الحياة الأبدية ومعرفة الله


الحياة الأبدية ومعرفة الله
 

وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ
(يو 17 : 3)


تسود الأوساط المسيحية بعض المفاهيم الغير دقيقة والغير مكتملة عن الحياة الأبدية ، فالبعض يرون أنها الحياة في السماء باعتبارها المكان الذي سنحيا فيه للأبد ، وهم بذلك يقصرونها علي مكان بعينه ، ولكن الرب يسوع المسيح يعلمنا هنا أن الحياة الأبدية غير محصورة بمكان ما ، إذ أنها هي معرفة الله سواء هنا علي الأرض أو فوق في السماء. فهي تبدأ معنا من هنا ونحن بعد علي الأرض ، فهي ليست شئ مؤجل سنحصل عليه فيما بعد. والبعض الآخر يرون في الحياة الأبدية طول المدة فقط ، فإن سأتلهم ما هي الحياة الأبدية ، أجابوك أنها تعني أننا سنحيا إلي الأبد ، وهم بذلك أيضا يقصرونها علي مجرد طول المدة. ولكن ليس هذا هو كل ما تعلمه كلمة الله عن الحياة الأبدية ، فكلمة الله تعلمنا أن الحياة الأبدية لا تعني فقط أننا سنحيا إلي الأبد ولكنها تعني أيضا أنها حياة الأبد أو حياة الدهر الآتي (life of the age to come) ، فإلي جوار فكرة طول الحياة التي سنحياها (Longevity) نري أيضا جودتها ونوعيتها (Quality) ، فهي نفس نوعية عصارة الحياة المباركة التي سرت في حبة الحنطة بعد أن ماتت ثم أتت بثمر كثير ، وهي أيضا نفس نوع الحياة المجيدة التي سنحياها في ملئها عندما نترك بيت خيمتنا الأرضي ، أي الجسد ، الذي يحول بيننا وبين ملء هذا التمتع. ونستطيع أن نري صورة لهذا في إقامة اليشع لابن المرأة الشونمية من الموت ، فعندما تمدد إليشع علي جسد الولد ابتدأ يسخن وابتدأ ينتقل دفء الحياة من إليشع إلي جسد الصبي حتي قام من الموت. فكان إليشع بالنسبة للصبي هو مصدر حياته الجديدة ، إذ إنتقلت إليه سخونة حياة النبي فأقامته من الموت ، لقد أتحد إليشع نفسه بالصبي فأخذ موته وأعطاه حياته ، ونحن أيضا سرت في كياننا قوة قيامة ربنا يسوع المسيح فأقامتنا من الموت وصار لنا أيضا نفس قوة القيامة العاملة فيه. إذا فالحياة الأبدية هي تلك الحياة التي نحصل عليها في معرفتنا بالله "أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته".

 ولكي نفهم فكرة الحياة الأبدية جيدا علينا أن نتأمل في كلمات الرب يسوع المسيح عنها. فالرب يربط بين الحياة الأبدية وبين معرفة الله "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته". وهذا من شأنه أن يخرج من أذهانا الأفكار التي طالما رسخت فيها بأنها بركة نحصل عليها بمعزل عن الله. فليست الحياة الأبدية شئ منفصل عن شخض الله ، ولكنها الإرتباط ، بل الإلتصاق ، بل الإتحاد بالإله الحق والحياة الأبدية. وليست أيضا الحياة الأبدية مكافأة نحصل عليها إن عملنا أعمالا صالحة ، ولكنها تكمن في معرفة الله ، وفي العلاقة معه ، حيث يعلن لنا عن ذاته ومحبته.

فليست إذا الحياة الأبدية محصورة في مكان ما ، أو زمان بعينه ، أو بظرف ، أو نشاط ما. ولكنها مرتبطة تمام الأرتباط بمعرفة الله. إذ أن معناها يكمن في العلاقة التي يضعها الرب يسوع المسيح أمامنا هنا ، فهو يربط بين الحياة الأبدية ومعرفة الله.
ونريد بنعمة الله أن نتأمل في أوجه تلك العلاقة بين معرفة الله والحياة الأبدية

الوجه الأول: معرفة الله هي أساس الحصول علي الحياة الأبدية (المعرفة الإختبارية)

إن كانت معرفة الله هي أساس حصولنا علي الحياة الأبدية. فأي نوع من المعرفة يقصده الرب هنا؟ بكل تأكيد ليس المقصود بالمعرفة هنا هي مجرد المعرفة العقلية بوجود إله يرعي البشر ويحبهم ، وليست هي المعرفة الناتجة عن قبول شهادة الطبيعة عن خالق للأشياء وحامل لها بكلمة قدرته ، يقول سبرجن "ليست الحياة الأبدية هي أننا نعرف أنه يوجد إله ، فهناك الملايين يمتلكون هذه المعرفة ولكنهم لازالوا أموات ، فهؤلاء الذين لا يعرفون أنه يوجد إله هم أموات في الظمة ، أما أولئك الذين يعرفون أنه يوجد إله ولكنهم لا يؤمنوا به فهم أموات في النور".

وليست هي مجرد الإعتراف بالقول أننا نعرفه بينما بالأعمال ننكره "يعترفون أنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه" (تي 1). والمعرفة التي نقصدها هنا تتضمن القبول لدي الرب ، فعندما نعرفه المعرفة الصحيحة نصبح مقبولين لديه ، وهذا كان عكس الحال مع هؤلاء اللذين صنعوا بعض المعجزات بإسمه "أليس بإسمك تنبأنا وبإسمك أخرجنا شياطين وبإسمك صنعنا قوات كثيرة ، حينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7) لقد ادعو هم معرفته وعمل أعماله ، لكن تلك المعرفة لم تكن حقيقية لأنها لم تتضمن القبول عنده. فكانت أعمال هؤلاء تفضحهم. وليست هي معرفة التدين السطحي مثل التي كانت لنقوديموس ، فقد كان معلم إسرائيل ولم يعلم كيف يولد الإنسان من فوق لأنه هو نفسه لم يكن مولودا من فوق "أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا". وما أكثر الذين يشبهون نقوديموس في وقتنا الحاضر ، إذ لهم معرفة التدين الظاهري لكن ليس فيهم ذلك العمل السري الداخلي في القلب ، فهم ولدوا في عائلة مسيحية ويواظبون علي الكنيسة ، وربما يقومون بأنشطة كنيسة كثيرة ، لكنهم لم يقبلوا أبدا ذلك العمل الخفي في القلب ، فريح التجديد لم تهب علي حياتهم. وكما احتاج نيقوديموس إلي الولادة الجديدة رغم كل الإمتيازات الدينية التي كانت له ، هكذا كل واحد منا يحتاج إلي عمل الله المجدد في القلب ، إذ أن كل شئ آخر يصدر عن الإنسان كالبر الذاتي والتدين لا يعدو إلا أن يكون نفاية إذا ما قورن بعمل المسيح في القلب.

وإن كانت المعرفة هنا ليست هي معرفة العقل بوجود خالق أو معرفة الإعتراف بأننا نبتعه أو معرفة التدين السطحي ، فأي نوع من المعرفة نقصده هنا؟ المقصود بالمعرفة هنا هي المعرفة الاختبارية العميقة والناتجة عن عمل الروح القدس في القلب. وهذا ما يخبرنا به يوحنا الرسول عن محبة الله التي عرفناها في المسيح "بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا" (1 يو 3 : 16) ، وهذه الآية وردت في احدي الترجمات الإنجليزية كالآتي:
This is how we’ve come to understand and experience love
ويمكن ترجمة هذا إلي الآتي "بهذا قد فهمنا واختبرنا المحبة"
هي اختبار يمس كل جوانب الحياة الإنسانية ، إننا نعرف الله ونختبره ليس من أجل الحياة في السماء فقط ، ولكن من أجل الحياة علي الأرض أيضا. فالروح تتصالح مع خالقها وتتصل به من جديد ، والنفس تحصل علي السلام الناتج عن هذه المصالحة ، والقلب يتجدد ويتحرر من عبودية الخطية ، فهي معرفة تشمل الكيان كله. إننا نعرف الله بل أننا أيضا نُعرف من الله ، وكأن هذه المعرفة شئ يكتنفنا ويحيط بنا من كل ناحية "وَأَمَّا الآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ اللهَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ" (غل 4 : 9)

فمعرفة الله المقصودة هنا إذا هي المعرفة الإختبارية العملية لمحبته ، هي تلك المعرفة التي حصل عليها المولود أعمي والذي كان واحدا من العامة ، لكنها لم تكن لدي أي واحد من هؤلاء اللذين وبخوه وانتهروه من قادة اليهود ، إنها تلك المعرفة التي نري ثمارها في زكا بعد أن غيره المخلص وأراد أن يوزع نصف أمواله علي المساكين ، وهي أيضا تلك المعرفة التي نري حماستها وأشواقها في السامرية عندما شهدت "هلموا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت" ، وهي أيضا تلك المعرفة التي اختبرها الشعب في القديم بعد أن حررهم الرب من العبودية وشق البحر من أجلهم "عرف موسي طرقه وبني إسرائيل أفعاله".

ومعرفة الآب لا تصح بدون معرفة الإبن أيضا والشركة معه "يعرفوك أنت .. ويسوع المسيح" ، فهؤلاء الذين يدعون أنهم يعرفون الله الواحد الأحد هم في الحقيقة هم لا يعرفونه لأنهم لم يعرفوه من خلال المُعْلِن الحقيقي له ، وهؤلاء الذين يعتقدون أنهم يعرفون يهوه المعرفة الصحيحة ولا سواهم يمتلك هذه المعرفة هم في الحقيقة لم يعرفوا يهوه ولا اختبروه لأنهم لم يعرفوه من خلال الرب يسوع الذي أعلنه ، فمعرفة الآب مستحيلة بدون معرفة الإبن المعلن له.
وبناء علي هذه المقابلة المغيرة مع الله وقبوله لنا نُمْنح عطية الحياة الأبدية ، فتحيا الروح إلي الأبد لأنها تدخل في علاقة وارتباط أبدي بخالقها.

ولكن هل نحن في حاجة إلي معرفة الله؟ لقد خلق الإنسان وله هذا الإمتياز ولكنه فقده بالسقوط ، يقول سبرجن "لقد فقد الإنسان معرفته بالله عندما حصل علي نوع آخر من المعرفة وهي معرفة الخير والشر ، وعندما فقد المعرفة بهذا الإله فقد أيضا الحياة". وقد حاول الإنسان أن يعالج حاجته لمعرفة الله ببعض الإختراعات التي ربما تسبب له سرورا مؤقتا ولكنها بكل تأكيد لن تشبعه مثل معرفة الله فنقرأ في تك (4) عن يابال الذي كان أبا لساكني الخيام ورعاة المواشي فقد أراد أن يكون رجل أعمال ناجحا وغنيا ، ونقرأ عن يوبال الذي كان أبا لكل ضارب بالعود والمزمار ، إذ إخترع ما يجعله سعيدا وفرحا ، وأخيرا نقرأ عن توبال الضارب كل آلة من نحاس وحديد ، وهذا هو البحث عن القوة ، فقد اخترع توبال الآلات لكي يحارب بها. وهنا نجد الإنسان باحثا عن ما يعوضه عن معرفة الله في السبل الخاطئة.

الوجه الثاني: وهذه هي غاية الحياة الأبدية أن يعرفوك في الشركة (حصلنا علي الحياة الأبدية لكي يكون لنا شركة معه)

وإن كانت معرفتنا الإختبارية هي أساس حصولنا علي بركة الحياة الأبدية ، لكننا نستطيع أن نري أيضا أن الغاية من الحياة الأبدية هي أن تكون لنا شركة مع الله ، فنحن خلصنا ودخلنا دائرة الله وأصبحنا أبناء له لكي نعيش في شركة دائمة معه.

في صلاة الرب هنا نري أن الحياة الأبدية هي أن نعرف الآب كالإله الحقيقي وحده ويسوع المسيح الذي أرسله ، وكلمة "الإله الحقيقي وحدك" ليست هنا بالمقابلة مع الرب يسوع ، لأنه هو أيضا الإله الحق والحياة الأبدية بحسب (1 يو 5 : 20) ولكن الإشارة هنا إلي الآب كالإله الحقيقي هي بالمقابلة مع الأوثان التي لا تري ولا تسمع ولا تتكلم ولا تشعر.  فمعرفتنا للآب هنا هي كإله حقيقي وليس كالآلهة الوثنية المجردة من الحياة ، وبولس أيضا يتكلم عن الله باعتباره الحي الحقيقي بالمقابلة مع الأوثان "كيف رجعتم إلي الله من الأوثان لتعبدوا الله الحي الحقيقي" (1 تس 1 : 9) وعلي الرغم أن هذه المعرفة قد تكون هدفا في حد ذاتها إلا أن هناك أيضا هدفا آخر من هذه المعرفة هو أن تكون لنا شركة مع هذا الإله الحقيقي إذ أنه إله حي وليس كالأوثان البكم ، وليس ذلك فقط بل هو أيضا مصدر كل حياة.

كما أن الرب يسوع المسيح يشير إلي الآب هنا كالإله الذي أعلن عن نفسه في مسيحه ، وهذا يذكرنا بالشعب في القديم ، كيف كانوا يعرفون يهوه كإله محتجب لم يري مجده ولم يعلن عن نفسه إلا بعض الإعلانات الجزئية للقليلين مثل موسي الذي كان يكلمه في جو من الضباب والرعود والبروق ، ولكن الآب أعلن عن نفسه الإعلان الأعظم في شخص إبنه ولم يعد محتجب كما في القديم ، إذ أنه الآن الإله الظاهر في الجسد والمعلن في شخص ابنه القدوس ، فهو الإله الذي أحب البشر وخيم في وسطهم.

فليس الدين إذا ممارسه جوفاء لأمور روحية تخلو من المعني أو العلاقة ، ولكنها علاقة وشركة دائمة بإله حي حقيقي نحبه ويحبنا. فبعد أن ملك داود علي اسرائيل بعد موت شاول ويوناثان ، أراد أن يصنع معروفا مع أي شخص بقي من بيت شاول من أجل يوناثان ، وكان مفيبوشث ابن يوناثان أعرج من رجليه كلتيهما ، فأحسن إليه داود باستبقائه واعطاءه كل حقول شاول ، والأعظم من كل هذا وذاك هو أنه سيأكل خبزا علي مائدته دائما ، فيتمتع بشركة دائمة مع داود الملك. فالله خلصنا وأعطانا ميراث الحياة الأبدية لكي نأكل ونشبع علي مائدته الروحيه ، ولكي نعيش في شركة مشبعه مع شخصه إلي الأبد.

الوجه الثالث: وهذه هي طريقة التمتع بالحياة الأبدية علي الأرض أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته (المعرفة هنا تشير إلي أن نسعي لمعرفة أعمق لله)

قلنا أن الحياة الأبدية ليست فقط هي طول المدة التي سنحياها في السماء ، ولكنها تشير أيضا إلي نوعية وجودة تلك الحياة ، فهي نفس الحياة التي أقامت الرب يسوع المسيح من الموت ، وهي أيضا نفس الحياة التي أقامنا بها الله من موت خطايانا. ولا شك أن المؤمن حصل علي نوعية وجودة هذه الحياة وهو لم يزل يحيا علي الأرض ، ولكننا لن نتمتع بملئها إلا في السماء عندما نتخلص من العائق الوحيد وهو الجسد الذي تسكن فيه الخطية. ومع ذلك فنحن نستطيع أيضا أن نختبر هذه الحياة الأبدية هنا علي الأرض ، وذلك عن طريق معرفة الله اختباريا في كل يوم من أيامنا علي الأرض.

نص الآية هنا في اللغة الأصلية يشير إلي المعرفة باعتبارها ملاحقة أو سعي (pursuit) ، شئ ننتبعه ونسعي إليه. فمعرفة الله ليست فقط هي إعلان الله لنا عن نفسه بالروح القدس علي أساس عمل المسيح "أعطانا بصيرة لنعرف الحق" (1 يو 5) ، ولكنها أيضا ملاحقة وسعي نقوم به.

إن معرفة الله اختباريا وحصولنا علي الحياة الأبدية يخلقان في قلوبنا الرغبة لمزيد من معرفته وللسعي إليها "لنعرف فلنتتبع لنعرف" ، فهوشع يخبرنا بأن الله سوف يعلن عن نفسه للشعب وسوف يكون هذا الإعلان بمثابة الدافع والحافز لكي يسعوا هم في إثر معرفة أعمق لله ، فهم عرفوه وسيتابعوا معرفته. فإن معرفتنا للرب إذا هي نفسها الدافع لمزيد من معرفة الرب
لهذا تطالبنا كلمة الله بالنمو في المعرفة "انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح" (2 بط 3 : 18)
يقول جون وسلي "قد يكون هناك نعمة بدون نمو مثلما يوجد حياة طبيعية بدون نمو ، ولكن مثل هذه الحياة المريضة للجسد أو الروح تنتهي بالموت" ، ويقول أيضا الكتاب عن هذا النمو في المعرفة "لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضي مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله" (كو 1 : 10) ، نامين في معرفة الله ترد في النص الأصلي نامين بواسطة معرفة الله.

ولكن كيف نحقق هذا السعي في المعرفة؟ إننا في سعينا لنعرف الرب أكثر علينا أولا أن تكون لنا شركة قوية به كل يوم ، ينبغي أن تكون لنا حياة الشركة المنتظمة والمستمرة مع الله ، فعلينا أن نقترب إليه يوميا في شركة معه نكلمه ويكلمنا ، نتأمل في صفاته ، ونفرح بالعلاقة معه. ثم أنه ينبغي أن تكون هذه الشركة هي حالة نحياها وليست مجرد ممارسة يومية ، فينبغي أن نكون في روح الشركة العميقة مع الله طول اليوم وليس فقط لجزء من اليوم. فعروس النشيد أرادت أن تتبع الراعي إلي المراعي "فسألته أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعي أين تربض عند الظهيرة؟" (نش 1 : 7). فهي لم تكتفي فقط بالوقت الذي تقضيه معه بعد رعايته من الغنم لكنها كانت تشتاق أن تكون معه طول الوقت.

وثانيا علينا أيضا أن نزرع للروح حتي نحصد حياة أبدية ، إننا في مسعانا يجب أن نزرع للأمور الروحية لكي نحصد حياة أبدية ، ولكي نتمتع ببركاتها هنا علي الأرض فنختبرها ليس فقط في السماء بل وهنا ونحن بعد في الجسد. وليس معني هذا أننا سنحصل علي الحياة الأبدية كمكآفأة للسلوك بالروح ، لأننا نحصل علي الحياة الأبدية بالإيمان "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية" ولكننا سنحصد بركات الحياة الأبدية فينا ليس فقط في السماء ولكن هنا علي الأرض أيضا إن زرعنا للروح واهتممنا للروح "لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادا ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل 6 : 8)

وثالثا هذه المعرفة تعني أيضا التشبه به "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته" ، ويبغي أن ننظر إلي هذا النص حرفيا كما يقول ف . ب . ماير ، فهو يقول أن الرسول بولس كان مستعد أن يختبر حرفيا القيامة والألم والموت ، وأن يشارك ويتشبه بالمسيح فيها جميعا. فلا شك أننا سننموا في معرفة الله إن تشبهنا بالمسيح مثل بولس. ونحن نحتاج إلي قوة القيامة أولا كما تعلمنا الآية لنتمكن من معرفته والتشبه به في شركة آلامه وموته.

ولعلك بعد هذا الحديث عن الإرتباط بين الحياة الأبدية ومعرفة الله تسأل ذلك السؤال القديم الذي سأله الشباب الغني عندما جاء للمسيح قائلا "أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" ، والإجابة علي هذا السؤال نجدها في قول الرب يسوع المسيح "إذ أعطيته سلطانا علي كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته" (يو 17 : 2) ، فالرب يسوع المسيح هنا يعطي الحياة الأبدية كهبة ، فهي بركة لا يمكن أن تشتري بالأعمال الصالحة أو تكتسب بناء علي أي استحقاق فينا ، ولكننا نعطي إياها كعطية. ولماذا لا نستطيع أن نشتريها بالأعمال؟ لأنها غالية الثمن جدا ، فلابد أن ندفع ثمن الخطية أولا ، ولهذا فهي تعطي عطية لأنه لا يوجد من يستطيع شرائها ، والرب يسوع المسيح هو من له هذا السلطان أن يعطي مثل هذه العطية وذلك لأنه قدم ثمن الخطية وأتم مطالب عدل الله وقداسته ، ومن ثم أعطاه الآب هذا السلطان. فالرب يسوع المسيح استحق أن يوهب هذا السلطان من الآب بناء علي إيفاءه بدين الخطية ، وما علينا إلا أن نقبل من يده تلك الهبة "لأن أجرة الخطية هي موت أما هبة الله فهي حياة أبدية" (رو 6 : 23). فهل نقبل عطية الحياة الأبدية منه؟؟ آمين







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس