حقيقة الرموز العذراوية

 
هل حقا يشير كل من سلم يعقوب والعليقة وعصا هارون إلي العذراء مريم؟
لا شك أن الكثيرين منا تشبعت مسامعهم هذه الأيام بهذه الرموز العذراوية بمناسبة ذكري ميلاد المسيح. وإنه لشئ يدع للدهشة أن تعلم الكنيسة الطقسية أن هذه الرموز – وغيرها الكثير – تشير إلي العذراء مريم ولا تشير إلي الرب يسوع المسيح! فبدلا من أن يكون الرب يسوع المسيح هو محور هذه الرموز وأن تكون هذه الأخيرة انعكاسا لجماله ومجده وتفرده نجده طبقا لتلك التفاسير لا يحتل سوي مكانة ثانوية جدا. وليس غرضنا هنا الدفاع عن الرمز بقدر ما هو الدفاع عن المرموز إليه. ولا يهمنا الرمز بشئ إلا لكونه ظلا ومرآة للحبيب الذي ليس لنا سواه ولا نريد أي شخص آخر إلي جواره: رب المجد يسوع المسيح. وإن لم يكن الرب يسوع المسيح هو محور أي دراسة رمزية في كلمة الله فلنتيقن تمام اليقين أننا أخطئنا في تطبيق الرمز ، فهو الألف والياء ، الأول والآخر ، البداية والنهاية كما نقرأ "ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لو 24).

ومن بين هذه الرموز التي يساء تطبيقها للعذراء اخترنا هنا ثلاثة منها هي الأكثر شهرة. وأولها هو سلم يعقوب ، إذ يُفسر علي أنه يشير إلي مريم العذراء. ولا أعلم كيف ينطبق هنا الرمز مع المرموز إليه. فلكي يكون تطبيق الرمز صحيح لابد أن يكون هناك تطابق بين الرمز والمرموز إليه ، وإن لم يكن من الضروري أن يكون التطابق مطلق في كل الحالات ولكن يكفي أن يقترب هذا التطابق من الكمال. ولا أفهم كيف يجسر أصحاب هذا التطبيق الرمزي علي نسبة هذا الرمز إلي العذراء مع أن  الرب يسوع المسيح طبقه علي نفسه صراحة عندما قال "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ" (يو 1). ونشكر الله لأن هذا التطبيق للرمز هنا جاء مباشرة من الرب يسوع نفسه ولم نسمعه مثلا من أي من كتبة العهد الجديد ، ولو حدث ذلك لكان صحيحا جدا ، ولكن نسبة الرب لهذا الرمز لنفسه لهي أقوي دليل علي أنه هو المقصود به. فإن كانت العذراء هي السلم فكيف نفسر تطبيق المسيح لذلك الرمز علي نفسه؟ وألا يكون ذلك تهميشا للتضحية التي قام بها المسيح بتجسده واتضاعه ثم بموته وارتفاعه أيضا؟ فكيف لا يكون هو السلم بعد ذلك؟ أليس المسيح هو الذي وصل السماء بالأرض بعمل المصالحة الذي قام به "أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ"؟ (2 كو 5). ثم أن السلم الذي رآها يعقوب كانت منصوبة علي الأرض ورأسها يمس السماء ، أي موجودة في الإثنين معا ، وهذه إشارة إلي لا محدودية المسيح واكتمال مؤهلاته المسيانية بكونه إنسانا وإله موجودا في كل مكان في آن واحد "وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (يو 3). والسؤال هنا كيف تكون العذراء موجودة في السماء والأرضا معا في حين أنها كانت علي الأرض فقط عندما كانت حبلي بالمسيح؟ أما التطبيق الصحيح للرمز فهو أن السلم تشير إلي العمل الكامل للمسيح متجسدا ومتألما ومصلوبا ثم مقاما.

وثان رمز يطبق خطأ علي العذراء هو العليقة التي لم تحترق. فبحسب التفسير الخاطئ هو أن العذراء حبلت بالمسيح وضمت اللاهوت ولم تحترق. ولكن أليس بالأولي أن تكون العليقة رمزا لتجسد الرب يسوع المسيح وأن انسانيته تحملت مجد اللاهوت؟ وبمقارنة (خر 3 : 2) مع (خر 3 : 4) يتضح أن هذا كان واحدا من الظهورات المسيانية للرب يسوع في العهد القديم. ففي العدد الثاني من الأصحاح الثالث لسفر الخروج نقرأ "وظهر له ملاك الرب من وسط عليقة وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق" ، ثم في العدد الرابع من نفس الأصحاح نقرأ "فلما رأي الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة". لاحظ معي تعبير "وسط العليقة" الذي ذكر في العددين ، فمَن ظهر في وسط العليقة في العدد الأول هو ملاك الرب ، ومَن نادي موسي من وسط العليقة هو الله أيضا. فكيف يكون الإثنان معا؟ لا يمكن تفسير ذلك إلا بأنه كان ظهور للرب يسوع قبل تجسده. يقول أيضا سفر الخروج (23 : 20 – 21) "ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجئ بك إلي المكان الذي أعددته. احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن اسمي فيه" فأي ملاك هذا الذي ينبغي عدم اغضابه أو التمرد عليه والاحتراز منه لأنه لا يصفح عن الذنوب ، لأن اسم يهوه فيه؟ لا شك أنه الرب يسوع المسيح نفسه. والرب يسوع المسيح لم يتكلم وهو بعد في أحشاء العذراء مريم ولكنه فعل ذلك بعدما ولد وبدأ خدمته العلنية وعلم وشفي وأخرج شياطين ومات وقام ، فكانت كل هذه الأمور هي كلامه واعلانه عن الله الآب. أما التفسير الصحيح فهو أن العليقة التي أجمع المفسرين علي أنها نبات شوكي تشير إلي انسانية المسيح التي تشبه انسانيتنا في كل شئ ما خلا الخطية ، والنار تشير إلي مجد لاهوته ، واتحاد النار بالعليقة في هذا المنظر الفريد دون أن تحترق العليقة اشارة إلي اتحاد اللاهوت بالناسوت دون أن يتضرر الناسوت الضعيف المحدود بالمجد اللانهائي للاهوت.

وهناك رمز آخر أيضا ذكر في سفر العدد (ص 17) يتم تطبيقه بصورة خاطئة علي مريم ألا وهو عصا هارون التي أفرخت. وأول دليل نسوقه هنا هو أن الرب يسوع المسيح مشبه بالغصن في كلمة الله "وقل له هكذا قال رب الجنود: هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب" (زك 6 : 12). لهذا ليس من الغريب أن يقول الرب عن نفسه في (يو 15) أنه الكرمة الحقيقية بالمقابلة مع اسرائيل الكرمة القديمة التي فشلت في تقديم الثمار لله. ثانيا فإن هذه العصا كانت مقتلعة وميتة ولا حياة فيها وهذا إشارة إلي موت المسيح. وبعد ظلام الليل الذي مر علي تلك العصا وهي بين باقي العصي "أَخْرَجَتْ فُرُوخاً وَأَزْهَرَتْ زَهْراً وَأَنْضَجَتْ لوْزاً" كإثبات لاختيار الله لهارون وبيته ليكهنوا له ، وهذا أيضا ينطبق علي المسيح الذي ظل في ظلام القبر ثلاثة أيام وثلاثة ليال إلي أن قام أخير ، وكما يقول الرسول "وَتَعَيَّنَ – تبرهن – ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا." (رو1) وأيضا "لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً – برهانا – إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ" (أع 17). ثالثا فإن النص الكتابي يحدثنا عن اختيار رجل وليس فتاة كما يقول في نفس الأصحاح "فالرجل الذي أختاره تفرخ عصاه". أيضا وأخيرا فالعصا التي أفرخت هي عصا موسي التي أجريت بها الضربات العشر والمعجزات الكثيرة في البرية ، وذلك أيضا يشير إلي السلطان الذي أعطي للرب يسوع في دينونة العالم ، وإلي كونه أيضا واسطة الخلاص لشعبه مثلما كانت العصا عندما شُق بها البحر الأحمر وضُربت بها الصخرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس