لماذا سيدين المسيح على خطية عدم الإيمان به



يدعي الدكتور ماهر صموئيل، بدعوى احترام الله لحرية الإنسان كما يفهم من منطقه، أن الله سيدين الأشرار على أعمالهم الشريرة وليس على رفضهم للمسيح. طبعًا سيدين المسيح الأشرار الذين لم يسمعوا عنه على أعمالهم الشريرة، وعلى رفضهم لسلطانه وناموسه في الإعلان الطبيعي العام. لكن من ناحية أخرى، سيدين من سمعوا إنجيله ورفضوه ليس فقط على خطاياهم، بل على رفضهم لشخصه وعمله أيضًا. 

الادعاء بأن الله سيحاسب من سمعوا عن المسيح على خطاياهم فقط وليس على رفضهم له لا ينبع من فكر مركزه المسيح، بل مركزه الإنسان. إن كان شخص المسيح غير مركزي في دينونة الإنسان، فهذا يدفعنا للتساؤل عن مركزيته في الخلاص. بتعبير آخر، هل لو عمل الإنسان أعمالاً صالحة، في أي دين ما، سَيُقْبَلُ أمام الله؟ يبدو أن هذه هي النتيجة المنطقية لذلك الادعاء الذي لا يتسم بمركزية المسيح.

العهد الجديد يقدم لنا بعض الأسباب، لماذا سيحاسب المسيح من يرفضونه على رفضهم له وليس فقط على أعمالهم الشريرة:

أولاً، يضع كتبة العهد الجديد كل من الإيمان بالمسيح وعدم الإيمان به في مقابلة مع بعضهما البعض. أي ليس فقط أن الشرير يُدان على أعماله الشريرة، بل إن عدم إيمانه بالمسيح في حد ذاته كفيل بدينونته بغض النظر عن أعماله وبدون الإشارة لها (يو 3 : 8 ، 12 : 47). 

لكن يبدو أن الدكتور ماهر صموئيل لم ينتبه لما علم به كل من يوحنا وبولس وبطرس وكاتب العبرانيين. 

يقول يوحنا الرسول: "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3 : 36). 

يقول بولس "وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا، عند استعلان الرب يسوع المسيح من السماء، مع ملائكة قوته، في نار لهيب، معطيًا نقمة للذين لا يعرفون الله، والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح، الذين سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته" (2 تس 1 : 8 – 9). 

يقول بطرس أيضًا: "لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. فإن كان أولاً منا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله" (1 بط 4 : 5). 

كاتب العبرانيين: "فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره، قد اببتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا" (عب 2 : 3). أيضًا كاتب العبرانيين: "فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا، وازدرى بروح النعمة" (عب 10 : 29).

ثانيًا، لأن مجرد رفض خلاص المسيح هو إقرار بالرغبة في البقاء في الخطية والهلاك. وهذا في حد ذاته دينونة يوقعها الخاطئ على نفسه ويصادق عليها الرب. علينا أن نتذكر هنا أن سقوط كل من الملائكة والإنسان، جوهره رفض سلطان الله والشركة معه. إن السقوط في حد ذاته هو دينونة على رفض الله والمسيح. بمعنى أنه لو أراد الله أن يحترم حرية الإنسان بالمعنى الذي يقصده الدكتور ماهر صموئيل (بدون تبعات بل مسؤولية عن خطاياه فقط)، فلماذا للسقوط تبعات أو دينونات؟ إن حدوث السقوط لهو دليل في حد ذاته أن حرية الإنسان في رفض الله ليست مطلقة أو بدون تبعات. 

ثالثًا، القول أن الله سيدين الأشرار على أعمالهم الشريرة فقط وليس على رفضهم للمسيح، يتجاهل أن رفض المسيح وعمله في حد ذاته خطية (يو 16 : 9)، لها عقاب أشر من باقي الخطايا (عب 10 : 29). لهذا يصف العهد الجديد الموقف من الإنجيل بأنه "طاعة" (رو 10 : 16). وعليه فرفض المسيح ليس مجرد قرار، بل عصيان لصوت المسيح. عدم الإيمان بالمسيح قرار أخلاقي وروحي.

رابعًا سيدين المسيح من رفضوا الإيمان به لأنهم كذَّبوا شهادته عن الله. يقول يوحنا الرسول: "من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. من لا يصدق الله، فقد جعله كاذبًا، لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه" (يو 1 : 5 : 10). رفض المسيح هو تكذيب لكل من الله وابنه. أن لا تصدق الرسول، هو أن لا تصدق المرسل منه. تكذيب المسيح هو تكذيب لله. 

خامسًا، سيدين المسيح من رفضوه لأنهم ازدروا بكفارته: "فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا، وازدرى بروح النعمة" (عب 10 : 29). ليس فقط ازدراء بالكفارة، بل ازدراء بالثالوث أيضًا. رأينا أن رفض المسيح، هو رفض لله الآب الذي شهد عن ابنه (يو 1 : 5 : 10)، فضلاً عن ذلك، يخبرنا كاتب العبرانيين أن رفض المسيح هو ازدراء بروح النعمة. إذًا رفض المسيح هو ازدراء بالثالوث الأقدس بأكمله. ازدراء بالثالوث وبعمله الكفاري.

سادسًا، دينونة المسيح للخاطئ على رفضه الإيمان بشخصه وعمله ليست تعدي على حرية الله للإنسان، بل هي تعدي للإنسان على سلطان الخالق وحقوقه على خليقته. الإنسان مدين بوجوده وحياته للخالق الذي أوجده (أع 17 : 28)، الذي هو يسوع المسيح (يو 1 : 10). الخاطئ يحيا ويتحرك ويوجد بواسطة الخالق يسوع المسيح. أن يرفض الخاطئ شخص المسيح وعمله (حيث أنه لا يمكن الفصل بين الإثنين) هو أن يجحد حقوقه عليه لأنه كلي الاعتماد على شخص المسيح المبارك. 

سابعًا، دينونة المسيح للأشرار على رفضهم له، ستكون أيضًا بسبب أن جوهر الخطية هو اعتبار الإنسان نفسه إلهًا يرفض سلطان الله الأخلاقي على الحياة. كما سبق وأشرنا أن المسيح هو الخالق. بما أنه الخالق فهو، إذن، الذي أعطى الوصية بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. أن ترفض المسيح هو أن تقر بألوهيتك وسلطانك الأخلاقي على حياتك. مما يعني أنه رفض ألوهية المسيح. 

إذن، فرفض المسيح وعمله هو مجموعة من الخطايا في خطية واحدة. كما أن الإدعاء بأن الله لن يعاقب على خطية رفض الإيمان بالمسيح ينم عن فكر لا يتسم بمركزية المسيح. إنه إقصاء للمسيح من مركز الصورة باعتباره الله الخالق والمعتني بخليقته والفادي والديان. 

إن دينونة الخاطيء ليست مجرد نتيجة تلقائية لرفضه المسيح، بل سبب أيضًا كما أوضحنا. ولسنا مضطرون للإختيار بين كون عقاب الشرير الأبدي هو دينونة على رفضه للمسيح أم نتيجة له. الإثنان معًا. هو نتيجة لأنه يصر على بقاءه في شره، وسبب أيضًا بناء على ما أوضحناه في السطور السابقة. 

الجدير بالذكر أن الدكتور ماهر صموئيل قال في حوار سابق مع القس خالد غبريال أن التوبة مش إنك تعرف المسيح، وأنه لو وجد إنسان تائب (من أي دين) سيخلص حتى "لو ما أدركش التعليم المسيحي". وأشياء أخرى مشابهة صرح بها الدكتور ماهر صموئيل تدل على إعتقاده بأن الخلاص متاح في أي دين للتائبين وذوي الأعمال الصالحة دون حاجتهم أن يؤمنوا أو يعرفوا عن المسيح. 

خلاصة ما يقوله الدكتور ماهر إذًا هو أن الخلاص بالأعمال وأن المسيح غير مركزي لا في الخلاص ولا في الدينونة. ونتسطيع صياغة ما يقوله الدكتور ماهر صموئيل هنا في هذه الكلمات:

بما أن الله مش هيدين الناس لأنهم رفضوا الإيمان المسيحي، 
وبما أن الله سيجازي الناس حسب أعمالهم، 
إذًا فنجاة الإنسان ليست في الإيمان المسيحي بل في أعماله. 

هذا هو الخلاص الذي يبشر به الدكتور ماهر صموئيل، ليس الخلاص بالنعمة، بل بالأعمال الصالحة. وإلا لكان لموقف الإنسان من المسيح قيمة في خلاصه. 

الدكتور ماهر يدعي أن الإيمان المسيحي للنجاة، لكنه لا يعامله هكذا، بل هو مجرد إدعاء أجوف، إذ جعل النجاة الحقيقية في الأعمال وليس في موقف الإنسان من بر المسيح وخلاصه.

والسؤال للدكتور ماهر صموئيل: لماذا تكرز بالمسيح طالما أن الله لن يدين الناس لأنهم رفضوا الإيمان المسيحي؟ بل ما فائدة المسيحية من الأساس طالما أن موقف الإنسان من الإيمان المسيحي لا يحدد مصيره الأبدي؟ ما هو الرجاء الذي تقدمه إذا، بما أن الله سيجازي كل واحد حسب أعماله، ونعلم أنه ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد؟ إن كان مصير الإنسان يتحدد على أساس أعماله، وليس على أساس موقفه من التبرير على حساب عمل المسيح، أليس هذا طعن في تعليم التبرير بالنعمة بالإيمان؟ 

فضلاً عن أن إدعاء الدكتور ماهر صموئيل أعلاه غير كتابي، فهو يدل على أجندة عقيدية ليبرالية لديه.

الفيديو الذي قال فيه الدكتور ماهر صموئيل هذا الكلام: 


مقال كتبته بعنوان "الدكتور ماهر صموئيل يعلم بأن الله الحقيقي موجود في كل الأديان وأن الخلاص ممكن لمن لا يؤمنون بالمسيح": 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس