الكوارث الطبيعية عقاب إلهي أم غضب الطبيعة؟



أثارت كارثة كورونا مسألة غضب الله ربما بشكل لم تثره أية كارثة أخرى في التاريخ الإنساني. لعل السبب في ذلك هو أنها كارثة عالمية تأتي في قمة المجد العلمي والطبي والاتصالاتي الذي حققه إنسان القرن الحادي والعشرين. كيف يمكن أن يحدث هذا في عصر المعلومات والهندسة الوراثية؟ الأمر الذي دعا الكثيرين للإدلاء بما يعتقدونه حول علاقة الكوارث الطبيعية بغضب الله. لكن الكثير من الآراء التي توجد على الساحة الآن اختزالية إلى حد كبير. فبينما يختزلها البعض في كونها عقاب على الشر، يختزلها البعض الآخر في كونها ردود أفعال غاضبة من الطبيعة على إساءة معاملة الإنسان لها. وأنا أرى أن كلتا النظرتين اختزاليتين. فالأولى تختزل أغراض الله من الكوارث (والألم) في العقاب فقط، بينما تختزل الثانية الكوارث إلى مجرد غضب الطبيعة، مُجَرِّدَةً الله من سلطانه تمامًا. وليس هدفي هنا هو تبنى نظرة وسطية بين هاتين النظرتين. لكن دعوة للقول بأن الحق ليس بسيطًا بهذا الشكل، بل على قدر من التشابك والتعقيد. لكن رغم هذا نستطيع أن نرسم بعض الحدود التي تساعدنا على التفكير في هذه القضية الشائكة. وهذه هي بعض التحفظات الكتابية التي رأيت أنه ينبغي أن نأخذها في عين الاعتبار عن التعامل مع قضية الألم أو الكوارث الطبيعية وغضب الله. 

الألم له أكثر من بعد 

العلاقة بين الألم والخطية علاقة معقدة. ليس بالضرورة أن كل ألم سببه المباشر الخطية. وليس بالضرورة أن الغرض من كل ألم هو العقاب. وفي الحقيقة أن أتعجب من الذين يتسرعون في وصف كل ألم على أنه عقاب، وكأن هناك خط ساخن بينهم وبين السماء. لو التفت أولئك للحق الكتابي لوجدوا أن الموضوع ليس بهذه البساطة وذلك الاختزال.

ما نقصد قوله هنا هو أن الألم مرتبط بصفة عامة بالخطية. فلا يتألم سوى الخاطئ الذي جاء من نسل آدم الساقط. ذلك لأن الألم من تبعات السقوط. الوحيد الذي لم يتألم بسبب الخطية، هو الرب يسوع المسيح، ذلك لأنه كان بلا خطية. إلا أنه أخذ مكان الخاطئ، فَجُعِلَ خطية. كانت آلام الرب يسوع المسيح وموته بدليين. الألم من هذا المنظور هو عقاب على الخطية. لكن ليس الغرض الوحيد للألم هو العقاب، بل وقد لا يكون الغرض من الألم هو العقاب. فالله يستخدم الألم والكوارث لأسباب أخرى كما سنرى. لكنها في كل حالة تؤول إلى مجد الله. هذا ما نقصده بقولنا أن هناك أكثر من بعد للألم. إذن، فمن منظور ما الألم هو عقاب عام على الخطية والخاطئ. لكن من منظور آخر ليس بالضرورة أن يكون السبب وراء الألم هو خطايا بعينها لأفراد بعينهم.

يتساءل الإنسان: لماذا الألم؟ وهو سؤال مشروع، بل وينبغي أن نسأله. والكتاب يجيب عن ذلك بأن الخليقة خليقة الله، لكن النظام ليس نظامه. هو النظام الذي اختاره الإنسان لنفسه. لكن لا الخليقة، ولا النظام خارجان عن سلطانه. 

في كوراث الطبيعة، إنذار وعلامة بأن النظام الذي أراده الرب لم يعد موجودًا. كان من المفترض أن يتسلط الإنسان على الطبيعة "اخضعوها وتسلطوا عليها"، طالما كان خاضعاً هو لسلطان الله (بالخضوع للوصية). لكن ما أن إنهار أساس النظام، أي الخضوع لسلطان الله، سقطت سيادة الإنسان على الطبيعة، فأصبحت تسود عليه. لهذا نرى آدم الأخير، الرب يسوع المسيح، يستعيد السيادة المفقودة على الطبيعة، في معجزاته. صحيح أنه صنع المعجزات بقوة لاهوته. لكن من منظور ما، يظل هو الإنسان الذي أخضع الطبيعة من جديد. آدم الأول قلب النظام بعصيانه، وآدم الأخير رده بطاعته.

لهذا تربط الأناجيل، من خلال سرد المعجزات، بين الخلاص من الألم الجسدي والخلاص الروحي. فمثلا يقول يسوع للمرأة نازفة الدم "إيمانك قد شفاك" (مت 9 : 22)، كلمة "شفاك" في اليونانية هي "خلصك"، وهي نفس الكلمة التي يستعملها العهد الجديد في الحديث عن الخلاص الروحي من الخطية. بل إن يسوع نفسه يؤكد أن هناك علاقة مباشرة، في بعض الأحيان، بين الألم والخطية، كما في قوله لمريض بركة بيت حسدا: "ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر" (يو 5 : 14). المرض الجسدي في كلمة الله هو صوت الله للإنسان بأن هناك مشكلة أخطر: مرض الخطية.

لكن من ناحية أخرى، وعلى النقيض من ذلك، نفهم من قصة المولود أعمى، أن عماه لم يكن بسبب خطيته أو خطية أبويه. بل لتظهر أعمال الله فيه (يو 9 : 3). وأن من ماتوا في حادثة سقوط برج سلوام، ومذبحة هيرودس، لم يموتوا لأنهم كانوا أشر ممن بقيوا أحياء (لو 13 : 1 – 5). بل إن بقاء البعض أحياء هو استثناء على القاعدة بأن الجميع يستحقون الموت. الموت الجسدي، انفصال الروح عن الجسد، هو انذار لموت أعظم: الانفصال الأبدي عن الله. الكلمة التي استعملها لوقا "تهلكون" (لو 13 : 3 ، 5) بمعنى تموتون هي نفسها التي تستخدم عن الهلاك الأبدي في نصوص أخرى.

العلاقة بين الألم والخطية على قدر كبير من التعقيد في الكتاب المقدس. الألم بصفة عامة يعني أن الخليقة تئن لأنها ترزح تحت لعنة السقوط. لكن ليس كل ألم عقاب، أو أنه بالضرورة مرتبط بالخطية بصورة مباشرة. قد يكون كذلك حقًا، لكننا لا نمتلك إعلان من الله حول طبيعته بالضبط في كل حالة على حدى. لكن الأكيد هو أن ما يحدث في العالم المادي مرتبط بالعالم الروحي. المرض والموت الجسديين يشيران إلى، بل ومرتبطان بـ، مرضًا وموتًا روحيين أخطر. هذه هي الرسالة الأكيدة من الألم.

الكوارث لها أكثر من غرض لدى الله 

الشيء العظيم في تعاملات الله، أن حدث واحد يحقق به الله أكثر من غرض. وفي بعض الأحيان تكون الأغراض التي يتممها بنفس الحدث متناقضة. بل وقد يحقق الله غرضًا من خلال وسيلة تبدو في ظاهرها أنها تحقق غرض مضاد. فمثلا، دينونات الله بصفة عامة، هي إجراء لعدل الله، وللحد من الشر المستفحل، وتحذير الإنسان لكي يدرك ضعفه وحياته العابرة على الأرض، وأن يلتفت إلى الله كالمخلص. وكمثال على أن الله بفعل واحد يمكن أن يحقق غايتين متعارضتين: هو الضربات العشر على مصر، والتي شكلت دينونة على شرور المصريين، وخلاص لشعب إسرائيل. في أوقات يكون الثراء المادي، أو الرخاء، نوع من الدينونة، ذلك عندما يسلم الله الأشرار لمحبة هذه الأمور والاتكال عليها (مز ٧٣). في هذه الحالة استخدم الله خيرات مادية لإجراء دينونته. آلام كل من يوسف والمسيح هما مثالين يوضحان جليًا كيف يستخدم الله الظلم والخطية والشر والألم بل والموت نفسه ليثمر من خلالها بر ومجد وحياة وقوة. الحروب الكنعانية وابادة شعوبها كانت وسيلة الله في دينونة الأمم الكنعانية الشريرة والتي كان قد امتلأ مكيال آثامهم لدى الرب، ولصد استفحال شرورهم، ومباركة شعبه إسرائيل بإعطائهم أرض للسكن، ولحفظ إسرائيل من شرور وعبادات تلك الأمم الوثنية، ولجعل إسرائيل شهادة عن مجد الله المخلص والديان، واتمام لوعده للآباء، والاعداد لمجيء المسيا الذي ستتبارك فيه جميع الشعوب والأجيال. وعليه، فليس من الحكمة اصدار الأحكام المتسرعة على الأحداث الجارية، أو اختزال تعاملات الله في جانب عقابي واحد.

غضب الله له أكثر من شكل 

في الكتاب المقدس، تأتي الشرور الطبيعية (الكوارث) كعقاب على الشرور الأدبية (الخطايا). بل وتأتي الشرور الأدبية كعقاب على شرور أدبية أخرى عندما يسلم الله الأشرار إلى شرورهم حتى يفعلوا ما لا يليق. إن الطبيعة الشريرة الموروثة لهي من منظور ما عقاب على سقوط الإنسان عندما أراد الاستقلال عن الله ومقاومته، فأسلمه الله لفساد الطبيعة الذي أراده. وهذا ما يقوله بولس في رومية (1 : 18) بأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم بأنه أسلمهم إلى شرورهم وفسادهم طبيعتهم. ترد كلمة "أسلمهم" ثلاثة مرات في تلك القرينة: أسلمهم إلى النجاسة، أسلمهم إلى أهواء الهوان، أسلمهم إلى ذهن مرفوض (رو 1 : 24 ، 26 ، 28). لهذا فانغماس الشرير في شهواته النجسة، حتى ولو لم تحل عليه كارثة طبيعة، لهو في حد ذاته كارثة سخط الرب عليه.

لهذا فاعتبار أن الكوارث الطبيعية فقط هي غضب الله لهي نظرة اختزالية تبسيطية للحق الكتابي. إننا يمكن أن نرى سخط الله على الأشرار الآمنين والمنغمسين في ملذاتهم بصورة أقوى من الذين حلت عليهم الكوارث الطبيعية. فكما رأينا، فإن الله يستخدم الخيرات المادية، كما في مزمور 73، كنوع من اللعنة التي تنحدر بالأشرار إلى الهاوية. ويسلم الأشرار لشهواتهم وذهنهم المرفوض ليفعلوا ما لا يليق كنوع من سخط الرب عليهم. وهذا يدفعنا للتساؤل: إن كانت الكارثة الطبيعة فقط عقاب (وهي حقًا كذلك ولكن ليس لنا أن نجزم بذلك في كل الحالات بدون إعلان من الله)، فهل عدم وجود الكارثة وتمتع الأشرار بالخيرات المادية هو علامة رضا الرب عليهم؟ الكتاب المقدس لا يعلمنا بذلك.

كوارث العهد القديم غير متطابقة مع الكوارث الحالية 

تطبيق كوارث العهد القديم على الكوارث الحالية خطأ تفسيري، يتجاهل كل من القرينة المباشرة التي جاء فيها ذكر تلك الكوارث، وطبيعة العلاقة بين الله وإسرائيل. الكوارث في توراة موسى هو شرط جزائي منصوص عليه ضمن شروط العلاقة العهدية بين الرب وشعبه (تثنية 28). البركات هي واجبات الرب عليهم، والمزايا التي سيحصدونها في حالة طاعتهم للرب. بينما اللعنات هي الشروط الجزائية التي ستحل عليهم جراء خرقهم لواجباتهم طبقًا لبنود العلاقة العهدية (وصايا الناموس). في حالة طاعتهم سيباركهم الرب ويفيض عليهم من الخيرات المادية. وفي حالة عصيانهم ستصيبهم اللعنات والتي من ضمنها الوبأ والفقر والمجاعة والهزيمة في الحرب والاحتلال والسبي والاضطراب الاجتماعي والخوف. الكوارث، أو الشرور الطبيعية، التي جاءت على إسرائيل، كانت لأنها مملكة الله على الأرض، والتي وُعدت بالبركات الروحية والمادية في حالة الطاعة، واللعنات الروحية والمادية في حالة العصيان. لم يعد لله مملكة أرضية الآن. لهذا فليس من الصواب أن نطابق بين الكوارث الحالية وكوارث العهد القديم.

كما أن هذا يجعل الآية التي يستخدمها البعض في الكوارث (2 أخ 7 : 13 - 14) غير صحيحة التطبيق في ظل العهد الجديد. ذلك لأن الله لا يعد ببركات أرضية لمن يتوب ويرجع إليه كإرسال المطر وإزالة الوبأ ومباركة المحاصيل، لأن ملكوت الله الآن ليس على الأرض بل في القلوب. إن هذا هو نفس خطأ إنجيل الرخاء، فالله لا يعد ببركات مادية في حالة التوبة والرجوع إليه. هذا هو العهد العتيق. لأن العهد العتيق شمل بركات روحية وبركات زمنية. أما العهد الجديد، فهو يعدنا بخلاص من الخطية وتبعاتها الآن، وتوقع رجاء السماء الجديدة والأرض الجديدة، وفداء الأجساد، وعتق الخليقة من عبودية الفساد، في المستقبل. ومع هذا تظل الأوبئة، والألم بصفة عامة، صوت الله في الإعلان الطبيعي لكي يلتفت الإنسان إليه كالمخلص. ويظل الله مطالبًا الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيًا عن أزمنة الجهل.

صحيح أن الألم هو بوق الله، إلا أن المفارقة الساخرة هي أن الإنسان يريد تدخل الله دون الخضوع له كرب. الإنسان يريد سلطان الله كالمخلص من الألم، لكن لا يريد سلطانه الأدبي كإله قدوس. يريده مارداً يستدعيه عن ضيقه، ولكن يظل رافضاً لسلطانه الأدبي. إن هذه هي الرسالة المدوية لبوق الله والتي يتصامم الإنسان عن سماعها: أن الألم دخل إلى الخليقة نتيجة عدم خضوع الإنسان لسلطان الله الأدبي، وأن الإنسان يحتاج إلى الخضوع لآدم الأخير الذي سيرد النظام الذي أفسده آدم الأول.

الانسان يسئ للطبيعة لكنها لا تعاقبه 

إنكار سلطان الله يصاحبه بالضرورة التأكيد على سلطان آخر، والذي غالباً ما يكون الطبيعة. الطبيعة هي الوثن الجديد الذي وقع بعض المسيحيين في فخ نسبة الألوهية له. فمثلا إنكار سلطانه في الخلق، يُستبدل بنسبة السلطان إلى الطبيعة نفسها بأنها تطورت عبر مراحل مختلفة. إنكار سلطان الله في الدينونة يصاحبه نسبة السلطان إلى الطبيعة، بأن ما يحدث من كوارث هو ردود أفعال أوتوماتيكية. أيضاً، إنكار سلطان الله في الخلاص يصاحبه نسبة سلطان الله للإنسان، والذي هو جزء من الطبيعة. إما أن السلطان لله في كل شئ، أو أن لا سلطان له على أي شئ. إما أن يكون السلطان للسماء أو للأرض.

إن لله سلطان مطلق على شرور الطبيعة. سلطان الله لا يلغي قوانين الطبيعة، بل يثبتها، ويعمل من خلالها. إن النظرة المتسقة لسلطان الله تجعلنا نؤمن بأنه إما لله سلطان على كل شيء، أو أن لا سلطان له على أي شيء. له سلطان على الفيروس الذي لا يُرى بالعين المجردة، فهو الذي أرسل الوبأ على الشعب في البرية عندما تذمروا على موسى والرب بسبب مشاجرة قورح (عدد 16 : 46). وله سلطان على طير السماء، فهو الذي يقوت العصافير الصغيرة (مت 6 : 26)، وواحد منها لا يسقط بدون إذنه (مت 10 : 29). وله سلطان على سمك البحر كما في معجزة الإستار (مت 17 : 27)، وصيد السمك (لو 5 : 4)، وحوت يونان. وله سلطان على حيوانات البر، فهو الذي أرسل الحيات المحرقة على الشعب في البرية (عدد 21 : 6)، وهو الذي أرسل الذبان والضفادع والجراد على المصريين وأن يده كانت على مواشيهم التي في الحقل (خر 7 - 9)، وهو الذي أنذر شعبه أنه في حالة خيانتهم سيرسل عليهم الوحوش والزواحف (تث 32 : 24).

لا شك أن الإنسان يسئ معاملة الطبيعة. ولا شك أن إساءة معاملة الطبيعة ترتد على رأس الإنسان في بعض الأحيان. لكن لا يمكن اختزال الصورة كلها في هذا الأمر. فالألم والمرض والكوارث دخلوا إلى الخليقة، لإساءة الإنسان لإلهه. ولتعدي الإنسان على الوصية. فكانت النتيجة: “ملعونة الأرض بسببك". إن النظرة القائلة بان الكوارث الطبيعية هي ردود أفعال غاضبة للطبيعة على إساءة الإنسان لها تقود إلى تضمينات لاهوتية خطيرة. ومنها:

- أنها تجرد الله من سلطانه وتقود إلى الربوبية، وهي الاعتقاد بأن الله خلق العالم وملأه كالبزنرك ثم تركه يدور وفقًا لآلياته. أي أن الله هو الخالق أو المالك الغائب. لكن الكتاب المقدس يعلمنا بأننا به نحيا ونتحرك ونوجد (أع 17 : 28)، وأنه فيه يقوم الكل (كو 1 : 17)، وأنه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب 1 : 3)، وأن الأشياء به خلقت وبإرادته كائنة (رؤ 4 : 11).

- أنها تجعل الطبيعة والإنسان مركز الوجود وليس الله. وكأن الأحداث تدور حولهما، قوتان عظمتان تتصارعان، والطبيعة تنتقم لكرامتها، والله على هامش الصورة، بل وإن وجد بها من الأساس. لكن الكتاب المقدس يضع الله في المركز: "لأن منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد. آمين" (رو 11 : 36).

- أنها تتجاهل أحقية الله الخالق في الخليقة، وأنه مالكها، والإساءة لها تكون موجهة له في الأساس، الإساءة للطبيعة هي تعدي على حقوق الملكية الإلهية. "للرب الأرض وملؤها. المسكونة، وكل الساكنين فيها" (مز 24 : 1).

- أنها تغفل تعليم الكتاب المقدس بأن الخطية في جوهرها هي التعدي على ناموس الله، وليس الخطأ في حق الطبيعة. الخطية في حق الطبيعة، هي أساسًا تعدي على نواميس الله الأدبية والطبيعية التي أرساها. "كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضًا. والخطية هي التعدي" (1 يو 3 : 4).

- لأنها تؤدي منطقيًا للجحود بإحساناته، أي أنه لو لم يكن الله له سلطان على كوارث الطبيعة، فهو لا سلطان له على خير الطبيعة. إن لم يكن الله خلف الكوارث، فهو حتمًا ليس خلف الخيرات التي يمنحها للأشرار والتي يظهر بها صلاحه لهم رغم جحودهم له.

- هي شخصنة وتأليه للطبيعة، أي أن الطبيعة تصبح شخص عاقل، يعي الإساءات الموجهة له، ثم يلتفت لينتقم لنفسه. ولا يهم إن كان هذا بسماح من الله أو بدون سماح من الله. لأنه حتى لو كان بسماح من الله، فهذا يعني أن الطبيعة قوى مستقلة بذاتها وموازية لله تطلب لنفسها الانتقام والله يسمح لها. وهذه هي الوثنية بعينها. الكوارث الطبيعية ليست فقط بسماح من الله، بل بسلطان الله.

- أنها تتنافى والنظرة الغائية للتاريخ العالمي. على عكس المنظور الكوني الوثني القديم الذي علّم بأن التاريخ العالمي يعيد نفسه في دورات طبيعية بلا غرض، تتميز المسيحية بنظرتها الخَطِّيَة للتاريخ العالمي. إذ ترى أن التاريخ يسير في توجه خَطِّي، لادائري، نحو غاية معينة خادمًا مخطط الله الأزلي. القول أن الكوارث التي تحدث في الطبيعة، هي مجرد ردود أفعال غاضبة من الطبيعة على إساءة الإنسان لها، وكأن الطبيعة تدور في دورات من الأفعال وردود الأفعال المضادة لها، ينكر السمة الغائية للتاريخ العالمي، ويختزلها في مجرد أفعال طبيعية متكررة لا رابط بينها.

ختامًا، وبناء على ما سبق، فإن قضية الألم والكوارث الطبيعية على قدر كبير من التعقيد. الكوارث ليست غضب الطبيعة، بل تحدث بسلطان الله المطلق. كما أنه ليس من الضرورة أن تكون للعقاب في كل حالة، وليس من الضرورة أن يكون العقاب غرضها الوحيد أو الجوهري. الكوارث لا تصيب إلا الأشرار الوارثين سقوط آدم، لكن ليس بالضرورة أن يكون هناك ارتباط مباشر بين الكارثة وخطايا مَنْ حلت عليهم. نحتاج أن نكف عن أن نكون آلهة بأننا نعلم كل شيء وراء تعاملات الله. ونحتاج أن نكف عن نسبة الألوهية للطبيعة وكأنها تعاقبنا على شرورنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس