

إن اختزال صورة يسوع في المحبة دون الغضب، والرحمة دون العدل، والتسامح دون الحزم، واللطف دون الصرامة، والرقة دون القوة، لهو تشويهًا له. إنه نوعًا من دق الإسفين بين يهوه ويسوع. مع أن يسوع هو يهوه. لكن يسوع الرقيق الوديع الخادم الذي يحب ويرفق ويتحنن فقط، ولا يغضب أو يدين أو يعاقب أو يرسل إلى الجحيم ليس هو يسوع المكتوب. بل يسوعًا مصنوعًا على صورة الفساد العقلي والقلبي للإنسان والذي لا يطيق أي شيء يذكّره بخطيته وبسلطان الله وعقابه على الخطية. إن اقتصرت صورة يسوع على الرقة والحنو والرحمة والشفاء والنعمة والشفاعة فقط، لهو تشويهًا لجمال تكامله وتوازنه الأدبي.

إن يسوع المكتوب:

نطق بالطوبى للجياع والعطاش إلى البر، وزمجر بالويل للشباعى والأغنياء والضاحكين والمرائين وللذين يقول فيهم جميع الناس حسنًا. أطعم الجموع لئلا يخوروا في الطريق، ووبخ شهوانية ومادية اللذين تبعوه لأنهم أكلوا من الخبز فشبعوا.

صنع طينًا ليطلي به عيني الأعمى لشفائه، وضفر سوطًا من حبال لطرد التجار من بيت أبيه. انحنى إلى الأرض لغسل أرجل تلاميذه، وفي نفس الليلة أيضًا عند القبض عليه، وعندما أجاب من أتوا لإلقاء الأيدي عليه قائلا: "أنا هو" (يهوه)، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض.

امتدح ذوي الإيمان، ووبخ قليلي الإيمان. وصف أتباعه بالخراف، وآخرون بالذئاب والثعالب. علّم بأن ملائكة المؤمنون به ينظرون وجه الآب، ووصف آخرون بأنهم شياطين ومن أب هو إبليس.

بسط يديه قائلا تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين، وسيرفع صولجانه وصوته في آذان من لم يعرفهم قائلا: اذهبوا عني يا ملاعين. خلق التينة، ولعنها لأنه لم يجد بها ثمارًا. بكى على أورشليم، ونطق عليها بالدينونة والخراب.

قال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا دون خسارة مادية، وسمح للشياطين بالدخول في الخنازير فسقطت في الماء وخسر أصحابها ثمنهًا. أعطى تلاميذه الإرسالية العظمى، وحثهم على أن ينفضوا عنهم تراب المدينة التي لا تقبلهم. ذهب ليعد مكانًا لأحبائه، وحذر الأشرار من موضع العذاب.

يسوع هو كل ما سبق. ذلك لأنه حمل وأسد. مخلّص وديّان. خادم وملك. محام وقاضي. وديع وحازم. هذا فقط هو يسوع المكتوب. وذلك وحده هو المسيح الكامل وغير المنقوص.

موقف يسوع من بعض إظهارات غضب الله في العهد القديم

فضلاً عن أن الرب يسوع المسيح لم يقل أي شئ سلبي على إظهارات غضب الله ودينوناته في العهد القديم، فقد صادق على تلك الدينونات ورأى فيها إنذارًا لغضب إلهي أعظم عندما يأتي لدينونة الأشرار. يقول يسوع عن طوفان نوح: "وكما كانت أيام نوح، كذلك يكون أيضًا في مجئ ابن الإنسان. لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان، يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك، ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضًا مجيء ابن الإنسان" (مت 24 : 37 - 39). ولعل هذا كان خلفية المشابهة التي عملها بطرس بين هلاك العالم القديم بالماء المخزون، وهلاك العالم الحالي في الدينونة العتيدة بواسطة النار (الطاقة الذرية الكامنة في المادة): "وأما السماوات والأرض الكائنة الآن، فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها، محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجار" (2 بط 3 : 7).

يقول أيضًا عن سدوم وعمورة: "ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم، أمطر نارًا وكبريتًا من السماء فأهلك الجميع. هكذا يكون في اليوم الذي يُظهر فيه ابن الإنسان" (لو 17 : 29 - 30). إن يسوع الذي دان بغضبه المقدس سدوم وعموره، سيدين المدن التي رأت معجزاته ولم تتب دينونة أقسى من تلك التي ستنالها سدوم وعمورة في يوم غضبه العظيم: "وأنت يا كفر ناحوم المترفعة إلى السماء، سَتُهْبَطِينَ إلى الهاوية. لأنه لو صنعت في سدوم القوات المصنوعة فيكي لبقيت إلى اليوم. ولكن أقول لكم: إن أرض سدوم تكون لها حالة أكثر احتمالاً يوم الدين مما لك" (مت 11 : 23 - 24). ليس ذلك فقط، بل إن الرب يسوع المسيح نفسه هو الذي أنزل الدينونة على سدوم وعموره. ذلك لأن ظهوره لإبراهيم واخباره له ما كان فاعله، هو أحد الظهورات المسيانية للرب يسوع المسيح قبل تجسده (تك 18). "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو 8 : 56). المرة الوحيدة في العهد القديم والتي نقرأ فيها أن الرب ظهر لإبراهيم هي تلك المرة التي أخبره فيها عن دينونته لسدوم وعمورة.

وإن كان يسوع قد صادق على دينونة الطوفان العالمي، ودينونة النار التي نزلت من السماء على سدوم وعمورة ومدن الدائرة التي حولهما، باستخدامه لهاتين الحادثتين كإنذارين لغضب الله في الدينونة الأخيرة، فنتوقع أنه كان سيصادق أيضًا على الحروب الكنعانية. ليس فقط لأنه كان له نظرة سامية للمكتوب، بل أيضا لأنه نفس الإله الذي أنزل دينونته على الأشرار في القديم. ففي ظهور مسياني آخر في العهد القديم، ظهر رئيس جند الرب ليشوع ليعلن له أنه دفع أريحا ليده، وعما ينبغي أن يفعله ليتمم الانتصار الذي منحهم الرب إياه (يش 5 : 13 - 15 ، 6 : 1 - 5).

إن كل من العهدين القديم والجديد يصوران لنا يهوه كمحارب. يقول باحث العهد القديم تريبمر لونجمان: "إن صورة الله كمحارب إلهي في العهد القديم تتوقع مجيء يسوع المسيح، الذي يتم تصويره أيضاً في كثير من الأحيان في العهد الجديد كمحارب. ومع ذلك، فإن موضوع الحرب الإلهية يختلف عما كان عليه في العهد القديم. ففي العهد القديم، حارب يهوه ضد أعداءه ذوي اللحم والدم (الكنعانيون، الفلسطينيون، الآشوريون، وما إلى ذلك) وأخيراً ضد إسرائيل العاصية نفسها (مراثي 2: 6). في [رسائل] بولس، من ناحية أخرى، يُنظر إلى موت المسيح وقيامته وصعوده على أنهم تتويجاً لحربه ضد الشيطان وجنوده (كو 2 : 14 - 15؛ أف 4 : 7 - 10). تتوقع صورة العهد القديم عن الله كمحارب وحرب المسيح ضد الشيطان استكمال هذا الموضوع في سفر الرؤيا (انظر على سبيل المثال ، رؤ 19 : 11 - 21)، عندما يأتي الشر إلى نهايته بينما يقود يسوع جيشه في المعركة النهائية ضد الشيطان وجيشه الشيطاني والبشري". [3] 

صحيح أن المسيح لم يخض أو يشارك أو يقود أية حروب مادية أثناء حياته على الأرض، لكن مجرد تصوير العهد الجديد له كمحارب لهو في تمام الاتساق مع الصورة التي يرسمها العهد القديم ليهوه. فضلا عن ذلك فيسوع في النهاية سيقود حربًا ضد الشيطان وجنوده الروحيين والبشريين.

في حادثة بكاء المسيح على أورشليم ونطقه بالدينونة عليها، نجد هذا أيضا متسقًا مع دينونة الله على إسرائيل في العهد القديم في المرات التي خانوا العهد معه فجلب الرب عليهم السبي وسمح بخراب الهيكل. نعلم أن دينونة الرب يسوع المسيح بخراب البيت (الهيكل) تحققت في سنة 70 م. على يد تيطس الوالي الروماني. ثم تلى ذلك شتات اليهود في العالم أجمع. وفي هذا أيضًا مصادقة على غضب الله ودينونته لإسرائيل أكثر من مرة بخراب الهيكل والسبي. ذلك لأن يهوه هو نفسه يسوع المسيح.

لعنات العهد الجديد

يقول قاموس ويليام ماونس التفسيري أن كلمة "أناثيما" ἀνάθεμα اليونانية تعني أن شخص أو شئ ملعون أو مدان أبديًا، أي للهلاك الأبدي. الكلمة اليونانية المرتبطة بها "أناثيما"ἀνάθημα (لاحظ الفرق في الهجاء بينها وبين الكلمة السابقة) تعني هبة مكرسة أو تقدمة نذرية. والكلمتان معًا مرتبطان بالكلمة العبرية "حرم" herem . ومعنى كلمة "أناثيما" تطور من "شئ مكرس للشر" إلى "شيء ملعون" حتى صارت تُطَبَّقُ في النهاية على الأفراد والغضب القضائي (اللعنة الإلهية) لله.

تأكيدًا لشرح ماونس، فإن كلمة "حرم" herem العبرية في قوله "وحَرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف" (يش 6 : 21)، تُرْجِمَت في السبعينية إلى الفعل المشتق من "أناثيما". إن حروب العهد القديم التي أمر الرب شعبه بخوضها ضد الأمم الوثنية كانت لعنة من الله وقضاء على تلك الشعوب التي قدمت أطفالها ذبائح للأوثان ومارست البهيمية (الجنس مع البهائم)، واقترنت عبادتهم الوثنية بممارسات جنسية. لهذا أمر الرب بأن "يُحَرَّمُوا".

عدد المرات التي وردت فيها كلمة "أناثيما" ومشتقاتها في العهد الجديد هو ستة مرات. استخدمها بولس في رومية (9 : 3) ليشير إلى الانفصال الأبدي عن المسيح، أي اللعنة الأبدية. وفي (1 كو 16 : 22) ليقول إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أناثيما (ملعونًا). ومرتين في غلاطية (1 : 8 ، 9) ليقول أن من ينادي بغير الإنجيل الذي بشّر به، حتى ولو كان ملاكًا من السماء، فليكن "أناثيما" (ملعونًا). من لا يحب الرب، أو من يعبث بإنجيله، مصيره الحرمان الأبدي، أي التكريس للهلاك.

اللعنة هي واحدة من إظهارات غضب الله في الكتاب المقدس. وردت في العهد القديم والجديد. طبقا لقاموس ماونس أيضًا، فمن بين النصوص التي جاءت بها كلمة "لعنة" (arar) العبرية في العهد القديم، في قرينة السقوط، ثم ثلثي استخدامات هذه الكلمة جاء في أسفار التوراة التي تبرز العلاقة العهدية بين الرب وشعبه. صحيح أن العهد الجديد يبرز النعمة المقدمة في التجسد والفداء، لكنه لم يأتي خاليًا من تحذيرات اللعنة التي تنتظر كل من يُحْرَم من المسيح، أو من يعبث برسالة الإنجيل غير القابلة للتغيير.

فضلاً عن ذلك، فإن العهد الجديد اقتبس مما يسمى بمزامير اللعنات، مصادقًا بذلك على الدينونات واللعنات الواردة بها. مثل: "لتصر مائدتهم قدامهم فخًا، وللآمنين شركا" (مز 69 : 22). وفي العهد الجديد "وداود يقول: لتصر مائدتهم فخًا وقنصًا وعثرة ومجازاة لهم. لتظلم أعينهم لكي لا يبصروا، ولتحن ظهورهم في كل حين" (رو 11 : 9 – 10). مثال آخر: "لتصر دارهم خرابًا وفي خيامهم لا يكن ساكن" (مز 96 : 25)، وفي العهد الجديد "لأنه مكتوب في سفر المزامير: لتصر داره خرابًا ولا يكن فيها ساكن. وليأخذ وظيفته آخر" (أع 1 : 20، أنظر أيضا: مز 109 : 8). الرب يسوع المسيح أيضًا اقتبس من تلك المزامير. قارن (مز 35 : 19) مع (يو 15 : 25)، و (مز 69 : 9) مع (يو 2 : 17).

فكما ظهرت نعمة الله كثيرا في وسط دينونات ولعنات العهد القديم، نجد اللعنات بدورها أيضا تظهر في وسط نعمة تجسد وفداء العهد الجديد. فكلا العهدين يقدمان لنا علاقة "عهدية" مع الله بحكم كوننا خلقته. هذه العلاقة العهدية تعد بالبركات لمن يطع، واللعنات لمن يتقسى ويعصى. ذلك لأن إله العهدان إلها واحدا له طبيعة واحدة متسقة وغير متناقضة. لكن الذي يختلف فقط هو تدابيره وترتيباته عبر العصور.

حديث يسوع عن الجحيم

من المفارقات الساخرة، أن الادعاءات المارقيونية بأن المسيحي يلتزم بالعهد الجديد فقط، أو أن إله العهد القديم مختلف عن إله العهد الجديد، هو أنهم لا يلتفتون إلى أن فكرة الجحيم في العهد الجديد أكثر وضوحًا وتشديدًا وتفصيلاً عنها في العهد القديم. فلو كان العهد الجديد عهد نعمة محض، دون أي دينونة أو غضب من الله، لكنا نتوقع أن يحدث العكس، أي أن نجد التركيز على هذا التعليم في العهد القديم أكثر من العهد الجديد. لكن في الحقيقة ما يعلمه الكتاب المقدس عن الجحيم تقريبا يأتينا بأكمله من العهد الجديد.

فضلاً عن ذلك، فيسوع أكثر من تحدث عن الجحيم في الكتاب المقدس. بل وتحدث عن الجحيم أكثر من السماء. يقول د. أ. كارسون في شرحه للموعظة على الجبل: "[يسوع] نفسه تحدث عن الجحيم ضِعْف حديثه عن السماء". يضيف آر سي سبرول: "تقريبا كل التعاليم الكتابية عن الجحيم جاءت على شفتي يسوع" (أساسيات الإيمان المسيحي).

وليس فقط أن يسوع تميز من حيث كم حديثه عن الجحيم، بل أيضًا من حيث الكيفية التي تحدث بها. فالأوصاف واللغة والتفاصيل التي استعملها يسوع عن الجحيم لم يسبق لنبي أو لرسول أن استعملها. قال يسوع أن الجحيم هو "العذاب الأبدي" (مت 25 : 46)، وأنه دينونة (23 : 33)، وأتون نار متقد حيث البكاء وصرير الأسنان (مت 13 : 42)، وظلمة خارجية (مت 8 : 12)، دودها لا يموت ونارها لا تطفأ (مر 9 : 44). وعلى فرض أن هذه الأوصاف مجرد رموز لحقيقة النار الأبدية، إلا أن الرمز دائمًا ما يشير إلى حقيقة أعظم. يقول سبرول أيضًا: "أن يسوع استخدم أبشع الرموز التي يمكن تخيلها ليصف الجحيم، فهو ليس عزاء لأولئك الذين يرونها على أنها رموز فقط". فالسؤال يظل لماذا استخدم يسوع أبشع الصور وأكثرها هولا للحديث عن الجحيم؟

فضلاً عن ذلك، لو كان الافتراض بأن إله العهد القديم إله غضوب وصارم، وأن إله العهد الجديد إله رحيم ومحب، لكنا نتوقع أن يكون إله العهد القديم هو الديان والقاضي. لكننا نجد العهد الجديد يعلمنا أن الآب لن يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للإبن. يقول يسوع: "لأن الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو 5 : 22). أنظر أيضًا (2 تي 4 : 1، أع 10 : 42).

لا شك أن يسوع تحدث عن النعمة والرحمة والغفران والحياة الأبدية والسماء كثيرًا. لكن فقط نريد أن نلفت النظر هنا إلى أن كلام يسوع لم يقتصر فقط على هذه الأشياء. بل تحدث عن الدينونة وغضب الله وأهوال الجحيم. لهذا فالصورة التي يرسمها الكثيرون ليسوع اليوم بأنه رحمة ونعمة ومحب فقط، دون صرامة أو غضب أو دينونة، لهي صورة منقوصة أقرب إلى الوثنية منها إلى المسيحية الكتابية.

في الصليب .. بذل الآب ابنه في محبة والابن كان غاضباً أيضاً

الصورة التي لدى الكثيرون بأن الآب كان قاضياً غاضباً في الصليب، والابن مخلصاً باذلاً "فقط" ليست دقيقة. والأصح هو أن كلاهما مخلّصان محبان، وفي نفس الوقت قاضيان عادلان يغضبان تجاه الخاطئ وخطيته.

بالنسبة للاعتقاد بأن الآب كان غاضباً في الصليب، والابن رحيماً محباً، يحتاج إلى ضبط. صحيح أنه من منظور ما أن الآب كان صارماً وعادلاً لدرجة أنه اقتص من ابنه الوحيد. إلا أنه، ومن منظور آخر، فإن الآب كان محباً باذلاً أيضاً. فلا ننسى أنه هو أيضاً "بذل ابنه" لأجلنا. البذل يعني التضحية، والتضحية تدل على المحبة الشديدة والحنوّ البالغ.

يقول بولس: "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين" (رو 8 : 32) الفعل المترجم "يشفق" يمكن أن يعني أيضاً "يُبقي على". وقد تُرجم إلى الإنجليزية في الكثير من الترجمات spare أي "لم يبخل بـ". مع أن الآب لم يتجسد ولم يتألم ولم يمت، بل الابن فقط هو الذي كابد كل هذه، ولكن لم يحدث أي شئ من هذا أيضًا دون تكلفة فادحة الثمن من الآب. فإن من تألم ومات، في النهاية، هو ابن محبته الوحيد. يقول يوحنا أيضًا "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3 : 16). طبقا ليوحنا، إذاً، فالآب أحب العالم وأراد إنقاذه من الهلاك وإعطائه الحياة الأبدية، وقد فعل ذلك حقاً عندما بذل ابنه من أجل العالم الشرير.

على أن الصورة لا تكتمل إلا بالقول أن الابن كان محباً للخطاة وغاضباً تجاههم أيضاً. طبعا لا نحتاج إلى تبرير أنه كان محباً. لكن كيف كان غاضباً أيضاً في نفس الوقت؟ بل كيف كان غاضباً من الأساس؟ كان كذلك، لأنه الله. صحيح أنه أقنوم الابن. إلا أن أقنوم الابن هو الله أيضاً. ليس الآب فقط هو الذي يغضب على الخطاة، بل الله نفسه. الله بكل أقانيمه الثلاثة. الله في ذاته الإلهية وجوهره. وإن كان الغضب تجاه الخطاة بسبب خطاياهم هو أمر يتميز به الآب وحده، إذاً، فالأقنومين الآخرين، لا تغضبهما الخطية، مما يدعو إلى الشك في درجة قداستيهما وعدليهما (حاشا لهما). لكن نشكر الله أن هذا غير صحيح. يؤكد جون جيرشنر هذا الأمر في حوار تخيلي:

- غير المسيحي: ما تقوله إذاً هو أن الابن، وكذلك الآب، معاديان للخاطئ. هل تقول في الواقع، ويبدو حقا أنك تعني هذا، أن ابن الله نفسه غاضب بلا حدود مع الخطاة، بمن في ذلك الخطاة المختارون؟

- المسيحي: هذا ما أقوله. [4]

إذاً، فكلا من الآب والابن، بذلا وضحيا. الآب ضحى بابنه، والابن ضحى بنفسه. كلاهما أيضاً كانا غاضبين صارمين تجاه الخطاة الأشرار. ذلك لأن كلاهما الله الذي يغضب تجاه الخاطئ وخطيته، وفي نفس الوقت يحبه ويريده أن يخلص. وعليه، فلا فرق إطلاقًا بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد. كلاهما جوهر واحد. لذلك فلابد أن يكون لكلاهما موقفاً واحداً متسقاً.

الصليب إعلان غضب الله على الأشرار كما هو إعلان لمحبته

فضلاً عن ذلك، فإن مشهد الصليب، الذي هو ذروة الإعلان الكتابي، وأقوى مشاهد المحبة الإلهية، لا يخبرنا فقط بمحبة الله الباذلة، لكن يخبرنا أيضًا بغضبه. لماذا كان على المسيح أن يموت ميتة اللعنة هذه؟ لكي يتحمل لعنة الناموس عنا. يقول الكتاب المقدس "ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به" (غل 3 : 10). إن الناموس يلعن كل من لا يتمم جميع وصاياه. أي يضعه تحت طائلة دينونة الله وغضبه. لكن شكرا لله "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من علق على خشبة" (غل 3 : 13).

من السهل رؤية بشرية يسوع أكثر من رؤية ألوهيته المحتجبة وراء ذلك الضعف البشري. ومن السهل أيضا رؤية محبة الله في الصليب أكثر من رؤية غضبه ودينونته وعدله وراء ضعف الصليب. لكن كما اجتمعتا واتحدتا البشرية والألوهية في شخص واحد، هكذا أيضا اتحدتا واجتمعتا المحبة والغضب في مشهد واحد. نعم، الصليب هو أعظم إعلان عن محبة الله على الإطلاق. فالله، كلى القدرة وكلى الاكتفاء وكلي المجد، تجسد وتألم وصلب ومات موت اللعنة نيابة عن الإنسان الخاطئ والمتمرد عليه. فليس هناك حب أعظم من هذا. إلا أن ما اجتازه يسوع من ألم ولعنة وموت كان من نصيب كل إنسان، وسيكون من نصيب كل من يرفض. أليس هذا أمرًا مرعبًا؟ أليس هذا أيضًا بدوره إعلانًا عن عدل الله وغضبه؟ يسوع مات حبًا في الإنسان، هذا صحيح، ولكن مات أيضًا، وفي المقام الأول، حبًا في الله، إذ لم يكن من الممكن أن تسقط كلمات العدل التي خرجت من فمه الطاهر، فكل تعد ومعصية لابد أن ينال مجازاة عادلة. الصليب منظرا جذابًا، ومرعبًا أيضًا. فمع جاذبيته، إلا أن لا صورة له ولا جمال فنشتهيه. الصليب كفارة، وأكثر من ذلك، هو أيضًا إنذار بأن ما تحمّله يسوع سيكون مصير كل من يقسي قلبه.

في جثسيماني قال يسوع "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن، ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت" (مت 26 : 39). يسأل يسوع أيضا في نفس الليلة بطرس قائلا: "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟" (يو 18 : 11). لم تكن هذه الكأس سوى غضب الله الذي يذخره لنفسه كل إنسان يستهين بلطف الله. إن الكأس في العهد القديم تشير إلى كأس غضب الله على شر الإنسان (إش 51 : 17 ، 22 ، إر 25 : 15). تجرع يسوع هذه الكأس كبديل عن الإنسان. لهذا لم يكن الصليب ليخبرنا فقط عن إله محب جاء ليبذل نفسه من أجل الإنسان. بل أيضًا من أجل إله قدوس يغضب على الخطية والخطاة.

ختامًا

نتأكد من كل ما سبق، أن إله العهد القديم هو نفسه إله العهد الجديد وأنه لا تناقض بينهما. فلم تأتي دينونات الله أو اظهارات غضبه في العهد القديم خالية من مراحمه ومحبته العامة. وفي نفس الوقت لم يأتي إعلانه الخاص في يسوع المسيح في العهد الجديد خاليًا من الغضب والإنذار بالدينونة واللعنات. الصورتين يقدمان إلهًا واحدًا وإن اختلفتا في بعض التفاصيل. أما الاختلاف في بعض التفاصيل فنحيله إلى مقال آخر إن شاء الرب. إن غضب الله ظاهر في طوفان نوح، وهلاك سدوم وعموره، والحروب الكنعانية، تمامًا مثلما هو ظاهر في الصليب الذي هو أسمى مشاهد الحب الإلهي. بل إنه يظهر في الصليب أكثر وضوحًا وأكثر رعبًا. إن عدم رؤية غضب الله في الصليب، لهو بمثابة قصور في البصر اللاهوتي والبصيرة الروحية. ليعطنا الرب تلك البصيرة.




[1] Bernard W. Anderson, Understanding the Old Testament, Prentice-Hall Inc., Englewood Cliffs, New Jersey, 1975, p.140-141
[2] Wieland, Carl, et al. Evolutions Achilles Heels. Creation Book Publishers, 2014, p.278
[3] Tremper Longman III & Raymond B. Dillard, An Introduction To the Old Testament, Zondervan, AER ed. 2009, p.463
[4] Gerstner, John H., A Primer on the Atonement, Presbyterian and Reformed Publishing Company, 1984, p.21





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس