هل يمكن تلقيب بعض ممن آمنوا بالمسيح "قديسون" دون البعض الآخر؟


تعتقد الكنيسة الطقسية أن لديها سلطانا تمنح علي أساسه صفة "القديسين" للبعض دون البعض الآخر كما نعرف من طقس تطويب الشهداء. وهذا يناقض تعليم الكتاب المقدس بأن كل من يؤمن بالمسيح يسوع هو قديس سواء استشهد من أجل المسيح أو لم يستشهد ، سواء وُضعت علي رأسه العمامة أو لم توضع. كما أن هذا التمييز بين البعض واعتبارهم قديسون بسبب انجازاتهم أو امتيازاتهم دون البعض الآخر لا نسمع عن حدوثه في الكنيسة الأولي بل يمكن تقفي أثره حتي القرن الرابع الميلادي فقط ، وذلك بحسب موسوعة إيستون للكتاب المقدس. ولسنا هنا بصدد الدفاع عن مجرد لقب بقدر ما نريد الدفاع عن عمل المسيح العظيم الذي يجعل من الجميع قديسون بغض النظر عن حالتهم الروحية أو تضحياتهم أو معرفتهم ، فكل من يؤمن بالمسيح يصبح واحدا من بين قديسين كثيرين في السماء وعلي الأرض.

تخبرنا الموسوعة الدولية القياسية للكتاب المقدس (ISBE) أن تعبير "قديسون" ترجم من ثلاث تعبيرات في العبرية واليونانية: الأولي هي كلمة عبرية "قادوش" والثانية عبرية أيضا "تشاسيد" أما الثالثة وهي يونانية "هاجيوس". والوحيدة من بين تلك الكلمات الثلاثة والتي ذكرت بمعني "البر" أو "الصلاح" هي الكلمة الثانية وهو تعبير يدل علي الإستقامة الشخصية. أما التعبيران الآخران ، أي "قادوش" و "هاجيو" يعنيان: الإفتراز والتخصيص نتيجة الدخول في علاقة مع الله.

والكلمة العبرية "قادوش" ذكرت في العهد القديم بصيغة الجمع أي "قديسين" تسع مرات من مجموع أربعة عشر ذكرا. والخمس مرات الأخري ذكرت بصيغة المفرد لتعني "ملاك" أو "الرب". ومن بين هذه المرات التسع التي وردت فيها بصيغة الجمع جاءت في سفر المزامير علي لسان داود في المزمور السادس عشر "القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم" لتخبرنا بأن هؤلاء القديسون هم علي الأرض ولم ينتقلوا إلي السماء بعد ، كما أنهم كثيرون وليسوا أفرادا قليلون ، كما أنه من نطق بذلك لم يكن كاهنا علي رتبة ملكي صادق ، ولم يذكر أيضا أن كان هناك طقس تطويب في الشريعة الموسوية التي هي أم الطقوس. وجاءت أيضا علي لسان إيثان الأزراحي في المزمور التاسع والثمانون لتعني أن القديسون جماعة يسكنها الحق وليسوا أفرادا قليلون استشهدوا من أجل إيمانهم "والسموات تحمد عجائبك يا رب وحقك أيضا في جماعة القديسين".

أما الكلمة اليونانية (hagios) والتي تعني "قديسين" أيضا استخدمت في صيغة الجمع في العهد الجديد  في67 موضع من أصل 68 أي فيما عدا مرة واحدة (في 4 : 21) بل وحتي هنا ذكرت لتوحي بمجموع من القديسين "كل قديس". وعدم ذكر لفظ "قديسين" بالمفرد في العهد الجديد يؤكد أنها استخدمت لوصف كل من يؤمن بالرب يسوع المسيح ، وليس لوصف أفراد بعينهم دون مجموع المؤمنين.

فمثلا يخاطب بولس الرسول أهل كورنثوس قائلا " الى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين مع جميع الذين يدعون بإسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان لهم ولنا". ومن المعروف طبعا أن أهل كنيسة كورنثوس كانوا الأقل قداسة وتكريسا بين باقي الكنائس في العهد الرسولي ، فقد كانوا جسديين أطفال في المسيح لأن بينهم انشقاق ، بل وأكثر من ذلك كان يُسمع أن بينهم زني ، ناهيك أيضا عن استهانتهم بمائدة الرب للدرجة التي استوجبت دينونة الله عليهم. كما أنهم كانوا يشتركون أيضا في نفس لقب "قديسين" مع جميع الذين يدعون بإسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان بما في ذلك الكنائس التي امتدحها الرسول مثل فيلبي ورومية. فحالتهم الروحية المتدنية لم تمنع الرسول بولس من وصفهم بالقديسين ومساواتهم بالكنائس الأخري الأفضل منهم تكريسا والأكثر منهم قداسة وتضحية من أجل الرب.

فليس إذا من يقدس أو يجعل واحد بعينه قديسا دون الآخر هم البشر بل ذبيحة المسيح وعمل الروح القدس المصاحب لها  كما يقول الرسول "وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم بإسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1 كو 6 : 11). وذلك لأن التقديس عمل داخلي لا يستطيع أحد الحكم عليه حتي وإن ادعي وصوله لأقصي درجات الروحانية ومُنح أعظم الدرجات الكهنوتية. والشاهد الوحيد علي التقديس هو الروح القدس وحده الذي يشهد لنا بهذه الشهادة في داخلنا. وإن كان سَيُمنح كل من استشهد من أجل المسيح المكافآت إلا أن هذا لا يعني أنهم القديسون وحدهم دون باقي جسد المسيح. فليخبرنا إذا من يفرقون هذه الألقاب والمراكز الروحية علي أي أساس إستندوا كتابيا وتاريخيا؟

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس