داود بين حماقته وإغواء الشيطان وإهاجة الرب له

كيف يخطئ داود ويعاقب الرب إسرائيل علي ذلك؟



وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا
(2 صم 24 : 1)
وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ.
(1 أخ 21 : 1)
وَضَرَبَ دَاوُدَ قَلْبُهُ بَعْدَمَا عَدَّ الشَّعْبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا فِي مَا فَعَلْتُ، وَالآنَ يَا رَبُّ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي انْحَمَقْتُ جِدًّا
(2 صم 24 : 10)



لعل مضاهاة هذه الآيات الكتابية العسرة الفهم بعضها ببعض قد أثار في ذهن القارئ العزيز بعض الأسئلة عن معني هذا التناقض البادي علي السطح. فكل واحدة منها تحمل شخصا بعينه مسؤولية نفس الفعل الذي هو إحصاء الشعب. فواحدة منها تلقي بها علي الرب بصفته من أهاج داود ، والثانية تحمل الشيطان إياها بسبب إغواءه له ، والأخيرة تلقيها علي كاهل من اقترف الجريمة. والأغرب من ذلك أن من كابد العقوبة كان طرفا رابعا غير الثلاثة الآنف ذكرهم ، الأمر الذي يزيد من مشكلتنا تعقيدا هنا. فكيف نصالح هذه المتناقضات الظاهرية مع بعضها؟ سنحاول بنعمة الله الإجابة في السطور القادمة علي الصعوبات اللاهوتية التي تعتري فهم هذه النصوص فقط وسيترك للقارئ العزيز التطبيقات العملية لما يمكن أن يُتعلم من ذلك.

أولا لماذا اعتبر الرب احصاء داود للشعب خطية؟

من البديهي أن يكون هذا أول سؤال يتبادر إلي الذهن ، إذ أنه من الطبيعي أن يحصي الملك عدد جنوده حتي يعرف قدر قوته الحربية. ألم يقل رب المجد نفسه "وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب ، لا يجلس أولا ويتشاور: هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفا. وإلا فما دام ذلك بعيدا يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح" (لو 14 : 31 – 32). ناهيك عن أن موسي نفسه أحصي الشعب مرتين في القديم (عدد 1 : 2 ، 26 : 1 – 4) فكيف إذا يكون ذلك خطية تستوجب دينونة الله له؟ اختلف البعض في تفسير ذلك الأمر ولكن سنعرض لمعظم الآراء التي وردت في هذا الصدد كما يوردها متي هنري في تفسيره. الرأي الأول يري أنها كانت خطية من جانب داود لأنه أحصي الرجال من سن عشرين سنة فما دون ممن هم قادرون علي الحرب وحمل السلاح ، ولهذا السبب لم يأخذ الملك عددهم من يوآب لأنه كان أمرا محرما (1 أخ 27 : 23). ويري أصحاب الرأي الثاني أن الدينونة أتت علي داود بسبب عدم استيفاءه النصف شاقل التي تطلبها الإحصاء والتي كانت تعطي لصالح خدمة هيكل الرب كفدية لنفوسهم (خر 30 : 12). بينما يري أصحاب رأي ثالث أن داود عمل هذا الإحصاء بهدف فرض ضريبة لصالحه هو حتي توضع في خزانته ، وذلك عن طريق الإحصاء ، حتي إذا عرف عددهم يستطيع أن يعرف قيمتها في النهاية. أما أصحاب الرأي الرابع فيعتقدون أن هذا العقاب الإلهي حل عليه لأنه لم يأخذ أمرا من الرب بالقيام بهذا التعداد. ورأيا خامسا مفاده أن في ذلك الإحصاء تكمن مهانة لوعد الله لإبراهيم في القديم أن نسله لن يعد مثل الرمل الذي علي شاطئ البحر في الكثرة ، وأن الوعد لم يتم حرفيا. والرأي الأخير يتصور أن كبرياء قلب داود هو الذي أوقعه في هذا الفخ مثلما حدث مع حزقيا الملك عندما أري رسل ملك بابل كل ما في بيت زخائره. بمعني أنه لو حدث زيادة في عدد الشعب لنسب ذلك لقوته هو وكأن الرب لا دخل له بذلك ، أو أن يحصيهم لكي يعلن عن عددهم المهول بين الأمم فيكون الفضل لأي نصرة هو الكثرة العددية. علي أن هناك أيضا رأيا آخر جديرا بالتأمل لم يرد في شرح متي هنري وهو أنه لعل داود أراد امتلاك أراضي جديدة غير التي سمح الرب بإمتلاكها ، فقرر أن يعرف حجم القوة العسكرية التي يمتلكها فحول بذلك ثقته من علي الرب ليضعها علي القوة العضلية. خلاصة القول أن الإحصاء كان يتم قديما إما بسبب فرض الضرائب أو بسب معرفة حجم القوة العسكرية والرغبة في التوسع. وبناء علي ما سبق فعدم وجدود نص صريح يجعلنا لا نستطيع أن نجزم بخطية داود ، بل ربما كان هناك أكثر من خطية أقترفت بواسطته ، ولا نستيطع أن نجزم أيضا ما إذا كانت الخطية تكمن في الدافع أم في الفعل نفسه ، علما بأن الإحصاء قديما حدث في عهد موسي فقط بأمر من الرب. ولكن علي الأقل كان هناك خطية واحدة اقتضت دينونة الله له.

ثانيا من هو المسؤول عن خطية داود؟

إن من شأن الآيات الكتابية التي وضعناها في طليعة مقالنا هنا أن توحي بتناقضا في المعني ، ولكنه بكل تأكيد لن يكون سوي تناقضا ظاهريا إن أمعنا النظر فيها وأخذنا في الإعتبار مبادئ كتابية أخري. فهل من الممكن أن يكون المسؤول عن خطية داود شخص آخر سواه كأن يكون الرب مثلا أو الشيطان كما نفهم من النصوص الكتابية؟ لاشك أن داود هو المسؤول الأول والأخير عن خطيته وإلا لما كانت دينونة الله له عدلا. فإدانة الرب لداود علي هذه الخطية تحسم المشكلة ، لأنه لا تقوم للدينونة قائمة بدون مسؤولية. وحاشا للرب أن يدين أحد بدون أن يكون له صفة في الإثم المقترف ، أديان كل الأرض لا يصنع عدلا؟ لأنه حتي في القوانين الوضعية أيضا لابد أن تكون العقوبة شخصية أي منصبة ومحصورة في شخص من اقترف الجريمة ذاته ، ويعتبر أيضا مجرما كل من ساهم أو شارك في إعداد أو تنفيذ الجريمة. ويمكننا أن نفهم أن يكون وراء الخطية الشيطان كما في قول الكتاب "ووقف الشيطان ضد إسرائيل ، وأغوي داود ليحصي إسرائيل" ، وعلي ذلك يكون داود قد ارتكب هذه الحماقة بتحريض من الشيطان. وهذا طبعا لا يعفيه من المسؤولية إذ أنه حر الإرادة في أن ينصاع لتلك الغواية الشيطانية أو يقاومها ، لكنه هزم أمامها لأنه كان أضعف منها. وعلي هذه الأسس ، أي شخصية المسؤولية وحرية الإرادة ، سيدين الله البشر. أما الأمر الصعب إبتلاعه فهو أن يكون الرب هو المسؤول عن هذه الخطية لأن الوحي يعلمنا بوضوح "لا يقل أحد إذا جُرِّب: أني أجرَّب من قبل الله ، لأن الله غير مُجَرَّب بالشرور وهو لا يُجَرِّب أحدا" (يع 1 : 13). فكيف إذا يقول الوحي أن الرب أهاج داود علي الشعب؟ (2 صم 24 : 1) وكيف يحاسبه علي خطيته إن كان قد أهاجه؟ لقد اعتبر الوحي هنا حجب الله لنعمته المانعة من الشر بمثابة إهاجة داود عليهم. وبمعني آخر فإن الشيطان أراد أن يغو داود لفعل الشر والرب لم يمنعه حتي تتم مشيئته في دينونة الشعب ، ولكن الرب لم تصدر من جانبه أي تأثيرات لحث داود علي الشر ، حاشا له فهو قدوس ليس لقداسته حد. وثمة ملاحظة جديرة بالإهتمام هنا أن كلمة (أهاج) جاءت في معظم الترجمات الإنجليزية (moved) أي (حرك). وسواء كان المعني قويا مثلما ورد في اللغة العربية أو أقل قوة كما جاء في معظم الترجمات الإنجليزية فهذا لا يغير من توصيف ما فعله الرب بأنه حجب لنعتمه من التدخل لمنع داود من الإغواء.

وهناك علي الأقل دليلان يمكن أن نسوقهما لإثبات مسؤولية داود الكاملة تجاه هذا الإحصاء. أول دليل هو تحذير يوآب له "فقال يوآب: ليزد الرب علي شعبه أمثالهم مئة ضعف. أليسوا جميعا يا سيدي الملك عبيدا لسيدي؟ لماذا يطلب هذا سيدي؟ لماذا يكون سبب إثم لإسرائيل .. وأما لاوي وبنيامين فلم يعدهم معهم لأن كلام الملك كان مكروها لدي يوآب" (1 أخ 21 : 3 ، 6). لقد أدرك يوآب حماقة فعل داود وحاول تحذيره لكنه لم ينتبه ، مع أن داود كان رجلا حسب قلب الرب ، إلا أنه سَفِه جدا في هذا الأمر ، فصوت الإغواء الداخلي كان أقوي من صوت التحذير الخارجي. والدليل الثاني هو أن الإحصاء استمر تسعة أشهر ، وقد كان سيأخذ وقتا أطول من ذلك لو لم يكن كلام الملك مكروها لدي يوآب ، ولكن داود ظل مستكينا هادئا تجاه هذه الخطية طوال هذه الفترة كلها ، لم ينتبه إلي نفسه ولم يتحرك له سكانا أمام تلك الموبقة ، إلي أن ضربه قلبه فإستفاق من تلك الحماقة علي إثر إبتداء نزول دينونة الله (1 أخ 27 : 23 ، 24). والأمر المعزي أن هذه الدينونة أثمرت فيه بالتوبة "وضرب داود قلبه بعدما عد الشعب. فقال داود للرب: لقد أخطأت جدا فيما فعلت. والآن يا رب أزل إثم عبدك لأني إنحمقت جدا" (2 صم 24 : 10).

ولكن كيف حدث هذا الإغواء من الشيطان لداود وسماح الرب له بذلك؟ يتصور معظم مفسري الكتاب المقدس أن ذلك حدث عن طريق وقوف الشيطان أمام الرب للشكاية علي داود والشعب فأذن له الرب بذلك. وهم يستندون علي ذلك بقول الكتاب "ووقف الشيطان ضد إسرائيل" أي وقف أمام الرب عارضا شكايته ضدهم. هذا بالنسبة للسماح بالشكاية أو الإغواء. ولكن ماذا عن إغواء الشيطان له؟ ليس هناك دليل دامغ علي ما إذا كان هذا الإغواء قد حدث لداود مباشرة أم من خلال وسيط بشري استخدمه الشيطان. علي أن لأبرت بارنز رأيا سديدا في هذا الصدد إذ يري أن الترجمة الصحيحة للتعبير الوارد في (1 أخ 21 : 1) ينبغي أن تكون "وقف عدو" وليس "وقف الشيطان" مثلما جاء في ترجمة الملك جيمس – ومثله ترجمتنا العربية – وذلك لأنه لا تتصدره أداة تعريف كما ورد في (أي 1 : 6 ، 2 : 1) بل كما جاء في (1 مل 11 : 14 ، 23 ، 25) حيث نقرأ عن هدد ثم رزون أن كل منهما كان "خصما" (شيطان بحسب النص الأصلي) له ولإسرائيل. وبناء علي ذلك فإن نصنا هنا ينبغي ترجمته "وأهاج خصما داود ضدهم". ونحن لا نعلم نصيحة مَن كانت ، ولكنه شخصا أثبت عداوته لداود وإسرائيل وكره الخير لهم فنصح الملك بإحصاء الشعب. وعلي الرغم من وجاهة هذا التحليل لبارنز إلا أننا لم نجد سوي ترجمة واحده تتفق معه وهي ترجمة يونج الحرفية وذلك بعد مراجعة أكثر من عشرين ترجمة للكتاب المقدس.

رابعا لماذا سمح الرب بذلك؟

بعد أن عرفنا السبب في كون ما فعله داود مكرهة في عيني الرب وعرفنا لماذا يكون داود مسؤولا بالرغم من قول الكتاب أن الرب أهاجه وأن الشيطان أغواه ، فإن هذا يقودنا إلي سؤالا حاسما في موصوع بحثنا هنا ألا وهو لماذا رفع الرب يده عن داود وتركه لغواية الشطيان هكذا؟ إن الأمر كان متعلقا بإسرائيل. ولنكون أكثر تحديدا في كلامنا لنقل أنه كان مختصا بتأديب شعب الرب المتمرد. فتعبير "وعاد فحمي غضب الرب علي إسرائيل" الذي ذكر في الآية التي أوردناها أعلاه يعود بنا إلي ما حدث سابقا في (2 صم 21 : 1) وهي المجاعة التي صارت لمدة ثلاث سنين في أيام داود وعندما طلب داود وجه الرب لمعرفة السبب قال له "هو لأجل شاول ولأجل بيت الدماء. لأنه قتل الجبعونيين". فما حدث هنا من إجازة الرب للشيطان بإغواء رجل الله داود بمثابة ما يمكن أن نطلق عليه "اندلاع ثان للدينونة الإلهية". ولكن ما هو الذنب الذي اقترفه الإسرئيليون حتي يدانوا من الله هكذا؟ إن السبب وراء ذلك غير معروف ، وآراء المفسرين لحل هذا الغموض ليست سوي ضربا من التخمين ، ومع ذلك فلن يضيرنا شيئا إن ذكرناها. فالكثيرون من شارحي الكتاب المقدس يعتقدون أن الرب أراد أن يدين شعبه بسبب تمردهم علي ملكه المختار والممسوح داود ليس مرة ولكن مرتين. أولا عندما ثار عليه أبشالوم وأمال الكثير من قلوب الشعب وراءه ، وثانيا عندما قاد شبع بن بكري تمردا كبيرا ضد داود حتي تركه كل رجال إسرائيل وذهبوا وراء الأول. ولكن ليس هناك نص صريح في كلمة الله يربط بين الدينونة التي أراد الرب أن يوقعها علي شعبه وبين ما بدر منهم من تمرد تجاه داود مسيحه.

خامسا لماذا يحاسب الرب الشعب علي خطية داود؟

ولكن يظل هناك سؤالا محوريا عالقا بالأذهان: لماذا يدان الشعب علي إثر خطية اقترفوها في الماضي – ولتكن هي التمرد علي مسيح الرب كما ذكرنا – في حين أن الدينونة تأتي في أعقاب خطية داود ملكهم عندما قام بإحصائهم؟ دعونا نسأل السؤال بصيغة أخري أبسط: لماذا أدين الشعب علي خطية ملكهم التي لم يكونوا طرفا فيها؟ الكتاب المقدس يفاجئا بغضب الرب تجاه إسرائيل دون أن يعلن لنا سبب هذا الغضب "وعاد فحمي غضب الرب علي إسرائيل فأهاج عليهم داود قائلا: امض واحص إسرائيل ويهوذا". ولكن رغم ذلك يتخذ الرب من خطية داود سببا ليعاقب الشعب علي خطية أخري. إن داود هو ممثل الشعب أمام الرب ، فما يرتكبه من معاصي لابد أن يكون له أثره عليهم. وإلا لما ربط الرب بين خطيتهم وخطيته. فهل معني ذلك أن بني إسرائيل عوقبوا علي خطيتين: خطية إحصاء داود لهم ، وخطية أخري غير معلن عنها (ولتكن تمردهم علي مسيح الرب)؟ من المحتمل جدا أن هذا ما حدث وإلا لما أهاج الرب داود لكي يحصي الشعب ، وفي نفس الوقت لما ربط بين خطيته هو وعقابهم هم. بمعني آخر أنه لكان الرب أدانهم في مناسبة أخري لو لم تكن هناك علاقة بين خطية داود وديونتهم نشأت من كون داود ممثلا لهم أمام الرب. واعطاء الرب داود حق إختيار طريقة الدينونة يثبت كونه ممثلا للشعب لدي الرب. يقول داربي: "إن الله عاقب كبرياء وتمرد إسرائيل بتركهم ليتحملوا عواقب اندفاع داود".وبذلك يكون الرب عاقب أكثر من طرف بدينونة واحدة – ربما – علي جملة من الخطايا في آن واحد.

سادسا لماذا هذه الإختيارات الثلاثة بالذات؟

هذا هو السؤال الأخير المتبقي أمامنا بعد أن أزيلت الكثير من الصعوبات. ولكن قبل أن نجيب علي هذا السؤال هناك سؤال آخر بديهي يفرض نفسه وهو لماذا أعطي الرب داود فرصة للإختيار؟ لا شك أن هذا من قبيل نعمة الرب عليه ، فقد كان من السهل علي الرب أن ينزل عليه أي دينونة يختارها هو ، بل وكان ممكنا أيضا أن ينزل الله الدينونة في صورها الثلاثة التي عرضها عليه في آن واحد. والكتاب المقدس يمتلئ بالأمثلة علي المرات التي أنزل الرب دينونته علي شعبه دون أن يعطيهم أدني حرية إختيار. ولكن هنا وسط مشهد الدينونة يتنازل الرب ليعلن عن مراحمه ونعمته تجاه من يحب. ولا شك أن إظهار الله لنعمته وسط مشهد الدينونة ذلك كان قرارا إلهيا سياديا من جانبه لا نستطيع معرفة سببه ولسنا كفؤ للبحث فيه ومسائلته عنه ، فهو العلي المتسلط في مملكة الناس. ولنعود الآن لسؤالنا الرئيسي وهو لماذا هذه الإختيارات عينها؟ كانت الإختيارت الثلاثة التي وضعها الرب أمام داود هي سبع سنين من الجوع ، أو ثلاثة أشهر من الحرب وتتبع الأعداء له ، أو ثلاثة أيام وبأ. إذا رجعنا لسفر اللاويين (26 : 23 – 26) لوجدنا أنه هذه الثلاثة كانت بعضا من طرق تأديب الرب لهم علي تمردهم ، إذ يقول "أجلب عليكم سيفا ينتقم نقمة الميثاق ، فتجتمعون إلي مدنكم وأرسل في وسطكم الوبأ ، فتدفعون بيد العدو. بكسري لكم عصا الخبز. تخبز عشر نساء خبزكم في تنور واحد ، ويرددون خبزكم بالوزن ، فتأكلون ولا تشبعون". أيضا "حين يصومون لا أسمع صراخهم ، وحين يصعدون محرقة وتقدمة لا أقبلهم ، بل بالسيف والجوع والوبأ أنا أفنيهم" (إر 14 : 12).

وختاما لا يسعنا إلا أن ننحن أمام هذا السلطان الإلهي المطلق الذي لا يمكن تقفي أثره أو تحليله أو التنبؤ به أو سبر غوره ، بل ولا يسعنا سوي أن نفرح بهذا السلطان الإلهي الذي لا يتعارض وجوهره المبارك في كل تعاملاته مع خلائقه. ولسنا نجد أفضل من كلمات الوحي لنتركها مع القارئ العزيز "وحسبت جميع سكان الأرض كلا شئ ، وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ، ولا يوجد من يمنع يده أو يقول: له ماذا تفعل؟" (دا 4 : 35).


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس