من كور الحديد إلي الوطن السعيد


من كور الحديد إلي الوطن السعيد
(تك 31 ، خر 14)

إن واحدة من الروائع التي يمكن أن نجدها في كلمة الله هي أن قصة خروج يعقوب من بيت خاله لابان تتشابه في شكلها العام مع قصة خروج نسله من بيت العبودية في مصر. وليس ذلك فقط ولكن الأمر المذهل أيضا هو أن هاتان القصتان ما هما إلا صورتان جميلتان لما حدث معك ومعي يوم افتقدتنا نعمة الله وأخرجتنا من بيت القوي ، وهي نفس القصة التي لازالت تحدث كل يوم مع كثيرين أيضا إلي يومنا هذا ، إنها تلك القصة القديمة الجديدة ، التي تخبرنا عن نعمة الله المخلصة مع البشر قديما وحديثا.

أدهشني كثيرا التشابه الجم الذي بين هذه المرحلة من حياة يعقوب وهو في بيت لابان خاله ثم إخراج الرب له من هناك ، وبين نسله وهم في  كور الحديد ثم خلاصهم علي يد موسي. وإذا طبقنا ذلك روحيا علي أنفسنا لوجدنا وكأننا ننظر في مرآة ترينا ما حدث معنا بالضبط عندما ربط مخلصنا القوي وأخرجنا من بيته. سبع نقاط مشتركة بين ما حدث مع يعقوب في خروجه من بيت خاله وبين ما حدث مع نسله في خروجهم من أرض مسخريهم. ولأنه ليس هناك شئ أكثر عذوبة للأذن التي تقدست بالدم (خر 29 : 20) من أن تستمع إلي تلك القصة مرارا وتكرارا ، فدعونا إذا ننتبع يعقوب ونسله ، كل في أرض غربته ، كيف افتقدهم النعمة وخلصتهم بذراع رفيعة ، وأخرجتهم إلي الرحب.

1- كلاهما كان مستعبدا في أرض غريبة

بعد أن خدع يعقوب أخيه عيسو وأبيه أسحق أضطر للهروب من البيت خوفا من بطش عيسو ، فأشارت عليه أمه بأن يذهب ويتغرب عند خاله لابان. فقام يعقوب وذهب إلي خاله لابان وأبتدأ من هنا يحصد ثمار خداعه القديم. عاش مع خاله عشرون سنة ، خدم أربعة عشرة سنة من أجل راحيل ، وست سنوات من أجل الغنم. عشرون سنة من الخدمة الشاقة والخديعة عاشها يعقوب في كنف لابان. طلب منه أن يخدمه أولا مقابل زواجه من راحيل ، ثم خدعه فلم يزوجه إياها بل زوجه ليئة. فعاد واستغله وأخبره أنه يستطيع أن يخدم سبع سنين أخري مقابل راحيل. وبعدما ولدت راحيل يوسف إبنها قرر يعقوب الإنفصال عن لابان (تك 30 : 25 – 43) ، فلم يدعه لابان بل حاول إستغلاله بأن يسخره لخدمته من جديد. وبحسب طلب يعقوب كانت الأجرة هذه المرة هي الغنم. ولكن الأمر المحزن أيضا أن لابان لم يلتزم بإتفاقيته مع يعقوب بل نجده يغير أجرته عشرة مرات (تك 31 : 7 ، 41). وبعد أن بارك الرب في نصيب يعقوب من الغنم (31 : 9) تغيرت معاملة لابان وبنيه له ، وبهذا تكون قد فاضت كأس العبودية والخدمة الشاقة التي كان يتجرعها يعقوب في بيت خاله. إستغل لابان ابن أخته أسوأ إستغلال واستعبده عشرون سنة وليس فقط لم يراعي أي قرابة بينهما ، بل أنه لم يعامله حتي معاملة عادلة بل غدر به وخدعه. وكان يعقوب يخشي لابان وبطشه حتي أنه لم يستطع اخباره برحيله بل تركه هاربا.

وإن كان هكذا الحال مع يعقوب فإن الشئ الغريب هو أن نصيب نسله من العبودية لم يكن أفضل منه بأيه حال من الأحوال. فكما أستعبد أبيهم في بيت خاله الذي ذهب لاجئا له محتميا في ظله ثم تحول عدوا كارها له ، هكذا أيضا ذهب نسله إلي مصر لكي يشبعوا من خير حنطتها في وقت المجاعة ولكي يحتموا في ظل أخيهم يوسف ولكن إنتهي بهم الحال كعبيد لا قيمة لهم تحت يد واحد من أقسي ملوك العالم في ذلك الوقت. وكما خشي وحسد لابان وبنيه بركة يعقوب هكذا أيضا حدث مع نسله "هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا .. فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم فبنوا لفرعون مدينتي مخازن: فيثوم ورعمسيس .. فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف ومررا حياتم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل" (خر 1 : 9 – 14). يقول جون وسلي "إنهم لم يسخروهم فقط لخدمة فرعون بما يحقق له الربح الكافي ، ولكنهم سخروهم بقسوة وصرامة ، حتي صارت حياتهم مرة ، لكي يكسروا أرواحهم ويسلبوا كل طاقة لهم ، فدمروا صحتهم وقصروا أيامهم حتي يقل عددهم ، حتي أحبطوهم وأثنوهم عن الزواج إذ أن أولادهم سيولدون عبيد ، وحتي ينضموا إلي المصريين ويتركوا كل واحد أخاه العبراني. وهذا ما حدث فعلا ، فقد سبب هذا الإستعباد أن يتحول الشعب عن عبادة الله إلي عبادة الأصنام ، فعبدوا آلهة أخري (يش 24 : 14). ولكنهم صرخوا إلي الرب من أجل العبودية القاسية فسمع الرب صراخهم وأرسل لهم موسي ليخلصهم من شقاوتهم.

إن الإنسان في إنفصاله عن الله يشبه يعقوب ونسله في أرض عبوديتهما ، فقد خلق الإنسان حر في شركة مع الله ولكنه سرعان ما فقد هذا الإمتياز عندما عصي قول الرب وأكل من الثمرة المحرمة فإختار بذلك أن يكون عبدا للخطية والشيطان. ومن تلك اللحظة والإنسان يحيا كعبد ، إذ أن كل من يفعل الخطية هو عبد للخطية. وما أمرّ عبودية الخطية وقسوتها ، فهي سيد قاس لا يستطيع الإنسان الطبيعي أن يتحرر من عبوديته ، فإرادته مقيدة (يو 8 : 34) ، بل والأخطر من ذلك أن الإنسان يتلذذ بفعل الشر ، فالإنسان الطبيعي يستمرء عبودية الخطية ولا يريد أن يتحرر منها ، وإن أراد أستحال ذلك عليه. عزيزي الخاطئ ، يا من لم تتقابل بعد مع المخلص المحرر من عبودية الخطية: ألا تشعر بسياط الخطية وهي تهوي علي نفسك؟ ألا تشعر بغربتك روحيا عن الله كما شعر يعقوب بذلك؟ ألا تشعر بأنك عبد ذليل للشر تنفذ إرادة الشيطان في حياتك ولا تسطيع أن تحيا لله؟ ألم تمرر الخطية حياتك بعبودية قاسية؟ كم مرة حاولت أن تتخلص من تلك العادة أو ذلك الإدمان أو تلك الخطية التي سيطرت علي حياتك بصورة مزعجة؟ عندما قال الرب يسوع أن الخاطئ عبد للخطية كان يقصد بهذه الكلمة كل ما فيها من معني. فعلي الرغم أنه كان يوجه هذا الكلام لليهود المتديونون ، إذ أنهم أبناء إبراهيم حسب الجسد وأصحاب الإمتيازات الدينية الكثيرة ، ولكنهم كانوا عبيد للخطية مع كل ذلك ، لأنهم أحبوا فعل الشر. فليس تدينك دليل علي أنك تحررت من عبودية الخطية ، بل ربما يكون ذلك التدين بعينه هو مجرد قشرة خارجية تخفي ورائها تلك الحالة المذرية من العبودية التي تحيا فيها. وفي قول الرب "كل من يعمل الخطية" لا يقصد مجرد فعل واحد للخطية ولكنه كان يتكلم عن توجه عام لقلب الإنسان المستقل عن الله والذي تسيطر علي حياته نزعة الشر وحالة الخطية حتي ولو كان ذلك الإنسان متدينا مثل اليهود الذين وجه لهم الرب الكلام في يو (8).

2- كلاهما دعي من الله للخروج من أرض عبوديته

أراد الله ليعقوب أن يتحرر من عبوديته للابان الذي إستغله أسوأ إستغلال. فكل شئ قد وصل إلي ذروته الآن. ليس فقط بسبب طول المدة التي قضاها محتملا فيها إستعبادا قاسيا ، ولكن أيضا قد ابتدأت روح الحسد والخوف من غني يعقوب تسيطر علي لابان وبنيه ، فتغيرت أوجههم تجاه يعقوب ولم تعد كأمس وأول من أمس. وعلي الرغم من رغبة يعقوب الإنفصال عن لابان قبل ذلك كما نفهم من (تك 30 : 25) إلا أنه رضخ مع أول ضغط من لابان. فلعل هذا معناه أن رغبته لم تكن حقيقية في الإنفصال عنه ، ولم يكن يشعر بعد بمرارة استعباد لابان له؟ ربما. هل لأنه كان خائفا من العودة إلي كنعان حتي لا يبطش به عيسو؟ أم هل لأنه كان خائفا من بطش لابان إن صمم علي الإنفصال؟ ما بين (تك 30 : 25) و (تك 31 : 17 – 18) هو ست سنوات من الخدمة مقابل الغنم. ولكن الرب يوجه له الدعوة ليس فقط بالخروج من عند لابن ولكن أيضا بالعودة إلي أرض آباءه وعشريته. فليست الدعوة هي مجرد الإنفصال عن لابان الوثني ولكن أيضا بالرجوع إلي بيت إيل حيث مسح عمود الشركة مع الله. وكأن الرب يريد أن يقول ليعقوب يكفيك عشرون سنة من الخدمة والإستعباد للابان وأنت بعيد عن بيت إيل ، ذلك المكان الذي نذرت لي فيه نذرا (تك 28 : 20). لاشك أن الرب كان يشعر به تماما في ذلك الوقت وكان يقدر إحساسه بالقهر  والإستعباد. وكم كان من المهم أن يقدم له الرب الدعوة هذه المرة ، فربما لو تقدم له الدعوة من الرب للخروج لما توفرت له الشجاعة الكافية علي ذلك ، إذ أنه حاول ذلك سابقا لكنه رضخ للابان ربما خوفا من نتائج إتخاذ القرار ، أو ربما لأن شعوره بوطأة الإستعباد لم يكن قد وصل إلي ذروته بعد. وصوت الرب له يدل علي أن مشيئة الله له كانت الخروج من بيت لابان والعودة إلي بيت إيل حيث تقابل مع الله قديما.

إن الرب في محبته دعا أيضا نسل يعقوب ليخرجوا من أرض عبوديتهم ويأتوا إلي تلك الأرض التي حلف لآبائهم "لما كان إسرائيل غلاما أحببته ، ومن مصر دعوت ابني" (هو 11 : 1). شعر الله بمرارة العبودية التي عاش فيها الإسرائيليون تحت يد فرعون "إني رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم .. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين" (خر 3 : 7 – 8). وكم خارت عزيمتهم وشكوا في إرادة الله عندما إزداد تسخير فرعون لهم. وعلي الرغم من أن دعوة الله كانت واضحة لهم من البداية لكنهم لم يسمعوا لموسي من صغر النفس ومن العبودية القاسية (خر 6 : 9). ما أعظم دعوة الله للإسرائيليون للخروج من مصر ، إنها كانت دعوة للتحرر من القيود واسترداد كرامتهم وإنسانيتهم ، والخلاص والتوبة من العبادات الوثنية التي شاركوا فيها المصريين (يش 24 : 14) ، إنها كانت دعوة للرجوع من الأوثان إلي الله الحي الحقيقي ، ودعوة لإمتلاك الأرض التي التي تفيض لبنا وعسلا.

إن الرب يسوع المسيح أتي بنفسه متجسدا ليدع البشر إلي التحرر من عبودية الخطية عن طريق إنجيله. فالإنجيل هو دعوة الله الواضحة لكل خاطئ لكي ينقذه من سلطان الظلمة وينقله إلي ملكوت إبن محبته. فكل خاطئ هو عبد في سلطان الظلمة وما إن يقبل الدعوة الإلهية للحرية من ذلك السلطان حتي يصير رعية في ملكوت إبن محبته. إن كل خاطئ يحيا في إنفصال عن الله هو عبد لذاك الذي له سلطان الموت (عب 2 : 14).

أيها القارئ العزيز ، الباب الوحيد للخروج من أرض العبودية هو الرب يسوع المسيح الذي قال "أنا هو الباب إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعي" (يو 10 : 9) ، الرب يسوع المسيح فيه حرية الدخول والخروج. وهو يدعو كل واحد للتمتع بهذه الحرية ، فهي دعوة شخصية "لكي لا يهلك كل من يؤمن به" وأيضا "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم لأني نيري هين وحملي خفيف" (مت 11). وهي دعوة غير متوقفة علي ما نحن عليه ، فبإمكاننا بحالتنا المذرية هذه أن نتحرر من كل قيود إن لبينا دعوته لنا ، جاء زكا للمخلص كما هو فتحرر من عبوديته للمال. هي دعوة صادقة: فلا تلتفت إلي المفشلات أو أصوات العدو ولا تسمح لصغر النفس – كما كان الحال مع شعب إسرائيل – أن يحرمك من تصديق تلك الدعوة المباركة. وهي أيضا دعوة مصحوبة بالقوة ، فلا تظن أن الرب يدعوك أن تتحرر دون أن يقدم لك القوة علي ذلك ، لقد قال الرب في القديم للمرأة الخاطئة "إذهبي ولا تخطئي أيضا" ولم تكن كلماته مجرد كلمات جوفاء ، لكنها كانت كلمات مخلصة شافية محررة ، فهو الذي "أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من جميع تهلكاتهم" (مز 107).

3- كلاهما احتاج إلي تدخل معجزي من الله لخروجه

لم يكن إستقلال يعقوب عن لابان بالأمر السهل أبدا ، فكيف سيأخذ بنات لابان وأحفاده ويذهب بهم بعيدا؟ وأين هي الممتلكات التي بها يعول ذلك الجيش من البشر؟ وإن توفرت الممتلكات هل سيتركه بني لابان يرحل بها؟ وإن رضي لابان هل سترضي زوجاته بالإنفصال عن عائلتهن الكبيرة وأرضهن؟ وإذا تذللت كل العقبات السابقة كيف سيرجع إلي أرض أبيه وهوذا عيسوا مستعد للإنتقام؟ كان يعقوب في موقف لا يحسد عليه. ولكن رغم كل ذلك فإن كل هذه الصعوبات تذللت أمامه. أولا بصوت الرب له بأن يرجع إلي أرض أباءه وعشيرته ، فالرب الذي قال ارجع لاشك أنه سيذلل كل العقبات أمامه ، وإن كان يخشي إنتقام عيسو فالرب قادر علي إنقاذه. ثانيا ظهور الرب له في حلم وتشجيعه إياه بأن ثروته المادية ستزداد إذ أن الرب مزمع أن يباركه. ثالثا كانت زوجتاه أيضا مستعدتان ومهيئتان نفسيا للإنفصال عن أبيهما ، فبيع أبيهما لهما مقابل أربعة عشرة سنة من الخدمة كعبدات وليس كبنات له وإستغلال أرباح خدمة يعقوب له لمدة اربعة عشرة سنة هو وبنيه دون أن يكون أي نصيب لراحيل أو ليئة كان له أعمق وأشد الأثر في نفسيهما ، فقد شعرتا بأنهما لم تعاملا كإبنتين له بل كجاريات وغريبات عنه. رابعا بعد هروب يعقوب ظهر الرب للابان في الحلم وحذره من أن يكلم يعقوب بخير أو بشر. ولولا ظهور الرب وتحذيره للابان لإستطاع أن يصنع به شرا (تك 31 : 29). خامسا إن ظهور ملائكة الله له في محنايم بعد إنفصاله بسلام عن لابان كان واحدا من المشجعات العظيمة في طريق خروج يعقوب من عند لابان ووصوله إلي كنعان لكي يهنئوه علي إنفصاله عن لابان وصوله إلي هناك ، ولكي يذكروه أيضا ببيت إيل حيث رأي ملائكة الله صاعدة ونازلة علي السلم ، وأخيرا لتشجيعه لمواجهة الخطر الوشيك عند مقابلة عيسو. ودعي يقوب ذلك المكان "محنايم" والذي يعني "الجيش المضاعف" أو "الجيشين" ، وسواء كان المقصود هنا يعقوب والذين معه هم جيش وملائكة الله هم الجيش الآخر ، أم كان المقصود هو أن ملائكة الله كانوا جيشين أو فرقتين إحداهما خلف يعقوب لحمايته من لابان إن سولت له نفسه مطاردة يعقوب من جديد ، والآخر أمامه لحمايته من عيسو ، فإن يعقوب بكل تأكيد بورك بوجود جيش من الملائكة إلي جواره ، إذ أن الرب يوصي ملائكته به. سادسا لا نعلم علي وجه التحديد كيف تغير قلب عيسو ، لكنه كان تغييرا قويا وملحوظا ومباركا ، حتي أن يعقوب عندما رأي عيسوا قال "لأني رأيت وجهك كما يري وجه الله فرضيت علي" (تك 33 : 10) ، فقد كان وجه عيسو يشع بالمحبة الأخوية والعطف والأشواق لأخيه ، وكأنه رأي وجه الله في تعبيرات وجه عيسوا!

وإذا ذهبنا إلي مصر حينما كان الإسرائيليون مستعبدون ومسخرون لوجدنا أيضا أن خروج بني إسرائيل من مصر كان دربا من دروب المستحيل. فكيف سيطلق فرعون وجنوده والمصريون بني إسرائيل الذين ينعمون بخدمتهم ، فهم شعب غفير؟ كيف سيلين فرعون وهو الذي شدد وغلظ من تسخريهم؟ (لقب فرعون  تلك الفترة بأنه "نابليون مصر القديمة" فهو الذي اتسعت حدود الدولة المصرية جدا في عصره) وإن حدث هذا إلي أين سيمضون وهم لا يعرفون البرية وأخطارها وجدوبها؟ من سيقود مسيرتهم؟ وأين يجدون الطعام والشراب لرحلتهم الشاقة؟ وكيف سيطردون سبع أمم في كنعان وهم غير مدربون علي الحرب أو القتال ولا يمتلكون عجلات حربية مثل المصريين؟ لقد تطلب خروج بني إسرائيل من مصر لا معجزة واحدة ولا معجزتان بل معجزات كثيرة! من اللحظة التي أعلن الرب عن دعوتة ورغبته في إخراج الشعب إحتاج الأمر إلي معجزة تلو معجزة. فموسي الذي إختاره الرب لم يكن مقتنعا بنفسه بأنه أكفأ من يقوم بهذه المهمة ، فهو لم يكن صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس. ولا شك أن موسي نفسه كان يعرف تعقيد الموقف وصعوبته بل وإستحالته ، فقد تربي في القصر الملكي ويعلم جيدا من هو فرعون. لهذا تدخل الرب ليظهر قوته لموسي ويمنحه العصا والتي كانت تشير إلي السلطان الممنوح له من الله لإنجاز تلك المهمة. وبعد أن رأي موسي براهين قوة الله وسلطانه عندما كلمه من العليقة اقتنع. ولكن هنا نجد مشكلة أخري وهي كيف سيقنع هو أخوته بإرساليته؟ كيف سيصدقون أن الله أرسله ليخلصهم؟ إن الضربات العشرة علي فرعون والمصريون كانت أيضا بمثابة البرهان علي إرسالية الله لموسي. وعلي الرغم من قسوة الضربات التسع الأولي علي فرعون وعبيده إلا أنها لم تكن كافية لإرغامه علي إطلاق بني إسرائيل ، فضربة الأبكار هي التي زلزت قلوب المصريين جميعا فأطلقوهم من خدمتهم. وإغتنوا جدا عند خروجهم من مصر بطلبهم أمتعة ذهب وأمتعة فضة وثيابا فسلبوا المصريين. ولم تنته قصة عبوديتهم ومعاناتهم عند هذا الحد بل أننا نجد فرعون يستجمع قوته وشراسته من جديد ويسعي وراء بني إسرائيل فيصادفهم أمام بحر سوف. وهنا يتدخل الرب معجزيا أيضا فيشق البحر من أجلهم وينتقل ملاك الله وعمود السحاب ليقف وراء بني إسرائيل حتي أضاء الليل لهم وحال دون وصول فرعون وجنوده إليهم. ثم نجد أيضا عناية الله لهم في البرية بإرساله لهم المني والسلوي وتفجير الماء لهم من الصخرة وتحويل مياه مارة إلي مياه صالحة للشرب. وأخيرا الإنتصارات التي أعطاهم إياها في حروبهم مع الأمم التي كانت في أرض كنعان.

وبقدر احتياج يعقوب لتدخل معجزي من الله للخروج من لدن لابان بسلام واحتياج بني إسرائيل أيضا لتدخل معجزي لخروجهم من مصر بسلام ، بقدر إحتياج الإنسان الخاطئ إلي تدخل الله المعجزي لكي يخرج من سلطان الظلمة إلي ملكوت إبن محبته. فالإرادة الإنسانية مقيدة ، فهو متاع من أمتعة الشيطان (مت 12 : 29) ، وإبليس هو اب له (يو 8 : 44) ، وهو عبد للخطية لأنه لا يستطيع مقاومتها ، بل  ويتلذذ ويستبيح فعلها (تي 3 : 3). ناهيك عن ذهنه الذي تصفه كلمة الله بأنه ذهن مرفوض (رو 1 : 28) ، وغليظ (2 كو 3 : 14) ، وأعمي (2 كو 4 : 4) ، و باطل (اف 4 : 17) ، و مظلم (اف 4 : 18) ، وعدائي (كو 1 : 21) ، و فاسد (1 تي 6 : 5) ، ونجس (تي 1 : 15). والضمير موسوم (فاقد الإحساس) (1 تي 4 : 2) ، ونجس (تي 1 : 15). والروح ميتة بإنفصالها عن الله (كو 2 : 13 ، أف 5 : 14) في الحقيقة يعوزنا الوقت لحصر جوانب الفساد الإنساني. ولهذا فالإنسان غير قادر علي تغيير نفسه. قد يستطيع تهذيب نفسه من الخارج فقط وإضفاء بعض الإصلاحات السطحية ، ولكنه يظل كالقبر مبيض من الخارج ومملوء عظام أموات وكل نجاسة من الداخل. إن محاولة الإنسان تغيير نفسه تشبه محاولة الكوشي تغيير جلده والنمر رقطه. قديما سال الرب حزقيال: أتحيا هذه العظام؟ نعم إن قال الرب كلمته وأرسل روحه فتكسي عصبا ولحما وجلدا. إن الإنسان الخاطئ يحتاج إلي تحرير إرادته من قبل المخلص حتي يستطيع فعل البر (يو 8 : 36) ، ويحتاج إلي أن يولد من جديد حتي يتوق إلي عمل البر (1 يو 2 : 29)، ويحتاج إلي الروح القدس حتي يثمر فيه ثمار البر (غل 5 : 22). إن الإنسان الخاطئ في حاجة إلي إنسان جديد في داخله (2 كو 5 : 17). إن زكا بمجهوده الفردي لم يكن قادرا أبدا علي إنتاج ذلك التغيير المبارك في نفسه بل إحتاج الأمر معه إلي عمل النعمة. وشاول المضطهد المفتري المجدف الفريسي القاتل الأعمي إحتاج إلي تلك المقابلة المغيرة والتي أسقطت من علي عينيه القشور فتحول من مضطهِد للمسيح إلي مضطهَد من أجل المسيح.

4- كلاهما طورد من العدو بعد خروجه

ربما ظن يعقوب أنه بمجرد هروبه سينساه لابان ولا يبحث عنه ، ولكن ليس بعد ذلك بكثير يكتشف يعقوب أن هذا غير صحيح. فقد تعقبه لابان وسعي وراءه مسيرة سبعة أيام إلي أن أدركه في جبل جلعاد. وهذا يدل علي شراسة لابان وتصميمه في السعي وراء يعقوب والإمساك به لكي يقنعه علي العودة أو يجبره علي ذلك. وإن لم يستطع فقد ينتقم منه بتجريده من زوجاته وبنيه أو بإلحاق الأذي به إن إستطاع. لم يكن في قلب لابان من نحو يعقوب أي خير أو صلاح لكن مزيد من الإستغلال والإستعباد. يا له من قلب متججر شرير ، ألم يكتف بكل هذه السنوات من الخدمة الشاقة؟ أهذه مكآفة نهاية الخدمة أن تسعي وراء ذلك المسكين؟ لقد تهمم الأعداء يعقوب اليوم كله (مز 56 : 2). ولولا ظهور الرب للابان في الحلم ليحذره من أن يكلم يعقوب بخير أو بشر لربما فتك به. وليس معني تحذير الرب للابان بأن لا يكلم يعقوب بخير أوبشر هو أن لا يكلمه مطلقا أو يدخل معه في أي محادثة ، ولكن المقصود من قول الرب أن لا يستخدم أي أمور لترغيب يعقوب في العودة معه أو ترهيبه من الإستمرار في الرحلة إلي أرض كنعان. فغير مصرح له أن أن يستخدم شر أو خير لإثناء يعقوب عن عزمه بالإنفصال عنه والرجوع إلي عشيرته وأرض آباءه. فالرب هنا يصادق علي إنفصال يعقوب عن خاله ويقطع أيضا كل الطرق علي لابان عدوه بأن يرجع يعقوب كعبد من جديد معه إلي أرض الخدمة والعبودية التي استغله بها لمدة عشرون سنة أسوأ إستغلال. داود أيضا عندما كان يتعقبه شاول اختبر خلاص الله له "يرسل من السماء ويخلصني. غير الذي يتهممني. سلاه. يرسل الله رحمته وحقه" (مز 57 : 3)

ولم يكن يعقوب فقط هو الذي تهممه الأعداء اليوم كله ، بل نسله أيضا. فما إن سمع فرعون بتغيير في مسار الشعب حتي ظن أنه قد استغلق عليهم القفر وأنهم تاهوا فيه ، ولكن هذا ما شاءته العناية الإلهية حتي ما تكون آخر مرة يري فيها بني إسرائيل المصريون. ندم فرعون أشد الندم أنه أطلق بني إسرائيل من خدمته "فأخبر ملك مصر أن الشعب قد هرب ... ماذا فعلنا حتي أطلقنا إسرائيل من خدمتنا؟ فشد مركبته وأخذ معه قومه. وأخذ ست مئة مركبة منتخبة. وسائر مركبات مصر. وجنود مركبية علي جميعها" ويبدو أن فرعون كان متوقعا عودتهم مرة أخري حتي أنه أخبر أنهم قد هربوا. أو ربما يكون قد نسي من هول الفاجعة التي كان فيها أنه سمح لهم بالذهاب. أي كان السبب فإن فرعون بدأ يستجمع قوته من جديد ، فشد علي ست مئة مركبة منتخبة بها جنود مركبيون وسعي وراء الشعب المسكين. وعندما رأي الإسرائليون أن المصريون راحلون وراءهم فزعوا جدا. فهم الآن محصورون بين البحر والعدو القديم. يا له من إمتحان قاس فشل فيه الإسرائيليون ، فلا شك أنهم تذكروا أنهم غير متدربون علي الحرب وليس لديهم أسلحة أو مركبات مصفحة مثل المصريين. فليس بغريب أن تخور عزيمتهم ويفضلوا الرجوع إلي أرض العبودية عن أن يموتوا في القفر. ولكن ها هي ذراع الرب الرفيعة تمتد بالخلاص "قفوا وأنظروا خلاص الرب". فأمر الرب موسي أن يمد عصاه علي البحر فيشقه ليعبر بني إسرائيل. وفي الحقيقة لم تكن العصي هي التي شقت البحر بل "أنت شققت البحر بقوتك" (مز 74 : 13) فعبر بنو إسرائيل وإنتقل ملاك الله وعمود السحاب من أمامهم فوقف ورائهم لحمايتهم ، لكي يمنع تقدم المصريين ، وأيضا كما يقول ترجوم يوناثان "لأن المصريين كانوا يلقون حجارة وأسهم علي الإسرائليين فكانت السحابة تستقبل كل هذه لتحميهم". ويبدو أن عمود السحاب هذا كان جانبه المواجه للإسرائيليين مضئ حتي ينير الطريق أمامهم والجانب الآخر المواجه للمصريين مظلم حتي لا يروا أي شئ في عتمة الليل. ثم نري الرب يجري ريح شرقية شديدة كل الليل فجعل في وسط البحر ياببسة وانشق الماء. وتبعهم المصريون ودخلوا ورائهم ولكن الرب أشرف علي عسكر المصريين في عمود النار والسحاب وأزعجهم ، يقول ترجوم يوناثان "لقد أشرف من خلال عمود النار ليلقي عليهم جمرات نار ، وأشرف من خلال عمود السحاب ليلقي عليهم حجارة برد". ولا شك أن الرعود والبروق أزعجت الخيول فاندفعت خائفة جامحة وخرجت عن سيطرتهم. وإنخلعت بكرات مركباتهم فكانت ثقيلة جدا في جرها وقالوا "نهرب من إسرائيل لأن الرب يقاتل المصريين عنهم". فمد موسي يده علي البحر فرجع الماء علي المصريين ومركباتهم. فدفع الرب فرعون والمصريين وسط البحر (أي طرحهم من فوق مركباتهم) وغرقوا تحت لججه ولم يبق منهم ولا واحد. وسار بنوا إسرائيل علي اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم. ثم نظروا بعد ذلك فرأوا المصريين أمواتا علي شاطئ البحر. "ورأي إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين".

يقول جون بنيان في رائعته سياحة المسيحي أنه بعدما خرج المسيحي راكضا من مدينة الهلاك وسط صيحات أهله وجيرانه بالعودة وعدم الرحيل ، سعي ورائه إثنين من جيرانه لإقناعه بالعودة إلي الميدنة ، وهما المعاند والمذعن ، ولكن المسيحي كان ثابت العزم في مضيه فقاوم دعوتيهما بالرجوع. بل وحاول أيضا أن يقنعهما بالذهاب معه الأمر الذي خضع له المذعن بينما لم يحرك له المعاند ساكنا. فرجع المعاند إلي مدينة الهلاك أما المذعن فمضي معه قليلا إلي أن وصلا إلي مستنقع اليأس. وبينما يسيران غير منتبهين سقطا كلاهما في المستنقع فتحطمت عزيمة المذعن ، ولأنه لم يكن هناك عمل للنعمة في قلبه فقد قرر الرجوع إلي مدينة الهلاك ، بينما إستمر المسيحي في طريقه إلي المدينة السماوية.

بمجرد أن يأخذ المسيحي قرار إتباع المخلص خارج أسوار مدينة الهلاك والعبودية ، فإن العدو يبدأ في محاولات إثناءه عن عزمه. وقد يستخدم في ذلك أحباء لنا كما حدث مع المسيحي. فقد تكون المقاومة والمطاردة من داخل البيت. لذلك قال الرب يسوع "فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والإبنة ضد أمها ، والكنة ضد حماتها" (مت 10 : 35). قد يتحول الأحباء إلي مقاومين لنا بسبب إتخاذنا لقرار الخروج من أرض العبودية الروحية. أو قد تكون المقاومة مقنعة بإسم الدين ، فيقاوموننا بإسم الله كذبا ، فبعد أن أعلن المولود أعمي إيمانه بشخص المسيح أخرجه اليهود خارج المجمع. وكما حدث أيضا للكنيسة الأولي علي يد شاول الذي كان يضطهدهم. قد يستخدم الشيطان حيلا كثيرة وأشخاصا كثيرون لمطاردتنا وإرجاعنا إلي سلطانه ، لكننا في جميعها يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا.


5- كلاهما خرج ويحمل معه أثر من الماضي

سرقت راحيل أصنام أبيها. وكلمة أصنام حسب ما جاءت في العبرية هي "ترافيم" وتعني أصنام مختلفة الأشكال كانت تستخدم للعرافة أو للعبادة. ولكن لماذا؟ هل لأنها أرادت أن تحتفظ بتذكار من البيت الذي ربما لا تعود إليه أبدا؟ هل لأنها اعتقدت –  وكما كان سائدا – أن هذه الآلهة تعطي من يحملها الخصوبة أو الحق في الميراث ، وهي بذلك أرادت ليعقوب أن يكون هو رأس بيت لابان؟ أم هل لتستخدم للعرافة؟  لسنا نعلم علي وجه التحديد ما السبب الذي دفع راحيل لسرقة الأصنام ، ولكن يبدو أنها كانت آلهة للعبادة حتي أن لابان يدعوها آلهته (تك 31 : 30). ولذلك نجد يعقوب يأمر أهل بيته بأن ينزعوا الآلهة الغريبة من بينهم (تك 35 : 2). أي كان السبب الذي جعل راحيل تفعل ذلك فبكل تأكيد لا يصح أن يحمل من ينتمي إلي عبادة الإله الحي تلك الأصنام البكم. وهرب يعقوب المسكين من بيت لابان وهولا يعلم أن راحيل قد سرقت أصنام أبيها. فسار الموكب ووسطه تلك الأصنام ، دون أن يعلم قائد الموكب. ودخلت الأصنام وسط أهل بيت رجل الله بغير علمه. يا للخزي! مسكين يعقوب ، فإذ كان يظن أنه قد إنفصل عن علاقته بلابان الوثني الشرير إلي الأبد وإذ به يحمل آثار تنتمي إلي ذلك الماضي الأسود. وعلي الرغم أن يعقوب غير مسؤول مسؤولية مباشرة عن ذلك ، إلا أنه يظل مسؤلا بصفته رب هذه الأسرة وقائد هذا الموكب الذي من المتفرض أنه قد قطع علاقته بلابان عابد الأصنام. ويظل أيضا عرضة للآثار المتربة روحيا علي هذا الأمر في كونه عائقا للبركة (تك 35 : 2 ، يش 24 : 23 ، قض 10 : 16 ، 1 صم 7 : 3).

خرج بني إسرائيل من مصر وللاسف لم يخرجوا وحدهم بل "صعد معهم لفيف كثير أيضا" (خر 12 : 38) وهم ناس كثيرون مصريين وغيرهم خرجوا مع بني إسرائيل من مصر ربما لأنهم صاهروا بني إسرائيل أو لأنهم إنبهروا بالآيات التي صنعها الرب من أجل بني إسرائيل ، أو بسبب الخراب الذي حل علي مصر في الضربات العشرة. ثم نقرأ بعد ذلك في عدد (11 : 4) "واللفيف الذي في وسطهم إشتهي شهوة. فعاد بنو إسرائيل أيضا وبكوا وقالوا: من يطعمنا لحما". كان ذلك اللفيف هو سبب المشاكل بينهم ، فالشهوة إبتدأت منه "واللفيف الذي في وسطهم اشتهي شهوة" ، اشتهي أكل اللحم. فشئ طبيعي أن يشتهي هؤلاء الدخلاء ما تعودوا علي أكله في مصر ، ولكن الشئ الغريب أن بنو إسرائيل إنساقوا إلي نفس الشر فبكوا وقالوا من يطعمنا لحما؟ وتذكروا كل خيرات مصر المادية ونسوا أنهم كانوا يعيشون عبيد ، حياتهم كانت مكرهة لهم. صعد بنو إسرائيل من مصر غير مدركين للمصيبة التي حلت بهم بسبب صعود ذلك اللفيف الذي كان يشتهي بينهم ويثير شهواتهم ويدفعهم علي التذمر علي المن والسلوي وترتيبات الله.  حقا إن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة.

ونحن أيضا يوم صعدنا من أرض العبودية صعد في وسطنا لفيف الإنسان العتيق ، الذي يشتهي شهوة ، ويجعلنا نتذمر علي الطعام الروحي المبارك – ربنا يسوع المسيح – فنبكي علي أشياء رخيصة كانت جزءا من ماض تعس. هل تبكي أيها المؤمن علي صداقات وعلاقات خسرتها بخروجك من أرض العبودية؟ هل دفعك الليف في داخلك علي البكاء من أجل شهوات الماضي الأسود الذي كنت فيه عبدا بلا كرامة؟ آه ويحي أنا الإنسان الشقي فإني كثيرا ما أتذكر سمك وقثاء وبطيخ مصر وأنسي سياطها الموجعة! آه أيها العدو الخائن القابع في داخلي أتشتاق إلي الماضي المظلم وتنسي كم مرة تعثرت في ليله الحالك؟ إن الرب وحده هو الذي يستطيع أن يخلصنا من مركبات فرعون المطاردة لنا "كما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم أيضا إلي الأبد" ، ولكن في المقابل كان علي إسرائيل أيضا أولا: أن يصدقوا قول الرب له وخلاصهم من مصر وعبوديتها والإنتساب لها إلي الأبد ، فبدون تصديق حكم الله علي الإنسان العتيق في داخلنا يصبح من الصعب النصرة عليه "عالمين هذا أن إنسانا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية ، كي لانعود نستعبد أيضا للخطية" (رو 6 : 6) وثانيا: كان عليهم أن يتابعوا المسير إلي أن يعبروا بحر سوف. فإن أردنا أن نتخلص من عبودية مصر علينا أن نتابع المسير الروحي مع الله "اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد ، لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد ، وهذا يقاوم أحدهما الآخر ، حتي تفعلون ما لا تريدون" (غل 5 : 16 – 17).

أم هل إنفصلنا عن لابان ولا زلنا نحمل آلهة غريبة في وسطنا تعوقنا عن الصعود إلي بيت إيل للشركة "فقال يعقوب لبنيه ولكل من كان معه: إعزلوا الآلهة الغريبة التي بينكم وتطهروا وأبدلوا ثيابكم. ولنقم ونصعد إلي بيت إيل. فأصنع هناك مذبحا لله الذي استجاب لي في يوم ضيقتي ، وكان معي في الطريق الذي ذهبت فيه" (تك 35 : 2 – 3). وربما تتسائل أخي المؤمن: لماذا لا أشعر ببركة الله في بيت إيل؟ والإجابة هي أنه قبل الصعود إلي الشركة مع الله علينا أولا نزع كل الآلهة الغريبة. والآلهة الغريبة ببساطة هي كل الأشياء العزيزة علينا والتي تأخذ مكان ووقت الله في حياتنا وقلوبنا. وهذه الآلهة الغريبة ليست بالضرورة أشياء شريرة ، فربما يكون نجاحك المهني الذي يستحوذ علي كل تفكيرك واهتمامك هو الإله الغريب الذي يعطلك عن الشركة مع الله. أو ربما يكون الإلهة الغريب الذي في حياتك هو الكسل وعدم التحفظ للسلوك الروحي ، أو تجاهل وسائط النعمة. فلنصل أن يكشف لنا الرب عن الآلهة الغريبة التي في حياتنا حتي ننزعها.

6- كلاهما بورك عند خروجه

يلخص يعقوب بركة الله له فيقول "فإني بعصاي عبرت هذا الأردن ، والآن قد صرت جيشين". فإلي جانب البركة التي بورك بها يعقوب في نسله ، إلا أن خروجه من عند لابان كان مصحوبا بالبركة المادية الغير عادية. ونريد أن نلاحظ هنا ثلاثة أمور متعلقة ببركة يعقوب المادية: أولا كانت بركة متمثلة في غني غير عادي ، فبحسب الصفقة التي عقدها مع لابان فإنه ما يولد من غنم مخططة ورقطاء ومنمرة تكون كلها ليعقوب (وهذه السلالة التي بها علامات لم يكن يفضلها لابان) ، بينما الغنم الأخري ذات اللون الواحد كلها تكون للابان. والشئ الذي يدعو للإندهاش هو أن فرصة ولادة الغنم الرقطاء والمخططة والمنمرة كانت ضعيفة ، بل وحجز يعقوب هذه السلالة في قطيع خاص بها حتي لا تتناسل مع الأغنام أحادية اللون فتنتج أنواع تدخل في نصيب يعقوب. لذلك وافق لابان علي هذه الصفقة لأنها رابحة بالنسبة له ويعقوب هو الخاسر فيها ، ويكون بهذا قد وضع يعقوب مسألة غناه بين يدي الرب ليحدد ما هي الأغنام التي ستكون من نصيبه. ولكن رغم كل ذلك باركه الرب علي خلاف التوقعات ، فراحيل تصفه بأنه "الغني الذي سلبه الله من أبينا". بورك يعقوب بركة مادية شديدة حتي أن هديته لعيسو وحدها كانت كافية لإغناءه مدي الحياة ، خمس مائة وخمسون رأسا من الماشية! ثانيا: كانت هذه البركة متزامنة مع خروجه من عند لابان ، فلو بقي يعقوب في بيت لابان لما كان بورك هذه البركة ، وكل شئ كان سيظل تحت سيطرة لابان. ويمكننا أن نري في ذلك أيضا مكآفأة من الله له علي اتخاذه هذا القرار ، وأيضا تشجيعا له وتعضيدا له بعد خروجه ، إذ أنه سيحتاج إلي هذه الثروة المادية. وثالثا: لم تكن فقط بركة غير عادية من الله ليعقوب ولكنها كانت أيضا مكفولة بحمايته ، فقد حفظه الله من لابان وعيسو ومن اللصوص في الطريق ، فولولا ظهور الرب في حلم للابان بعد هروب يعقوب لكان علي الأقل قد جرده من كل أملاكه ، ولولا ظهور ملائكة الله في محنايم لحمايته ربما صعد عليه اللصوص وأخذوا كل ما له ، ولولا تغيير الله لقلب عيسو لكان قد انتقم منه وجرده من كل شئ.

"وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسي. طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا. وأعطي الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتي أعاروهم المصريين. فسلبوا المصريين" (خر 12 : 35 – 36). ونريد أن نلاحظ بعض الأمور هنا: أولا كانت بركة الشعب عن الخروج موعودة "فقال لأبرام: أعلم يقينا أن نسلك سيكون غريبا في أرض لست لهم ويستعبدون لهم ويذلهونهم أربع مئة سنة. ثم الأمة التي يستعبدون لها أن أدينها. وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة" (تك 15 : 13 – 14). لقد تنبأ ووعد بهذه الثروة التي سيخرج بها بنو إسرائيل من أرض مصر ، فقد كانت خطة الله لهم أن لا يخرجوا هكذا خاسرين ، ولكن علي الأقل مستردين لحقوقهم مقابل أربع مئة سنة من الخدمة الشاقة والإستعباد ، بل ومحاولات الإبادة الجماعية عن طريق قتل الأطفال الذكور. وثانيا كانوا في حاجة لأمتعة الفضة والذهب لأنهم كانوا ذاهبون لكي يعيدوا للرب في البرية فكانوا في حاجة للزينة لكي يضعوها علي بنيهم وبناتهم "بل تطلب كل إمرأة من جاريتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا ، وتضعونها علي بنيكم وبناتكم" (خر 3 : 22) لقد كانوا ذاهبين للإحتفال والعيد للرب إلههم في البرية. وثالثا أعطي الرب نعمة لبني إسرائيل في عيون المصريين حتي يعطوهم تلك العطايا ، فلولا تدخل الرب لباءت محاولتهم بالفشل ، ولكن كما فتح لهم الرب أبواب الخروج من مصر وكما فتح لهم طريقا في البحر بعد أن استغلق عليهم القفر فتح لهم أيضا قلوب المصريين فأعطوهم أمتعة فضة وذهب وثياب.

والمؤمن أيضا يبارك ويغني روحيا بمجرد خروجه من أرض العبودية وبإنتماءه إلي ملكوت إبن محبته. فكما إحتاج كل من يعقوب ونسله إلي البركات المادية التي خرجوا بها لكي يعيشوا من خيراتها هكذا المؤمن أيضا يبارك من أجل مسعاه الروحي هنا علي الأرض. ونري أيضا تشابها آخر وهو أنه كما تدخل الله معجزيا في بركة يعقوب وكما أعطي نعمة للشعب في أعين المصريين هكذا بوركنا نحن أيضا بدون أي عمل منا وبدون أي مؤهلات فينا ، فالعمل كان عمل ربنا يسوع المسيح وحده. وأخيرا كما بورك يعقوب ونسله بركة شديدة جدا عند خروجهما هكذا نحن أيضا بوركنا بلا حدود في شخص المسيح "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح" (أف 1 : 3) ، ويقول أيضا "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا. وأنتم مملوؤن فيه ، الذي هو رأس كل رياسة وسلطان" ، "كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوي ، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضلية" (2 بط 1 : 3).

7- كلاهما وصل إلي وطنه بعد صراعات ضارية

"ونذر يعقوب نذرا قائلا: إن كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه ، وأعطاني خبزا لآكل وثيابا لألبس ، ورجعت بسلام إلي بيت أبي ، يكون الرب لي إلها" (تك 28 : 20 – 21). تغرب يعقوب عشرون سنة عند لابان ، حفظه الرب في الطريق إلي هناك ، وفي بيت لابان أثناء سني الخدمة ، وفي طريق العودة إلي أرض كنعان أيضا. كانت رحلة محفوفة بالمخاطر من بدايتها ، وواجهته المصاعب من يوم هروبه من عيسو وإلي يوم لقاءه به من جديد. صاحبته ملائكة الله الصاعدة والنازلة علي السلم خطوة بخطوة ، رآهم في بيت إيل في بداية الرحلة لطمأنته في الطريق الصعب الذي كان سائرا فيه ، ثم رآهم أيضا في محنايم فور وصوله إلي أرض كنعان لتذكيره بعناية الله له. بورك رغم تعرضه للخديعة والغدر ، ورغم كونه يستحق ذلك إذ كان يحصد ما كان قد زرعه. صارع مع الناس وغلب: 1- صارع مع أبيه (تك 27) 2- صارع مع عيسو (تك ص 25 – 27) 3- صارع مع حميه لابان (تك ص 29 – 31) ، 4- صارع مع زوجاته (تك 30) 5- وصارع مع الله أيضا وغلب (تك 32 : 28). يا لها من رحلة طويلة مضنية مليئة بالصراعات والمراوغات ، تبدأ بالهروب من عيسو وتنتهي بالهروب من لابان ، يزرع خداعا ويحصد خداعا. لكن ما أعظم أمانة الله من نحوه ، فكما قال هو قرب نهاية رحلة العودة إلي الوطن "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلي عبدك ، فإني بعصاي عبرت هذا الأردن والآن قد صرت جيشين" (تك 32 : 10). آه إنها تلك الأمانة التي وعدته بملائكة المعونة صاعدة ونازلة علي السلم لكي تسير معه إلي أن يعود بسلام إلي بيت أبيه .. آه إنها تلك الأمانة التي استقبلته أيضا في محنايم في وقت عصيب كان يجتاز فيه. ولنا أن نتخيل مقدار السرور الذي شعر به فور وصوله أرض كنعان ولقاءه لأحباءه الذين انفصل عنهم من جديد. إنه لن يعود يري وجه لابان من جديد ، ولن يصير عبدا مرة أخري مقابل زواج أو أغنام ، لن يعيش كغريب في بيت آخر ، بل سيعيش مواطنا سعيدا في بيته وسط عشيرته وأهله ، وفي أرض آباءه الأتقياء.

ولا شك أن نسل يعقوب أيضا كان لهم نصيبا جما من الصراعات والمشقات. صارعوا مع فرعون في أرض العبودية فضاعف تسخيرهم ، بل وحاول إبادتهم بقتل الأولاد الذكور الذي يولدون لهم ، ولكن حسبما أذلوهم هكذا إمتدوا ونموا. وعند بحر سوف بعد خروجهم من مصر طاردهم فرعون ليرجعهم إلي سخرته ولكن الرب شقق البحر بقوته أمامهم والفرس وراكبه طرحهما في البحر. وصارعوا مع القفر بحيّاته المحرقة بسبب تذمرهم علي الرب وموسي ولكن الرب خلصهم عن طريق النظر إلي الحية النحاسية الموضوعة علي راية (عدد 21 : 6- 9) ، وصارعوا أيضا مع القفر ومياهه المرة إذ لم يقدروا أن يشربوا من مياه مارة لأنها كانت مرة جدا ، فصرخ موسي إلي الرب فأراه شجرة فطرحها فصار الماء عذبا ( خر 15 : 23 – 25). وعندما وصلوا إلي نهر الأردن عبرهم الرب بقيادة يشوع. ثم صارعوا أيضا مع سبع أمم وثنية أكثر وأعظم منهم في العدد وفي البنية الجسدية ولهم خيلا ومراكب (تث 7 : 1 ، تث 20 : 1 ، أع 13 : 19). ولكن الرب نصرهم عليهم جميعا وطردهم من أمام إسرائيل "ليطرد من أمامك شعوبا أكبر وأعظم منك ويأتي بك ويعطيك أرضهم نصيبا كما في هذا اليوم" (تث 4 : 38). يا لها من رحلة رهيبة مليئة بالمحن والصراعات ، ورغم الإحتياجات الكثيرة إلا أن ثيابهم لم تبل عليهم وأرجلهم لم تتورم هذه الأربعين سنة. أخرجهم الرب من كور الحديد وأتي بهم إلي الوطن السعيد ، إلي تلك الأرض التي وعدهم بها فإمتلكوها وإقتسموها فيما بينهم وتحقق الوعد لهم فصاروا مثل الرمل الذي علي شاطئ البحر في الكثرة. 

إن رحلة المؤمن التي تبدأ بالخروج من سلطان الظلمة لتتوج وتمجد بوصوله إلي الوطن السعيد مع المخلص مليئة بالصراعات الروحية أيضا. والمؤمن له ثلاثة أعداء يصارعونه بإستمرار: الشيطان الذي يجول كأسد زائر ملتمسا من يبتلعه "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع الرؤساء ، مع السلاطين ، مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر ، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6 : 12). والكلمة "مصارعة" في الأصل اليوناني تعني تلك التي الألعاب الأوليمبية القديمة التي كان يشتبك فيها إثنان باليد مباشرة إلي أن يوقع أحدهم الآخر إلي الأرض. فهي مصارعة شرسة لابد أن يعلن فيها خاسر وفائز في النهاية. لذلك يحذرنا في العدد التالي "من أجل ذلك إحملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير ، وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا". والعدو الثاني الذي يصارع المؤمن هو العالم "أيها الزناة والزواني أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟ فمن أراد أن يكون محبا للعالم فقد صار عدوا لله" (يع 4 : 4). ولكن لماذا "لأن كل ما في العالم شهوة الجسد ، وشهوة العيون ، وتعظم المعيشة ، ليس من الآب بل من العالم" (1 يو 2 : 16). والرسول هنا يساوي بين محبة العالم والزنا بإعتبارها خيانة للعهد الذي يقطعه المؤمنون مع الله. فإذ وجهنا العاطفة والإهتمام إلي أمور هذا العالم صرنا زناة روحيا بالنسبة لعلاقتنا مع الله. كما حدث بالضبط مع بنو إسرائيل إذ ذهبت قلوبهم وراء مصر عندما إشتهي اللفيف الذي في وسطهم وجعلهم يشتهوا هم أيضا السمك والبطيخ والقثاء وغيرها. وأخيرا فإن العدو الثالث للمؤمن هو الإنسان العتيق في داخله "اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد ، لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد ، وهذا يقاوم أحدهما الآخر ، حتي تفعلون ما لا تريدون" (غل 5 : 16 – 17). والمقصود بالجسد هنا هو الطبيعة العتيقة بكل شهواتها وتفضيلاتها وإنتماءاتها القديمة. ولنلاحظ هنا أن صراع الروح مع الطبيعة الشريرة في داخلنا هو صراع مستمر ، والإثنين في حالة مقاومة دائمة أحدهما للآخر. ويأتي هنا دور المؤمن بأن يطيع الروح "فيسلك بالروح ولا يكمل شهوة الجسد". ورغم كل هذه الصراعات إلا أن نصرة المؤمن مضمونة في شخص المسيح ، ووصوله إلي وطنه السعيد مضمون. فالمسيحي الذي رآه بنيان في حلمه صارع أبوليون في وادي ظل الموت ، وسجن في قلعة اليأس وفي سوق الأباطيل ، و كثيرا ما شوهد يجري ويتنهد ، قاوم أكاذيب المدعين الذين صادفهم في طريق سياحته إلي المدينة السماوية ، وفي نهاية الرحلة تعثر وتخبط كثيرا أثناء عبوره النهر الذي كان يفصله عن المدينة السماوية ، لكنه يصل أخيرا ويستقبل إستقبالا حافلا عند بوابة المدينة. وصل بفضل ذاك القادر أن يحفظنا غير عاثرين ويوقفنا أمام مجده بلا عيب في الإبتهاج ، الإله الوحيد الحكيم مخلصنا ، له المجد والعظمة والقدرة والسلطان ، الآن وإلي كل الدهور. آمين. (يه 24 – 25)

وشئ أخير نختم به رحلتنا مع يعقوب ونسله هنا ، ففي بداية إنطلاق يعقوب من كنعان نجده يبصر الملائكة صاعدة ونازلة علي سلم رأسه يمس السماء. لقد سمع يعقوب عن إله الأباء من خلالهم ، لكن هذا لم يكن كافيا إذ كان في حاجة لكي يتقابل وجها لوجه مع هذا الإله ، ويعرف أن هناك سلم تستطيع أن تصله بالسماء وتكون الواسطة التي تنزل عليها البركات الإلهية. وليس هناك أعظم من ربنا يسوع المسيح كوسيط لكي نصل إلي المدينة السماوية "من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون علي إبن الإنسان" (يو 1 : 51). ففداء الرب يسوع هو أساس علاقتنا مع الله ، وكما خرج بني إسرائيل من مصر بعدما نجوا من ضربة الملاك المهلك لأنهم وضعوا علامة الدم علي العتبة العليا والقائمتين ، والتي لولاها لكانوا قد هلكوا مع المصريين. هكذا نحن أيضا لا يمكننا أن نخلص من عبوديتنا للخطية إلا إذا إحتمينا بالدم الثمين "وليس بأحد غيره الخلاص. لأنه ليس إسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أع 4 : 12).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس