تعليق حول ما يعتقده الدكتور ماهر صموئيل بخصوص البدلية العقابية - 2

في هذا الفيديو يقوم الدكتور ماهر صموئيل، كل الاحترام لشخصه، ليس فقط بتقديم الإنجيل على أنه شفاء سيكولوجي للمجاريح والمظاليم لكن يعيد تعريف العقوبة على أنها "إقرار بالخطأ".

تبدأ المحادثة بسؤال الأستاذ يوسف والذي لم ينجح في إخفاء نفوره من البدلية العقابية مثل الدكتور ماهر بالقول: "أن تأخذ ذنب شخص وتضعه على شخص آخر ده بالظبط عكس العدل" الأمر الذي يصفه د. ماهر بأنه اختزال وتسطيح. ولكن ما هي المسيحية غير المسطحة وغير المختزلة طبقاً للدكتور ماهر ومحاوره؟ يقول المحاور في بداية كلامه: "العدل هو التأكيد على الغلط اللي حصل". ثم تأتي جملة كاشفة للدكتور ماهر لاحقاً يؤكد بها أن هذا هو نفس مفهومه عن العدل والعقوبة: "وده اللي كان بيقوله ديزموند إنه لازم يكون فيه شيء من العقاب أو الإقرار بالخطأ اللي حصل". فالعدل بالنسبة لهما ليس تحمل العقوبة، ولكن الإقرار أو التأكيد بأن ما حدث خطأ. وهذا في نظري هو الاختزال الصارخ لعمل المسيح. هل أرسل الله ابنه لكي يموت حتى يكون ذلك مجرد إقرار بالخطية أو بشاعتها؟ هل يصبح عمل المسيح هنا فقط مجرد طريقة يظهر بها الله استياءه من الخطية؟ وكأن عمل المسيح في أفضل حالاته هو نوع من الردع؟ (نظرية هيوجو جروتيوس للكفارة). ماذا عن قول بولس "الذي يبرر الفاجر"؟ هذا ليس مجرد تغاضي عن خطايا الفاجر، بل تبرير، احتسابه ليس فقط لم يعمل خطية، بل أتم الناموس وأطاع الوصايا بصورة كاملة (في المسيح). وماذا عن كون المسيح فدية، ثمناً مدفوعاً، لنفوسنا؟ وكفارة لخطايانا؟ وأنه أسلم لأجل خطايانا؟ من الذي يختزل عمل المسيح إذن؟

الأمر الثاني الخطير هنا هو أن الدكتور ماهر يرى أن المظلوم أو المجروح يستطيع أن ينال شفاء سيكولوجي بأن يتوحد بالمسيح "أتحد به كمظلوم فيرد كرامتي ويشفيني". بل وحتى الظالم أو المذنب بالنسبة له "ضحية لأنه ولد والفساد في أعماقه". الفساد الموروث يجعل الإنسان ضحية؟ ضحية من؟ طبعاً هذا يدل على أنه يعتقد بأن الله لا يد له في الخطية الأصلية. لكن نود أن نسأل الدكتور ماهر هنا، هل الصليب شفاء روحي من مرض الخطية أم شفاء سيكولوجي من الجروح النفسية؟ وإن كان سيكولوجي فما الفرق بينه وبين إنجيل الرخاء الذي يعد بالشفاء الجسدي؟ هل يقول الكتاب أنه مجروح لأجل جروحنا أم لأجل معاصينا؟ عندما قال بطرس "الذي بجلدته شفيتم" قال في نفس الآية "حمل هو نفسه خطايانا في جسده". إنه يتكلم عن الخطايا وليس عن الاستشفاء السيكولوجي. صحيح أن الخاطيء قد يكون ضحية، لكن هذا لا يلغي حقيقة كونه في الأساس مذنب ومتعدي على ناموس الله ومحكوم عليه بالموت والدينونة الأبدية. إنه تغيير لموقف الإنسان من مذنب إلى ضحية، ومن ثم تغيير في جوهر الإنجيل من كونه خلاص وتبرير للخاطيء المذنب إلى استشفاء للمجروح. ثم يتابع الدكتور ماهر قائلا "الحل اللي بتقدمه المسيحية الثيوسيس التوحد". الثيوسيس ليس فقط التوحد بل "التأله"، وهي عقيدة أرثوذكسية شرقية مفادها بأن المسيح أخذ إنسانيتنا ليصيرنا آلهة. طبعاً الدكتور ماهر اكتفى بالمصطلح ولم يقل حتى الترجمة الدقيقة له. لكن اعتناقه للثيوسيس يدل على أنه يرى الخلاص لا كمقام نحصل عليه بالتبرير، بل كتغيير داخلي فقط. أي كفارة علاجية وليست عقابية. ولكن لا ينبغي أن يفوتنا هنا أن كفارة المسيح فعلاً شفاء من مرض الخطية الروحي، وليس شفاء سيكولوجي للضحايا. هذا هو الخلط الحادث، الخلط بين الخطية كمرض روحي والجروح السيكولجية للخاطيء.

وأخيراً، ادعاءه بأن "الصليب عمل قائم لم ينتهي .. أنا لا أدعو الناس إلى عقيدة عن حدث تاريخي .. عمل الصليب حدث قائم"، جاء كاشفاً عن نفوره من العقيدة المؤسسة على الأحداث التاريخية. ثم يدلل على ذلك بقوله أن المسيح "خروف قائم كأنه مذبوح". لكن، خروف قائم كأنه مذبوح في اليونانية في زمن الماضي التام المبني للمجهول، لهذا ترجمت في الكثير جداً من الترجمات الإنجليزية as though it had been slain أي "كما لو كان قد ذبح". أي أن الفعل حدث وتم ولكن آثاره لم تزل باقية. يؤكد بولس أيضاً "لأن الموت الذي ماته للخطية قد ماته مرة واحدة". أي حدث تاريخي تام ومكتمل له آثار وفعالية وقوة في الحاضر. لكن الدكتور ماهر بتأكيده على أن الصليب حدث قائم يريد أن ينأى به عن العقيدة والتاريخ ويحصره في كونه اختبار. فضلاً عن ذلك، فالمسيح في العدد السابق لذلك من نفس الأصحاح يصور على أنه الأسد. هو ليس فقط الخروف الذي ذبح ليتحمل عنا عقاب الخطايا، لكنه الأسد الذي سيصنع نقمة على أعداءه ويأتي بالضربات على العالم والدينونة الأخيرة. 

ما قاله الدكتور ماهر في الفيديو هو الاختزال بعينه، بل والتشويه للحق المسيحي!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس