تعليق حول ما يعتقده الدكتور ماهر صموئيل بخصوص البدلية العقابية - 1

يبدأ الدكتور ماهر صموئيل تعليقه الذي جاء كاشفًا عن نفوره من البدلية العقابية في فيديو بعنوان "الجدال حول البدلية العقابية" بالقول: "المأساة مش بس في النظرية دي .. في محاولة تنظير عمل الصليب، وهو من ناحية سر، ومن ناحية صعب إنك تلمه في كلمتين تصيغهم في نظرية". وهنا يناقش الدكتور ماهر أكثر من فكرة، البدلية العقابية في حد ذاتها، والتنظير، وحصر الكفارة في جانب واحد. ونحن نتفق معه في أننا لا نحصر عمل المسيح في جانب واحد. بل نقر بكل جوارحنا أن المسيح احتمل عنا غضب الله وعقابه، قدم شفاء روحياً لمرض الخطية، سحق الشيطان، وجوانب أخرى. لكننا نضع البدلية العقابية في المركز لأنها هي الجانب الموضوعي الأكبر في الكفارة. كان الله بإمكانه أن يشفي بكلمة واحدة دون التجسد والصليب، وأن يقضي على الشيطان في كلمة واحدة دون التجسد والصليب، لكن ما كان ممكنًا أن يبرر الله الفاجر دون أن يُسترضى عدله علانية على الصليب بأن يكون المسيح البديل للخطاة.

ثم يدلل على عدم إمكانية التنظير حول عمل المسيح بالقول أن اللاهوتيين المعاصرين ترفعوا عن فكرة النظريات. وكنت أظن أن الدكتور ماهر سيقتبس حقًا بعض أسماء اللاهوتيين المحتمرمين مثل ليون موريس أو سايمون جاثركول أو تي دبليو شيد أو لورين بوتنر، والمحسوبين حقًا على الحركة الإنجيلية المحافظة، بل يطرح علينا إسم القسيسة فليمنج روتلدج والتي أحد أهم الأفكار غير الكتابية لها هو أنها تلغي الفرق بين الخطية والخطايا. بل والأخطر من ذلك هو أن هذه الكاتبة تؤمن بالخلاص العالمي Universalism كما قال النقاد الذين كتبوا عنها. إن اختيار الدكتور ماهر لهذه القسيسة يجعلنا نتساءل عن حقيقة منهجه اللاهوتي!

صحيح أن الكتاب المقدس لم يقدم نظريات بل صور عن الكفارة، إلا أن النظرية في حد ذاتها ليست عيب، لأنها في النهاية تلخيص وصياغة للحق الكتابي. كما أن الكتاب المقدس لم يكتفي بالصور في العهد القديم، بل شرح تلك الصور من خلال أطروحات عقيدية في العهد الجديد. أن المسيح "يبرر الفاجر"، "إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاَ مات بلا سبب"، لأنه "إن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر ولكن ليس لدى الله". "التبرير" ذلك المصطلح الذي يتحاشى الدكتور ماهر استعماله لأنه جوهر البدلية العقابية. وبدلاً من ذلك يحصر الكفارة في صور العهد القديم، وكأن الكفارة لا يمكن أن تصاغ في أطروحات عقيدية كما في العهد الجديد، بل هي صورة فقط للتأمل المستيكي السرائري، وليس للعقيدة. وأنا لا أستبعد أن يستخدم الدكتور ماهر مصطلح "تبرير" في أي وقت، ولكني متيقن أنه سيغير معناه كما غير معانى أشياء أخرى.

الغريبة أن الدكتور ماهر وقع في نفس الخطأ الذي يحذر منه ألا وهو عدم التركيز على جانب واحد من عمل المسيح. فهو يؤمن بالكفارة العلاجية مع تطعيمها بالقليل من النظرية الحكومية لهيوجو جروتيوس، حتى وإن لم يستعمل تلك المصطلحات. فالمفاهيم حاضرة فيما يقوله. فهو دائم الحديث عن الخاطئ كمريض. بل وعنه كضحية سيكولوجية. ثم الخلط بين الإثنين، بين الخطية كمرض روحي، وبين الجروح السيكولوجية للخاطئ عندما يكون ضحية. ومن ثم تغيير جوهر الإنجيل بتحويله من إنجيل للفجار والأثمة المعتدون على ناموس الله، إلى إنجيل ضحايا مُعتدى عليهم يحتاجون استشفاء سيكولوجي واحتواء، الأمر الذي يجعل متطلبات الإنسان مركز الإنجيل وليس متطلبات الله. لا تسيء فهمي، المسيح يغير ويعطي نصرة على الجروح، لكن لا ينبغي أن نجعل الإنجيل رهن الاستشفاء الجسدي أو السيكولوجي. وإلا لجعلناه إنجيلاً للرخاء وليس للخلاص من عقوبة الخطية وسلطانها!

ثم يتابع الدكتور ماهر بأن تعبير "البدلية العقابية" غير موجود في الكتاب المقدس. وهل هذا مدعاة لرفضها؟ هل هذا يعني أننا نتوقع منك أن لا تستعمل مصطلحات مثل الثالوث والأقانيم؟ ثم ماذا عن استعمالك مصطلح "تطور الشخصية" عند حديثك عن التغيير في حياة المسيحي؟ هل هذا المصطلح النفسوي التنموي الاختزالي موجود في الكتاب المقدس؟ وإن كان مصطلح "البدلية العقابية" في حد ذاته غير موجود إلا أن المفهوم يملأ الكتاب المقدس بعهديه. في الحقيقة فإن مصطلح "تطور الشخصية" فضلاً عن كونه مصطلح غير كتابي (بناء على منطق الدكتور ماهر)، إلا أنه يختزل ويشوه الحق المسيحي في مجرد تطور نفسوي تنموي دون الإشارة للفساد الجذري الموروث.

قدم الدكتور ماهر صور كثيرة للكفارة في العهد القديم، وحدثنا عن الغضب والعقاب. لكن لم يقل لنا ما هو تعريفه للغضب والعقاب بالضبط؟ الحقيقة إنه ذكر تعريفه للغضب والعقاب في مقالات وفيديوهات أخرى. ففي لقاء حديث له على القناة الثانية مع أ. عاطف كامل قال أن الغضب بالنسبة له هو أن الله يسحب يد عنايته. أو أنه نوع من الفعل ورد الفعل موجود في الطبيعة كما صرح بهذا أكثر من مرة (متفقًا بذلك مع فكر سي إتش دود الليبرالي). والعقاب بالنسبة له نوع من الحجر الصحي للخطاة المرضى كما قال على مدونته في مقال بعنوان "أصل الحكاية". وأن العقاب الذي تحمله المسيح على الصليب بدلاً عن الخطاة بالنسبة له هو تعبير عن استياء الله من الخطية "اقرار بأن ما حدث خطأ"، أو أنه نوع من الردع في أفضل حالاته، كما قال في فيديو حديث له بعنوان "في الصليب أتحد به كظالم فيأخذ عقوبتي ..". وفي فيديو آخر له بعنوان "ممنوع تفكر – هل الجحيم عقوبة الله للإنسان"، يقول فيه أنه لا يوجد في الكتاب المقدس آية واحدة تقول أن الله يعاقب الأشرار بالجحيم. وأن الأشرار يعاقبون أنفسهم ويرسلون أنفسهم إلى الجحيم، وليس الله، بالاتساق ما علم به سي إس لويس أن أبواب الجحيم مغلقة من الداخل (الخاطئ هو الذي يعاقب نفسه). وإن سألته عن مفهومه للجحيم، ففي فيديو آخر له بعنوان "المفهوم الخاطئ للجحيم" يقول أن الجحيم ليس مكان يهلك الله فيه الأشرار، بل هو مكان تجمع الأشرار الهالكين بصورة طبيعية. أو بتعبير أخطر قوله في نفس الفيديو أن جهنم هي مكان من لا قيمة لهم، مكان تجميع النفايات، واصفًا المفهوم بأن الجحيم هو المكان الذي يهلك الله فيه الناس على أنه "الكلمة دي غبية جدًا" لأن "الله لا يهلك".  

لكن العهد الجديد في أكثر من مرة يقول أن الأشرار "سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته" (2 تس 1 : 9)، وأن من سيعاقبهم هو الرب نفسه وليس أنهم سيعاقبون أنفسهم: "ليصنع دينونة على الجميع، ويُعَاقِبَ جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه 1 : 15). وأن الإبن سيباشر تلك الدينونة بنفسه "الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للإبن .. كما أسمع أدين ودينونتي عادلة" (يو 5 : 22، 30). لهذا "عند استعلان الرب يسوع المسيح من السماء .. في نار لهيب معطيًا نقمة للذين لا يعرفون الله، والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح" (2 تس 7 : 8).

عندما سُأِلَ الدكتور ماهر، الذي يرى أن الصليب بدلية لكن ليست عقابية، أو نوع من الثيوسيس كما قال في فيديو آخر (مبادلة بين اللاهوت والناسوت - أخذ بشريتنا ليصيرنا آلهة)، إن كان يقبل البدلية العقابية كجانب من جوانب الصليب، لم يجب الدكتور ماهر بالإيجاب على هذا السؤال، مع أنه أقر في بداية الفيديو أن مشكلته هي الاختزال. ولكنه اكتفى بأن يقول بأنه ممتن للمسيح الذي غفر له ودفع ثمن خطاياه. كيف؟ لم يقل الدكتور ماهر. لكننا لا نتوقع أن تكون إجابته كتابية وإن كان يستعمل نفس المطلحات الكتابية.

أخيراً يقول الدكتور ماهر أن تنظير سر عظيم مثل الصليب هو خطأ، مصرًا بذلك على اعتبار الصليب سر أكثر من كونه إعلان. قلت شخصيًا فيما سبق أن الصليب فيه عمق وجمال لا يبلى، وهو مثل اللؤلؤة متعددة الجوانب، لكن هذا لا يعني أنه سر أكثر من كونه إعلان. لكن قول الدكتور ماهر أن عمل المسيح موجود في صور في العهد القديم، وأنه سرّ، يحاول أن ينأى به عن العقيدة والتعليم، ويحصره في صورة سرية تصلح للتأمل والاختبار وليس العقيدة.  

للفيديوهات انقر على هذه الروابط: 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس