شفعاء .. وتخصصات .. وعجبي!


هل حقا لكل شفيع تخصص؟

تكتظ الساحة الدينية القبطية بالوسطاء والشفعاء ، وعجبي فلكل واحد منهم تخصص. فهناك شفيع الطلبة ،وآخر للمتعبين ، وثالث للمرضي ، وتحت شفاعة المرضي هناك أيضا تخصصات فرعية ، فشفيع مرضي الكلي غير ذلك المتخصص بالعيون ، وشفيع السيدات العاقرات لا ينظر مثلا في حالات العظام أو الأسنان ، إلي آخره. أما أكثر هؤلاء الشفعاء غرابة فهو "شفيع المستحيلات" ، فيبدو أن مؤهلات هذا الأخير فاقت سابقيه. ولعل أول سؤال يتبادر إلي الذهن هو: كيف ومتي تخصص هؤلاء؟ ثم من منح لهم شهادات التخصص تلك؟ وكيف أعلنوا عن تلك التخصصات؟ وإن فرضنا صحة المبدأ لماذا لا يوجد بين هؤلاء الشفعاء أيٌ من أبطال الكتاب المقدس ممن شفوا الأمراض في العهد القديم مثل أليشع والجديد مثل بولس وبطرس؟

والأدهي من كل ما سبق هو أن الرب يسوع المسيح لم يصبه الحظ في ادراج اسمه تحت أي من هذه التخصصات ، مع أن الكتاب المقدس يقول "وجميع المرضي شفاهم" (مت 8 : 16). يبدو أن من قاموا بمنح تلك التخصصات اكتفوا بجعل المسيح "شفيعا كفاريا" فقط. مع أنهم حتي في ذلك يناقضون أنفسهم بقولهم "بشفاعة والدة الإله ، القديسة مريم ، يارب انعم لنا بمغفرة خطايانا" ، ناهيك عن صلاة باكر التي يذكر فيها ثلاث مرات طلب شفاعة العذراء لغفران الخطايا "السلام لك. نسألك أيتها القديسة الممتلئة مجدا العذراء كل حين، والدة الإله أم المسيح أصعدي صلواتنا إلي إبنك الحبيب ليغفر لنا خطايانا"

وإن سلمنا بتقسيم الشفاعة إلي كفارية وتوسلية – مع أنه تقسيم غير كتابي بالمرة – فمن البديهي أن من يقدر علي غفران الخطية يمكنه أيضا أن يشفي من المرض ، "ولكن لكي تعلموا أن لابن الأنسان سلطانا علي الأرض أن يعفر الخطايا ، حينئذ قال للمفلوج: قم احمل فراشك واذهب إلي بيتك". فالرب يسوع المسيح أثبت قدرته علي الغفران بشفاءه للمرض ، فالإثنان يسيران معا. ولعل أحدهم يعترض قائلا أن المسيح فعلا يستطيع الشفاء ولكن لا يمكن أن نذهب إليه مباشرة لأننا لا نستحق. وهل هذا صحيح؟ وهل من تنازل لدرجة التعامل مع الخطاة الفجار يجد غضاضة في التعامل مع أصحاب المرض أيضا؟ ألم يقل هو "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم"؟ (مت 11). هل استحق الأبرص ونازفة الدم النجسان في نظر الشريعة الموسوية أن يأتيا إليه؟ (لاوين 15 ، 13). هل استحق الإنسان الذي كانت تسكنه جيوش من الشياطين أن يقف أمام المسيح ويشفي منه؟ ألم يثبت الرب يسوع المسيح أنه كفو للشفاعة التوسلية أيضا عندما قال لبطرس "ولكني طلبت لأجلك لكي لا يفني إيمانك" (لو 22) ، وفي صلاته من أجل التلاميذ وجميع الذين يؤمنون به علي مر الأجيال في يوحنا (17)؟

والشفاعة الصحيحة بحسب كلمة الله هي أن يصلي المؤمنون الأحياء بعضهم من أجل بعض ، مثل إبراهيم عندما صلي من أجل أبيمالك وبيته فلولدن (تك 20) ، وموسي عندما صلي من أجل الشعب والرب رحمهم (خر 32) ، وقد صلي أيوب أيضا من أجل أصحابه والرب لم يصنع معهم حسب حماقتهم (أي 42 : 7 ) أما الذين استشهدوا من أجل الرب يسوع المسيح فهم لا يتشفعون بل يصرخون بالدينونة علي الأرض "ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض" (رؤ 6 : 9 – 10). كما أننا نفهم أيضا من سؤالهم في العدد السابق علمهم المحدود ، فهم لازلوا غير عالمين بكل شئ حتي بعد وصولهم إلي الفردوس ، لأن ذلك يختص بالذات الإلهية وحدها لكونها خارج حدود الزمان والمكان. إن أردنا شفيع فلا يوجد سوي الرب يسوع المسيح "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (1 تي 2 : 5) ، "من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضا الذي هو أيضا عن يمين الله الذي أيضا يشفع فينا" (رو 8 : 34) ، "فمن ثم يقدر أن يخلص أيضا إلي التمام الذين يتقدمون به إلي الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم" (عب 7 : 25). وخلاصة القول أن الرب يسوع المسيح يصلح لجميع أنواع الشفاعات: الكفارية والتوسلية أيضا ، فهو الذي قال – له كل المجد – "إلي الآن لم تطلبوا شيئا باسمي . اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا" (يو 16 : 24) ، "وكل ما عملتم بقول أو فعل فأعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به" (كو 3 : 17).
ختاما لم يبقي لديّ سوي أن أعجب ممن يدافعون عن شفاعة القديسين وكأن المسيح لا يكفيهم ولا يلزمهم وليسوا في حاجة إليه. وعجبي علي من يلجأون للمخلوق دون الخالق مع أنه هو بنفسه قال "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وأنا أريحكم". وعجبي أيضا ممن يعظمون المخلوق وينسبون له صفات الخالق العالم بكل شئ والموجود في كل زمان ومكان، الرحيم الرؤوف الذي لا يخرج أي أحد يأتي إليه خارجا. وعجبا علي من يعددون الوسطاء مع أن الكتاب قال صراحة "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح". حقا العجب كل العجب ممن يصدقون القصص التي تتناقلها الألسن ولا يصدقون الحق الكتابي الواضح. 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس