تعليق على مقال بعنوان "التدين الشكلي والتشوه النفسي" للدكتور ماهر صموئيل


كنت أتوقع من مفكر مسيحي مثل م. ص. (ماهر صموئيل)، أن يعالج القضية من منظور كوني مسيحي. إلا أنه آثر الحديث عن فساد شعب، من منظور نفسي علماني. إذ يقول "وكعادة الطبيب إزاء معظم الأمراض والعيوب النفسية، لابد أن يسأل عن التاريخ العائلي، ليكتشف إن كانت هناك أسباب وراثية أم لا". لكن كيف يمكن أن تعالج قضية تدين شكلي وتدين حقيقي من منظور نفسي، وليس من منظور لاهوتي كتابي؟ هل التدين الشكلي مرض نفسي؟ وإذا كان كذلك، هل يحتاج إلى علاج نفسي؟ هل هذه محاولة لإعادة تعريف المفاهيم اللاهوتية الكتابية بمفاهيم نفسية؟ 

يفترض م. ص. في هذا المقال أن قدماء المصريين، كانوا متدينين تدينًا حقيقيًا. ليس فقط لأنه يقول صراحة أنهم "أول من عرف الله وآمن باليوم الآخر"، بل أيضًا لأنه يضع عدم وجود تشوهات في شخصايتهم، ومن ثم قدرتهم على الابتكار، في مقابل الشخصية المصرية المعاصرة، بما بها من تشوهات تتمثل في التدين الشكلي الذي يقتل الابتكار والاختراع. 

عندما حاول م. ص. تقفي مشكلة التشوهات الموجودة في الشخصية المصرية المعاصرة، أي ما إذا كانت مشكلة موروثة أم لا، متبعًا في ذلك منهج الطبيب النفسي، وليس منهج اللاهوتي المسيحي الذي يرتدي نظارته الكتابية دائمًا، لم يستطع إرجاعها إلى أجداده الفراعنة. فهؤلاء كانوا أصحاب ابتكارات واختراعات. ويؤكد ذلك أيضًا في خاتمة مقاله ببعض أبيات النثر يتغنى فيها بجده (المصري القديم) في الماضي البعيد الذي كان يبدع وينحت. 

السؤال الذي يثور هنا، ما هو موقف الكتاب المقدس مما يقوله م. ص.؟ هل فعلاً كان المصري القديم متدينًا بحق؟ على ما يبدو أن م. ص. قد اتخذ التاريخ العلماني مرجعا له، وليس كلمة الله. لو كان صحيح أن تدين الفراعنة تدينًا حقيقيًا، لما رأينا ضربات عشر تأتي عليهم. وكلنا يعلم أن الضربات العشر تمثل دينونات على الآلهة التي كان يقدسها المصريين: "وأصنع أحكامًا بكل آلهة المصريين" (خر 12 : 12). وحتى في تاريخهم اللاحق يقول الكتاب أن دينونة الله ستأتي عليهم وعلى ملكهم فرعون وآلهتهم: "وأوقد نارًا في بيوت آلهة مصر، فيحرقها ويسبيها ..". إن مصر في الكتاب المقدس رمز لروح العالم. رمز للوثنية والاتكال على الذات والتمرد على الله. وفرعون مصر رمز للشيطان أيضًا، لأنه يقاوم عمل الله وشعبه. على عكس الصورة التي يحاول م.ص. أن يرسمها عن مصر، من الناحية الدينية، ينادي الكتاب المقدس بعكسها. 

أما عن الإدعاء بأن قدماء المصرين "أول من عرف الله"، فعلى ما يبدو أنه ابتلع محاولة أسلمة التاريخ الفرعوني بواسطة كل من نديم السيار ووسيم السيسي. إذ يصعب على أصحاب الثقافة الإسلامية استساغة فكرة أن أجدادهم كانوا وثنيين وعددوا الآلهة. كما أن هذا التصريح من قبل م. ص. (ربما دون قصد)، لا يخلو من النظرة التطورية للدين، بأن الإنسان بدأ بالأرواحية، أو حيوية المادة (عبادة الجماد ونسبة الروح له)، مرورًا بكل من تعدد الآلهة، ومن بعدها الهينوثية (إله واحد لكل قبيلة يختص بكل شيء)، وأخيرًا وصولاً إلى التوحيد. لكن الحقيقة هي أن أقدم القبائل والشعوب البشرية عرفت التوحيد بصورة ما. وهذه الفكرة لا تهدم فقط المنظور التطوري للدين (والذي يقول بأن الإنسان بدء بالتعددية وانتهي بالتوحيد)، بل أيضًا الإدعاء بأن الفراعنة أول الموحدين بالله. 

على خلاف هذا الإدعاء، تقول موسوعة الدين: 

"على قدر غموض ينابيع التوحيد، إلا أنه يمكن تمييزها في أقدم مستويات الحياة الثقافية البشرية المعروفة، في الإله الأعلى البدائي للصيادين القدماء. إن نظرية أورمونوثيسموس Urmonotheismus ("التوحيد الأصلي") كما طرحها ويلهلم شميدت Wilhelm Schmidt وآخرون، قد رأت أن التوحيد البدائي كان أقدم أشكال الإدراك البشري للإله، وأن تعددية الآلهة والأرواح الموجودة في معظم الأديان البدائية كانت انحطاطًا عن هذا التصور الأصلي. على الرغم من أن هذه النظرية لا يمكن إثباتها في تاريخ الأديان، فقد أوضحت الأبحاث في السنوات الأخيرة أن العديد من الشعوب البدائية، أو القديمة، لديها تصورات عن الإله السامي الذي هو خالق العالم، وله سلطة عليا على الآلهة والأرواح الأخرى، ويرأس الأخلاق الإنسانية. بعض الشعوب الأكثر عراقة، مثل مجموعات معينة في أفريقيا، والسكان الأصليين الأستراليين، والصيادين الرّحل في تييرا ديل فويجو، لديهم تصورات محددة عن إله أعلى مرتبط بالسماء لا يتغير، غير مرئي، وكلي القدرة والذي يعطي الأخلاق. الإله الأعلى السماوي يتميز بكونه إله بعيد (deus otiosus)، بعيد جدًا، كلي القدرة ، صالح، وعادل لدرجة أنه لا يحتاج إلى العبادة أو الانخراط الحميم في الوجود العادي؛ هناك آلهة وأرواح أقل يلعبون دورًا أكثر نشاطًا في حياة الناس". 

Jones, Lindsay, Encyclopedia of Religion, McMillan Reference USA, p.6409 

كما أن الاعتقاد الشائع بأن اخناتون توصل إلى عبادة الإله الواحد (التوحيد)، هو اعتقاد غير صحيح. ليس فقط لأن هناك من سبقه، كما رأينا، بل لأن التوحيد الذي آمن به اخناتون ليس توحيدًا كما يمكن أن توحي الكلمة. فقد نصّب اخناتون نفسه على أنه الكاهن الوحيد الأعلى لأتون. وتكلم عن "الإله باعتباره الفرعون السماوي"، و سمح لآلهة شمسية بأن تُعرض في عاصمته العمارنة"، كما أنه "أعلن نفسه أيضا كإله، ابن أتون، وكان له كاهن مكرس لعبادته". 

Bunson, Margret R., Encyclopedia of Ancient Egypt – Facts on File, Inc. 2012 

ثم أي يوم آخر هو الذي آمن به المصريون القدماء؟ ألم يؤمن المصريون القدماء بالبعث والخلود؟ ثم ماذا عن التعاويذ السحرية التي كان على المصريين أن يرددوها بعد موتهم لكي تحفظهم من المخاطر في رحلتهم إلى العالم الآخر، كما يقول كتاب الموتى؟ وأن تلك التعاويذ، طبقا لكتاب الموتى أيضًا، سمحت لهم بأن يتقمصوا الآلهة في أنفسهم؟ 

من الواضح، على الأٌقل لي، أن م. ص. يفترض أن معرفة الله خلاصيًا ممكنة بناء على الإعلان العام. فهو يفترض أن الفراعنة "أول من عرف الله". ولكن، إن كان الإعلان الخاص المتمثل في المعجزات التي صنعها الرب في أرض مصر على يد موسى، لم يُخَلِّص قدماء المصريين، فأي أمل يمكن أن يكون في الإعلان العام؟! إن هذا يذكرنا أيضًا بأن م. ص. امتدح في مكان آخر عشق رابعة العدوية لله وكأنه دلالة على معرفة حقيقية بالله. في كلا الحالتين، الفراعنة، ورابعة، يفترض م. ص. أن هناك معرفة خلاصية ممكنة بواسطة الإعلان العام. وهذا أيضًا يخالف ما يعلمنا به الكتاب المقدس في رومية ١. إذ يتأكد لنا من هذا الإصحاح أن الأمم عندما عرفوا الله، ليس فقط لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل أمعنوا في إغاظته بواسطة شرورهم الكثيرة ووثنيتهم، وسُرُّوا أيضًا بمن يشاركهم تلك الشرور. 

ولا يبدو فقط أن م. ص. يفترض أن المصري القديم كان تدينه حقيقيًا، فاستطاع أن يبدع، بل يفترض افتراض آخر غير كتابي في قوله الآتي: "التدين الشكلي المظهري ... علّة الفساد الأخلاقي ... مسئول كبير عن هذه التشوهات". أي أنه يجعل التدين الشكلي سبب الفساد. ولكن سؤال آخر يطرح نفسه هنا، أيهما السبب وأيهما النتيجة، التدين الشكلي نتيجة الفساد أم سببه؟ والفساد سبب التدين الشكلي أم نتيجته؟ أعتقد أيضًا أن م. ص. قد خالف المنظور الكوني المسيحي هنا بقوله أن التدين الشكلي المظهري علة الفساد. ذلك لأن المسيحي الكتابي يرى أن الفساد الموروث هو منبع الخطية. بكلمات أخرى، فإن التدين الشكلي خطية. نوع من النفاق، أو الكذب، أو الخداع. وخطية التدين الشكلي تلك تصدر عن الإنسان، أيًا كانت ثقافته، من طبيعته الفاسدة. الفساد، إذًا، علة التدين الشكلي. وكل من التدين الشكلي وعدم الابتكار إفرازات خارجية للفساد الداخلي. 

بقي أن أسأل سؤال، ما قيمة هذا المقال، طالما أنه لم يقدم الحق المسيحي؟ هل هذا المقال هدفه الإصلاح الاجتماعي أو الفكري أو الثقافي؟ لو كان هذا هو الغرض من هذا المقال، فهذا اعتقاد خاطئ تمامًا. لأنه لا إصلاح بعيدا عن رسالة الإنجيل. الأمل الوحيد الذي بقي للإنسانية هو رسالة الإنجيل. 

المقال الأصلي للدكتور ماهر موجود في هذا الرابط:

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس