الرد علي نظرية المصادر

(ترجمة بتصرف)

الدفاع عن كتابة موسي لأسفار التوراة الخمسة يمس مصداقية الكتاب المقدس بصفة عامة ومصداقية الرب يسوع المسيح بصفة خاصة. والقضية ليست أننا نجهل كاتب الأسفار الخمسة ونحاول دون سند لوي ذراع الحق الكتابي بجعل موسي هو ذلك الكاتب، ولكننا أمام حقيقة واضحة وضوح الشمس، تحدثت عنها كلمة الله صراحة في مواضع كثيرة. وإن لم يكن موسي هو كاتب التكوين وباقي أسفار التوراة، فمن هو الكاتب إذا؟ ألا يصبح البديل حينها هو تلك النظريات التي يصوغها الليبراليون الذين لا يؤمنون بوحي الكتاب ولا بعصمته؟ لهذا وجب علينا التأكيد بل والدفاع عن موسي بإعتباره المصدر الأساسي في كتابة أسفار التوراة الخمسة. وبقولنا أن موسي هو المصدر الأساسي (وقد لا يكون المصدر الوحيد) فنحن لا نستثني امكانية وجود آخرين اضافوا إضافات قليلة فيما لا يخل بالوحي الحرفي ولا يخل أيضا بكون موسي هو الكاتب الرئيسي والأساسي كما سنري.

من المفارقات الغريبة أن نظرية المصادر التي تستخدم الآن للهجوم علي الكتاب المقدس وبصفة خاصة أسفار موسي الخمسة صيغت في الأساس للدفاع عن الأصل الموسوي لها. وأول من نادي بأن أسفار التوراة كتبها أكثر من كاتب واحد هو الطبيب الفرنسي جان أستروك. وقد أراد بذلك الدفاع عن سلطة الكتاب المقدس وعن كون موسي هو كاتب التوراه إزاء الهجوم الذي شنه متشككي عصره. وبواسطة الطرق المتبعة في الدراسات الكلاسيكية قام أستروك بفصل السفر إلي أعمدة متوازية. العمود الأولي يحوي الآيات التي تستخدم الإسم الإلهي "يهوه". والعمود الثاني يورد الآيات التي تستعمل إسم "إيلوهيم". ورأي أن هناك أربعة وثائق أصلية للتوراة تعادل الأناجيل الأربعة. وأن الكاتب الأصلي لتلك الوثائق كان هو موسي في صورة أربعة أعمدة ثم قام شخص ما لاحقا بدمج تلك الأعمدة الأربعة في عمل واحد.

ومع أن جان أستروك حاول الدفاع عن موسوية التوراة إلا أن نقاد الكتاب المقدس والليبراليون – وعلي رأسهم  يوليوس ويلهاوزن – تلقفوا ما قاله أستروك ثم أضافوا إلي ذلك قولهم أن الدين تطور مثل باقي الأشياء، وأن الكتابة لم تكن قد أخترعت في وقت موسي. كما أن التوراة في شكلها الحالي مرت هي بدورها أيضا بمراحل من التطور فادعوا أن كتبة الوثائق الأصلية جاءوا في زمن لاحق بكثير وأن التوراه تم دمجها وجمعها أخيرا بواسطة محرر ظهر في وقت السبي أي بعد تسعمائة عام من موسي. وهذه الوثائق أو المصادر الأربعة كالآتي:

- المصدر اليهوي الذي يستعمل إسم "يهوه" في الحديث عن لله، ويدعون أن هذه الوثيقة كتبت ما بين عامي 900 – 850 ق.م. وأن هذه الوثيقة تأثرت بالأساطير البابلية وبأساطير أمم أخري وحواديت ما قبل النوم.

- المصدر الإيلوهيمي الذي يستعمل إسم "إيلوهيم" في الحديث عن الله، وبحسب إدعاء النقاد فإن كاتب هذه الوثيقة عاش ما بين عامي 750 – 700 ق.م. في المملكة الشمالية.

- المصدر التثنوي والذي يرجح أنه كتب معظم سفر التثنية ولا سيما النسخة التي وجدت في أورشليم عام 621 ق.م. (2 مل 22 : 8).

- المصدر الكهنوتي وهو كاهن عاش في فترة السبي البابلي وقام بإعداد مبادئ للقداسة لكي يسير عليها الشعب اليهودي.

- وأخيرا المحرر أو الجامع النهائي للوثائق الذي قام بدمجها معا في وقت عزرا الكاتب حوالي عام 400 ق.م.

وكل هذه طبعا إدعاءات ليس لها أي أساس من الصحة كما سنري، وأن موسي هو كاتب التوراة تقريبا عام 1400 ق.م. وهذا بدوره لا ينفي أن يكون موسي قد استعمل وثائق أخري في كتابته للتوراة، كبعض السجلات الآبائية التي قد تكون دونت علي الفخار، أو حتي التقاليد الشفوية المتوارثة من الآباء. كما أن هذا لا ينفي أيضا أن يكون شخص آخر هو من دوَّن حادثة وفاة موسي في نهاية أصحاح 34 من التثنية، بل كما يقول التقليد العبري أن يشوع هو من قام بكتابتها.

وقبل أن نقوم بالرد علي بعض الإدعاءات الشائعة لنظرية المصادر وجب التنويه إلي أن الأفكار الواردة في هذا المقال هي تلخيص وترجمة لما جاء في التفسير العلمي والتاريخي واللاهوتي لسفر التكوين والذي كتبه المفكر والمؤلف البروفيسير جوناثان سارفاتي أستاذ الكيمياء العضوية والباحث اللاهوتي، مع بعض الإضافات عليه من أبحاث أخري.

أولا آيات صريحة ومباشرة تثبت كتابة موسي للتوراة

العهد القديم:

"فقال الرب لموسي أكتب هذا تذكارا في الكتاب وضعه في مسامع يشوع. فإني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء" (خر 17 : 14).

"فكتب موسي جميع أقوال الرب. وبكر في الصباح وبني مذبحا في أسفل الجبل واثني عشر عمودا لأسباط اسرائيل الإثني عشر" (خر 24 : 4).

"وكتب موسي هذه التوراة وسلمها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ اسرائيل .. فعندما كمل موسي كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلي تمامها" (تث 31 : 9 ، 24)

راجع أيضا (خر 34 : 27 ، عدد 33 : 2 ، يش 8 : 32 – 34 ، 1 مل 2 : 3 ، 2 مل 14 : 6 ، 2 أخ 25 : 4 ، عز 6 : 18 ، نح 8 : 1 ، 13 : 1 ، دا 9 : 11 – 13).

والعهد الجديد أيضا ذكر في مناسبات كثيرة أن موسي هو كاتب التوراة:

"لأنكم لو كنتم تصدقون موسي لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي" (يو 5 : 46 – 47).

"وأما من جهة الأموات أنهم يقومون: أفما قرأتم في كتاب موسي في أمر العليقة كيف كلمه الله قائلا: أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب" (مر 12 : 26)

"أليس موسي قد أعطاكم الناموس؟ وليس أحد منكم يعمل الناموس! لماذا تطلبون أن تقتلونني؟" (يو 7 : 19).

أنظر أيضا (مت 8 : 4 ، 19 : 7 – 8 ، مر 7 : 10 ، لو 16 : 31 ، 24 : 27 ، 44 ، يو 1 : 17 ، أع 6 : 14 ، 13 : 39 ، 15 : 5 ، 1 كو 9 : 9 ، 2 كو 3 : 15 ، عب 10 : 28).

الأدلة الداخلية علي كتابة موسي للأسفار الخمسة

1- الطقس والمناخ وترتيب المحاصيل بالنسبة لضربة البرد الوارد ذكرها في سفر الخروج تدل علي بيئة مصرية وليست فلسطينية أو بابلية، ومن ثم علي كون الكاتب هو موسي "فالكتان والشعير ضربا. لأن الشعير كان مسبلا والكتان مبزرا. وأما الحنطة والقطاني فلم تضرب لأنها كانت متأخرة" (خر 9 : 31 – 32).

2- مقارنة الجغرافيا الواردة في (تك 13 : 10) بالتضاريس المصرية. لا معني أن يقارن الكاتب دائرة الأردن بمصر لو كان هناك فرق أجيال كثيرة بين ما حدث وبين الوقت الذي يكتب فيه، أو لو كان من يكتب لهم في السبي البابلي. الكلام يصبح له معني لو كان من يكتب لهم الكاتب قد رأوا مصر، الأمر الذي يدل علي أن موسي هو الكاتب. كما أن كاتب سفر العدد هنا يفترض أن قاريئيه علي دراية بصوعن مصر وليس بحبرون "وأما حبرون فبنيت قبل صوعن مصر بسبع سنين" (عدد 13 : 22).

3- الحيوانات والنباتات المذكورة في التوراة شائعة في مصر. الحيوانات مثل: النعامة، الظبي، الأطوم (التخس) الذي يوجد بكثرة عند السواحل المصرية. وبالنسبة للنبات: خشب السنط الذي استعمل في صنع خيمة الإجتماع يوجد في مصر بوفرة وخاصة سيناء ولا يوجد في كنعان إلا نواحي البحر الميت.

4- لا يوجد ذكر لهيكل سليمان الذي كان مركز العبادة الدينية لقرون عديدة قبل السبي، وقد بني اليهكل بعد عدة قرون من موسي. كما أنه لا يوجد ذكر لطائفة من خدام الهيكل تسمي "النثينيم". وقد كانت طائفة هامة فعاد منها 42 ألف من المسبيين في بابل عام 538 ق.م (عز 2 : 58).

5- لا يوجد ذكر لأورشليم في التوراه نهائيا سوي مرة واحدة في الحديث عن ملكي صادق ملك "شاليم" وليس ملك "أورشليم" مع أن أورشليم كانت العاصمة السياسية والدينية لليهود إلي وقت السبي.

6- النسخة السامرية للتوراة كتبت بصيغة عبرية قديمة ترجع إلي ما قبل السبي البابلي. وأقدم مخطوطة لتلك النسخة بها أكثر من ألفي تصحيح للنسخة اليهودية. وهذا يعني أن النسخة الأصلية أسبق بكثير حتي أنها لم يكن بها تلك الأخطاء الكثيرة.

التلخيص كأسلوب أدبي قديم

من ضمن الأشياء التي حيرت المصدريون وجعلتهم ينسبوا كتابة التوراة إلي أكثر من كاتب هي وجود الثنائيات. فهم يعتقدون أن (تك 2 : 5 – 25) قصة خلق ثانية بحسب المصدر التثنوي أقدم من قصة الخلق الأولي الواردة في (تك 1 : 1 – 2 :3). ولم يكونوا علي دراية بأن هذه الثنائيات هي أسلوب أدبي أتبع في الكتابات الشرقية القديمة. يقول البروفيسير جليسون أرتشر أستاذ العهد القديم واللغات السامية أن طريقة التلخيص كانت شائعة في الآداب السامية القديمة. إذ يقوم الكاتب بتقديم قصته عن طريق جملة قصيرة في البداية يلخص بها العملية كلها، ثم يتبعها برواية مفصلة للأحداث عند معالجة المسائل الأكثر أهمية.

تكوين (1 : 1 – 2 : 3) يقدم لنا ملخص عام لأحداث الخلق التي تصل إلي ذروتها في خلق الرجل والمرأة علي صورة الله ومثاله. ثم يأتي بعد ذلك الأصحاح الثاني والأعداد من (5 – 25) ليركز الحديث علي خلق الرجل والمرأة، في ترتيب خلقهما، وزواجهما، والسلطان الذي أعطاه الله للإنسان علي الخليقة، والعمل الذي أسند له، وموطنه الذي كان جنة عدن. والأحداث التي يذكرها لنا الكاتب والخاصة بالحالة الأصلية التي كانا عليها كل من آدم وحواء هو إعداد الساحة لكي يروي لنا أحداث السقوط التي طرأت علي الإنسان والخليقة.

لهذا فالإختلاف في الأسلوب مرجعه تغير موضوع الحديث، وليس تعدد الكتبة. وهذا الإختلاف في الموضوع يتطلب كلمات جديدة لمعالجة الفكرة الجديدة، لهذا نجد كلمات في النص الأول لا تستعمل في النص الثاني. الأمر الذي يعلله دعاة نظرية المصادر بأنه اختلاف في الكتبة وليس في الموضوع.

هل الأسماء الإلهية المختلفة والمستخدمة في الأصحاحين الأولين من التكوين دليل علي كتابة التوراة بأكثر من كاتب واحد؟

الإسم "إيلوهيم" استخدم 35 مرة عن الله في (تك 1 : 1 – 2 : 3). ثم يرد بعد ذلك إسم آخر لله وهو "يهوه" (تك 2 : 4 – 25). وأخيرا نجد الإسم "يهوه إيلوهيم" جامعا للإسمين السابقين. ولذلك يعتقد أصحاب نظرية المصادر أن الأسمين "إيلوهيم" و"يهوه" دليل علي كاتبين مختلفين، وأن دمجهما معا في "يهوه إيلوهيم" يدل علي وجود محرر أو جامع قام بهذا الدمج.

ولكن الأسماء المختلفة لله والواردة في تكوين (ص 1 و ص 2) ليست دليلا علي أنه كان هناك أكثر من كاتب. والسبب في التنوع في أسماء الله الواردة في الأصحاحين الأولين من سفر التكوين هو اختلاف الموضوع الذي يتم معالجته ومن ثم التركيز علي صفات إلهية معينة تدل عليها الأسماء التي استخدمت في قرينتها. ففي الأصاح الأول يحدثنا موسي عن الخالق القدير الذي خلق هذا الكون الضخم والمتناغم والمعقد من العدم، لهذا استعمل موسي إسما إلهيا يدل علي هذا المعني، والذي هو "إيلوهيم". وعند حديث موسي عن خلق الإنسان في حالة من الشركة مع الله، يورد إسم آخر لله، وهو "يهوه"، لكونه يدل علي العلاقة العهدية مع الإنسان. أما دمج الإثنين معا فيشير إلي أن الإله العهدي الذي دخل في علاقة شخصية مع الإنسان هو نفسه الإله القدير الذي خلق الكون من العدم.

ويبدو أن أصحاب نظرية المصادر لم يكونوا علي دراية بأن الآلهة الوثنية أيضا كان لها أكثر من إسم أو أسماء مركبة. والمثال علي ذلك هو "آمون – رع" من الأسرة الثامنة عشر. كان "آمون" هو إله العاصمة طيبة، بينما كان "رع" هو الإله العالمي "الشمس". و"آمون – رع" هو إسم إله واحد يشير إلي أن إله طيبة كان هو نفسه الإله العالمي "الشمس". ولم نسمع عن عالم مصريات قال أنه كان هناك أكثر من كاتب للوثائق، الكاتب الآموني والكاتب الرعي، ولا عن وجود محرر لاحق لهما قام بدمج الإثنين معا. وهذه الظاهرة رُصدت أيضا لدي الكنعانيين والحثيين والحوريين.

دليل آخر علي خطأ نظرية المصادر نستقيه من الكتابات النبوية. اللقب "رب الجنود" والمترجم عن الإسم العبري "يهوه تصباؤوت" كثير الإستعمال في كتابات الأنبياء. فقد ورد 67 مرة في سفر اشعياء الذي كتب قرب نهاية القرن الثامن قبل الميلاد، وذكر أيضا 83 في نبوة إرميا والتي كتبت في نهاية القرن السابع ومطلع القرن السادس قبل الميلاد، وجاء أيضا 13 مرة في نبوة حجي التي كتبت في القرن السادس قبل الميلاد، وذكر نفس هذا الإسم 51 مرة في سفر زكريا النبوي الذي دُوِّن قرب نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس قبل الميلاد. فهذا اللقب استعمل كثيرا جدا في الوقت الذي تدعي نظرية المصادر أن التوراة كتبت فيه. ولكننا لا نجد هذا اللقب مستعملا بالمرة في التوراة، الأمر الذي يؤكد علي أن التوراة كتبت قبل شيوع استعمال هذا اللقب.

الكمبيوتر أيضا يؤكد علي كتابة سفر التكوين بواسطة شخص واحد

الباحثان اليهوديان يهودا راداي وحاييم شور قاما بنشر تحليلا لغويا مفصلا لسفر التكوين يشتمل علي متغيرات كثيرة، ووجدا أن سفر التكوين هو وحدة واحدة عكس ما تدعيه نظرية المصادر:

" بعد إدخال العشرون ألف كلمة عبرية لسفر التكوين إلى جهاز كمبيوتر في جامعة التخنيون في اسرائيل، وجد الباحثون جمل كثيرة تنتهي بأفعال وكلمات كثيرة تتكون من ستة أحرف أو أكثر. يقول مدير المشروع إيهودا راداي: ولأن هذه الأنماط الفقهية تظهر مرارا وتكرارا، فإن ذلك يدل علي أنها كتبت بواسطة كاتب واحد. وهذا التحليل الشامل بواسطة الكمبيوتر والذي تم إجراءه في إسرائيل يقترح بنسبة 82 % أن كاتب التكوين شخص واحد".

أين الأدلة التاريخية علي صدق نظرية المصادر؟

من الغريب جدا أن نجد هذه النظريات تدرس في كليات اللاهوت الليبرالية علي أنها حقيقة مسلم بها. وليس فقط أن الأدلة ليست في جانب نظرية المصادر، بل أنه لا يوجد أية مخطوطات أو وثائق تؤيد مجرد الإدعاء الذي يدعون به ولو بنسبة ضئيلة. يقول اللاهوتي والمؤرخ وعالم المصريات وحضارات شرقي أدني كنيث كيتشن:

"فحتي الأكثر حماسا من أصحاب نظرية المصادر ينبغي أن يقر أنهم إلي الآن لا يمتلكون ولو مجرد قصاصة كدليل خارجي وموضوعي وملموس علي تاريخية أي من الوثائق اليهوية أو الإيلوهيمية أو أية وثيقة أخري يدعون أنها مصدرا للتوراة. لا يوجد أي مخطوطة نعرفها لأي جزء من العهد القديم أكثر قدما من القرن الثالث قبل الميلاد. ولكن علي سبيل المثال إذا عُثر علي نسخة محفوظة بشكل ملائم من الوثيقة اليهوية كمصدر للتوراة في اليهودية في قرينة أثرية غير قابلة للشك من القرن التاسع قبل الميلاد (علي سبيل المثال)، فحينئذ يكون لدينا دليلا حقيقيا موضوعيا وقادرين علي التأكد منه لنظرية المصادر. ومساواة بذلك إذا عثر علي نسخة أثرية لسفر أو أكثر من أسفار التوراة في قرينة أثرية غير معيبة في القرن الثاني عشر أو الحادي عشر قبل الميلاد، فإن هذا سيكون دليلا واضحا وحاسما ضد هذه النظرية. إنه النقص في شهادة المخطوطات القديمة جدا هو الذي سمح بمثل هذه النظريات الجامحة في دراسات العهد القديم".

الرد علي بعض الإعتراضات الأخري

1- "واجتاز أبرام في الأرض إلي مكان شكيم إلي بلوطة مورة. وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض" (تك 12 : 6). يقول أصحاب نظرية المصادر أن كاتب هذا العبارة لابد أن يكون علي دراية بأن الكنعانيون طردوا من أرضهم، وعليه فلا يمكن أن يكون موسي هو كاتبها. وللرد علي ذلك:

 أولا هذا لا يدل علي أن وقت كتابة هذه الآية لم يكن الكنعانيون في الأرض، بل للتوضيح بأن الأرض التي سيعطيها الرب لإبراهيم كانت مأهولة بالكنعانيين وقتها وأنه ستيغرب فيها، إلا أن نسله سيأتي بعد ذلك بسنين كثيرة ليرثها. والآية التالية تتحدث عن إعطاء الرب تلك الأرض لإبراهيم "وظهر الرب لأبرام وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض. فبني هناك مذبحا للرب الذي ظهر له" (تك 12 : 7).

ثانيا بسبب الحروب المستمرة بين تلك القبائل القديمة لم يكن غير عادي أن تترك قبيلة أو أكثر أرضها تحت وطأة الإحتلال والحرب. لهذا جاء قول موسي كوصف للحالة السائدة بين تلك القبائل القديمة.

ثالثا وعلي فرض أن موسي لم يكن كاتب هذه الآية، ليس لدينا مانع أن يكون الروح القدس قد استخدم أحدهم في إضافة هذا إلي السجل دون أن يخل ذلك بكون موسي هو الكاتب.

2- "فلما سمع أبرام أن أخاه سبي جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاث مئة وثمانية عشر وتبعهم إلي دان" (تك 14 : 14). يري المصدريون أن الكاتب هنا علي دراية بمدينة دان التي ورثها الإسرائيليون بعد دخلوهم للأرض الموعودة. وبالتالي فالكاتب أتي بعد زمن موسي بكثير. وللرد علي ذلك:

ليست هذه دان المدينة التي كانت من نصيب بني إسرائيل بعد أن دخلوا الأرض الموعودة. ولكن دان المقصودة هنا هي قرية أخري تقع شمال بحر الجليل. وفي هذا الصدد يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس "فلما سمع إبراهيم بمحنتهم، خاف جدا علي لوط قريبه، وأشفق علي أهل سدوم وأصدقاءه وجيرانه، ورأي أنه من المناسب تقديم المساعدة لهم، فلم يتواني، بل تحرك بسرعة وهاجم الآشوريين في اللية الخامسة، بالقرب من دان، الذي هو نبع آخر من منابع الأردن .." إذا فبحسب قول يوسيفوس فإن الإسم "دان" كأحد منابع الأردن كان معروفا لدي إبراهيم. ومن المحتمل جدا أن راحيل كانت علي دراية بهذا الإسم أيضا الذي معناه "يدين" أو "يقضي" فسمت إبن جاريتها بهذا الإسم. فقد سمع الله وقضي لها أخيرا. وقضي الله أيضا لإبراهيم بالنصر علي أعداءه. ومع ذلك، فحتي لو أضيف هذا الإسم لاحقا إلي السفر بواسطة أي شخص فهذا لا يخل بكون موسي هو كاتب السفر.

3- "وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبلما مَلَكَ مَلِكٌ لبني إسرائيل" (تك 36 : 31).يدعي أصحاب نظرية المصادر أن الكاتب لا يمكن أن يكون موسي لأنه لم يكن علي علم بأنه سيملك ملوك علي إسرائيل.

ولكن هذا غير صحيح، لأن موسي علم أن الرب وعد إبراهيم بمجئ ملوك من نسله "وأثمرك كثيرا جدا وأجعلك أمما وملوك منك يخرجون" (تك 17 : 6)، وليعقوب أيضا نفس الوعد "وقال له الله: أنا الله القدير. أثمر وأكثر. أمة وجماعة أمم تكون منك. وملوك سيخرجون من صلبك" (تك 35 : 11).

وفي النهاية نود أن نسأل أصحاب نظرية المصادر:

من هو أكثر كفاءة من موسي الذي كان أميرا فرعونيا متهذبا بكل حكمة المصريين، وشاهدا علي أحداث الخروج والتيه في البرية، وكان يكلمه الله كما يكلم الرجل صاحبه ويعطيه الإعلانات الإلهية والناموس المكتوب بإصبع الله، أن يكون هو كاتب التوراة؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس