هل حقا حدث خلقين أحدهما متدرج ومتطور كما يعتقد الإخوة؟



ورد في كتاب "الله بين إعلانات الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث" لبرسوم مخيائيل صفحة 64 الآتي:

الرأي الثالث
هو ما قال به وليم كلي في كتابه "في البدء والأرض الآدمية" وخلاصته:
إن الله من قديم العهود خلق السموات والأرض خلقا بديعا متقنا من أول وهلة (وهذا هو فهمه لمعني تكوين 1 : 1) أما المخلوقات الحية في تلك الأرض القديمة، فقد أخذ الله يخلقها (كما كشفت عن ذلك طبقات الأرض) علي أطوار ، طورا بعد طور ، من الأدني إلي الأرقي ، سواء كانت كائنات حيوانية أو نباتية ، حتي جاء آخر وأرقي طور ، طور الثديات العليا والطيور الحقيقية (وهي غير الزواحف الطائرة) والأشجار المزهرةز وكان الخلق في بدء كل طور سريعا. في لحظة ، ثم يستمر في السلالات مدي عصره أو حقبه.

ويشارك وليم كلي في هذا الرأي كل خدام الرب بين الإخوة ، ولا سيما العلماء منهم ، وفي مقدمتهم مستر داربي ومستر جرانت.

ولا شك فإن هذا الكلام فيه من الأخطاء التعليمية ما لا يستهان به إذ أن بعضها يمس تعليم الفداء الذي يعتز به كل مسيحي لكونه صلب عقيدته. وعلي الرغم من أن الكتاب يحوي الكثير من الأفكار الجيدة والتي تدل علي حسن نية كاتبه في ابراز الحق الكتابي وضحد الإلحاد إلا أنه في سبيل فعله ذلك نجده هو وغيره الكثير من اللاهوتيين يُخضعون الكتاب المقدس للعلم بدلا من أن يفعلوا العكس فيُخضعوا العلم للكتاب المقدس كما نستدل علي ذلك من قولهم (كما كشفت عن ذلك طبقات الأرض). وذلك في محاولة منهم لإستيعاب نظرية التطور التي تنادي بحدوث ارتقاء في الأنواع من البسيط إلي المعقد وكونا عمره ملايين السنين كما يستدل علي ذلك من السجل الحفري بحسب ما يدعون. ولا شك أن هؤلاء اللاهوتيين قد وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم العلمانيون بأن نظرية التطور هي علم مثبت ومن ثم يجب علي الجميع الإعتراف بها في حين أن هناك عدد لا بئس به من العلماء لا يعتبرونها سوي ضربا من الخرافات. وفي رأيي فإن محاولة اخضاع الكتاب المقدس للعلم في حد ذاتها لا تقل وطأة عن هذه الأخطاء التعليمية التي سنتعرض لها.

وبداية فإنه فضلا عن أنه كل من الخليقة الحالية والعلم التجريبي لا يؤيدان حدوث التطور من نوع إلي نوع ، الأمر الذي يدحض بدوره حدوث تطور في الخليقة القديمة ، فإن أول ما نلمحه مما ذكر ولا يتمشي مع الكتاب المقدس هو أن السموات خلقت مرتين. لأنه إن افترضنا جدلا أن الله خلق الأرض قديما ثم خربت فأعيد تجديدها إثر ذلك إلا أننا نستطيع أن نجزم أن السماء بما تحويه من نجوم وكواكب لم تكن قد خلقت قبل اليوم الرابع وذلك ببساطة لأنه كان علي وجه الغمر ظلمة. كما أن النجوم والكواكب خلقت جميعا في اليوم الرابع من أسبوع الخلق كما يتضح من الأصحاح الأول من سفر التكوين.

والأمر الثاني – وهو الأهم – هو أن القول بحدوث خلقا تدريجيا في الأرض القديمة من الأدني للأرقي لكل من الكائنات النباتية والحيوانية هو غير كتابي ويدخلنا في معضلة لاهوتية كبيرة من شأنها تقويض تعليم الفداء. وذلك لأن مجرد الإدعاء بوجود سجل أحفوري يرجع إلي ما قبل خلق الإنسان يفترض أيضا وبالضرورة حدوث الموت قبل ذلك. لأنه ما معني أن تكون تلك الحفريات سابقة علي وجود الإنسان سوي أن الموت ظهر قبل خلق آدم وبالتالي قبل أن يخطئ ، ومن ثم فليس هناك علاقة بين خطية آدم والموت الذي حل كنتيجة لها. الأمر الذي يدفعنا للقول أن موت المسيح لا قيمة كفارية له وحاشا له أن يكون كذلك. ناهيك عن الأمراض الكثيرة والصراع والقتل الذي استدل علي وجودهم في تلك الخليقة من السجل الحفري والتي لا تستقيم مع فكرة حدوثها قبل خلق آدم. علي سبيل المثال ذكر موقع أخبار الناشيونال جيوجرافيك بأن حفرية أحد الديناصورات من فصيلة تي ريكس تظهر عليه آثار اصابته بورم في المخ. والسؤال هنا كيف يحدث هذا قبل خلق الإنسان وسقوطه وحلول اللعنة والألم والموت؟

بالإضافة إلي الأسباب اللاهوتية التي ذكرناها فهناك أيضا أسباب علمية تجعلنا لسنا في حاجة للإعتقاد بأن الحفريات عمرها ملايين السنين وبالتالي حدوث خلقين احدهما قديم ومتدرج والآخر حديث وغير متدرج كما يفترض أصحاب هذا الرأي. وأولها هو أن العلم الحديث يؤكد حدوث عملية التحفر بسرعة وبناء عليه فلسنا في حاجة إلي حشر ملايين السنين بين خلقين أحدهما لا وجود له. وليس هناك دليل علي صحة ذلك أكثر من قول عالم الحفريات فيل كيري بأن عملية التحفر قد تحدث في غضون ساعات قليلة. أما الإدعاء بأنه عند قياس الحفريات الحيوانية والنباتية بطرق التأريخ الإشعاعي في الصخور المكتشف بها الحفريات وُجد أنها ترجع إلي ملايين السنين فهو قول باطل ، وذلك لأن طرق التأريخ تلك مؤسسة علي مجموعة من الإفتراضات وليس علي ثوابت خاضعة للعلم التجريبي ، والدليل علي ذلك هو أن طرق التأريخ تلك أظهرت نتائج متضاربة لحفريات كثيرة عندما قيست عليها. 

ولا يوجد شئ يفسر لنا السجل الحفري بما فيه من موت ومرض وصراع سوي قصة الطوفان كما يقول العلماء المسيحيين الذين يؤمنون بخليقة عمرها ستة آلاف سنة. لأسباب كثيرة: أولا لأن نسبة كبيرة جدا من السجل الحفري مخلوقات بحرية (حوالي 95 %). وثانيا لأن هناك الكثير من الكائنات ماتت ومن ثم دفنت في أثناء نشاط ما كانت تقومه به كما يستدل علي ذلك من الحالة التي وجدت عليها الكثير من الحفريات. مثل أن بعضهم كان في حالة ولادة (ديناصور الاكتيصور) أو تغذي علي كائن آخر (كبعض السمك). كما أن اكتشاف حفريات جماعية لحيتان كثيرة في صحراء تشيلي لهو دليل آخر علي حدوث معظم التحفر بسبب الطوفان. أي أن العامل المشترك بين هذه الحفريات لتلك المخلوقات هو موتهم المباغت ومن ثم دفنهم ، الأمر الذي يدل علي حدوث كارثة حلت بهم لم تجعلهم  يتمكنون من النجاة. وما هي تلك الكارثة سوي طوفان نوح؟ وثالثا فإن كان هذا الرأي يري في ترتيب الحفريات في السجل الحفري اشارة إلي ترتيب خلقها ومن ثم موتها وخلق أخري أكثر تطورا منها إلا أن هذا الترتيب في السجل الحفري لا يدل بالضرورة علي حدوث خلق حقبي ومتدرج بل بالأحري يدل علي ترتيب موتها ودفنها الذي أدي إلي تحفرها بسبب العوامل التي ساعدت علي ذلك أثناء حدوث الطوفان. فالحيوانات المائية التي لم تتمكن من الهرب من مياه الطوفان هلكت ودفنت أولا. وكلما كانت الكائنات أكثر ذكاء وقوة كانت لا حقة في هلاكها علي الكائنات الأقل ذكاء وقوة. 


الغريب في الأمر أن القائلون بهذا الرأي لا يتفقون فقط مع العلمانيين في أن السجل الحفري لا يشير إلي الطوفان سوي بالقليل فينكرون بذلك الأثر الهائل الذي أحدثه الطوفان بالخليقة بحسب ما يؤكد الكثير من العلماء المسيحيين ممن يحملون الدرجات العلمية الرفيعة في شتي العلوم ، بل إنهم يذهبون لأبعد من ذلك فيصادقون علي أن السجل الحفري يؤكد حدوث التطور. بل والأغرب أنهم يصادقون علي حدوث التطور في الخليقة الأولي وينكرونه في الثانية!! وكأن الله يجرب في الخليقة ، مرة بتطور ومرة بدون. في المرة الأولي يخلق خلقا متدرجا حقبيا تطورت فيه الأنواع من البسيط إلي المعقد وفي المرة الثانية يستغني عنه ويخلق أنواع معقدة غير متطورة! ما هذا المزج السخيف! إن اعترفت بالتطور مرة فأنت اعترفت به للأبد. لأنك إن صادقت علي وجوده في السجل الحفري فعلي أي أساس تنكره في الخليقة (الحالية) وتقول أنه يشير إلي الخليقة القديمة في الوقت نفسه الذي لا يري فيه العلمانوين هذا الفرق؟ أليس من المنطقي الإعتقاد بأن الموت والمرض والصراع الذي يدل عليهم السجل الحفري يشهدون عن خلقا واحدا أفسده أولا الإنسان بخطيته فظهر الموت والمرض والألم وثانيا دمره الطوفان وترك لنا آثار وعلامات هذا التدمير في السجل الأحفوري؟ وإن كان التطور يتضمن فكرة البقاء للأقوي فكيف لله أن يستخدم ذلك في خلقه القديم فتقتل الحيوانات بعضها ويأكل الكبير فيها الصغير؟ في الحقيقة لا يوجد شئ يبرر لأي مسيحي أن يمزج بين التطور والخلق هذا المزج السخيف المشوه!

ولا نستغرب أن كاتب الكتاب المشار إليه في بداية المقال لم يتعرض أبدا لما ناقشناه هنا في بحثنا لأنه كفيل بهدم هذا الرأي.

أليس من الأحري بنا إذا إن نفسر كتابنا المقدس بناء علي ما جاء به وليس بحسب ما يدعيه العلم التأريخي الكاذب الإسم الذي لا يخضع للتجربة والملاحظة؟ لكم هو شئ مؤسف أن يهتز رجال اللاهوت هكذا أمام ما يروج علي أنه علم مع أنه ليس أكثر من مجرد افتراضات وتفسيرات للسجل الحفري لا علاقة لها بالعلم التجريبي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس