العنف والإلحاد .. صنوان لا يفترقان!

 إن انكار وجود الله لهو دعوة للتحرر من القيود الأخلاقية والروحية المرتبطة بالايمان به ، بل والأكثر من ذلك لهو دعوة للعنف الذي استطاع أن يجد في فكرة عدم وجود إله ديان مبررا ومشجعا. واذا ادعي احد الملاحدة انه خيِّر في ذاته دون حاجته للايمان بالله فسؤالي له إذا من أين جئت بهذه الأخلاقيات وأنت لم تأت إلا من ذرة مجردة ليست خيرا ولا شرا؟ انكِر الإيمان بالله وحينها تنهار كل الأخلاقيات معه. وإن كنا نعترف أن الكثير من الحروب كان خلفها المتدينون إلا أن الدين الحقيقي منها براء.

ولدينا هنا ما يكفي من الأدلة علي إدانة الإلحاد بتهمة العنف وأنه السبب وراء الكثير من الحروب ، تلك التهمة التي حاول الملحدون بأن يوجهوها لنا نحن زورا وبهتانا ، أي أن الإيمان بالله في نظرهم هو السبب وراء الحروب والعنف. ولكن العكس صحيح فالإلحاد هو المبرر وراء الكثير من العنف ، وهذا الأخير هو النتيجة المنطقية الطبيعية لإنكار وجود الله. وللأسف فهذه هي الحقيقة التي تقريبا لا نسمعها لأن الصوت الأعلي في الغرب الآن أضحي هو صوت الإلحاد.

والأمثلة التي في جعبتنا متنوعة ، فالحوادث العنيفة التي كان الإلحاد سببا مباشرا لها لم تحدث فقط في دول نامية بل وفي أخري متقدمة جدا ، وفي عصرنا الحديث أيضا. خذ مثلا جيفري داهمر القاتل المتسلسل الأمريكي الذي قتل بوازع من إيمانه بأنه أتي من الوحل كما تقول نظرية التطور ، فبدت كل الأشياء بما فيهم نفسه والآخرين غير ذوي قيمة أمامه ، حتي أزهق الكثير من الأرواح فَزُجَّ به خلف القضبان. ولعل القارئ الكريم سمع أيضا عن البروفيسير بروفاين وهو من أشد المدافعين عن نظرية التطور عندما قال في الفيلم الوثائقي الشهير "مطرود وغير مسموح لك بالذكاء" لبن ستاين أنه إذا عاد إليه الورم السرطاني ثانية لن يترك نفسه يصارع ويتألم تحت وطأته مثل أخيه بل سيطلق النار علي نفسه قبل أن يصل لتلك المرحلة. ضف إلي ذلك أن معظم حالات الإجهاض في العالم الغربي سببها الإعتقاد بأن الجنين في الثلاثة أشهر الأولي ليس بشرا بل في طريقه لأن يصبح كذلك ، الإعتقاد الذي يجعل أولئك النسوة يقدمن علي قتل أطفالهن وهن مستريحي الضمائر. وهكذا فإن تأثير الإلحاد المتسلح بالداروينية له مظاهر كثيرة من العنف علي الأفراد.

وعلي المستوي الدولي والمجتمعي فحدث ولا حرج عن الأمثلة التي اقترن فيها الإلحاد بإنهيار الخلق والقتل والإبادة الجماعية أيضا. وأول ما يحضرنا من نكبات الإلحاد علي الأمم هو ما يعرف بجوزيف ستالين وسكك حديد الموت ، ذلك المشروع الذي هلك فيه الآلاف من السجناء السياسيين الروس من شدة تسخيرهم في البرد القارص المميت. أما عن أكثر قصص الإبادة الجماعية قدرة علي أن تجعل قلبك يعتصر ألما فهي مصيبة قتل بول بوت للملايين من أبناء شعبه الكمبوديين في محاولة تطهيرهم عرقيا وتخليصهم من مظاهر اختلاطهم بالحضارة الغربية. أرأيت هوسا أكثر بشاعة من ذلك عزيزي القارئ؟ والقارة السوداء المسكينة التي يكفيها ما عانته من مجاعات وحروب قبلية واستعمار ، فإنها لم تسلم بدورها من أن تمتد إليها أصابع الإلحاد الدارويني القاتل الذي ظهر في نسخته النازية في مذابح الهولوكست الأفريقية التي ارتكبت علي يد الألمان ، فقتل فيها الآلاف في ناميبيا وتنزانيا وتوجو والكاميرون ، وهم لم يقترفوا أي ذنب سوي أنهم داكني البشرة ، وبحسب الداروينية فإن أصحاب البشرة الداكنة هم بشرا أقل تطورا من نظرائهم أصحاب البشرة البيضاء مكتملي التطور ، وبالتالي فلا قيمة لهم ولا ضرر من قتلهم.

وما يدع للدهشة فإن الرجل الأوروبي الأبيض المتحضر لم يتواني في نقل شرور داروينيته الملحدة أو قل إلحاده الدارويني إلي القارة الإسترالية البعيدة. فعندما وصلت قوات الإحتلال البريطاني هناك همت بقتل الأبوريجينز الأستراليين ذوي البشر الداكنة ثم قاموا بإرسال جثثهم للعرض في متاحف أوروبا باعتبارهم الانسان البدائي الذي تحدث عنه داروين في كتابه أصل الأنواع. ولا ننسي أيضا هنا ذكر نصيب القارة الأمريكية الشمالية من فظائع الإلحاد الدارويني في هيئته الرأسمالية التي ظهرت في حوادث الاصابة المتعمدة للعمال الأمريكان في القرن التاسع عشر علي يد أصحاب العمل الداروينيون ، فضلا عن مارجريت سانجر الأمريكية التي مارست العزل العرقي والإبادة للسود والمعاقين والمرضي لأنهم أقل انسانية وكفاءة وانتاجا ونفعا للمجتمع الأمريكي "النفعي". وفوق كل هذه يتربع علي عرش الإجرام الدارويني هتلر الذي اعترف باعتناقه لنظرية التطور والتي ارتكب بوازع منها جرائم لا تُنسي حتي أباد اليهود والمسيحييون والمرضي والمعاقين والسود لأنهم أقل بشرية من الجنس الآري النازي.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو من أين جاءت كل هذه الفداحات؟ الإجابة: من الداروينية الاجتماعية التي استوحاها هربرت سبنسر من كتاب أصل الأنواع لداروين بعد قراءته له فسميت بعد ذلك بالداروينية الإجتماعية أو "الأسبنسرية" نسبة إليه. فهي النتيجة المنطقية والحتمية للإعتقاد بأننا أتينا من ذرة ولسنا أفضل من الحيوانات بل ونصارع من أجل البقاء مثلهم. وشرور الداروينية الاجتماعية لا حصر لها وما سردناه ليس سوي بعض الأمثلة فيعوزنا الوقت للحديث عن تأثيراتها علي الإمبريالية والحروب العالمية والتي تأكل فيها الدول القوية الدول الأضعف في صراعها من أجل البقاء. وهنا يكمن سر إنكار الملحدون للوجود الإلهي لأنه الإيمان بوجوده يفرض الكثير من القيود علي الشر الكامن بداخل الإنسان ويجردهم من الإعتداد بذواتهم وتفوقهم علي باقي البشر.

ونحن لا نتجن هنا علي الملحدين عندما نربط بين إلحادهم والعنف الفردي والجماعي ، فإذا عاد القارئ الكريم بذاكرته إلي الخلف قليلا لأدرك أن توماس هاكسلي الذي لقب بكلب حراسة داروين والذي كان من أشد المدافعين عن نظرية التطور كان علي حق عندما كتب قائلا أنه يريد تعليم الكتاب المقدس في المدارس لاشك لأنه اعتقد أن نظرية التطور تقود ضمنا إلي التجرد من الأخلاقيات.

وقبل أن نختم هذا المقال المتواضع لا يفوتنا أن نذكر بعضا الملاحظات البسيطة عن موضوع الحروب في العهد القديم حرصا منا أن تصل للقارئ العزيز الصورة الصحيحة لها ليس فقط لأن الموضوع شائك ولكن أيضا لأن هناك مغرضون ليس لهم هم سوي أن يقلبوا إيمان قوم ويطعنوا في مصداقية الكتاب المقدس ككلمة الله الموحي بها. فأول كل شئ ينبغي أن ينظر لتلك الحروب في السياق الذي ذكرت فيه. ثم أنها لم تكن أمرا متكررا بل مرة واحدة عند استيطان الشعب الاسرائيلي للأرض الموعوده لهم من الله. وباقي الحروب التي خاضوها بعد امتلاكهم لأرض كنعان كانت دفاعا عن أنفسهم أمام هجمات الشعوب الأخري. ثانيا لو وضعنا في الإعتبار وجود إله له سلطان أما يحق لهذا الإله أن يعاقب الرفضين له والمستبيحين والظالمين؟ ثالثا الله لم يدفع الاسرائيليون للحرب مع الامم الكنعانية تو خروجهم من مصر بل كان يتأني علي شرورهم من أيام ابراهيم أي بحوالي خمسمائة عام عندما قال له أن ذنب الأموريين - وهي احدي الامم الكنعانية - غير كامل أمامه ، لهذا فقد كانت هذه الحروب قضاء ودينونة من الله علي الشعوب الرافضة له. رابعا فإن الله نفسه لم يستثن اليهود من أن ينهزموا أمام الأعداء بل ويُأخذوا للسبي اكثر من مرة كعقاب علي انحرافهم عنه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس