عزيزي الواهم .. المعمودية لن تخلصك!




ليس الهدف من هذا البحث هو الطعن في المعمودية الكتابية ، إذ أننا نجل هذه العقيدة التي أسسها وقدسها سيدنا الحبيب غِبَّ قيامته المباركة  ، بل ونري أنه لا غني عن هذه الفريضة لكل من عرف المسيح بالإيمان ، ولا نقلل من تأثيراتها الروحية العظيمة الناتجة عن ممارستها ، غير أن ذلك يخرج عن نطاق دراستنا هنا ، ولكننا فقط نريد أن نوضح الأسباب التي تجعلنا لا نتكل عليها كواسطة للخلاص المجيد. إذ نري أن الإعتقاد بأن المعمودية تخلص أو تغفر الخطايا أو تعطي الروح القدس لا سند له من الكتاب المقدس الذي ينبغي أن يكون الأساس الوحيد لتأسيس كل عقيدة وتعليم. وثمة اعتقاد مثل هذا ليس إلا وهما خطيرا يؤول إلي عواقب روحية وخيمة. ونحن نعلم جيدا أنه قد لا تغير هذه الحقائق التي سنوردها بعد قليل من نظرة البعض للمعمودية لهذا ندعو القارئ العزيز أن يصلي إلي الرب طالبا منه تلك المسحة المعلمة "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ، ولا حاجة بكم إلي أن يعلمكم أحد ، بل كما تعلمكم هذه المسحة عن كل شئ ، وهي حق وليست كذبا. كما علمتكم تثبتون فيه" (1 يو 2 : 27).

وما أثار حفظيتي لكتابة هذا المقال هو رؤيتي للكثير من الآباء يتسابقون علي معمودية أطفالهم ظانين أنهم يسهمون في خلاصهم بفعلهم هذا ، وكأنهم يضعون علي جباهم ختم التكريس الذي لا ينزع ، ولكن هؤلاء الأباء حسني النية يجهلون حقيقة أن الذي ينفع فعلا ليس ذلك ولكن إظهار قدوة الإيمان الذي فيهم "إذ أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك ، الذي سكن أولا في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي ، ولكني موقن أنه فيك أيضا" (2 تي 1 : 5) ، بل إن الأمر الناجع الآخر حقا هو تعليمهم – وليس تعميدهم – الكتب المقدسة القادرة أن تحكمهم للخلاص "وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدس، القادرة أن تحكمك للخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (2 تي 3 : 15). فلا تؤثروا فعل المعمودية السهل علي تقديم القدوة لأطفالكم وتعليمهم الكتاب المقدس أيها الأباء لكي تريحوا ضمائركم. ولا يلام فقط الآباء في هذا الموضوع بل يلام أيضا كل من روج لأي تعليم خلاف الفكر الكتابي. والآن دعونا نمتحن هذا الفكر في ضوء كلمة الله ونسأل: هل حقا تخلص المعمودية من يمارسها؟ قطعا لا ، وإليك الأسباب علي ذلك في السطور القادمة عزيزي القارئ:

1- لأن ذلك يتنافي مع الغرض من المعمودية

إن فهمنا الغرض من المعمودية لكان من السهل علينا أن ندرك أنها لا تخلص. ولكن علينا أولا أن نميزها عن غيرها من الأمور المشابهة. نقرأ في كلمة الله عن ثلاثة أنواع من المعمودية ، الأولي وقد وردت بصيغة الجمع في العهد الجديد في إشارة لممارسات العهد القديم "المعموديات" (عب 6 : 2) ، "غسلات" (عب 9 : 10) ، وكلتاهما جاءت في الأصل اليوناني (baptismos) ، ونجد أيضا الفعل مستخدما في قول مرقس "ومن السوق إن لم يغتسلوا" (مر 7 : 4) الذي ورد في اليونانية (baptizō) ، وهي تشير إلي الغسلات الطقسية التي كانت تمارس من اليهود في ظل الناموس والتي كان الهدف منها هو الطهارة الطقسية. والثانية هي معمودية يوحنا والتي كانت بغرض التوبة لمغفرة الخطايا (مر 1 : 4). والقول لمغفرة الخطايا لا يعني أن من اعتمدوا تحت يد يوحنا غفرت خطاياهم ، بل إنها كانت بمثابة العهد من قبل من مارسها علي توبته وإنفصاله عن الشر السائد في جيله وأن يعد نفسه لقبول المسيا الذي يغفر الخطايا حقا ، لهذا نقرأ أن اليهود جاءوا إليه معترفين بخطاياهم غير أننا لا نقرأ أنهم منحوا أي غفران لها ، بالإضافة إلي أن يوحنا المعمدان يعطي أفضلية لا لمعمودية التلاميذ التي أمرهم بها الرب ، بل لمعمودية الروح القدس التي لا يستطيع أحد أن يعطيها سوي الرب يسوع المسيح الأكثر قوة واستحقاقا لدي الآب من يوحنا (لو 3 : 6). ونستطيع أن نتأكد أن هناك فرق بين معمودية يوحنا والمعمودية المسيحية من الحوار الذي دار بين بولس وتلاميذ أفسس "هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟ قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم: فبماذا اعتمدتم؟ فقالوا: بمعمودية يوحنا. فقال بولس: إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة، قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي بالمسيح يسوع، فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع" (أع 19 : 1 – 5). فإعتمادهم بإسم الرب يسوع علي  الرغم من أنهم كانوا معتمدين بمعمودية يوحنا من قبل يدل علي إختلاف مدلول كل من المعموديتين.

أما النوع الثالث فهو المعمودية المسيحية وهي تشير إلي عدة أشياء نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر أولا: الإتحاد مع المسيح في موته ودفنه وقيامته "أما تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته ، فدفنا معه بالمعمودية للموت ، حتي كما أقيم المسيح من الأموات ، بمجد الآب ، هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة" (رو 6 :3 – 4) ، وأيضا "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كو 2 : 12). فنزول المسيحي في ماء المعمودية يشير إلي موته مع المسيح والذي هو موت عن كل ما بحسب الطبيعة القديمة ، وفي اللحظة التي يكون فيها جسده غاطسا تحت سطح الماء يكون هذا أيضا إشارة إلي دفنه مع المسيح وذلك يعني أنه دفن طبيعته العتيقة هناك ، أما الخروج من ماء المعمودية فهو يشير إلي القيامة مع المسيح والسلوك في جدة الحياة. وإن قلنا أن المعمودية تعطينا الحياة الجديدة فالآية نفسها التي اقتبسناها تدحض ذلك إذ تعلمنا أن هذا يتم "بإيمان عمل الله". فهي ليست إذا سوي رمزا لموتنا وقيامتنا مع المسيح.

وثانيا فإن المعمودية هي إقرار وإعلان أمام العالم وأمام نفسي بأني أتبع الرب يسوع المسيح وأني لم أعد أنتمي إلي العالم كنظام روحي معاد لله وذلك مثل الإسرائيليون الذين اعتمدوا لموسي في البحر وفي السحابة فأعلنوا رفضهم لمصر التي تشير إلي العالم. وبما أن المعمودية تكون شهادة لخروجي من بيت العبودية الروحي ودخولي إلي ملكوت إبن محبته فلابد أن تكون بعد حدوث هذا الإنتقال نفسه وإلا لكان ذلك نوعا من الخداع ، إذ أننا في المعمودية نعترف علنا بما حدث سرا في السماء من مركز جديد حصلنا عليه في المسيح وبما حدث أيضا في أعماق قلوبنا من تجديد وعتق. وعلي الرغم أن الكتاب المقدس دعي مرور الإسرائيليين علي اليابسة والماء سورا لهم عن يمينهم وعن يسارهم والسحابة فوقهم "معمودية" ، إلا أن أجسادهم لم تمس الماء أو السحاب ، ألا يعلمنا هذا أن الغرض من المعمودية هو في كونها صورة وعهدا للعمل الذي يحدث في قلوبنا وأنه لا يوجد قداسة خاصة للماء ، وإلا لكان قد أصر الكتاب المقدس علي مرورهم في الماء أو اعتمادهم فيه وممارسة الطقس بحذافيره؟ مجرد سؤال تترك إجابته للقارئ العزيز.

وإن تتبعنا العهود الإلهية الرئيسية في الكتاب المقدس لوجدنا أنه كل منها كان له علامته ، فالعهد مع آدم أن لم يأكل من شجرة معرفة الخير والشر فلا يموت (لعل) كانت علامته هي شجرة الحياة. وعهد الله مع نوح أن لا يعود ويجلب طوفان علي الأرض كانت علامته قوس قزح. والعهد مع إبراهيم بأن يكثر نسله مثل نجوم السماء والرمل الذي علي شاطئ البحر هو الإختتان. والعهد الموسوي مع الشعب في القديم أن يجعلهم الرب خاصته ويكونون له مملكة كهنة وأمة مقدسة إن أطاعوا وصاياه كان هو يوم السبت ولوحي الشريعة (خر 31 : 16 – 18). وعلامة العهد الداودي بأن كرسيه يدوم إلي الأبد (لعلها) كانت الهيكل (2 صم 7). أما العهد الأبدي (عب 13 : 20) الذي نتمتع به نحن الآن في ظل نعمة ربنا يسوع المسيح فعلامته هي المعمودية. وكما أن أي من العلامات للعهود السابقة علي عهد النعمة لم تخلص من كانوا تحت هذه العهود فإن المعمودية ليست أفضل حالا من تلك العلامات من حيث إمكانية حدوث الخلاص بواسطتها. وكما جاءت هذه العلامات بعد كل العهود الخاصة بها هكذا ينبغي أن تتبع العمودية العهد القلبي الذي يتم بقبول الخلاص روحيا.

2- لأن ذلك يتناقض والقيمة الكاملة لعمل المسيح

إن تعليق الخلاص المجيد علي وسائط مادية لهو إهانة لعمل المسيح الكامل. إذ أن ذلك يتضمن أن العمل الكفاري الذي أكمله الرب علي الصليب كان ناقصا ويحتاج منا لما يكمله. ولكن أعظم وأسمي ما نفعله إن قصد به الخلاص ليس سوي إضافة إلي ذلك الخلاص مطلق الكمال. لأنه إن كان بالمعمودية خلاص فلماذا جاء الرب يسوع المسيح ليصلب ويموت إذ أن اليهود كان لديهم غسلات ومعموديات أيضا (عب 6 : 2 ، 9 : 10). بل إن التاريخ نفسه يقول أنه كان علي المتهود أن يعتمد كما يقول لايتفوت بحسب ما ورد في موسوعة الكتاب المقدس الدولية "بمجرد أن يشفي المختتن تماما يُحضر إلي المعمودية ، وأثناء وجوده في الماء يقوموا بتعليمه الوصايا العظمي والصغري للناموس. وإذ يسمع المهتد هذه التعليمات يغطس نفسه في الماء ويصعد منه ثانية يصبح إسرائيلي بكل معني الكلمة". والأكثر من ذلك أن قدماء المصريين أنفسهم كانوا يعتقدون ويمارسون هذه الطهارة الطقسية ، تقول أيضا موسوعة الكتاب المقدس الدولية نقلا عن هيرودت "أن المصري القديم كان يغتسل في النهر إذا لمست ثيابه خنزيرة أثناء سيره". فإن كانت المعمودية كوسيلة للخلاص وإرضاء الله هي ما تفتقت عنه المسيحية فهي بذلك لم تأت بجديد. وما حاجتنا إذا لكي يموت المسيح في حين أنه كان في الإمكان متابعة ممارسة الغسلات والمعموديات اليهودية للحصول علي الخلاص؟ وألم تكن معمودية يوحنا لمغفرة الخطايا كافية؟ "كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا"؟ (مر 1 : 4 ، لو 3 : 3) وإن كان في ماء المعمودية أي سر ينقل للمعتمد الروح القدس ، فإن هذا إدعاء غير كتابي ، لأن اللص خلص ولم يعتمد بالماء ، وسيمون الساحر اعتمد ولكنه ظل هالكا في مرارة المر ورباط الظلم (أع 8 : 13 – 24) ، وكرنيليوس وأهل بيته وأصدقاءه جميعا قبلوا الروح القدس وتكلموا بألسنة قبل أن يعتمدوا بالماء (أع 10 : 45 – 48). وإن رجعنا إلي كلمة الله لوجدنا أن الروح القدس يعطي لمن يسأل بدون تعليقه أو وقفه علي أي أعمال "يعطي الروح القدس للذين يسألونه" (لو 11 : 13) ، وأنه يعطي أيضا بالإيمان "الذي فيه أيضا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس" (أف 1 : 13). والسبب أنه ليس هناك مطلبين آخرين للحصول علي الروح القدس سوي أن نسأل الآب ونؤمن بعمل الإبن أن كل شئ قد أكمل في صليب المسيح ولسنا في حاجة لأي عمل حتي وإن كان بسيط كالمعمودية.

3- لأن الواسطة التي تُحدث العمل لابد أن تكون من جنسه

إن الكتاب المقدس في قصة الخليقة يعلمنا أن الشجر عمل ثمرا كجنسه (تك 1) ، أي أن الثمر لابد أن يحمل طبيعة الأصل أو البذرة. ثم أن الواسطة المستخدمة في عملية الخلق تناسبت مع الخليقة أيضا ، فالرب خلق جسد آدم من تراب الأرض ، فكان التراب – إن جاز أن نقول – هو الواسطة التي خلق منها جسده ، أما روحه فخلقت من أنفاس الله مباشرة ، فكانت أنفاس الله لروح آدم هي القوة والواسطة المسببة لوجودها أيضا. وإن طبقنا ذلك علي المعمودية ، لوجدنا أن الطقس لا يمكن أن ينتج إلا ثمرا سطحيا بقدر سطحيته "لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش علي المنجسين ، يقدس إلي طهارة الجسد ، فكم بالحري يكون دم المسيح ، الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب ، يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (عب 9 : 13 – 14). فالماء لا يقدر أن يزل سوي وسخ الجسد "الذي مثاله يخلصنا نحن الآن ، أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1 بط 3 : 21). وبما أن الخلاص ينصب عمله علي الروح فلابد أن تكون الواسطة المستخدمة لإحداث هذا الخلاص روحية أيضا. إن الروح لا تستطيع أن تعتمد في الماء ولكنها تستطيع أن تؤمن بالذي يعمد بالروح القدس ونار ، فلا يمكن أن يكون هناك عمل روحي حقيقي في القلب دون الإيمان "لأنه بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه لأنه يجب أن الذي يأتي إلي الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه" (عب 11 : 6).

4- لإستحالة ضمان تلاقي الإرادتين الإلهية والبشرية في مجرد طقس

إن محاولة جعل اعطاء الروح القدس أو غفران الخطايا بالمعمودية لهو عمل ينطوي علي الإهانة للسلطان الإلهي ، إذ أن في ذلك إخضاع للإرادة الإلهية حتي تسير طوعا للإرادة البشرية وحصرها في مجرد طقس صغير لا يتناسب مع السلطان الإلهي المطلق الذي يكون فعالا جدا في عملية الخلاص. فنحن نعلم إن إرادة الله دائما حاضرة لخلاص البشر "الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون" ، إلا أن إرادة الله لا يمكن حصرها بمكان ما أو طقس ما ، ففعل التجديد الذي يحدثه الروح في القلب هو عمل إلهي سيادي "الريح تهب حيث تشاء ، وتسمع صوتها ، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلي أين تذهب ، هكذا كل من ولد من الروح" (يو 3 : 8). وليس ذلك فقط بل إن الإصرار علي القول بأن الروح القدس أو غفران الخطايا يعطيان عند الإعتماد لهو افتراض لتطابق الإرادتين الإلهية والإنسانية في آن واحد علي الإتحاد والشركة معا ، وهذا أمرا لا يمكن ضمان حدوثه حتي من المعتمد نفسه إذ أن القلب أخدع من كل شئ وهو نجيس من يعرفه؟ فهل كل من أراد المعمودية أراد فعلا التوبة الحقيقية من قلبه؟ قطعا لا والدليل علي ذلك هو سيمون الساحر الذي يقول عنه الكتاب أنه آمن واعتمد إلا أن بطرس ببصيرته الروحية الرسولية رآه في مرارة المر ورباط الظلم ، وأن توبته لم تكن حقيقية إذ أنه احتاج أن "يتب" (أع 8). وماذا عن الآلاف الذين اعتمدوا لموسي في البحر وفي السحابة ثم نجدهم طرحوا في القفر لأنه بأكثرهم لم يسر الله (1 كو 10). فعلي الرغم من خروجهم من مصر إلا أن قلوبهم لم تزل متعلقة بها ولم تكن متطلعة إلي أرض الموعد "وهذه الأمور حدثت مثالا لنا حتي لا نكون نحن مشتهين شرورا كما اشتهي أولئك". أولا تشهد حتي حياة أولاد الله علي ذلك؟ فكم من المرات أردنا أن نتب عن خطية معينة وعندما عزمنا علي تركها ظننا أننا بلغنا مقصدنا فعلا وإذ بنا نستفيق علي حقيقة توبتنا الواهمة ونحن طرحاء أرضا بعد أن سقطتنا فيها من جديد. فالله يريد أن يباركنا ويخلصنا فعلا وهو ليس لديه مانع أن يخلص بالقليل أو بالكثير ، إلا أنك لا تستطيع حتي ان تحكم علي توبتك إن كانت حقيقية أم سطحية. فتطابق الإرادتين الإلهية والإنسانية عند المعمودية أمر غير مضمون الحدوث. وإن كانت المعمودية تجعل قرار التوبة والخلاص في يد المعتمد إلا أن هذا ليس صحيح فالله هو من يعطي الإيمان والتوبة أيضا ، الأمر الذي يجعل قرار التوبة والخلاص برمته في يد السلطان الإلهي. راجع (أف 2 : 5 ، 2 بط 1 : 1 ، أع 5 : 31 ، أع 11 : 18 ، 2 تي 2 : 25).

5- لأن الرسل أسندوا عملها إلي آخرين

لعل البعض يندهش من قول الرسول بولس "أشكر الله أني لم أعمد أحدا منكم إلا كريسبس وغايس .. لأن المسيح لم يرسلني لأعمد بل لأبشر ، لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح" (1 كو 1 : 14 ، 17). ولكن ينبغي أن لا نسئ فهم كلام الرسول هنا ، فهو لا ينفي كون المعمودية أمرا كتابيا وإلا فلماذا عمد كريسبس وغايس وآخرين؟ ولكنه يشكر الله أنه لم يعمد إلا القليليين حتي لا يظن البعض أنه أراد تأسيس طائفة جديدة تضم الذين اعتمدوا بواسطته فقط وحتي لا يشعر هؤلاء الذين اعتمدوا بواسطته بتفوقهم علي الآخرين من أي ناحية من النواحي ، وأن المسيح أرسله لا ليعمد بل ليبشر ، فقد كانت إرساليته الأساسية هي التبشير وليس التعميد. وهنا نريد أن نطرح سؤالا: هل كان يمكن لبولس أن يقول هكذا لو كانت المعمودية تخلص فعلا؟ ولكن لماذا لم يكن بولس يهتم بالتعميد أكثر من إهتمامه بالكرازة بالإنجيل؟ لقد اعتبرت المعمودية عملا أقل شأنا من الكرازة لما يتضمنه هذا العمل المضني والبسيط في نفس الوقت من تغطيس المعتمد في الماء ، فكان يترك فعلها لغير الرسل. لهذا نري بطرس الرسول يأمر مساعديه بتعميد كرنيليوس وأهله "وأمر أن يعتمدوا بإسم الرب" (أع 10 : 48). ولا شك أن بطرس فعل هذا من قبيل افتداء الوقت والإنشغال بالأمور الأكثر أهمية وهي الكرازة بالإنجيل. والدليل علي ذلك أنه عندما حدث تذمر من اليونانيين علي العبرانيين لأن أراملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية "دعا الإثني عشر جمهور التلاميذ وقالوا لا يرضي أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد. فانتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم ، مشهودا لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة ، فنقيمهم علي هذه الحاجة. وأما نحن فنواظب علي الصلاة وخدمة الكلمة" (أع 6 : 1 – 4). فالأمور التي لم تتطلب موهبة خاصة مثل الكرازة كانت تسند للإخوة العاديين حتي يتسني للرسل الإضطلاع بالمهام الأصعب. والرب يسوع نفسه لم يكن يعمد بل أسند المعمودية للتلاميذ (يو 4 : 2) ، وأما هو فكان يجول يصنع خيرا ويشفي جميع المستلط عليهم إبليس ويعلم الجموع الذين كانوا كغنم بلا راع لها ، لأنه لو كان الرب قد انشغل بالمعمودية فمن كان سيعمل كل هذه الأمور الفائقة العظمة التي كانت تتطلب رب المجد نفسه ليعملها؟ ولو كان هو عمد بالماء فعلي من سينطبق القول "أنا عمدتكم بالماء ، أما هو فسيعمدكم بالروح القدس"؟ (مر 1 : 8). فلو كانت المعمودية تخلص أو تغفر الخطايا أو تؤهلنا للحصول علي الروح القدس لما قال بولس ذلك بل لوجدنا التلاميذ يتبارون علي تعميد المهتدين إلي الإيمان.

6- لأنه لا يوجد أمرا واحدا مباشرا في كلمة الله بالمعمودية

هل لاحظ القارئ العزيز أنه يوجد في الكتاب المقدس أوامر مباشرة بالتوبة والإيمان (أع 17 : 30) ولا يوجد أمرا واحدا مباشرا بالمعمودية؟ بل إن الأمر أعطي للرسل بتعميد من تم الكرازة له وتلمذته ولم يعط لمن آمن (مت 28 : 20) ، وذلك لأن من يريد الإعتماد لابد من تلمذته أولا بتعليمه عن المعمودية أنها شهادة بموتنا مع المسيح وقيامتنا معه. وهذا لا يعني أن المعمودية ليست وصية كتابية ، حاشا فهي وصية كتابية واجبة النفاذ لمن آمن من قلبه وتتلمذ وأدرك ما تحويه من معاني عميقة وعهدا ملزما بالعيشة في حياة القيامة وجدة الحياة في الرب يسوع. وبإستثناء طلب الخصي الحبشي من فيلبس الإعتماد عندما أقبلا علي ماء – ولا شك أن فيلبس علمه عن المعمودية وإلا لما سمع عنها الخصي – فإن المرات التي حدثت فيها معمودية في العهد الجديد كانت بناء علي حث أو تشجيع من الرسل بعد الكرازة لمن اعتمدوا ، راجع (أع 2 : 37 – 38 ، أع 10 : 47 ، أع 22 : 16). فالمعمودية تأتي بعد التلمذة حتي يستطيع من يعتمد أن يعرف سبب ممارسة تلك الفريضة. لذلك فلا يوجد أمر مباشر في كلمة الله للتائب أن يعتمد بل الأمر يخص مرشده الروحي أو من بشره حتي يعلمه عن ذلك ويتأكد من معرفته لمعني المعمودية حينئذ يمكن للمهتد إلي الرب أن يعتمد. فنستنج من ذلك أن المعمودية واجبا وإمتيازا وليست ضرورة للخلاص ، لأنه لو كان الخلاص لا يتم إلا بالمعمودية فلماذا لا يأمرنا الكتاب المقدس مباشرة بالإعتماد؟

7- لأن هذا في هذا إجحافا

إن علق الله الخلاص علي المعمودية فلا شك أن في ذلك ظلما لأن ليس الجميع يستطيعون فعل ذلك ، ولكن حاشا له فهو "الصخر الكامل صنيعه. إن جميع سبله عدل. إله أمانة لا جور فيه. صديق وعادل هو" (تث 4 : 32). فماذا لو أراد أحد المرضي أن يتب عن شروره ويسلم حياته للمسيح وهو بعد علي فراش المرض في لحظات حياته الأخيرة محتضرا خائرا؟ ألم يحدث ذلك فعلا كما في حالة اللص التائب؟ وماذا إن استفاق ضمير أحد الجنود علي صوت الفرقعات ومنظر الدماء في ساحة الوغي وأراد أن يرجع إلي الله أين سيجد الماء؟ وإن وجد الماء من سيعمده؟ وهل لديه الوقت لفعل ذلك؟ وماذا يفعل أحد الوثنيين أو الملحدين المحكوم عليهم بالسجن مدي الحياة في أحد السجون الشيوعية أن تاب وأراد يعتمد؟ وما ذنب الأطفال غير المسيحيين الذين لم يعمدهم أبآئهم هل سيلقون حتفهم في جهنم لأنهم لم يعمَّدوا؟ وماذا لو تاب هؤلاء الآباء فيما بعد هل ستغفر لهم خطية عدم تعميد وبالتالي عدم خلاص أولادهم؟ وبما أن الروح القدس يعطي في المعمودية فهل يعني إرتداد أحد المعمدين أن الروح القدس تركه وبالتالي يحتاج أن يعتمد من جديد إن إفترضنا جدلا أن الروح القدس لا يأتي لنا إلا من خلال المعمودية؟ إن واسطة الخلاص بحسب فكر الكتاب المقدس هي الإيمان. والإيمان كوسيلة للخلاص يختلف عن المعمودية في كونه بسيطا ولا يتطلب أي مجهود ، وفي نفس الوقت عميقا إذ أنه يحدث في أعماق القلب وليس علي سطح الجسد ، والأهم من كل هذه أن كونه مطلوبا من الجميع بلا إستثناء ليس فيه ظلم لأحد لأنه لا يوجد من لا يستطيع أن يقدم لله إيمان (عب 11 : 6) ، فالمريض المحتضر علي فراش مرضه والسجين داخل محبسه والجندي الممسك بسلاحه كل في مكانه يستطيع أن يعترف بشفتيه ويؤمن بقلبه "الكلمة قريبة منك. في فمك وفي قلبك. أي كلمة  الإيمان التي نكرز بها: لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10 : 8 – 9). فلماذا نصعب ما سهله الله ، ونعقد ما بسطه هو ، فنفعل ما لا تستحسنه مشيئته بحعلنا في حاجة إلي طرف ثالث يفعِّل ويسهم في خلاصنا عن طريق المعمودية؟

8- لأنها تعتبر عملا والإنسان لا يخلص بالأعمال

لا شك أن المعمودية تعد عملا ، قد تكون طقسا وليست عملا خيرا أو صالحا ولكن هذا لا يغير من طبيعتها في كونها عملا يعمل. وسواء اندرج ما نعمله تحت قائمة الطقوس أو قائمة الصالحات فأن كل الأعمال مرفوضة إن قصد بها أن تكون وسيلة للتبرير أمام الله. فالكتاب المقدس يعلمنا في مواضع كثيرة أن الإنسان لا يخلص بالأعمال الصالحة. وذلك لعدة أسباب نذكر منها: أولا لأنها صادرة من قلب نجس لم يتطهر بعد ، يكلمنا في رسالته إلي تيطس عن بعض المعلمين الكذبة أنهم يعترفون بالله ولكنهم لا يقدموا أي تقوي في سلوكهم ، بل وإن عملوا أي أعمال صالحة لرفضوا "يعترفون بأنهم يعرفون الله ، ولكنهم بالأعمال ينكرونه ، إذ هم رجسون غير طائعين ، ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون" (تي 1 : 16). لاحظ معي قول اللغة القاطعة لكلمة الله إذ يقول أن "كل عمل صالح" من طرفهم مرفوض. وثانيا الأعمال الصالحة مرفوضة من الخاطئ لأنها أعمال ميتة مصبوغة بصبغة الموت التي تعمل فيه "فكم بالحري دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب ، يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (عب 9 : 14). وثالثا فإن الأعمال الصالحة لا تكفي لمحو خطية واحدة إذ أن "أجرة الخطية هي موت" (رو 6 : 23) فكما أن المجرم لا يستطيع أن يمحو جريمته بأعمال خيرية بل لا بد من إيفاء مطالب العدالة هكذا أيضا فإن الخاطئ خاضع لناموس العدل الإلهي ولا يستطيع أن يساوم علي هذا العدل وشراءه بالأعمال التي تبدو صالحة من الخارج فقط ، بل إن العمل الصالح يحسب حينئذ أجرة لإيفاء دين لا يمكن الإيفاء به "أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة علي سبيل نعمة بل علي سبيل دين" (رو 4 : 4). ورابعا فإن إمكانية التبرير بالأعمال غير واردة لأنه من يستطيع أن يحكم علي هذه الأعمال إن كانت صالحة أم لا سوي الله؟ إذ أن "القلب أخدع من كل شئ وهو نجيس من يعرفه؟" (إر 17 : 9) فنحن غير مؤهلون للحكم علي ما نفعله إن كان صالحا ومقبولا أمام الله ، فما يكون صالحا في نظرنا قد لا يكون كذلك في نظر الله "وقد صرنا كلنا كنجس ، وكثوب عدة كل أعمال برنا ، وقد ذبلنا كورقة ، وآثامنا كريح تحملنا" (إش 64 : 6). فإن كنا لا نستطيع أن نكون قضاة أنفسنا فكيف نجرؤ علي الجلوس في مكان ديان كل الأرض حتي نقرر أن أعمالنا صالحة أم غير صالحة؟ وخامسا فإن التبرير بناء علي الأعمال الصالحة يقوض النعمة ويجعل لا قيمة لها. إن خلص الإنسان بالأعمال الصالحة فإن نعمة الله حينئذ تبطل ولا يكون لها قيمة "فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال ، وإلا فليست النعمة بعد نعمة. وإن كان بالأعمال فليس بعد نعمة ، وإلا فالعمل لا يكون بعد عملا" (رو 11 : 6) ، فإن أراد الله أن يعطينا الحياة الأبدية كهبة فلماذا نصر نحن علي إعطاءه مقابل لذلك "أما هبة الله فهي حياة أبدية".

9- لأن هناك من اعتمدوا ولكنهم لم يخلصوا والعكس

في سفر الأعمال (8 : 9 – 24) نقرأ عن سيمون الذي أدهش شعب السامرة بسحره ولكن عندما جاء فيلبس إلي المدينة آمن واعتمد وكان يلازمه. وبعدما أتيا بطرس ويوحنا إلي السامرة ورأي أنه بوضع أيدي الرسل يعطي الروح القدس قدم سيمون للرسولان دراهم وطلب منهما أن يعطيانه هذا السلطان أيضا ، فانتهره بطرس وقال له أن يحتفظ بفضته معه للهلاك لأنه أراد أني يقتني موهبة الله بدراهم ، بل حثه أيضا علي التوبة لأنه رآه في مرارة المر ورباط الظلم. فهذا المسكين اعتمد ولكن المعمودية لم تغيره أو تغفر خطاياه ، فمن ناحية غفران الخطايا كان هالكا كما قال له بطرس "لتكن فضتك معك للهلاك" ، ومن ناحية التغيير الداخلي كان لا يزال "في مرارة المر ورباط الظلم". وعلي الرغم من تحريض الرسول له بالتوبة "فتب من شرك وأطلب إلي الله ، عسي أن يغفر لك فكر قلبك" إلا أنه أصر أن لا يطلب بل أن يطلبا هما من أجله ، ويا ليته كان يعني التوبة بل كان يخشي فقط الديونة التي كانت ستحل عليه. فماذا فعلت له المعمودية؟ لم تؤثر علي حالته الداخلية القلبية فقد كان في مرارة المر ، ولم تكسر رباط الظلم الذي قيده به الشيطان ، ولم تغير من مركزه أمام الله فقد كان لا يزال هالكا. فكيف يمكن للماء في حد ذاته أن يغير هذه الأمور مستحيلة التغيير دون تدخل نعمة الله؟ وإن كان هناك قوة خفية أو سرا خفيا يصاحب المعمودية فلماذا لم يؤثر في سيمون؟

هناك أيضا من خلصوا أيضا بدون أن يعتمدوا. قديسي العهد القديم جميعا تبرروا لدي الله بنفس طريقة التبرير التي نتبرر بها نحن الآن ألا وهي الإيمان "فآمن إبراهيم بالله فحسب له برا" (رو 4 : 2). ولم نقرأ أنهم اعتمدوا أو اغتسلوا ، فإبراهيم تبرر بالإيمان حتي قبل أن يتأسس أي طقوس أو غسلات أو ذبائح. بل وحتي بعد أن تأسست الطقوس والذبائح والغسلات ظل هذا المبدأ ساريا فنقرأ عن تبرر داود أيضا بالإيمان "كما يقول داود أيضا في تطويب الإنسان الذي يحسب الله له برا بدون أعمال: طوبي للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبي للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية" (رو 4 : 6 – 8). ناهيك عن اللص نفسه الذي لم يعتمد ولكنه وعد بأن يكون مع الرب في الفردوس في نفس ذلك اليوم (لو 23 : 43). أما قول البعض أن اللص اعتمد في دمه ، فهذا لا يمت للحق بصلة ، لأن المعمودية لابد أن تكون قرارا نابعا من الإرادة أما اللص فقد سالت دماه رغما عنه. ثم أن دماء اللص كان ملوثة بجريمته فلم تكن من أجل قبوله المسيح كمخلص بل كانت لما اقترفه من إثم ، وعندما نعتمد نحن في المعمودية فإننا ندفن في الماء الذي يشير إلي موت المسيح الذي يؤهلنا للقيامة من جديد وأننا نعتمد لموته هو وليس لموتنا نحن (رو 6 : 3 – 4). وإن جاز أن نقول أن اللص اعتمد في دماه إذا فلم يعتمد لموت المسيح وإلا لكان إعتمد في دماء المسيح ، لذلك فاللص نفسه ما كان يجرأ ويعتبر دماء جريمته تستحق أن تكون معمودية. ثم أن المعمودية تكون بالماء حتي تكون في شبه موت المسيح وليس الموت ذاته "لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته ، نصير أيضا بقيامته" ، فلسنا بحاجة أن نجتاز الموت نفسه فالرب يسوع المسيح اجتازه عنا لذلك فنحن نعتمد في الماء الذي هو شبه موت المسيح ، أما دماء اللص فكانت الموت بعينه وليس شبه الموت (رو 6 : 5).

بعض الإعتراضات والرد عليها

يستخدم البعض آيات كتابية قد تشير في ظاهرها إلي قدرة المعمودية علي الخلاص للتدليل علي وجود سر فيها ينقل لنا غفران الخطايا أو الروح القدس ، ولكن في الحقيقة إن تفرسنا في معني كل هذه الآيات علي حدة لوجدنا أنها لا تقدم دليلا علي ذلك حتي وإن بدت من الوهلة الأولي كذلك.

"من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن" (مر 16 : 16)

قبل أن نشرح ما قاله النص وما لم يقله نري أنه من الضروري التعرض لآراء المفسرين حول قانونية النص الكتابي (مرقس 16 : 9 – 20). فهم يخلتفون فيما بينهم حول ما إذا كان هذا الجزء موجودا في النص اليوناني الأصلي. يقول جون ماكرثر أن الدليل الخارجي يرجح بشدة عدم إنتماء هذا الجزء إلي الأصل اليوناني. وعلي الرغم من أن بعض المخطوطات اليونانية الأصلية تحتوي علي هذه الآيات ، إلا أنها لم ترد بالمخطوطات الأقدم والأكثر موثوقية. كما كان هناك أيضا نهاية مختصرة لكنها غير موجودة في النص. وبعض النسخ التي أوردت هذه الفقرة أضافت حاشية بعدم وجودها في المخطوطات اليونانية الأقدم ، بينما أضافت بعض النسخ الأخري أن هذه الفقرة غير أصلية (مزيفة). وآباء الكنيسة في القرن الرابع أمثال يوسبيوس وجيروم لاحظوا أن كل المخطوطات اليونانية التي كانت متاحة لهم لم ترد بها الأعداد (مر 16 : 9 – 20). بالإضافة إلي هذه الأدلة الخارجية هناك أيضا أدلة داخلية من النص نفسه تدل علي أن مرقس لم يكتب هذه الفقرة ربما لا يتسع لنا المجال لذكرها لذلك يمكن للقارئ العزيز مراجعة شرح جون ماكرثر لهذا النص. وأخيرا فإنه يري أن هذه الفقرة هي تلخيصا لتعاليم كتابية أخري إلا أنه لا ينبغي أن تبني عقيدة علي هذا الجزء وأن أي حقيقة به ينبغي أن تفخص في ضوء النصوص الكتابية الأخري.

هذا بالنسبة لما يتعلق بقانونية النص كوحي إلهي ، أما لو سلمنا بقانونيته فعلا وتأملنا فيه لوجدنا أنه يقول أولا أن المعمودية تأتي بعد الإيمان ، إذ أن الرب يسوع يذكر كلمة الإيمان قبل الإعتماد ، وبهذا لا يصح أن تأتي المعمودية قبل أن يكون هناك إيمان حقيقي في القلب. وثانيا ذكره كلمة الإعتماد جنبا إلي جنب مع الإيمان وربطهما هما الإثنين بالخلاص لا يعني أن المعمودية تخلص ، ولكن المعني المقصود هو أن الإيمان الخفي في القلب يتبعه إعترافا ظاهرا عن طريق الإعتماد علنا أمام الجميع. وهناك نص كتابي آخر مواز لهذا المعني يقول "لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص. لأن كل من يدعو بإسم الرب يخلص" (رو 10 : 10 – 11). وثالثا فإن القول "ومن لم يؤمن يدن" يوضح لنا أن أساس الدينونة هو عدم الإيمان ، وليس عدم توافر المعمودية. وليس هذا هو النص الكتابي الوحيد الذي لم يعلق الدينونة علي المعمودية ، بل كل النصوص الكتابية الأخري التي تتكلم عن الدينونة لا تذكر أبدا أن الإنسان سيدان بناء علي عدم إعتماده بل بناء علي عدم الإيمان ، مثل "الذي يؤمن به لا يدان. والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن بإسم إبن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلي العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو 3 : 18 – 19). راجع أيضا (يو 3 : 36 ، 8 : 24 ، يو 12 : 47 – 48 ، 2 تس 1 : 8 ، 2 تس 2 : 12).

"أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3 : 5)

يختلف المفسرون علي رؤيتهم لمعني كلمة "الماء" هنا ، ولكننا سنورد لكل الآراء بموضوعية. وأصحاب الرأي الأول أخذوا بالمعني الحرفي لكلمة "ماء" ويعتقدون أنها تشير إلي المعمودية. ويقول أحد المفسرين أنه قد تم ذكر الرمز قبل الأصل كنوع من التمهيد ، وهناك معني مواز لهذا يرد فيه الرمز والمرموز إليه معا "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" ، وهي تشبه الآية قيد البحث ، غير أنه يذكر فيها النار بدلا من الماء وكلاهما رمز للتطهير. وعلي الرغم أن أصحاب هذا الرأي يعتقدون أن كلمة ماء هنا تشير إلي المعمودية إلا أنهم يؤكدون علي أن المعمودية غير ضرورية للخلاص ، ومن بين من يأخذون بهذا التفسير: ألبرت بارنز ، جون وسلي ، فينسنت ، وآخرون.

وهناك رأيا ثانيا يري أن لفظة "ماء" تشير إلي الروح القدس أيضا بدليل ما جاء في (يو 7 : 38 – 39). ولكن يعيب هذا التفسير – في رأينا – أن كلمة "روح" ستكون قد تكررت مرتين وبالتالي يكون المعني معقدا ويحتاج إلي شرح. ولكن يقول وليم ماكدونلد – ويتفق معه في هذا الرأي أيضا كالفن –  ردا علي ذلك: أن اللفظة اليونانية المترجمة (و) كان بالإمكان ترجمتها أيضا بشكل صحيح بواسطة التعبير (نفسه). وهكذا يصبح هذا العدد علي الشكل التالي "إن كان أحد لا يولد من الماء ، من الروح نفسه ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله". وعلل وليم مكدونلد تبنيه لهذا التفسير أن الولادة الجسدية لا تكفي بل يحتاج المرء أيضا إلي ولادة روحية حتي يدخل ملكوت الله ، وهذه الولادة تحصل بعمل الروح القدس عندما يؤمن الإنسان بالرب يسوع المسيح. وهذا التفسير تدعمه حقيقة أن العبارة "مولود من الروح" قد وردت مرتين في الأعداد (6 ، 8).

ونورد هنا شرح المفسر المخضرم جون جيل كنموذج لرأيا ثالثا ، إذ يري أنه لم تذكر كلمة ماء أبدا في العهد الجديد بدون كلمة إضافية توضح أن المقصود بها هو فريضة المعمودية ، وذلك علي خلاف النص الذي نحن بصدده الآن. كما أن ماء المعمودية هو واسطة الإنضمام إلي الكنيسة المعترفة علي الأرض إلا أنه لا يمكن أن يكون واسطة الدخول إلي ملكوت الله ، إذ أن أساس الدخول إلي هذا الأخير هو الإيمان بعمل إبن الله فقط. وعلي ذلك فإنه يتصور أن لفظة "ماء" هنا تشير رمزيا إلي نعمة الله المطهرة كما جاء في (حز 36 : 25 – 27) "وأرش عليكم ماءا طاهرا فتطهرون. وأعطيكم قلبا جديدا ، وأجعل روحا جديدة في داخلكم ، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم ، وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها" ، والتي هي العامل المحدث لهذا الميلاد الثاني.

وأخيرا فإن هناك من المفسرين من يري أن كلمة "ماء" هنا تشير رمزيا إلي كلمة الله بإعتبارها تحدث عملية الولادة الروحية هذه ، وهذا هو الرأي الذي نميل للأخذ به لأنه الأكثر تناغما مع أجزاء أخري من كلمة الله. فالروح القدس يستخدم كلمة الإنجيل (بشارة الخلاص) أو قد يستخدم أي جزء من كلمة الله لإحداث عمل التجديد في قلب الخاطئ الذي سمع هذه الكلمة. ويستند كل من يأخذ بهذا التفسير علي ما يقوله الوحي في مواضع أخري أيضا تحمل نفس المعني ، مثل: "لكي يقدسها مطهرا إياهها بغسل الماء بالكلمة" (أف 5 : 26) ، وبولس يقول لأهل كورنثوس أنه لم يعمد منهم كثيرون إلا أنه في نفس الوقت يذكر أنه ولدهم بالإنجيل"لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح ، لكن ليس آباء كثيرون. لأني أنا ولدتكم في المسيح بالإنجيل" (1 كو 4 : 15) ، وأيضا "مولودين ثانية لا من زرع يفني ، بل مما لا يفني ، بكلمة الله الحية الباقية إلي الأبد" (1 بط 1 : 23) ، وأخيرا "شاء فلودنا بكلمة الحق" (يع 1 : 18).

وبناء علي ما سبق فإننا لا نعتقد أن المقصود بالماء هو المعمودية ، أولا لأن لغة إنجيل يوحنا رمزية إلي حد كبير ، وكثيرا ما أشار الرب يسوع المسيح إلي نفسه من خلال تصريحات رمزية ، فقد قال عن نفسه أنه النور (يو 8 : 12) ، وأنه الباب والراعي الصالح (يو 10 : 9 ، 11) ، وأنه الطريق (يو 14 : 6) ، وأنه الكرمة (يو 15 : 1) ، وقد استخدم الماء في (يو 7) للإشارة إلي الروح القدس. ناهيك عن أن حديث الرب مع نيقوديموس ملئ بالرموز ، فقد استخدم الولادة الطبيعية من أسفل كرمز للولادة الروحية من فوق ، والريح رمز للروح القدس ، ورفع موسي للحية في البرية رمزا لرفعه علي الصليب ، فلماذا نصر أن نطبق كلمة "ماء" وحدها حرفيا دونا عن كل هذه الرموز؟ وثانيا لأنه حتي في المرات التي ذكرت فيها العمودية كعلامة خارجية ورمزا نقوم به للإعتراف جهرا بالعمل المعجزي السري الذي حدث في قلوبنا فإنها لا تذكر أبدا بإعتبارها ميلادا ولكن بإعتبارها موتا "أما تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته ، فدفنا معه بالمعمودية للموت ، حتي كما أقيم المسيح من الأموات ، بمجد الآب ، هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة" (رو 6 :3 – 4) ، وأيضا "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كو 2 : 12).

"فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم علي إسم يسوع لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس"   (أع 2 : 38)

أول ما ينبغي ملاحظته هنا هو أن بطرس أمرهم بأن يعتمدوا علي إسم يسوع ، وهذا يخالف ما قاله الرب يسوع المسيح نفسه عندما أمر تلاميذه بعمل الفريضة إذ قال "فإذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمودهم بإسم الآب والإبن والروح القدس" (مت 28 : 19). فلماذا لم يطلب منهم بطرس الإعتماد بإسم الآب والإبن والروح القدس كما  علمه سيده من قبل؟ أغلب الظن أنهم نفذوا وصية الرب يسوع وعمودهم بإسم الآب والإبن والروح القدس ، ولكن ما قصده بطرس من ذلك هو أن يعتمدوا علي أساس عمل المسيح من أجلهم. ولهذا جاء هنا حرف الجر (علي) لكي يشير إلي العمودية المؤسسة علي خدمة وعمل واستحقاق الرب يسوع ، إذ أن الإسم كان يقصد به الإشارة إلي كل كمالات واستحقاقات الشخص. كما أن معموديتهم علي إسم يسوع تعني ضمنا إعترافهم به كمسياهم ومخلصهم وقائدهم ومعلمهم. وهذا هو المعني الذي قصده بولس عندما أشار إلي معمودية بني إسرائيل لموسي في البرية "وجميعهم اعتمدوا لموسي في السحابة وفي البحر" (1 كو 10 : 2) فالمعمودية لموسي في البحر وفي السحابة كانت تعني خضوعهم لموسي واعترافا به كمخلص ومسيرا وراءه كقائد. وقد كان من المهم أن يذكر بطرس لفظ المعمودية علي إسم يسوع لليهود حتي يدركوا أنه بمعموديتهم علي إسمه فإنهم بذلك يعترفون بشخص وعمل واستحقاق وألوهية الرب يسوع المسيح الذي رفضوه وصلبوه من قبل. يقول الكتاب "لأن كل من يدعو بإسم الرب يخلص" (رو 10 : 13) ، "أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل إسمه" (1 يو 2 : 12) ، "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال بإسمه غفران الخطايا" (أع 10 : 43). فما الذي يخلص إذا؟ إسم (عمل واستحقاقات) الرب يسوع أم المعمودية؟

يقول آدم كلارك أن معني هذه الآية ينبغي أن يكون "وليعتمد كل واحد منكم علي إسم يسوع في إشارة لغفران الخطايا" أي أن ممارسة المعودية هي بمثابة الإشارة إلي الخدمة التطهيرية للروح القدس. أما روبرتسون فيري أن الكلمة اليونانية (eis) والتي ترجمت في صورة حرف جر وضع قبل كلمة "غفران" يمكن أن تعبر عن الغرض مثلما جاء في (1 كو 2 : 7) أو أن يكون معناها "علي أساس" أو "بناء علي" مثل "من يقبل نبيا بإسم نبي فأجر نبي يأخذ. ومن يقبل بارا بإسم بار فأجر بار يأخذ" (مت 10 : 41) أي من يقبل نبي علي أساس أنه يحمل اسم نبي. وأيضا "رجال نينوي سيقومون في الدين مع هذا الجيل لأنهم تابوا بمناداة يونان وهوذا أعظم من يونان ههنا" (مت 12 : 41) أي أنهم تابوا بسبب أو بناء علي مناداة يونان. إذا فيمكن ترجمة الآية كالآتي "وليعتمد كل واحد منكم علي إسم يسوع بسبب غفران الخطايا".

كما أن ترتيب الكلام والأحداث هنا ليس دليلا علي كون المعمودية تغفر الخطايا وأن الروح القدس ينسكب بعدها ، يقول وليم مكدونلد نقلا عن هـ. ب. باركر: أنه كان هناك أربع جماعات من المؤمنين في سفر الأعمال، وترتيب الأحداث في ما يختص بقبولهم للروح القدس كان مختلفًا في كل حالة: أولاً: هنا في (أعمال2: 38) بالنسبة للمسيحيين من أصل يهودي كان الترتيب كالآتي: 1  - التوبة 2  - معمودية الماء 3  - قبول الروح القدس ثانيًا: اهتداء السامريين إلى المسيح (أع 8: 14 - 17). جرت الأحداث بالترتيب الآتي: 1  - آمنوا 2  - اعتمدوا بالماء 3  - صلى الرسل لأجلهم 4  - وضع الرسل أياديهم عليهم فقبلوا الروح القدس ثالثًا: في أعمال (10: 44 - 48) أمامنا اهتداء قومٍ من الأمم إلى المسيح. لاحظ الترتيب هنا: 1  - الإيمان 2  - قبول الروح القدس 3  - معمودية الماء رابعًا: الجماعة الأخيرة من المؤمنين تتكون من تلاميذ يوحنا المعمدان (أع19: 1 - 7). 1  - آمنوا  2  - اعتمدوا بالماء مرة أخرى 3  - وضع الرسول بولس يده عليهم 4  - قبلوا الروح القدس. هل يعني هذا أن هناك أربع طرق للخلاص في سفر الأعمال؟ بالطبع لا. فالخلاص كان في الماضي ويكون في الحاضر وسيكون دائمًا على أساس الإيمان بالرب يسوع. ويري كاتب هذا المقال بناء علي هذا التحليل الأخير أنه يمكننا أن نقول أنه في كل ترتيب من الترتيبات الأربعة السابقة كان إما الإيمان أو التوبة يسبق المعمودية ، والإيمان لا يمكن أن يكون صحيح بدون توبة كما أن التوبة لا يمكن أن تكون أصيلة بدون إيمان ، فهما وجهان لعملة واحدة. وعلي ذلك فإن المعمودية لا تصلح بدون حدوث هذا التغيير العميق في القلب أولا ومن ثم فحينئذ فقط يمكننا أن نعتمد شهادة لهذا التغيير الذي حل في قلوبنا. ولكن ماذا حدث بعد أن قدم لهم بطرس تعليما عن الخلاص وتحريضا بقبوله؟ يقول الكتاب "فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا ، وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس" (أع 2 : 41). أي أنهم قبلوا الكلام أولا وهذا يعني أنه آمنوا به ثم بعد ذلك اعتمدوا ، ولم يقل الكتاب المقدس أنهم أخذوا الروح القدس قبل أو بعد المعمودية.

"والآن لماذا تتواني؟ قم واعتمد واغسل خطاياك داعيا بإسم الرب" (أع 22 : 16)

يقول كل من شرحي جيه. إف. بي. وجون ماكرثر أنه لغويا قد ذكر تعبير "داعيا بإسم الرب" قبل "قم واعتمد واغسل خطاياك" ، أي أن الدعاء بإسم الرب قد سبق الأفعال الأخري ، أو كما يوردها جيه. إف. بي "بناء علي دعاءك بإسم الرب". فإذا نظرنا إلي الآية مع أخذ هذا الترتيب في الإعتبار يكون المعني "بما أنك دعوت بإسم الرب معترفا به ربا قم الآن واعتمد معترفا بخطاياك التي غسلت بدعاءك لإسم الرب". وإن قلنا أن ماء المعمودية الذي لا يقدر إلا أن يزيل وسخ الجسد يستطيع أن يغسل الخطايا ففي هذا تسطيحا لإحتياج الروح العميق ، وجهلا بتغلغل الخطية في أعماق النفس الإنسانية ، بل وإهمالا للقيمة الروحية الكاملة لدم الرب يسوع الذي يستطيع وحده أن يغسل الخطايا. يقول الوحي "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه" (رؤ 1 : 5) ، "ودم يسوع المسيح إبنه يطهرنا من كل خطية" (1 يو 1 : 7) فهل من الممكن أن تتساوي قيمة ماء المعمودية بدم إبن الله من حيث تأثير وفعالية كل منهما؟ كما أننا نشكر الله أن الوحي ذكر تعبير "داعيا بإسم الرب" ، فإن أخذنا في الإعتبار آيات كتابية أخري تتحدث عن الدعاء بإسم الرب فقط كوسيلة وحيدة للخلاص دون أي ذكر للمعمودية أو أي طقوس أخري لأدركنا عدم حاجتنا لممارسة أي شئ آخر كإضافة للدعاء بإسم الرب "كل من يدع بإسم الرب يخلص" (رو 10 : 13). فهل إسم الرب الذي يشير إلي كل كمالاته واستحقاقاته وعمله ومراحمه وقوته لا يكفي للخلاص فنحتاج مع ذلك أن نتكل علي ماء المعمودية؟

"لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3 : 27)

علي الرغم أن هناك من ينفي أن المقصود بالمعمودية هنا هو معمودية الماء حرفيا وأن ما قصد بها هو مجرد إشارة مجازية أو رمزية لغمر المسيح لنا وانغماسنا فيه عن طريق الإتحاد بموته ودفنه وقيامته روحيا ، إلا أنه ليس لدينا مشكلة في إعتبار أن المقصود بالإعتماد هنا هو معمودية الماء. ولكي نوضح أنه لا توجد للمعمودية أي إمكانية للخلاص أو لبس المسيح روحيا نقتبس الكلمات التي قيلت بواسطة جون جيل في شرح معني هذه الآية إذ يقول "إن قول الرسول هنا لا يقصد به وجود معمدين أو غير معمدين سواء في كنيسة غلاطية أو أي من الكنائس الأولي ، لأن ذلك يعتبر منافيا للإرسالية التي أعطيت لهم من الرب ، ولكن أسلوب الرسول في الحديث يجعلنا نفهم أنه ربما كان هناك بعض من بين هؤلاء الذين اعتمدوا بالماء لم يعتمدوا بالمسيح ، وأن هؤلاء الذين اعتمدوا معمودية حقيقية وصحيحة ، وأخضعوا نفسهم بالحق لها ، وأن المعمودية مورست لهم بطريقة صحيحة ، فقد اعتمدوا في المسيح. والمعمودية لم تحضرهم إلي الإتحاد بالمسيح ، ولكن بالشركة معه ، لأنهم اعتمدوا فقط بإسم الرب ، وبسلطانه وبناء علي وصيته ، إلي تعليمه وإلي الإعتراف به ، وأنهم أحضروا إلي شركة بركات النعمة التي فيه ، ودخلوا من خلال موته وآلامه ، لأن كل من اعتمد في المسيح قد اعتمد في موته وقيامته". ولبس المسيح يحدث قبل وأثناء وبعد المعمودية ، فقبل المعمودية نلبس بر المسيح وكمالاته وثياب الخلاص التي نكتسي بها بناء علي عمله علي الصليب (إش 61 : 10) ، وأثناء المعمودية نلبس الرب يسوع كرب لحياتنا وقائدا لها مثلما كان موسي قائدا للعبرانيين بعدما خرجوا من مصر إذ يقول أنهم اعتمدوا في البحر وفي السحابة لموسي ، ثم بعد المعمودية أيضا نلبس صفات وشبه الرب يسوع المسيح عن طريق عمل الروح القدس الذي يعمل بإستمرار علي تصوير المسيح في سلوكنا بتقديسنا له جسدا ونفسا. ولكن تبقي المعمودية نقطة فاصلة في حياة المؤمن بإعتبارها تفصله عن حياته القديمة قبل الإيمان بالرب إلي اللحظة التي قرر فيها أن يعترف به جهرا فيكون بذلك خلع عنه ثيابه الروحية القديمة ولبس ثيابه الروحية الجديدة.

"إذ عصت قديما حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح ، إذ كان الفلك يبني ، الذي فيه خلص قليلون ، أي ثماني أنفس بالماء. الذي مثاله يخلصنا نحن الآن ، أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1 بط 3 : 20 – 21)

 هذا النص هو واحد من أعقد وأصعب نصوص العهد الجديد من احيث إمكانية تفسيره. والصعوبة تكمن أولا في تحديد ما هو الأصل الذي يقيس عليه بطرس "المثال" لأننا نعلم أن المثال هو المعمودية ، فهل يقصد بالنموذج الأصلي الفلك أم ماء الطوفان أم الخلاص الذي يشمل الإثنين معا؟ والصعوبة الثانية هي تحديد وجه التشابه بين الأصل والمثال. والصعوبة الثالثة هي معرفة هل المعني المقصود بالمعمودية هنا مجازي أم حرفي؟ والصعوبة الرابعة تكمن في معرفة ما إذا كانت الترجمة الصحيحة للفظة "سؤال" هي فعلا كذلك أم ينبغي أن تكون الترجمة "إجابة" كما وردت فعلا كذلك في بعض الترجمات الأخري؟ وكيف نربط "السؤال" أو "الإجابة" بالضمير الصالح الذي تحدثه قيامة يسوع المسيح بما سبق سواء كانت المعمودية حرفية أم رمزية؟ والصعوبة الأخيرة هي ما علاقة كل ذلك بالقرينة التي نري فيها بطرس الرسول يشجع المؤمنون من خلفية يهودية علي إحتمال الألم؟

الصعوبة الأولي

أن أول عقبة تقف في طريق فهمنا لهذا النص هي قصد بطرس الرسول من كلمة "الذي مثاله يخلصنا أي المعمودية" ، فلكي نعرف مما تخلصنا المعمودية يجب أن نعرف علي غرار ما سيق مثال المعمودية أو ما هو الأصل الذي قيست عليه. فإما أن بطرس يقصد بالنموذج الأصلي هنا الفلك ، أو إما يقصد ماء الطوفان ، أو إما أنه يقصد كلا الإثنين معا. ونحن نميل للأخذ بالإختيار الأخير لأن بطرس في قوله ذلك نسب خلاص نوح ومن معه لكلا الإثنين ، الفلك أولا ثم الماء "إذ كان الفلك يبني ، الذي فيه خلص قليلون ، أي ثماني أنفس بالماء" فخلاص نوح قديما تم عن طريق أمرين ، الفلك والماء. ولكننا يمكننا أن نفهم أن نوح خلص من الطوفان بالفلك ، فكيف يكون إذا الماء واسطة في خلاصه في حين أنه كان واسطة الدينونة أولا؟ إن نوح خلص بالفلك من مياه الدينونة إلا أن المياه كانت عاملا مساعدا أيضا ، إذ أنها هي التي رفعت الفلك لأعلي وأعطته القوة لكي يطمو فوق المياه ، ولكن بدون الفلك ليس للماء أي قيمة ، لذلك كان مصير من لم يدخلوا الفلك هو الهلاك. ولكن ماء الطوفان كان خلاصا لنوح ومن معه من العالم القديم أيضا. أي أن ماء الطوفان الذي أهلك العالم القديم كان هو الخلاص بعينه لنوح. ولكن مما خلص بالضبط؟ من الأشرار الذين أراد الرب إهلاكهم بسبب شرهم ، ومن اللعنة التي حلت علي كل شئ بسببهم حتي أن الله أهلك تقريبا كل شئ ولم يستبق إلا القليل كعينة من كل أشكال الحياة التي كانت موجودة آنذاك ، وخلص أيضا من استهزائهم به ومقاومتهم له وعزلهم إياه. فكان مجيئه إلي العالم الجديد الذي ظهر بعد الطوفان بمثابة إنتصار لبره الذي كان سبب مقاومة له في العالم القديم قبل الطوفان ، وكان أيضا الدخول إلي العالم الجديد بمثابة الراحة من المقاومة التي تعرض لها قديما أثناء كرازته للبر وإنذاره بالدينونة العتيدة.

الصعوبة الثانية

بعد أن عرفنا أن الأصل الذي يقيس عليه بطرس خلاص نوح وأهل بيته هو الفلك والماء في آن واحد ، وأن المثال لذلك هو المعمودية ، فما هي أوجه الشبه إذا؟ لا شك أن في الفلك رمزا للمسيح ، وهو ليس رمزا للكنيسة كما يقول البعض ، إذ أن الكنيسة – التي هي عائلة نوح – كانت داخل الفلك الذي أنقذها من مياه الدينونة. وكما إحتمل الفلك أمواه الدينونة الإلهية المرعبة التي أتت من أعلي ومن أسفل وحاصرته من جميع الجهات ، وسار بنوح وبنيه بداخله ولم يمسهم أذي بل ظل حافظا لهم سائرا بهم وسط تلك الأهوال إلي أن انقطع هطول المياه وتوقف انفجار ينابيع الغمر العظيم حتي انحسرت المياه وجفت تماما فخرجوا منه إلي عالما جديدا ، هكذا فإن سيدنا الحبيب احتمل لجج الدينونة الإلهية التي عجت أصوات ميازيبها المرعبة في أذنيه المرهفتين وجاشت تياراتها الصادمة المزبدة علي رأسه الطاهر ، حتي هدأ الغضب الإلهي وشبع منه وفيه. وإذ كان السيد يجتاز هذه الدينونة الرهيبة كنا متحدون به ، فسار بنا وسط أهوال الغضب الإلهي كما سار الفلك. وموت الرب يسوع المسيح علي الصليب كان معمودية ، إذ أنه اعتمد في مياه الدينونة. وهذا ما قصده الرب عندما قال "ولي صبغة أصطبغها وكيف أنحصر حتى تُكمل" (لو12: 50) ، وكلمة صبغة هنا جاءت في الأصل اليوناني معمودية وهكذا جاءت في الترجمة الإنجليزية أيضا. ونحن إذ نؤمن به نصير واحدا معه ، وعلي الرغم أننا لم نمت معه فعلا علي الصليب إلا أننا كنا متحدين معه بشبه موته ، وعلي الرغم أننا لم نقم معه فعلا عند القيامة إلا أننا قمنا معه بعمل الروح القدس المحيي في قلوبنا. وهكذا فإن معمودية رب المجد في مياه طوفان الصليب كانت معمودية روحية لنا نحن أيضا نقلتنا معه من العالم الهالك القديم إلي العالم الطاهر المنتصر الجديد.

الصعوبة الثالثة

يري جون ماكرثر أن بطرس هنا لا يشير إلي معمودية الماء ولكن إلي إنغماس رمزي روحي بالإتحاد مع المسيح كفلك النجاة من دينونة الله. في حين أن أغلب المفسرون يعتقدون أن المقصود بالمعمودية هنا هو المعمودية الحرفية بالماء. إلا أننا نري أنه يوجد هنا ذكر لمعمودية حرفية بدليل قوله الذي يحاول به أن يصحح فكرة خائطة ربما تتسلل إلي بعض الأذهان أن معمودية الماء لها فعالية روحية إذ يقول "لا إزالة وسخ الجسد". ولكن هذا لا ينفي أنه يوجد في نفس الوقت معمودية روحية أو انغماس روحي بشخص المسيح. فالثمانية الأبرار الذين حفظوا من الطوفان كانوا داخل الفلك الذي كان داخل المياه. فالفلك كان محاطا بالمياه من جميع الجهات ، فهي سقطت عليه من طاقات السماء التي انفتحت ، ومن ينابيع الغمر التي انفجرت ، وأحاطت به من جميع الجهات إذ أخذت تتراكم شيئا فشيئا. وكان نوح وكل من له محاطون بالفلك الذي كان يسير وسط هذه الأهوال. ونحن أيضا اعتمدنا روحيا في المسيح بإتحادنا معه بالإيمان ، وبذلك فكنا نحن أيضا فيه عندما سقطت عليه الدينونة المرعبة علي الصليب ، بل وعندما قام أيضا منتصرا علي الموت. ونحن إذ نعتمد بمعمودية الماء نترجم معموديتنا الروحية إلي رمز ، ونحولها إلي شهادة ، ونظهرها كإعتراف أمام أعين الكل. فبنزولنا إلي الماء وصعودنا منه نقول أننا خلصنا من مياه الدينونة في المسيح فلكنا ، وأننا نعلن انتقالنا وانفصالنا عن العالم الهالك الشرير الذي نحيا فيه إلي عالم جديد ننتصر فيه. وكما خلص نوح من العالم القديم عن طريق المياه هكذا أيضا فإن مياه المعمودية تخلصنا ظاهريا من نسبتنا إلي العالم الحاضر الشرير من خلال الشهادة التي نؤديها ، وهي أيضا تشير إلي خلاصنا في المسيح من هذا العالم رمزيا. وعلي الرغم من أنه قد يكون هنا ذكر صريح لمعمودية الماء وذكر ضمني لمعمودية الإتحاد بالمسيح والإنغماس روحيا وإيمانيا فيه ، إلا أن الأولي لا تخلصنا بل إنها مجرد رمز للمعمودية الإيمانية التي تخلص حقا.

الصعوبة الرابعة

وهنا يوجه بطرس الضربة القاضية لأي إدعاء يقول بأن للمعمودية أي قوة روحية تخلص إذ يقول "لا إزالة وسخ الجسد" ، أي أن هذ الفريضة لا منفعة منها سوي الإغتسال الخارجي أو التطهير الطقسي ، مثلما كان الحال مع الختان ، وكذلك المعموديات والغسلات اليهودية كما سبق وأشرنا. ولعل أحدهم يعترض قائلا أن ماء المعمودية ليس المقصود به هو الإستحمام أو الإغتسال ، فنرد عليه بهذا القول الذي جاء في شرح روربتسون: "يقول بطرس أن المعمودية لا تغسل الجسد من وسخه حرفيا ، ولا حتي تغسل النفس أدبيا من وسخها. فلا طقوس يمكنها أن تؤثر علي الضمير. فالرسول هنا يرفض المعمودية بإعتبارها عاملا فعالا في غفران الخطايا". وإن كان يوجد تأثيرات روحية للمعمودية – ونحن نؤمن بذلك – إلا أنها لا يمكن أن ترقي لتكون سببا لخلاصنا. فالمعني الذي يريد الرسول قوله إذا هو أن مثال ما حدث في الطوفان يخلصنا والذي هو الإنغماس والإتحاد بشخص المسيح ، وليس ماء العمودية الذي لا يستطيع إلا أن يزيل وسخ الجسد ، ولكن سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح. تنوعت الترجمات الإنجليزية من حيث المعني التي تبنته كل منها للفظة "سؤال". ففي معظمها جاءت "سؤال" ، وفي بعضها جاءت "إجابة" ، والقليل منها أوردها بمعني "مناشدة" أو "طلب". ومعظم مفسري الكتاب المقدس يقولون أن بطرس كان يقصد بذلك الأسئلة التي كانت تسأل لمن يعتمد وإجابته عما يؤمن به. ويقول بارنز أن هذا السؤال والجواب أو عملية التحقيق هذه ، كانت تُسأل لمن يتقدم للإعتماد ، وكان ينتظر منه الإجابة التي تتضمن وجود ضمير صالح ومستنير بخصوص هذا الإعتراف تجاه الله. إلا أن لماكرثر رأيا آخر في هذا الصدد إذ يقول أن التعبير "إجابة" – حسبما وردت في الترجمة التي اقتبسها هو – يوحي بفكرة التعهد والموافقة علي حالة عهد معينة الذي هو العهد الجديد مع الله. فالذي يخلص الخاطئ ذو الضمير المثقل بالذنب ليس مجرد طقسا خارجيا ، ولكن هو الإتفاق مع الله بالدخول في فلك النجاة الذي هو الرب يسوع ، بالإيمان بموته وقيامته". وأيا كان المعني المقصود بسؤال ضمير صالح ، فيكفينا هنا أن القيامة هي العامل الفعال في الخلاص الذي ذكره بطرس ، والذي يشير إليها صعودنا من المعمودية أثناء الإعتماد ، وأن القيامة هي أساس الحصول علي هذا الضمير الصالح. والرسول بذلك يريد القول بما أن المعمودية غير قادرة سوي علي إزالة وسخ الجسد فما الذي يخلصنا إذا؟ إنها قيامة المسيح التي برهنت علي قبول الآب السماوي لكفارة الإبن ، وبالتالي برهنت أيضا علي كفايتها لخلاصي واستنادي عليها في الحصول علي ضمير صالح ، إذ أن الرب يسوع المسيح احتمل الدينونة وغفرت خطايانا وحصلنا علي ضمير تحرر من ثقل الإحساس بالذنب وذلك بالإيمان بعمل عمل القيامة المجيد.

الصعوبة الخامسة

وبعد أن وضح المعني أمامنا بقي فقط أن نعرف ما علاقة كل هذا الذي قيل بالقرينة التي يحاول فيها بطرس تشجيع المؤمنين من خلفية يهودية علي إحتمال الألم نتيجة إيمانهم بشخص المسيح ، وحثهم علي مقاومة الشكوك التي من المكن أن تساورهم بخصوص عددهم القليل أمام أغلبية يهودية رافضة للمسيا. لهذا يلجأ بطرس للحديث عن احتمال الرب يسوع المسيح للآلام ثم النصرة والأمجاد التي أعقبتها. وبيمنا يحدثنا في الأصحاح السابق عن آلامه كبار عاش في العالم "لأنكم لهذا دعيتم. فإن المسيح تألم لأجلنا ، تاركا لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته" (1 بط 2 : 21) ، إلا أنه هنا في الأصحاح الثالث يحدثنا عن آلامه الكفارية التي لم يشترك معه أحد فيها ولم يماثله أحد في قسوتها "البار من أجل الأثمة". وفي كل الحالات التي تألم الرب يسوع المسيح كان هو البار الذي لم يقترف أي ذنب ، ولكنه كان عليه أن يجتاز هذه الآلام ليس فقط لأنها مشيئة الله بل أيضا لأنها كانت السبيل الوحيد للمجد ، حتي أن تلك الأرواح التي كانت خلف آلامه نراها خاضعة له الآن (عدد 22). ويقول بطرس أننا نستطيع أن نجد التشجيع والمثال علي احتمال الآلام في المسيح الذي تألم لأجل البر والذي آلت به آلامه إلي الأمجاد. ثم ينتقل الرسول من آلام المسيح إلي نوح ليتأخذ منه هو والقليلون الذين معه أيضا مثال في صبره سنينا طويلة محتملا العزلة والمقاومة إلي أن نال الخلاص في النهاية بواسطة الماء الذي نقله إلي عالم جديد ، وليس فيه شر ومقاومة (نسبيا) كالعالم القديم. وكما كان الماء هو وسيلة خلاص وانتقال نوح من العالم القديم الذي تألم فيه إلي العالم الجديد ، فإن المعمودية التي اعتمدناها نحن أيضا ترمز إلي المسيح فلكنا الذي خلصنا ونقلنا من القديم إلي الجديد ، أي من الطبيعة القديمة إلي الطبيعة الجديدة ، ومن الإنتماء إلي العالم القديم إلي العالم الجديد الذي ننتظره والذي لا يكون فيه آلام بل ملئ بالأمجاد. وكما آلت كل من آلام المسيح ومقاومة الأشرار لنوح إلي النصرة في النهاية هكذا آلامنا نحن أيضا سوف تأتي بنا إلي النصرة والأمجاد. ولا شك أن تسلسل الأفكار لعب دورا هاما جدا ، ناهيك عن تداخل الرموز والتشبيهات وتطبيقها علي تعاليم العهد الجديد والذي جعل من الصعب ملاحقة بطرس الرسول في أفكاره العميقة جدا.

وختاما فإننا نناشد القارئ العزيز لكي يتفحص هذه الحجج التي أوردناها في ضوء كلمة الله والروح القدس ، وأن يتمثل بهؤلاء الشرفاء الذين ذهبوا إلي كلمة الله لكي يروا إن كانت هذه الأمور هكذا ، فليس هناك ثمة شئ لا يمكن أن يخضع للبحث الكتابي. ويا ليت الرب يفتح بصائرنا جميعا لنعرف الحق فنتحرر به.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس