كلمونا بالناعمات!




لأَنَّهُ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ أَوْلاَدٌ كَذَبَةٌ أَوْلاَدٌ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ الرَّبِّ. الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: «لاَ تَرُوا» وَلِلنَّاظِرِينَ: «لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ. كَلِّمُونَا بِالنَّاعِمَاتِ. انْظُرُوا مُخَادِعَاتٍ. 
(إش 30 : 9 – 10).


لكم هو أمر غريب أن يطلب شعب الرب قديما من أنبياءهم أن يكلموهم بالناعمات وأن ينظروا مخادعات. فبدلا من أن يكونوا متلهفين لسماع صوت الرب ورسالته أي كانت للتحذير أو التوبيخ أو حتي للدينونة نجدهم من الصفاقة أن يأمروا أنبياء الرب أن لا يروا رؤي ولا يتكلموا كلاما إلا بما يتفق مع أهواءهم المنحرفة. ولا شك أن مثل هذه الطلبة تنم عن سوء نية ، فلأنهم خائفون ويشعرون بالذنب تجاه الجرم الذي اقترفوه بإتحادهم مع مصر لما كانوا يأمرون رجال الله بأن يقوموا بتفصيل نبوات علي مقاس ضمائرهم المتخمة لطمأنتها وأن يقصوا عليهم رؤي خاصة لدغدغة مشاعرهم المتبلدة لكي يصبحوا أكثر سعادة في بلادتهم وأكثر بلادة في خيبتهم. فعوضا عن أن تندم مملكة يهوذا علي خيانتها للرب بتحالفها مع مصر ضد الآشوريين وتقدم توبة حقيقية تراهم يطلبون من أنبياء الله أن يبرروا لهم خيانتهم وعدم اتكالهم علي الرب. ولم لا يفعل الأنبياء هكذا؟ فمن حقهم أن يخالفوا وصية الرب ويفعلوا كل ما يحسن في أعينهم وأنه لا مانع بعد كل هذا أن يطلبوا من أنبياء الرب "الطبطبة" عليهم فيكلموهم بالناعمات؟!

وفي أيامنا هذه فإن الكنسية تتشابه في حالتها الروحية مع تلك التي كانت للشعب قديما. فكما وقعت المملكة الجنوبية في شر خيانتها للرب وطلبوا من الأنبياء كلاما ناعما ليبرروا لهم ذلك فإن هناك أيضا من ارتكبوا الكثير من الخيانات السلوكية ودفعوا رجال الله بتطويع الكلمة المقدسة لإضفاء الصفة الشرعية علي شرورهم. بل إن الكثيرون من المسيحيين المستحكي المسامع ذهبوا لأبعد من ذلك فتبنوا لأنفهسم استراتيجية جديدة بأن يجمعوا لأنفهسم معلمين يكلمهوهم بالناعمات التي يرغبون بها دون حاجتهم للذهاب إلي رجال الله الحقيقيون ليسمعوا كلمة وعظة كتابية صحيحة. فالشذوذ الجنسي والطلاق لأي سبب غير علة الزني أمثلة واضحة علي شرور سلوكية حاول الكثير من الأنبياء الكذبة رغبة منهم في ارضاء من استحكت مسامعهم أن يدعوا زورا أنها مباحة كتابيا. ومحاولة الكنسية الإنجيلية المصرية تقليد الغرب ومحاكاة الثقافة العالمية بمساواة المرأة للرجل وبالتالي إمكانية صيرورتها راعيا لهي أيضا مثال آخر علي محاولة الكنسية استرضاء البشر علي حساب الحق الكتابي.

والأنكي من ذلك أن أصحاب المسامع المستحكة تطاولوا علي حق الإنجييل فأخذوا يدفعون بأنبياءهم الكذبة لكي يدسوا تعاليم غير صحيحة. وإنجيل الرخاء والصحة هو مثال آخر علي ذلك. فبدلا من أن يخضع المسيحيون لميشئة الله لهم في بعض الأحيان من جهة مرض أو ضيقة مادية يجتازون بها تجدهم يعتقدون بأن الإنجيل يضمن لهم شفاء وغني ورخاء وأنه ليس من المفترض أن يكون أولاد الرب مرضي أو فقراء. ثم ينادي لهم أنبياءهم بهذا الكلام لكي يبرروا لهم تمردهم علي مشيئة الله من جهة مرضهم أو ضائقتهم المالية. فلأنهم لا يستطيعوا تقبل التجربة من يد الرب والتصالح مع مشيئته الصالحة تجدهم يبتدعون التعاليم التي تبرر لهم تذمرهم ومقاومتهم لعمل الله وسلطانه فيهم بدلا من أن يسلكوا الطريق المستقيمة ويتكلوا علي نعمة الله لهم في بليتهم.

أما عن الإنجيل الإجتماعي فحدث ولا حرج! فبفضله أصبحت الكنسية ناديا إجمتاعيا شعاره هو الصواب السياسي. فهناك لا تسمع أنك خاطئ محكوم عليك بدينونة أبدية وعاجز عن تبرير نفسك ، بل ما يقولونه لك هو أنك "جميل كما أنت. فقط عليك أن تقبل نفسك كما هي وسيكون كل شئ علي ما يرام" ويستتلي ذلك بقولهم "كل ما عليك فعله هو أن تقول لنفسك عشر مرات: أنا جميل". ويستنكرون الحديث عن كفارة المسيح وسفكه لدماه التي هي أثمن الحقائق الكتابية جمعاء لأن هناك من يأنفون سماعها ويضجرون لذكرها. ويتجنبون أي حديث يزعجهم مثل الكلام عن جهنم أو يهونوا منها بقولهم أنها ليست سوي تأنيبا للضمير لا أكثر ولا أقل.

ومن الأشياء التي لاقت رواجا كثيرا في أيامنا هذه هو تجنب الحديث عن العقائد الكتابية التي تدعوها الكلمة المقدسة "الإيمان المسلم مرة للقديسين" بحجة أنها لا تقربنا من بعضنا ولا تخدم الوحدة. ولكن ما يجهله هؤلاء إن رسالة يهوذا تعلمنا إن اهمال الحق الكتابي دائما وأبدا ما يكون مقترنا بالإنحراف السلوكي. لهذا فلا عجب أن نري الكثير من الكنائس اللاطائفية والتي هي بلا هوية تعليمية تتساهل مع الشرور أكثر من غيرهها الكنائس المتمسكة بالحق الكتابي. ولا يبدو لي أن هناك سبب آخر يجعل مرتادي تلك الكنائس يذهبون إليها سوي أنهم لا يريدون أن يتكبدوا مشقة البحث والدراسة الكتابية للإيمان المسلم مرة للقديسين. وإن كنا نعترف أنه قد يتعذر علي البعض الدراسة العميقة للحقائق الكتابية إلا أن هذا ليس عذرا يجعلهم حتي لا يطيقون مجرد سماعها وكأنها رجس من عمل الشيطان. فتجدهم يسلكون الطريق الأسهل بأن يذهبوا لأولئك المعلمون الذين لا ينطقون شيئا عن الحق الكتابي. وإن فعلوا فإنهم يقللوا من شأنه ويحطوا من قيمته بإعتباره شيئا عاف عليه الدهر. فانطبق عليهم قول الكتاب "لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح ، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم (أي يشتهون سماع ما يحبون فقط) ، فيصرفون مسامعهم عن الحق ، وينحرفون إلي الخرافات".

علي أنه ليس بالضرورة أن يكون الطلب من أنبياء الله أن يتكلموا بالناعمات طلبا صريحا أو واعيا ، فالبعض يفعلونها دون وعيا منهم ، إذ يجدوا أنفسهم وقد انجذبوا لمن يتكلمون بالناعمات واستراحت ضمائرهم لعدم اسمتاعهم للأمور التي تزعجهم وتعكر صفو مزاجهم وتوقظ ضمائرهم من سباتها العميق. فالإنسان أميل بطبعه أن يسد أذنية عما يزعجه من الحقائق ويؤلمه من الرسائل الصادقة الصامة. وسواء طلبنا ذلك صراحة أو ضمنا ، عن وعي أو بدونه فالأمر سيان ، فهو هروب من القول الحق الذي لا تحب آذاننا سماعه.

ولا يوجد تجربة لأنبياء الله أصعب من انصراف سامعيهم عنهم لأنهم لا يتكلمون بالناعمات التي تروق لآذانهم المستحكة. فقد يكون ذلك إحدي التكاليف الباهظة الثمن لمن ينادون بالحق الصريح. بيد أن هذا أمر ليس بجديد علي الإطلاق. فقد حدث قديما ولا زال يحدث في أيامنا أيضا. ولكنه لا ينبغي أن يثبط من همة الأنبياء الذين اعتزموا قول الحق دون استرضاء من يسمعوهم. فرضا الرب وحده ينبغي أن يكون المبدأ الوحيد الذي يتحكم في أقوال الأنبياء. فيا أنبياء الله لا ترضخوا لترهيب أو ترغيب يثنيكم عن قول الحق الذي تعهدتم به عندما مست شفاهكم بجمرة من علي المذبح المقدس. بل ليكن شعارنا جميعا "لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس